عندما تتجند النخب السياسية من أجل الامتيازات يصبح الشعب ضحية

كتب بواسطة سريعة سليم حديد

حوار مع الأديب كاوه الطالباني

بدأ الكتابة في سن الرابعة عشرة من عمره حول المقالات الفلسفية وأول مقال كتبه بعنوان “صرخات الهدوء” ثم توجه إلى كتابة المقالات السياسية, وراح ينشرها في الصحف العراقية المحلية والعالمية, إنه الأديب المفكر كاوه محمد أمين, المعروف بـ “كاوه الطالباني”. خريج كلية القانون., عضو في محكمة أحداث كركوك, وناشط في مجال حقوق الإنسان., وأقام العديد من الندوات في الجامعات العراقية والعربية, تدور موضوعاتها حول قضايا سياسية عدة. ثم توجه الى التأليف في سنة  2012 وأول كتاب طبعه في مصر من قبل دار النهضة العربية بعنوان: “الموازنة السياسية والتوجه نحو إبداع فكري وسياسي جديد”. وله مؤلفات كثيرة في هذا المجال, وتوجد كتبه في الجامعات العراقية وعدد من الجامعات في الوطن العربي. حاصل على شهادة البروفيسور من جامعة يونايتد كوليج البريطانية. فكان لنا معه الحوار التالي:

ــ كتابك صرخات الشعب ومافيا القيادات السياسية الذي طبع مؤخراً في الأردن من قبل دار غيداء للنشر والتوزيع, هو يكمل منهجك السياسي والأهداف التي تبتغيها من الخوض في معترك السياسة. حدثنا عن أهم آرائك السياسية التي جاءت مغايرة عما هو مألوف.

 ــ في كتابي صرخات الشعب تناولت موضوع التناقض بين الزمن السياسي وسياسة الزمن, كذلك تناولت الديمقراطية الحقيقية وسبل الوصول إليها بعيداً عن الديمقراطية المستوردة التي تتضمن معالم فكرية لم نكن من مؤسسيها.

 تناولت موضوع الديمقراطية وتعريفها بشكل مغاير للتعريف المألوف لها فالديمقراطية ليست منحة تعطى من قبل أية حكومة أو حزب سياسي, إنما هي عنوان للتوازن السياسي داخل ساحة سلطة  الشعب وسلطة الحكومة أو النظام السياسي, فإذا لم يتحقق التوازن السياسي فلا يمكن تجسيد فكرة الديمقراطية حتى ولو تمت إزالة السلطة الدكتاتورية. ففي كتابي هذا بينت مراحل الوصول إلى الديمقراطية وتدرجاتها وحددت العناوين السياسية الصحيحة للساحات السياسية التي تتغير فيها السلطة من خلال مصدر ذلك التغير, فهناك فرق كبير, عندما تتغير السلطة من قبل سلطة خارجية كما حصل في العراق, فإذا كان مصدر تغيرها انتفاضة شعبية أو انقلاب عسكري داخلي. فبداية المسيرة السياسية يحددها ذلك المصدر. فعندما يتم التحايل على الوقائع السياسية الحقيقية بشعارات ومعالم خيالية حينها تتسع دائرة الانقطاع بين الشعب والنظام السياسي وتتوسع دائرة الفساد السياسي والفكري وتتوجه الساحة السياسية نحو الفوضى, وحين تكون لغة الحوار الحزبي هي اللغة الوحيدة لمعالجة الأزمات, وتلك اللغة هي نفسها السبب الرئيسي للأزمة السياسية. فالعراق مثلا تغيرت فيه السلطة, ولم يتغير فيه النظام السياسي. فعندما يكون مصدر تغير السلطة سلطة خارجية, فسوف يكون التغير فقط في عنوان السلطة دون تغير النظام السياسي, حيث تتحول السلطة من سلطة دكتاتورية الحزب الواحد إلى سلطة دكتاتورية الأحزاب. فمرحلة دكتاتورية الأحزاب هي أخطر مرحلة سياسية, يمكن أن تمر بها أية ساحة سياسية فهي تمحي كل معالم الدولة, ويصبح الدستور لائحة حزبية لا سمو لها. ما وصلت إليه الساحة العراقية الآن هو شيء طبيعي. فهذا هو العنوان الحقيقي الذي التفت حوله  الأحزاب السياسية, وبين ليلة وضحاها عندما تغيرت السلطة في العراق تم عنونة الساحة بعناوين سياسية متنوعة لا يمكن الوصول لأية واحدة منها إلا من خلال اجتياز مراحل سياسية عديدة ومتكافئة, فلا يمكن الوصول إلى بداية الديمقراطية إلا عندما نصل إلى المرحلة الأولى من مراحل التوجه نحو الديمقراطية وهي مرحلة النخب السياسية.

ــ ماهي أهم النتائج التي توصلت إليها في كتابك صرخات الشعب ومافيا القيادات السياسية؟

ــ أهم النتائج التي توصلت إليها في كتابي هي أن مرحلة النخب السياسية هي بداية المسيرة الديمقراطية, حيث تستطيع النخب السياسية المشاركة في العملية السياسية وتحقيق الرأي العام وتجسيد التوازن السياسي داخل الساحة, حينها يصبح الشعب فعلياً من خلال تلك النخب مصدراً للسلطات ويتحقق من خلاله المنافسة الحزبية المشروعة من أجل خدمة الشعب, حيث أن تطور الأحزاب السياسية وقناة وصوله للسلطة هو برنامجه الحقيقي لخدمة الشعب, بذلك القدر يستطيع تجسيد مفاهيمه ويفتح أمامه الطرق للوصول إلى السلطة, كما أن النخب السياسية  والتضحية من أجل الشعب تسهل مهمة الوصول إلى تلك المرحلة, ولكن عندما تتجند النخب السياسية حزبياً, وتصبح مفاهيمها سلعة للبيع من أجل الحصول على الامتيازات, فسوف تسد بؤرة الأمل الوحيد للتحول السياسي, ويصبح الشعب ضحية لا يتم سماع حتى صرخاته.

ــ ما هي الفوائد التي يمكن للقارئ المهتم أن يستنبطها من الكتاب؟

 ــ يمكن أن يتفهم وبكتشف الفرق بين الواقع السياسي الخيالي والواقع الحقيقي الذي يعيش فيه, كما يمكن أن يكتشف حقوقه المشروعة والمغبونة تحت ستار الديمقراطية والمصلحة العامة, كما يمكن أن يفرق بين الدستور الحقيقي والحامي الرئيسي للحقوق والديمقراطية التي لا يمكن الوصول إليها إلا إذا أحس كل فرد في الدولة بأنه يمثل فعلاً القرارات السياسية التي تتخذ من قبل النظام السياسي, ويصل القارئ إلى العنوان الحقيقي لساحتها السياسية وموقعه الحقيقي داخل الساحة, وتكون واضحة أمامه السبل السياسية للوصول إلى مرتبة حق المشاركة الفعلية في العملية السياسية, كما يصل إلى قناعة بأن التضحية هي أساس التغير والعمل جاهداً ولو لسنين وعقود من الزمن من أجل مصلحة الجيل القادم. فما وصلت إليه الدول المتقدمة التي قطعت أشواطاً من التجربة الديمقراطية, وضحى فيها الشعب والنخب سنيين عديدة دون يأس, كان سبباً للوصول إلى تلك المرتبة المتقدمة. كما يتعلم القارئ أن للديمقراطية تدرجات تحتاج إلى الوعي السياسي البارز للشعب والأحزاب السياسية التي يتم اجتياز تدرج زمني الى تدرج أقدم في تلك المسيرة.

ــ هل يمكن برأيك العثور على حلول للأزمات السياسية التي تمر بها دولنا العربية وكيف يكون ذلك؟

ــ إن  الاعتراف بأساس الأزمة السياسية في تلك الدول  من قبل الأنظمة السياسية فيها, هي أساس البداية الصحيحة للتعامل مع تلك الأزمات وإيجاد الحلول لها ولكن التستر عليها وعدم الاعتراف أصلا بوجود أزمة سياسية مع فقدان تواجد نخب سياسية مضحية من أجل الشعب, وشعب يضحي من أجل تجسيد عنوان جديد للساحة هي الحلقة المغلقة التي تدور حولها كل الساحات السياسية. فتحزيب الشعب والحكومة والبرلمان أدى الى تأسيس دولة الأحزاب. فالانفراج السياسي هو الوصول الى المرحلة الأولى من مراحل الديمقراطية, وهي مرحلة النخب السياسية وإعطائها المجال للمشاركة في السلطة.

ــ ما الفرق بين الأزمات السياسية التي تعيشها الدول الأجنبية والأزمات السياسية التي تعاني منها الدول العربية؟

ــ إن الفرق هو فرق في الزمن السياسي نفسه فالدول الأجنبية اجتازت المسير الحقيقي للمسار السياسي, وعاشت الأزمات حسب حقبتها الزمنية وعالجتها بمدارسها الفكرية والسياسية, وتدرجت فيها الشعوب في وعيها السياسي حسب تلك المراحل الزمنية, حتى وصولوا إلى مرتبة التوازن السياسي, وحينها فرض على الأحزاب السياسية أن تكون المنافسة الحزبية بينهم في خدمة حقوق الشعب. فرتبة الشعب وقوته داخل الساحة أصبح الموجه الرئيسي للبرنامج الحكومي, ولهذا فأي أزمة فيها هي أزمة آنية يتم معالجتها حالاً, أما الأزمات السياسية داخل الدول العربية, فهي أزمة البرنامج الحكومي نفسه, فحين يتم تنظيم الخطط الحكومية من خلال رؤية حزبية وحكومية صرفة دون التعامل مع مشكلة الشعب, فلا يمثل الشعب أي جزء من العملية السياسية, ولهذا ما يتم تطبيقه في تلك الدول بعيد عن متطلبات الشعب .

ــ إلامَ تعود أسباب الأزمات السياسية في الدول العربية؟ هل تعود إلى الحكومات بالدرجة الأولى, أم تعود على كيفية تعامل تلك الشعوب مع تلك الحكومات؟

ــ إن سبب الأزمة هي سبب مشترك ما بين الحكومات والشعوب ولكن بالدرجة الأولى تقع على الحكومة  نفسها لأنها صاحبة السلطة المطلقة في تلك الدول, فعدم مجاراتها التطورات السياسية من حولها وضيق أفق رؤيتها السياسية, جعلها تسد أي ثغرة يمكن من خلالها تغير الواقع السياسي, ولا تعلم أن ذلك التغير هو المفتاح تقدمه للوصول إلى معالم دولة متقدمة وشعب سليم.

سياسة مختارات السياسة

عن الكاتب

سريعة سليم حديد