وقفة مع كتاب “مدخل عالم في الانثروبولوجيا”

كتب بواسطة سلمى فرود

مدخل عالم في الانثروبولوجيا كتاب الأستاذ الباحث مصطفى تيلوين، الناشر دار الفارابي بيروت ومنشورات الاختلاف الجزائر، الطبعة الأولى 2011، تبلغ صفحاته111 صفحة.

افتتح الباحث مقدمة كتابه بالتأكيد على أن الأنثروبولوجيا تعد علما من العلوم الإنسانية التي لاقت رواجا كبيرا وشهرة واسعة خصوصا في الدولة الأنجلوسكسونية وبشكل متميز في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبار هذه الأخيرة خليطا ومزيجا من الثقافات والإثنيات. فأغلب الإبداعات النظرية والعملية كانت في هذا البلد، واتسمت الأبحاث الأنثروبولوجية في مجملها بالنزعة الثقافية، وأطلق على علماء الأنثروبولوجيا الأميركيين اسم أصحاب المرجعية أو التيار الثقافي من دون أن ننسى –يضيف الباحث- فرنسا التي دخلت خريطة البحث الأنثروبولوجي من خلال مجموعة من  الأسماء العالمية أمثال: “كلود ليفي ستراوس” “جورج دوميزيل” و “مارسيل موس”.

-ماهية الأنثروبولوجيا:

إن المعنى الفلسفي العام للأنثروبولوجيا هو علم وصفي للإنسان. أما اصطلاحا فالأنثروبولوجيا علم من العلوم الإنسانية يهتم بدراسة الإنسان من حيث قيمه (قيم جمالية، قيم دينية، أخلاقية، اقتصادية، وثقافية، واجتماعية) ومكتسباته الثقافية.

والموضوع الرئيسي للأنثروبولوجيا يتمثل في تحديد القوانين العامة لحياة الإنسان في المجتمع سواء عند الشعوب البدائية أو الشعوب الحديثة والمعاصرة، وتختلف موضوعات الأنثروبولوجيا باختلاف المدارس والاتجاهات، التي تنوعت واختلفت باختلاف المدارس والتيارات التي تمثلها ويمكن حصرها في ما يلي:

ومن بين هذه الأبحاث والدراسات التي أصبح علم النفس الاجتماعي يبحث فيها في الوقت الحالي هي صيرورة الملكات الذهنية وعلاقاتها بوضعيات ووقائع التبادل الاجتماعي بين الأفراد كتأثير المؤسسات الاجتماعية والثقافية على تنمية وتحسين القدرات الذهنية للأفراد، وتحفيز إبداعاتهم في شتى المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية.

– الأنثروبولوجيا التطبيقية: وموضوعاتها تطبيق النظريات الأنثروبولوجيا، ومن ثم تطبيق نتائج هذه النظريات من خلال ما يسمى بالبحث الأنثروبولوجي للتحكم في المجتمعات وإدارتها بشكل نموذجي سواء سياسيا أو ثقافيا أو عسكريا.

-الأنثروبولوجيا الثقافية: وتهتم بثقافة المجتمعات (القيم الثقافية) كالعادات والتقاليد مثل الأساطير، الخرافات، الطقوس الدينية ونظام تقسيم الطبقات على أساس أصول العائلات، وتهتم كذلك بالإيديولوجيات التي تتحكم بالمجتمعات.

الأنثروبولوجيا المعرفية: تهتم بالملكات العقلية كالفكر وما يمثله من تمثلات ومن ثم علاقة هذه التمثلات بالفكر والواقع. بالإضافة إلى ذلك فهي تهتم بصيرورة اكتساب المعارف وكيفية تثبيتها في الذاكرة لكل تتحول إلى مفاهيم ورموز.

الأنثروبولوجيا البيولوجية: هذه الأنثروبولوجيا تهتم بأصل الإنسان كنوع ينتمي إلى جنس، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الأنثروبولوجيا تهتم بالطبيعة وإشكالية الحياة وأسبابها المتحكمة فيها من دون إهمال التنوع البيولوجي لدى الكائنات الحية ودور الوراثة في تغيير سلوك الإنسان ودور المحيط كذلك في إعطاء الشكل العام لحياة الإنسان.

أنثروبولوجيا الفن: تهتم هذه الأنثروبولوجيا أو هذا النوع من الأنثروبولوجيا بتحليل موضوعات أو صور متميزة تشبه ما يسمى بالأعمال الفنية في مجتمعاتنا. هذه الأعمال الفنية التي أنتجتها المجتمعات التقليدية، أي المجتمعات القديمة كتماثيل الحضارة اليونانية أو رسومات الحضارة المصرية. باختصار إن هذه الأنثروبولوجيا تهتم بموضوعات الفن سواء أكان بحثا أو رسما إلخ.

-علاقة الأنثروبولوجيا بعلم النفس:

يذكر الباحث أنه لكي تكون الأنثروبولوجيا صادقة وصحيحة في نتائجها فهي في حاجة إلزامية وضرورية للكثير من العلوم سواء أكانت طبيعية أو إنسانية، وعلى رأس هذه الأخيرة نجد علم النفس. هذا الأخير أي علم النفس يدرس الإنسان من خلال سلوكياته وتصرفاته وحالات وعيه، ويبحث في وضع قوانين لهذه الظواهر، وتفسير أصلها ومصدرها من أحل التغيير فيها.

إن البحث في استعمال المعطيات الأنثروبولوجيا في مجال التحليل النفسي قد بدأ مع فرويد بين عالم 1912-1913، إذ أكد أن الميول أثبتت أن الثقافة (ثقافة المجتمع) لها دور في تهذيب هذه الغرائز وضبطها، وقد أعطى مثالا على ذلك “الأب المتسلط” الذي قتله أبناؤه وأكلوا لحمه (طبعا هذا في المجتمعات البدائية)، وأصبح ذلك طبيعيا في هذه المجتمعات، وبالخصوص في المجتمعات الطوطمية، وفيما بعد أصبح أصلا لما يسمى الطابو.

ولقد وضع فرويد مقاربة توازي بيم الطفل العصابي والمتوحش، ووازى بين الأخلاق والمكبوتات وبين الطقوس والعصابية معنى: أن هذه المفاهيم تتوازى من حيث الشدة، مثال على الطقس: إن الفراعنة القدامى كانوا يقدمون أجمل الفتيات كقربان كل سنة للروح التي كانت تسكن نهر النيل في اعتقادهم الديني، حتى لا يفيض النهر غضبا ويتسبب في كارثة باعتبار أن هذا المجتمع كان يعتمد على الزراعة.

ويضيف فرويد “إن المجتمع هو كائن اجتماعي يجب أن ككائن فردي” معنى ذلك أنه بالرغم من أن المجتمع عبارة عن تجمعات بشرية إلا أنه في حقيقة الأمر هو مجموعة من الأفراد يتميزون ويختلفون فيما بينهم في الطباع، السلوك، طريقة التفكير وحتى في الأذواق، وهذا يعني أن الأنثروبولوجيا تهتم بدراسة ماضي وتاريخ وقيم التجمعات البشرية وربطها بالظواهر النفسية.

-علم النفس الاجتماعي وعلاقاته بالأنثروبولوجيا

 إن مصطلح علم النفس الاجتماعي وضع لأول مرة من قبل “تارد”، وهو عالم فرنسي مختص في علم النفس وعلم الاجتماع وكان ذلك عالم 1898 للإشارة إلى علم جديد يدرس ويفسر السلوكيات والعلاقات بين الأفراد الذي تعتبر أساسا للظواهر الاجتماعية، أما اليوم فهذا المجال قد تطور كثيرا وتوسع بشكل لا حدود له، بالخصوص عندما ارتبط بالأنثروبولوجيا. وتتجلى هذه العلاقة من خلال دراسة تلك العلاقات الواقعية والخيالية الموجودة بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات في مجتمع ما.

وقد وضع علم النفس الاجتماعي في علاقته بالأنثروبولوجيا مجموعة من المتغيرات الرياضية لتكميم هذه العلاقات (كالإحصاء) انطلاقا من المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد والقيم المفروضة عليه. وهي التي تؤثر على سلوكياته، ومن بين المتغيرات التي يريد الأفراد تحقيقها وبالخصوص في المجتمع الفرنسي على سبيل المثال هي: عمل مستقر، وصحة بيولوجية ونفسية إلخ.. بالإضافة إلى الأمن، الحرية، السلام، العدالة، والمساواة أمام القانون.

ونتيجة لتأثير الأنثروبولوجيا على علم النفس الاجتماعي، فإن علم النفس الاجتماعي اتجه أكثر فأكثر إلى الدراسة التجريبية والعملية في العصر الحالي، وذلك نتيجة تأثير المقاربات النظرية والمنهجية الأمريكية التي تؤمن بالحقائق التجريبية.

فلسفة

عن الكاتب

سلمى فرود