“آدم الأول” رواية التساؤلات الكبرى

كتب بواسطة سماح ممدوح حسن

صدرت حديثاً رواية “آدم الأول، لمحمد الباز، عن دار ملهمون” من ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته ال54 لعام 2023.

 في الغالب وُلد الإنسان بالحيرة والشكوك أو توارثناها من “آدم” الذى حار قديما فيما إن كان أفضل أو أسوء من إبليس، أو إن كان خَلقه وطرده من الجنة اختيار أو أجبار، أو إن كان سيسعد أكثر لو عصي كما فعل ابليس، كما سيرد في الرواية تاليا، ولذا لا يقنع الإنسان بالإجابات السهلة البسيطة لأياً من شؤون أو قضاياه الحياتية خاصة ما يجهله منها. ومن أهم هذه القضايا التي نعيش ونموت دون أن نحسمها بشكل قاطع، مصيرنا بعد الموت، الجنة والنار، القصص الواردة في الكتب المقدسة، ومدى صحة تفسيراتها في كتب التراث الديني في كل الأديان والتي باتت مقدسة أكثر من المقدس نفسه، وهى النقطة التي ركزت عليها الرواية بشكل أكبر.

دارت رواية “آدم الأول” في فلك كل تلك الشكوك التي انتابت البشرية أجمع في لحظات التفكير العميق فيما وراء العادي المجرد مما نسمع. تتحدث الرواية عن مقابلة الصحفي “يوسف المعداوي” لأبو البشر “آدم” شخصيا، في ليلة رأس السنة بداية الألفية لجديدة. وغم أن يوسف في البداية ظن أن “آدم” واحدا من كثيرين ممن نال الزمن والحوادث من سلامتهم العقلية ممن يقابلهم كل يوم، إلا أنه ظل يجاري آدم في نقاشاته. فيوسف كان بحاجة لمن يسمعه في ليلته التي قضاها وحيدا، وكذلك آدم.

 وكما يحكي لنا “آدم” فإنه ينزل كل عام إلى الأرض، يُبعث لمدة أربعة وعشرون ساعة، يتفقد فيها أحوال أبناءه، البشر من أهل الأرض في نفس التوقيت من كل عام، وفى تلك الليلة قابل يوسف. تحدثا عن كل ما يشغل كلا منهما وعلى رأس تلك الموضوعات الشاغلة كان السؤال الأكبر للبشر، هل تخلى الله عن آدم وبنيه؟

تمتلأ تلك الرواية بتساؤلات كبرى جالات في كل عقل يفكر، بغض النظر عن ديانته التي يعتنقها. في الحوارات بين “آدم، ويوسف” يكشف آدم ليوسف أنه من كثرة ما فكر في ماهية الحياة وكيف يعيشها وكيف يطوّعها كما يريد، لم يستطع عيشها. وهنا يكشف آدم أن ذلك بالضبط ما يفعله ابناءه منذ الخليقة، فهم يحاولون تفسير الحياة وما فيها حتى نسوا أن يعيشوها.

حوار العقل والذات، فى الرد على ماتورثناه من أفكار.

 كقارئة، آدم ويوسف، بالنسبة لي هما الشخص نفسه. فكثيرة هي المرات التي انغمست وغيري في محاولة اجابة سؤال: من أين جاءت كتب التراث بكل التفسيرات المستفيضة والقصص المفصلة عما ورد في الكتب المقدسة على شكل بيانات أو حتى عناوين، وباتت تلك التفسيرات مقدسة كقدسية المصدر الأول نفسه؟. يأتي “آدم” ينتقد ويسخر من كل ذاك التسليم بصحة تلك المرويات التي لا سند لها. ومنها على سبيل المثال، وبحسب ما ورد في الرواية من حكاية غواية آدم وحواء ونزولهما إلى الأرض، هل الجنة كانت على الأرض أم في السماء؟ هل هي بالفعل كانت الجنة؟ فالمصادر مثلا أكدتها لكن آدم نفسه في الرواية لم يكن واثقا، فكل ما عاش فيه قبل النزول للأرض حديقة متسعة سُمح له بأكل ما يشاء منها، دون رؤية ما ورائها.

أيضا حكاية تفاوض ملك الموت مع الأرض عندما أرسله الله ليأخذ منها “ديم الأرض” ما يصنع به الإنسان، فبعدما آبت أن تعطي المرسلين السابقين واستعاذت بهم من الله، استعاذ هو، أي عزرائيل، أن يرجع دون تنفيذ الأمر، وهى الرواية التي نقدها آدم بأن كل شيء بأمر الله، ليس للأرض أن تستعيذ وتعصي الأمر الالهي، وليس للملائكة المجبولون على الطاعة أن يتصرفوا بحسب هواهم. واستغرب آدم كيف لبنيه أن يصدقوا مثل تلك السرديات الغبية!.

نقد آدم كل خرافات، كما أسمها، كتب التراث. ومنها منح أدم ستون عاما من عمره للنبي صالح كما ورد في تلك الكتب، وهو الأمر السخيف جدا، فببساطة إذا ما كتب الله على إنسان الموت مات دون تفاوض، وأيضا آدم لا يملك ذلك العُمر لكي يهبه.

تسلط الرواية الضوء على مسائل مهمة. منها أن أغلب مشكلات البشرية آتية من محاولاتهم تفسير ما يجهلونه بطريقتهم الخاصة بل وفرضه بالقوة على الآخرين. فبدلا من عيش الحياة ببساطة وترك المسائل الغيبية لخالقها، ينحّون كل حياتهم جانبا ويتفرغون لتفسير ما استأثر الله بعلمه، فخاضوا الحروب ليدخلوا هؤلاء الجنة ويبعدوا أولئك عن النار وهم ليس من خلق الجنة ولا النار ولا فُوّضوي بتوزيع الخلائق فيها.

تتشابه حياة “آدم ويوسف” في علاقتهما بالمرأة. فيوسف خسر سعاد عبد الحكيم التي أحبها دون أن يدري أنه أحبها، فقد ظنها موجودة في حياته لضروريات جسدية لها وله، وكأنما فرضتهم الظروف والحياة على بعضهم. كذلك رأى آدم أن علاقته بحواء لم تكن إلا من قبيل الأنس، نام واستيقظ فوجدها بجواره، ولما طُردا من الجنة إلى الأرض كانت ضرورية لعملية الإعمار.

أيضا تماثل “آدم ويوسف” في أسطورة أن الرجال منذ الخلق الأول “آدم” وحتى يرث الله الأرض ومن عليها لن يفهموا أبدا النساء. تلك الفكرة التي قابلها آدم في الرواية بسخرية وضحك حتى كاد يستلقى على قفاه، وفسّر استحالة فهم الرجل للمرأة بأن لا شيء هناك ليفهمه “لا شيء على الإطلاق”.

ذكرت في الرواية شخصيات حقيقية، وكتب للتراث بعينها. كروايات منسوبة لابن عباس. أيضا ذكر ما جاء في بداية الألفية والحفلة العالمية التي اتهم البعض فيها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني بأنه يقيم حفلة ل”الماسونية”.

 كُتبت الرواية بأسلوب الاسترجاع، ورواية داخل رواية. تعثر البطلة “سعاد” على رواية كتبها يوسف وأنتحر، يحكي فيها ما سنقرأ وكل ما حدث في ليلة واحدة. يوسف يقابل أدم مرتين صدفة. بعد المرة الأولى يمر بقصتين أغرب من بعضهما ويكتبهما في صحيفته. قصة من أدعى بأنه المهدي المنتظر، مهدي ضمن مهدين كثر، وتكلفت الحياة بإعادته عن خرافاته. وقصة قائد طيران الجيش الياباني وفكرته عن تناسخ الأرواح، وما ردعه هو الاخر عن جنونه إلا 10 جنيهات يأكل بها.

بقية الرواية تدور في ليلة واحدة، ليلة رأس السنة وفيها قابل يوسف أبيه وأبو البشر “آدم” للمرة الثانية التي ظنها يوسف في البداية صدفة وأكد له أدم أن كل ما يحدث مكتوب مسبقا. وبقية الرواية ما هي إلا حوار بين أثنين. مباراة كلامية، أسئلة من كليهما وأجوبة لكليهما.

تتخم الرواية بالأفكار أكثر مما يستوعبها مقال، فهل نحن مسيّرون في كل أفعالنا، مكتوبة مسبقا ونحن كبشر نسير وفق خطة؟ وإن كان الأمر كذلك لما نُحاسب أو نُعاقب؟ أم أننا مخيّرون فنمتلك أمرنا ونعاقب بما تكسبه أيدينا؟ ما الصحيح وما المزيف فيما امتلأت به الكتب التي يعود إليها البشر للإجابة عن اسئلتهم، ومما استمدت تلك الكتب ما ورد فيها حتى باتت مقدسة أكثر من المقدس ذاته والخروج عليها كفر؟ لن يكف القارئ عن طرح أو اعادة طرح الاسئلة التي طالما حيّرته، حتى يصل لنهاية الرواية التي لن تجيب هي الأخرى عن كل هذه الأسئلة، لكن ربما يكون جوابا على كل التساؤلات هو لما لا نعيش ببساطة وندع ما لا نملك لمن يملك؟

أدب

عن الكاتب

سماح ممدوح حسن