مسلسل الخربة: عناصر الجذب والقوة

كتب بواسطة سمير أحمد الشريف

نظرا لأهمية الدراما ودورها و تأثيرها القوي والملموس على المجتمع الذي بات افراده  جميعا على اختلاف أعمارهم وتوجهاتهم ومستواهم الفكري والتعليمي  ، عرضة لهذا الغزو الذي لا يستأذن أحدا ، ويقتحم عليه  خلوته  ويشاركه في وقته ، من خلال ما يُعرض على الشاشة الفضية الصغيرة صباح مساء ، بل واصبحت بعض المواد الدرامية تبث ثلاث مرات في اليوم والليلة ، حتى بات المر لخطورته واهميته ميدان نقاشات وندوات  ودراسات نفسية واجتماعية لما لهذا البث المتواصل من تأثير كبير على الجميع ، خاصة عقول الناشئة التي  لم تتشكل بعد ، وضرورة النهوض بخطوات عملية للتصدي لهذا المرض الذي يغزو عقول ناشئتنا ، والعمل على إيجاد آليات لتوعية المستقبلين لهذا الكم من البث الدرامي ، خاصة منها ما يأتينا من بلدان لها ثقافتها ورؤيتها السياسية والاجتماعية  التي تخالف  عاداتنا وقيمنا وما نشانا عليه ، وتحويل  هذا الفيض الدرامي لحالة توعية وارتقاء بعد التخلص من سلبياتها التي تشكل خطرا علينا ، وجعلها تساهم في تقديم وعي حقيقي لدى المتلقين ومساعدتهم في التعمق في مشاكل للعمل على تجاوز العثرات والأخطاء دون ان يكون الهدف كشف عورات المجتمع بهدف زرع الإحباط واليأس في عقول الشباب وتحفيزهم  للثورة السلبية على المجتمع والارتماء في أوكار  المغيبات على اختلاف أنواعها تحت شعار الهروب من الواقع .

نحتاج في زمننا الحاضر لدراما  تعيننا على قراءة الواقع بروية وعمق وتأمل مسؤول  ، بالوقوف على تفاصيل صغيرة في جنبات المجتمع  وأعماق بناه الاجتماعية  وحركاته ، ومن زوايا متباينة ،والكشف عما يعانيه  أفراده وأسره وتجمعاته مواكبة لتطوراتهم السياسية والاجتماعية والفكرية  وتوظيف الدراما  في خدمة قضايا الوطن والمواطن  الوطنية والمجتمعية والإنسانية وتنمية المجتمع بتقنية عالية ومهارة فنية  متخصصة  وكتابة مسؤولة بعيدة عن  المكاسب المادية الربحية فقط ليظل الفن رسالة حضارية في المقام الأول يحترم المجتمع وخصوصياته  ومفردات البيئة التي يحيا فيها  .

مسلسل ” الخربة ” مسلسل اجتماعي كوميدي وعمل فني ، تعيش الناس فيه حياة البساطة  معتمدين الوسائل البدائية ، بعيداً عن وسائل التكنولوجيا وتعقيدات المدينة. مواقف كوميدية / بيئة بسيطة فقيرة، تميز بمواقفه الكوميدية ومقالبه الفكاهية المتوازنة البعيدة عن الهبوط والإسفاف ، يضئ  فكرة الصراع بين أجيال ثلاثة : قديم لم يغادر فطرته ، ووسط يتأرجح بين المبدئية والانتهازية ، والجيل معاصر الذي كسر القيود.

عمل درامي جميل، مميز، خفيف، لاقى القبول والمحبة من قطاعات متباينة من المشاهدين ممن وصلتهم رسالته وشاهدوه وتفاعلوا معه عقلا وعاطفة، وتقبلوا شخصياته التي أتقنت أدوارها بحرفية، بفضل تعاون بنّاء بين كاتب محترف ومخرج  خبير، ولما تميزت به اللهجة المحلية في العمل بمذاقها الخاص الذي تمازجت فيه مع  البيئة الريفية بلباسها وأجواءها وعلاقات الناس فيها ، والأهم من ذلك ، روح الفريق الذي تعامل به الجميع    بمهنية مسؤولة من ممثلين وفنيين.

قطاعات واسعة، ومن مختلف المستويات الفكرية والتعليمية ، تابعت مسلسل (الخربة)، حتى رأينا مطالبات بإعادة بثه من جديد، ترى هل سجل العمل نجاحا وقبولا لدى المشاهدين، ولماذا نجح والفضائيات في رمضان ترهقنا  بكم وافر من الأعمال الدرامية التي تتزاحم على ذائقة المتابعين وتحاصر أوقاتهم؟

لن نجادل أن النص القوي والجيد هو محور وأساس النجاح، فإذا ما أضيف للنص ممثل جيد ومخرج فنان مبدع، أضاف ذلك لمجمل العمل ركائز تحمله لقمم النجاح والرضى من المشاهد.

كاتب النص (الدكتور ممدوح حمادة متمرس بالكتابة الدرامية وليس جديدا على هذا العالم، لذلك جاء نصه مدهشا وكتابته متأنقة بوعيها وحساسيتها الفنية وإخلاصها لما يدور في عالمنا من إشكاليات معاصرة يومية.

وظف الكاتب في عمله الكوميديا الاجتماعية الناقدة الساخرة التي تميزت عما اعتاده المتلقي من ملل الوقوع في نمطية الحارة السورية التي أشبعت كتابة وتمثيلا لدرجة الاجترار، بمواكبة ما يهم الناس آنيا ويوميا مما يقع في حواضر العالم العربي من حراكات سياسية باتت تدق أبواب الجميع. 

خرج المسلسل أيضا بالمشاهد من حواري دمشق وأماكنها المعروفة لكثرة ما تم عرضها إلى فضاء الريف والضيعة السورية حيث اللهجة جديدة مختلفة ولها مذاقها وحميميتها وعادات وتقاليد كاد أن يطمسها النسيان.

لعل مما يحسب للمسلسل ابتعاده عن الترميز والإسقاط بالاتكاء على التاريخ وخوضه في معمعة الحدث السياسي الساخن  مباشرة –  حراك الربيع العربي- واعتماده على بنية فكاهية أساسا نهض  بها مجموعة الممثلين الذي تآلفوا جميعا لإنجاح العمل لدرجة شكلت فيه البطولة الجماعية ملمحا لافتا، وإن ظلت الشخصيتان الرئيسيتان/الثنائي المتناكف(أبو نمر وأبونايف)محورا رئيسا للفعل الفكاهي.

أحب المتلقي واندمج مع حلقات وأشخاص المسلسل لأنه وجده قريبا من نبضه، معبرا عن أشجانه وهمومه وآماله، يحكي قصص الطيبين الذين رسمتهم ريشة الكاتب في القرى المنسية من أريافنا بدقة وموضوعية تعكس واقعهم/ واقعنا الاجتماعي.

 وجدنا في المسلسل مراوحة لشخصية (دريد لحام) في مسرحية غربة/ واشتباكا مع شخصية أبو الفضل هناك، كما وقفت بنا حلقات المسلسل على شخصية هزلية فكاهية لم نتعودها ولم نكتشف أبعادها من قبل في أدوار الممثل (رشيد عساف)، الأمر الذي يجعلنا نطالب الرجل من تكثيف أدواره في هذا المضمار الذي نجح فيه باقتدار.

من يتابع الاشتغال على الحبكة في حلقات المسلسل، تظهر له بجلاء تقنية الاتكاء على المقالب الذي اعتمدها (دريد لحام) في أعمال سابقة، وهذا لا ينقص من قيمة العمل وجهد المشتغلين به.

هذا الإضاءة الفنية من نص محبوك ومنسوج بجهد واع، وإخلاص الممثلين لأدوارهم، وحساسية المخرج الذي وظف قدراته الفنية الخراجية ليجعل من هذا العمل محطة فنية اجتمعت قطاعات المشاهدين على متابعتها والاندماج.

سينما وأفلام قراءات

عن الكاتب

سمير أحمد الشريف