عبد القادر عبداللي

عبد القادر عبد الليعرّاب الترجمة التركية إلى العربية

عبد القادر عبد اللي.. كاتب ومترجم سوري، نافذة  من النوافذ التي أطلَّ بها القارئ العربي على الأدب التركي، من خلال ترجماته لمختارات من الأدب التركي لكبار كتّابه. يعد عبد اللي بمثابة شيخ مترجمي الأدب التركي إلى لغة الضاد، فقد أغنى المكتبات العربية بنحو ثمانين كتابا، لأعمدة الأدباء الأتراك الحديثين والمعاصرين، كالحائز على جائزة نوبل للآداب 2003 أورهان باموق الذي اعتبره مترجما حصريا لمؤلفاته إلى العربية، وعزيز نيسين وناظم حكمت، ويشار كمال وإليف شفق وغيرهم.

والراحل من مواليد إدلب، درس في جامعة “المعمار سنان” في مدينة إسطنبول، وتعلمه في تركيا أتاح له معرفة باللغة والأدب التركيين، مما جعله أحد أهم المترجمين العرب من هذه اللغة إلى لغة الضاد. وتنوّعت اهتماماته فيها بين القصة القصيرة والرواية والمؤّلفات التاريخية والسياسية والسينما والدراما.  ولم يكتفِ عبد اللي بترجمة الكتب فحسب، فلديه كتاب في النقد التشكيلي الساخر بعنوان “فرشاة” وكتاب عن الأمثال المشتركة بين التركية والعربية، حاول من خلاله مدّ مزيد من الجسور بين الشعبين العربي والتركي، بالإضافة للعديد من المقالات السياسية والتحليلات نشرت في العديد من المواقع العربية.

ومن أبرز الكتب التي ترجمها عبد اللي للمكتبة العربية للكاتب التركي أورهان باموق: “أسمي أحمر” و”غرابة في عقلي” و”إسطنبول الذكريات والمدينة” و”البيت الصامت”.  والأعمال الكاملة للكاتب أورهان ، وكتاب “سلطان حكم العالم: القانوني، رحلة شيقة في تاريخ الدولة العثمانية” للكاتب طلحة أوغولو.

ترجم مختارات من القصة القصيرة التركية مطلع الثمانينات، ونشرها في “جريدة إدلب الخضراء” عام 1985، وحين انتبه إلى اهتمام القرّاء وإقبالهم على ترجماته، قام بنقل رواية “زوبك” لـ عزيز نيسين، وقد صدرت الطبعة العربية الأولى في 15 ألف نسخة.

عملٌ دؤوب وصامت، هكذا وزّع عبد اللي وقته بين التدريس والكتاية الصحافية والترجمة، متفرّغاً في مرحلة أولى إلى ترجمة أعمال نيسين، ثم توالت الترجمات لكتّاب آخرين؛ من بينهم: يشار كمال، وايلبر أوطايلي، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، وأورهان باموق، وخلدون تتر.

اتجه بعد ذلك إلى تقديم الواقع السياسي والاجتماعي التركي عبر الأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجم أكثر من عشرين عملاً درامياً، وعشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية، وإلى جانب ذلك عمل في “مركز الدراسات الاستراتيجية” في دمشق لسنوات، قدّم خلالها أبحاثاً عن الشأن التركي وآلية القرار، لم يُؤخذ بها من قبل نظام الأسد رغم أن الأخير كان يتمتّع وقتها بعلاقة جيدة مع أنقرة، إذ طُلب من عبد اللي في عام 2005 أن يُقدّم مسودّة دستور على غرار الدستور التركي، لكن مشروعه بقي حبيس الأدراج.

لذا لم يكن غريبًا أن يقترن اسم عبد القادر عبداللي بأسماء كتاب أتراك كثر من بينهم أورهان باموك، الذي عمل على ترجمة أعماله الروائية منذ تسعينيات القرن الماضي مع دار “المدى”، أي قبل فترة طويلة من حصوله على جائزة “نوبل” للآداب، أو حتى أسماء ثانية مثل يشار كمال، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، لينتقل مع مطلع الألفية الجديدة للعمل على ترجمة الأعمال الدرامية التركية، وذلك ليقينه بأهمية نقل ثقافة دول الجوار للقارئ العربي.

وعن السبب الذي دفع بـ عبد اللي إلى الترجمة من اللغة التركية إلى العربية منذ سبعينيات القرن الماضي، على الرغم من كون اهتمام القارئ العربي ضعيفا بالأدب التركي أنذاك، قال في لقاء أجراه مع العربي الجديد: “بسبب دراستي في تركيا واطّلاعي على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي، شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا. أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي، فبدأت بالكاتب الساخر عزيز نيسين، الذي اقترن اسمي باسمه لفترة طويلة، منذ أن ترجمت له رواية “زوبك”.

ما بين التشكيل والترجمة …..كانت المعادلة أصعب ممّا تصوّره عبد القادر ،فكلما غرق في دهاليز التجمة …..ابتعد عن شغفه بالرسم.  مع ذلك.. فإن عبد القادر عبد اللّي إلى جانبِ ترجماته التي تعدَت ستين كتابا من العربيّة إلى التركيّة وبالعكس؛ قد ترك ثروة فنيّة تشكيلية لا تُضَاهَى، كان نسيج وَحدِهِ فيها، لم يتجرأ أحد من التشكيليين السوريين حتى على مقارَبَة مناخاتها السورياليّة.

لذا، يعود الفضل إلى عبد اللي أنه عرّف القارئ العربي على جانب مهم من هذه الثقافة التركية التي بقيت، رغم الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك المديد، مجهولة كلياً حتى فترة التسعينيات من القرن الماضي، وفتح الطريق واسعاً للترجمة منها، وتقديراً لجهده الكبير حاز تكريماً من جائزة الشيخ حمد للترجمة في الدوحة العام 2015.

وكانت مهمة عبد اللي صعبة جداً، نظراً إلى صعوبة اللغة التركية ذاتها، سواء على مستوى قاموسها أو بنائها، لكن إتقان عبد اللي لها جعله ينال اعترافاً وتقديراً من المتخصصين في هذا الميدان. حتى أن الكاتب التركي صاحب نوبل (2006)، أورهان باموك، تواصل مع دار “الشروق” المصرية، وطلب منها اعتماد عبد اللي حصرياً لترجمة أعماله إلى العربية. وما كان باموك ليتخذ هذا القرار لولا دراسة دقيقة لترجمات أعماله الكثيرة إلى العربية. كما تواصل مع عبد اللي واستقبله العام 2015، واحتفى به تقديراً لجهده في هذا المجال.

 ومن أصعب أعمال باموك التي نقلها عبد اللي إلى العربية، رواية “إسمي أحمر” الصادرة بالتركية العام 1998، وبالعربية العام 2000، وهذا زمن قياسي بالنسبة إلى رواية من الحجم الكبير، معقدة على مستوى العوالم وبناء الشخصيات والموضوع الذي يحتاج إلى إحاطة كافية بفنون الخط والنقش ، كون الرواية تدور في فترة من عمر الإمبراطورية العثمانية. وبالتالي فهي تتضمن قدراً كبيراً من المعلومات التاريخية والأدبية عن النقش والناقشين وفكرة الشعوب في ذلك الزمن، وجدلاً حول الموقف الإسلامي من التصوير والرسم، وصراعاً بين فن النقش الإسلامي المتمثل في المُنَمْنَمَات وبين أسلوب الغرب المتمثل في التشخيص والأسلوب،

ويشكل نجاح عبد اللي في ترجمة هذا العمل، عملية متعددة الأبعاد، تتجاوز نقل عمل من لغة إلى لغة، إلى نقل عالم الرواية المعقد واختيار عربية تناسب لغة العمل، وهذا يفسر الإقبال الشديد على عبد اللي من قبل مدبلجي المسلسلات التركية إلى العربية، والتي عرفت ازدهاراً كبيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

وعبد اللي ترجم بنجاح، من التركية إلى العربية مباشرة، وليس عبر لغة وسيطة، رغم أنه لم يدرس الترجمة، وهذا يدل على حبه للغة والثقافة التركيتين، وبالتالي فإن درجة الأمانة عالية، وهذه نقطة تسجل لصالحه، وفي فائدة الأعمال التي ترجمها، وأما المتابع لأعمال عبدالقادر المترجمة يلاحظ أنه ترجَم لأسماء تُمثّل جميع أطياف الأدب التركي؛ من أدبٍ ساخر، وواقعية اشتراكية وواقعية سحرية، وأدب بوليسي وسرد تاريخي وكذلك أعمال تاريخية غير أدبية.

وفي إشارة إلى دوره في الترجمة أن عبدالقادر قدّم توازنا ممتازا في استخدام استراتيجيات: التدجين والتغريب، وهو في كل الحالات يحترمُ ثقافة المصدر، وينقلها بطرق حكيمة وبأسلوب سلسل إلى اللغة العربية، فلا نجد تشويها للنص المصدر من خلال التدجين لاعتبارات أيديولوجية وسوقية.

أدب

عن الكاتب

محمد منصور الهدوي