قاعة الأختين (جوهرة قصر الحمراء بغرناطة)

ترجع المجموعة الباقية من قصور الحمراء بغرناطة إلى الغالب بالله محمد بن يوسف بن نصر (629-671هـ/ 1232-1273م) مؤسس الدولة النصرية في الأندلس والتي حكمت في الفترة من (626-897هـ/ 1232-1492م) وحتى سقوط غرناطة سنة 897هـ/1492م آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛  ثم توالت عمارة القصور على أيدي عدد من سلاطين بني نصر منهم السلطان أبو الحجاج يوسف الأول سابع سلاطين بني نصر (733-755هـ/ 1333-1354م)، والذي يُنسب إليه أهم أبواب قصر الحمراء، وهو باب الشريعة. ويتكون قصر الحمراء من عدة أقسام من أشهرها بهو الأسود أو السباع والذي يضم قاعة الأختين وبني سراج المتقابلتين، وقاعة الملوك، وقد أنشاه السلطان محمد الخامس المُلقب بالغني بالله بن يوسف الأول، والذي تولَّى الحكم مرتين (755-760هـ/1354-1359م)، والثانية (762-794هـ/1361-1392م)؛ ومن قصور الحمراء القصر الملكي المُسمَّى بقاعة السُفراء أو قاعة العرش.  

وقاعة الأختين أو كما يُسميها الإسبان Sala de las dos Hermanas  تقع شرق فناء البركة بقصر الحمراء بغرناطة، ويُتوصل إليها عبر رواق طويل مُظلم، وقد سُميت بهذا الاسم لأن أرضيتها تحتوي على قطعتين من الرخام فريدتين في ضخامة الحجم، وقد نُقِش على مدخلها بخط الكوفي شعار بنو الأحمر ملوك غرناطة “ولا غالب إلا الله” مُكررة.

قاعة الأختين، المستشرق أوين جونز، غرناطة، الأندلس، المصدر:

https://www.vam.ac.uk/articles/owen-jones-and-the-grammar-of-ornament#slideshow=7716019588&slide=0

Sala de las Dos Hermanas de la Alhambra
تكرار العقود؛ من جماليات قاعة الأختين، غرناطة، الأندلس.

وقد تناول الدكتور محمد عبد المنعم الجمل في كتاب “قصور الحمراء ديوان العمارة والنقوش العربية”، إصدار مكتبة الإسكندرية، 2004م، وصف قاعة الأختين والنقوش الشعرية الواردة عليها، وتفريغات هذه النقوش، فجاء فيه، أنَّ هذه القاعة مُربعة الشكل، وقد فُتح بها أربعة أبواب محورية، وقد زُين الجزء السُفلي من جدرانها بالزليج، وقُسِمت جدران القاعة إلى ثمانية أقسام، أي كل قسم على يمين ويسار فتحة الباب، وكل قسم من الأقسام الثمانية يتكون من إفريز مُستطيل نُقِش به بيت شعر، وعلى جانبي الإفريز المُستطيل جامة مُستديرة مُفصصة تضم نقش كتابي يُمثل بيت شعري؛ ويتكرر هذا النمط الزخرفي على الأقسام الأربعة للقاعة عن يمين ويسار كل باب بكل قسم، ليُصبِح عدد الأبيات أربعة وعشرون بيتاً من نظم الشاعر الوزير ابن زَمْرَك. وتصف هذه الأبيات القصر، وما يحويه من زخارف، ويستعرض ابن زَمْرَك بقريحته الشعرية حواراً بين الكواكب والنجوم وبين جماليات القصر وزخارفه البديعة.

وأمَّا الوصف المعماري لهذه القاعة، فتبدأ بتربيع سُفلي، فتح المعمار بها أربعة مداخل محورية axis entrances، تتُوجها عقود نصف دائرية Semi Circular Arches، ويعلو كل مدخل نافذة داخل صدر مُقرنص يُتوجها عقد مُدبب Pointed Arch، ترتكز على عمودين مُخلقين في الأركان، وينتهي التربيع السُفلي في الأركان بحنايا رُكنية مليئة بغابة المقرنصات  stalactitesذات الدلايات، والتي تُعد منطقة الانتقال Transition Zone، لتُحول المُربع إلى مُثمن، تعلوه رقبة القبة، وقد فتح المعمار بكل رُكن من أركانها نافذتين معقودتين بعقدين نصف دائري، مُغشى بالجص، وقوام زخارفه زخارف هندسية. أمّا خوذة القبة فهي مليئة بالمقرنصات ذات الدلّايات، تدل على عبقرية المِعمار المُسلم في الأندلس.

المقرنصات ذات الدلايات، قاعة الأختين، غرناطة، الأندلس،

ومن الناحية الزخرفية فقد بدأت القاعة بتكسيات من الزليج في الجزء السُفلي، وقوام الزخارف فيها الزخارف الهندسية Geometric Ornaments البديعة، في مشهد يتسم بالتكرار Repetition، دون ملل أو رتابة؛ ثم تبدأ فوق ذلك الزخارف الجصية، أشرطة من الزخارف الكتابية والتي سبق وصفها وسنعرضها بالتفصيل (من ديوان ابن زَمْرَك)؛ يعلو ذلك في كل رُكن من أركان القاعة، وعلى جانبي الباب جامات مُستديرة قوام زخارفها زخارف نباتية، تبرز منها نقاط جصية بارزة، ويُؤطرها أشرطة جصية عبارة عن زخارف كتابية مُتكررة داخل بُحور مُستطيلة قوام الزخارف الكتابية بها عبارة “ولا غالب إلا الله”.

شِعر ابن زَمْرَك منقوشاً على جدران القاعة:

ترجمة ابن زَمْرَك:

وردت ترجمته عند ابن الخطيب في الإحاطة؛ والمقري في نفح الطِيب، وابن حجر العسقلاني في الدُرر الكامنة؛ والزركلي في الأعلام. وجاء فيها أن اسمه “مُحمد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد الصريحي، ويُكنى أبا عبد الله، وأصله من شرق الأندلس، وسكن رَبَض البَيّازين بغرناطة، وهذا الفاضل صدر من صُدور طلبة الأندلس، وأفراد نُجبائها، مُختصٌ، مقبول، هشٌ، خَلوب، عذب الفُكاهة، حلو المجالسة، حَسِن التوقيع، خفيف الروح، عظيم الإنطباع، شَرِه المذاكرة، فَطِن بالمعاريض، حاضر الجواب، شُعلة من شُعل الذكاء، تكاد تَحْتَدم جوانبه، كثير الرقة، فكِه، غَزل، مع حياء وحشمة، جوادٌ بما في يده، مُشارك لإخوانه؛ نشأ عفاً، طاهراً، كَلِفا بالقراءة، عظيم الدؤوب، ثاقب الذهن، أصيل الحِفظ، ظاهر النبل، بعيد مدى الإدراك، جيد الفهم، فاشتهر فضله، وذاع أرَجُه، وفشا خبره، واضطلع بكثيرٍ من الأخبارِ….” وشعره مُترام إلى نمطِ الإجادة، خفاجي النزعة، كلِف بالمعاني البديعة، والألفاظ الصقيلة، غزير المادة.

وقد ذكر المقري في أزهار الرياض نقلاً عن ابن الأحمر حفيد الغني بالله، ما ذكره ابن زَمْرَك أنَّ النُقوش على قبابِ قصرِ الحمراءِ وجُدرانهِ وطيقانهِ هي من كتابات ابن زَمْرَك فيقول “وكل ما في منازله السعيدة من القصور والرياض والدشار والسبيكة من نظمٍ رائقٍ، ومدحٍ فائقٍ في القبابِ والطاقاتِ والطُرزِ وغير ذلك فهو لي (أي لابن زَمْرَك)”. وقد وصف ابن زَمْرَك في هذه القصائد آثار الغني بالله.   

من شِعر ابن زَمْرَك في ديوانه والمنقوش على جدران القاعة:

أنا الروض قد أصبحت بالحسن حالياتأمل جمالي تستفِد شرح حالِيا
أُباهِي من المولى الإمام مُحمدٍبأكرمِ من يأتي ومن كان ماضيا
ولله مبناي الجميل فإنهيفوق على حكم السعودِ المبانيا
فكم فيه للأبصارِ من مُتنزهٍتُجِد به نفس الحليم الأمانيا
تبيت له خمس الثريا معيذةويُصبح معتل النواسِم راقيا
به القبة الغرَّاءُ قل نظيرهاترى الحُسن فيها مُستكناً وباديا
تَمُدُّ لها الجوزاء كَفَّ مُصَافحٍويدنو لها بدر السماء مُناجيا
وتهوي النُجوم الزهر لو ثبتت بهاولم تكُ في أُفقِ السماءِ جواريا
ولو مثلتْ في ساحتيها وسابقَتْإلى خدمةٍ تُرضيه منها جواريا
ولا عَجبَ أن فاتت الشُهب في العُلىوأن جاوزت فيه المدى المُتناهيا
فبين يدي مولاي قامت لخدمةٍومن خدم الأعلى استفاد المعاليا
بها البهو قد حاز البهاء وقد غدابه القصر آفاق السماء مُباهيا
وكم حُلَّةٍ جلَّلته بِحُليهامن الوشيِ تُنسِي السابريَّ اليمانيا
وكم من قِسيٍّ في ذُراهُ تَرَفَّعتعلى عُمدٍ بالنور باتت حواليا
فتحسبُها الأفلاَكَ دارت قِسِيُّهاتُظِلُّ عمود الصبحِ إذ لاح باديا
سواري قد جاءتْ بِكُلِّ غريبةٍفطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمرُ المَجلُوُّ قد شفَّ نُورهُفيجلو من الظَّلماءِ ما كان جاديا
إذا ما أضاءت بالشُّعاعِ تخالُهاعلى عِظَمِ الأجرامِ منها لآلِيا
فلم نَرَ قصراً مِنهُ أعلى مظاهراًوأوضح آفاقاً وأفسح ناديا
ولم نر روضاً منه انعم نضرةًوأعطر أرجاءً وأحلى مجانيا
مُصارفة النقدين فيه بمثلهاأجاز بها قاضي الجمال التقاضيا
فإن ملأت كفَّ النسيم مع الضُحىدراهم نُورٍ ظل عنها مُكافيا
فيملأُ حِجْرَ الروض حول غُصُونهادنانير شمسٍ تترك الروض حاليا
وبيني وبين الفتح أشرفُ نِسبةٍوحسبك مِنها نِسبةٌ هِيَ ماهِيَا

        ويذكر الدكتور محمد الجمل أن لفظ “مبناي” في البيت الثالث في نُسخة الديوان جاءت في النقش بلفظ “مبناه”؛ ولفظ “المدى” في البيت العاشر في جاءت في النقش “المدا”؛ ولفظ “فيملأُ” في البيت الثالث والعشرون جاءت في النقش “فيملؤ”.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر والمراجع:

مختارات الثقافة والفكر مقالات مختارة

عن الكاتب

ربيع أحمد سيد أحمد