لم يكن معظم المسلمين يدركون أن هناك مشكلة تنتظر إخواناً لهم بعد الانفجار المتوقع ليوغوسلافيا القديمة حتى برزت على الساحة العالمية مشكلة البوسنة والهرسك وليست معرفة المسلمين بالجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى أفضل كثيراً من معرفتهم بالبوسنة والهرسك .
كما أن معرفتهم بمسلمي الصين وألبانيا تدور في المستوى نفسه, وهذا يجعلنا نواجه مشكلة ثقافية واجتماعية تجاه صلة أعضاء الجسد الإسلامي ببعضهم, ومن المؤسف أن المناهج الدراسية والبرامج الثقافية والإعلامية تركز كثيراً على بلدان أمريكا وأوروبا ويتجاهل عن عمد في الأغلب وغفلة في الأقل أعضاء العالم الإسلامي المختلفة, وبينما تتألق في الذهنية الإسلامية فترة الفتوحات الإسلامية لبلاد ما وراء النهر وشتى البلاد الإسلامية فإننا نصطدم بعد ذلك بقرون كثيرة لا نكاد نعلم عنها إلا أقل القليل وذلك باستثناء تلك الفقرات القليلة التي تظهر فيها قوة مثل – التتار – تدخل في صراع مع الشرق الإسلامي .
وكثيراً ما نعرف بعض أحوالهم إذا ما وصلوا إلى بلادنا محاربين او مسالمين, أما أحوالهم في داخل بلادهم فلا تكاد عصور التاريخ الإسلامي تحكي إلا قليلاً عن محاولات جادة ومتتابعة لوصل الجسور العقدية والفكرية والحضارية القائمة بيننا وبينهم .
وتعتبر كتب الرحالة العرب القليلة, وبعض كتب البلدان من أهم مصادر المعلومات عن هذه الأعضاء في الجسد الإسلامي, بيد أن العصر الحديث قد شهد حضارات قومية مزقت أواصر المسلمين, وجعلت جهلهم ببعضهم فلسفة قائمة يقف وراءها بعض الحاقدين من النصارى, وبعض التابعين لهم من دعاة القوميات المختلفة في المحيط الإسلامي وزاد الأمر سوءاً التواطؤ الإعلامي والثقافي العالمي المؤيد لتمزيق المسلمين, والأسوار الشيوعية والتنصيرية التي قامت شاهقة في القرن الأخير .
ومن هنا أصبح الحديث عن هذه البلاد تكتنفه صعوبات في الأسماء الجغرافية والمعالم التاريخية نتيجة قرون الجفوة والجهل والتمزق !!
كانت سنة 86 ه- (705م), وهي السنة التي نشطت فيها الفتوحات الإسلامية في المغرب والمشرق – كانت هذه السنة بداية نشاط مكثف للفتوحات الإسلامية في بلاد ما وراء النهر, وقد استعاد العرب فيها منطقة” طخارستان السفلى”, كما استولوا على” طالقان” و” بلخ” .
سقوط بخارى
وفيما بين سنتي,(90- 93ه), استطاع قتيبة بن مسلم أن يقتحم إقليم بخارى, فكان لسقوط بخارى أثر كبير في البلاد كلها, وسارع ملك سمرقند بالاتصال بقتيبة لوضع شروط للصلح, وتجديد المعاهدة القديمة التي كانت عقدت مع مسلم بن زياد,(1), وفيما بين سنتي,(91-97ه), امتد النفوذ الإسلامي إلى وادي جيحون وبلاد الصغد, واتجهت الحملات لإخضاع المقاطعات الواقعة على نهر سيحون, وإلى المناطق النائية في إقليم فرغانة وبيكند وخوارزم وكرمينية, بل أوغل قتيبة في غزواته حتى كاشغر مقترباً من حدود الصين, وقد أمر قتيبة ببناء المساجد في بخارى وسمرقند وغيرها في البلاد, وبدأ الإسلام يشق طريقه بثبات بين الناس وخلال بقية العصر الأموي حتى سقوط الدولة,(132ه), كانت جهود الأمويين منصرفة إلى تثبيت السيادة العربية والتمكين للنفوذ الإسلامي في الانتشار بالطرق السلمية ومن أهمها توظيف المسجد في المهام الدعوية والتعليمية وتوطين القبائل العربية في المدن الكبرى,(2) .
ومع ظهور العصر العباسي توطدت الأمور في هذه البلاد نتيجة ظهور النزعة العربية والانفتاح على الأعاجم والميل إلى الدعوة بالطرق السلمية, والتمكين للنظم الإدارية في البلاد, واستخدام العناصر التركية في الجيش, لدرجة أننا عندما وصلنا لعصر المعتصم كان الإسلام قد رسخت أقدامه, وبدأ الأتراك أنفسهم يتبنون حركة نشر الإسلام, وكان لدولتي,( الظاهريين والسلمانيين), التابعين للعباسيين يد طولى في ذلك,(3) .
ومن الدول ذات الارتباط التاريخي بالأقاليم الإسلامية في آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتية,(سابقاً), دولة,( القره خانيين الترك), التي حكمت لأكثر من قرنين مناطق فسيحة اشتملت على منطقة,(تيان شان), وهي تركستان, وقاعدتها” كاشغر”, والمنطقة المحيطة بها كما اشتملت بلادهم على شطر من الباد الواقعة بين الحوض الأدنى لنهر” إيلي”, الذي يصب في بحيرة” ولخشي” والمجرى الأدنى لنهر” شو”, وكانت عاصمة,( القرة خانيين” هي مدينة بلاساغون التي يصفها” ياقوت الحموي” بأنها بلدة عظيمة في ثغور الترك فيما وراء نهر سيحون تقع قريبة من نهر من مدينة كاشغر,(4) .
ومكان بلاساغون غير معروف بالتحديد,(5), لكنهما يمكن أن تعرف على وجه التقريب, وقد يستأنس في تحديد موقع بلاساغون بالصلة المعروفة بين” القره خانيين”, وبين مدينة” كاشغر”, التي تعتبر قاعدة أساسية لتركستان, كما أنه من الجدير بالذكر أن(كاشغر), كانت مقر حكمهم أنفسهم في بادئ الأمر وأن ( القره خانيين), نسبوا إلى شعب” اليغما” وهم الأتراك التفوز أو ” الإيغوريون” نسبة إلى صلتهم بمدينة” كاشغر” .
وربما كانت بداية القره خانيين كدولة نحو سنة,(331ه), وهي السنة التي استولوا فيها على مدينة”بلاساغون”, من الدولة السلمانية وبداية من أواخر القرن الرابع الهجري تمكن القرة خانيون من التوسع في بلاد ما وراء النهر, وهي بلاد كثيرة العمران شرقها” فرغانة وكاشغر”, وغربها” خوارزم” وشمالها” طاشقند” وجنوبها” بلخ”, وعلى الرغم من استيلاء القره خانيين على بلاد ما وراء النهر إلا أنهم لم يتخذوا سمرقند ولا بخارى عاصمة لملكهم, بل اتخذوا من مدينة” أوزكند” مقراً لهم ومن الواضح أنهم كانوا يعتبرون مدينة أوزكند المتاخمة لحدود بلادهم القديمة آمن وأقل خطراً من البلاد الواقعة في بلاد ما وراء النهر, بذلك أصبحت بلاد ما وراء النهر ولاية تابعة لهم,(6) .
وقد انقسمت دولة القره خانيين إلى ثلاثة أقسام تحكم كل قسم منها أسرة منهم, إحداها شعبة ما وراء النهر وكاشغر,(315-449ه), والثانية في الغرب,(406-609ه), والثالثة في الجهات الشرقية بتركستان,(449- 607ه), وسقطت الدولة كلها في سنة,(609ه), (7) .
وفي كتابه حول بلدان الخلافة الشرقية يتجلى العناء الذي يكابده” كي لسترنج” وهو يتتبع الأسماء الكثيرة القديمة التي تطلق على البلاد الإسلامية الواقعة في نطاق آسيا الوسطى وما كان يسمى بجمهوريات الاتحاد السوفييتي الإسلامية .
عوامل أخرى
فإذا أضفنا العوامل الأخرى مثل تذبذب الحدود, واندماج بعض الدويلات في نطاق الاتحاد السوفيتي بعد استيلائه عليها من نجران, وخضوع هذه البلاد لحملات كثيرة من التهجير والتذويب والترويس, مما جعل عدد مسلميها – بالتالي يتذبذب من عهد إلى عهد .
إذا أضفنا هذا فإننا ندرك الصعوبة التي عاناها “كي لسترنج” , والتي يعانيها أي باحث يتحدث عن تاريخ أسيا الوسطى وما يتصل بها من بلاد إسلامية وكنموذج للصعوبات التي عانها كي لسترنج نرصد بعض ما كتبه عن بعض هذه البلاد .
- إن كجرستان هي التي نسميها اليوم جورجيا”وأنجاز” يقال عنها” أبخارية” وهما لم تدخلا في عداد الولايات الإسلامية إلا بعد فتح تيمور هذه النواحي في ختام المائة الثامنة .
و”تفليس” قصبة كرجستان في أعالي نهر” الكر” عرفها البلدانيون مع ذلك في المائة الرابعة( العاشرة), فوصفها ابن حوقل بقوله” عليها سوران, وهي حصينة لها ثلاثة أبواب, وبها حمامات ماؤها سخين من غير نار, وهي خصبة كثيرة الخيرات, ويخرق المدينة نهر الكر وهي جانبان بجسر على ما في المقدسي .
أما إقليم” أنجاس” أو “أنجاز” المجاور لها فكان على ما في المقدسي يعد من جبل القبق أي القوقاس, وبها مسلمون وحولها قبائل من الكرج,( أهل جورجيا), واللان وغيرهم .
أما أرمينية الكبرى فكانت تنقسم إلى أرمينية الداخلية وأرمينية الخارجية, وهي وإن كان أكثر أهلها نصارى, إلا أن خضوعها لحكم المسلمين كان منذ زمن بعيد .
وفي هذه البلاد جبال عظيمة تمتد بين بحيرة” وان”, وبحيرة” كولجة”, وكانت قصبة أرمينية الإسلامية في الأزمنة الأولى,( دبيل), وتسمى أيضاً,”دوين”, وتدل عليها الآن قرية صغيرة في جنوب أريفان قرب نهر أرسى,(8) .
وتوضيحاً للمعلومات التي قدمها لسترنج عن أرمينية نذكر أن إقليم أرمينية هو ذلك الإقليم الذي يشكل القسم الغربي من منطقة الرحاب وهو عبارة عن بلاد جبلية تحدها غرب آسيا الصغرى, وشرقاً وجنوباً بشرق إقليم أذربيجان, وتحدها من الشمال والشمال الغربي البلاد الواقعة على الشواطئ الجنوبية والشرقية لبحر بنطس,( البحر الأسود), وبلاد القوقاز التي يفصلها عن أرمينية نهر” الكر”, ويحدها من الجنوب السهل الشمالي الغربي من بلاد الجزيرة,(9) .
الوضع المعاصر لأرمينية
وكلمة سريعة عن الوضع المعاصر لأرمينية نقول : إنه على مر العصور طرأت تطورات كبيرة على مدلول كلمة أرمينية من الناحية الجغرافية, ونتيجة الصراعات التي اشتعلت في المنطقة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تمزقت أرمينية إلى ثلاثة أجزاء, جزء تابع لبلاد فارس أو إيران, جزء تابع لروسيا, أما الجزء الثالث هو اكبر الأجزاء الثلاثة, أكبر من أرمينيا الفارسية وأرمينية الروسية مجتمعتين بكثير, فقد بقى في نطاق السيطرة التركية, وقد تمخضت الحرب العالمية الأولى عن قيام الجمهورية الأرمينية السوفيتية التي لا تضم من أرمينية التاريخية إلا مناطق معدودة,(10) .
وتعد أذربيجان في الأقاليم الواسعة التي تتشابه مع أرمينية جغرافياً كما أنها تتشابه معها في التقسيم لأقاليمها بين عدد من الدول في العصر الحديث, ولإقليم أذربيجان يقع إلى الشمال الشرقي من ديار ربيعة بالجزيرة الغرانية وهو يتميز بظاهرتين بارزتين, ظاهرة الجبال الشاهقة, وظاهرة كثرة الأنهار بالنسبة للجبال يوجد من أهمها جبل ” سيلان”, غربي أردبيل,(15,793 قدماً), وجبل سهند جنوبي تبريز,(12000 قدماً), وجبل أرارات الأصغر,(12,840 قدماً), وإلى جانب ذلك يتميز الإقليم بشبكة من الأنهار والنهيرات وأهما نهر,”الرس”, الذي يكاد يتفق والحد الفاصل بين هذا الإقليم وإقليم آران كما يوجد في القسم الجنوبي نهر” اسفيدرود”, الذي تنبع روافده من الناحية الجنوبية الشرقية لجبل سهند,(11) .
وإذا أردنا تحديد موقع أذربيجان في الخريطة الجغرافية المعاصرة فمن الممكن أن نقول بأن الجزء الأكبر منها يقع ضمن إيران الحديثة, في الشمال الغربي لهذه الإمبراطورية, أما بعض الأجزاء الشمالية فقد أصبحت ضمن مناطق نفوذ الاتحاد السوفيتي, ونسبة ضئيلة في أطرافها الغربية ضمن الجمهورية التركية, والمسلمون هناك يشكلون في وقتنا الحاضر الأغلية الساحقة بين سكانها,(12) .
ويمكن القول إن إقليم” الصغد”, هو صغديانا القديمة, كان يشمل الأراضي الخصبة فيما بين نهري جيحون وسيحون, التي كانت تسقيها مياه نهر”يك”, هما : ” ذرفشان” أي نهر السند, وعليه كانت تقوم سمرقند وبخارى والنهر المناسب حيال مدينتين هما ” كش” ونسف”, وكان هذان النهران ينتهيان إلى مناقع أو بحيرات ضحلة في المفازة الغربية من جهة خوارزم, مع ذلك فإنه من الأوجه أن يعد الصغد اسماً للسراتيق المحيطة بسمرقند فإن بخارى وكش ونسف كانت كل واحدة منها تعد كورة بذاتها, وكان الصغد يحسب إحدى جنان الدنيا الأربع, وقد بلغ أوج ازدهاره في النصف الأخير من المائة الثالثة( التاسعة) في أيام الأمراء السامانيين,( 13) .
بخارى وسمرقند
وقد حافظت بخارى على مكانتها الرفيعة في أوائل العصور الوسطى, ولكن في السنة(616), أدركها الغزو المغولي فنبهت المدينة ودمرت عن آخرها ولم تنهض مما حاق بها من دمار وخراب لمدى قرن ويزيد, وفي أوائل المائة الثامنة حين زار ابن بطوطة الموضع, نزل في ربض يقال له” فتح أباد”, وكان معظم الجوامع والمدارس والأسواق على الحالة المشعثة التي كانت عليها حين غادرها جنكيزخان, وفي الواقع فإن بخارى لم تستعد شيئاً من ازدهارها السابق إلا في ختام المائة الثامنة في عهد تيمور,, فقد اتخذ سمرقند عاصمة له واستعادت بخارى اختها شيئاً من سابق بهائها,(14) .
وأما سمرقند فكانت في أعلى النهر, على نحو(150 ميلاً), من شرق بخارى تقوم على مسافة قصيرة من نهر السغد الجنوبي على نشز من الأراضي, وعلى المدينة سور حوله خندق عميق وله قلعة مرتفعة عن الأرض, وفي أسفلها قرب النهر أرباض كبيرة, تحف بها البساتين والأشجار وفي القلعة دار الإمارة والحبس, ولكن حين كتب ابن حوقل كان الخراب قد استحوذ على أكثر هذه القلعة, وقد كان عليها باب حديد من داخله باب حديد” على ما ذكر ياقوت .
ومساحة المدينة على ما ذكر ياقوت,_2500), جريب,( أي 750 أكرا), وفيها الأسواق والحمامات,(15) .
ويرجع سبب الخراب الوقتي الذي حل بسمرقند إلى المغول, على ما أوقعوه في سائر أنحاء ما وراء النهر, فقد خربوا معظم البلدان في سنة 616ه- 1219, حتى أن ابن بطوطة لما زارها في المائة التالية لذلك الزمن, قال فيها” لا سور لها ولا أبواب عليها” وأكثر دورها خراب, والقليل منها آهل,(16), لقد كان جنكيز خان قد دخل مدينة بخارى سنة,(616ه), بعد أن استسلمت له, وانطلق جنده يمزقون المصاحف ويتخذون من صناديقها فذاود لخيولهم, وانتبهت دور المدينة جميعاً, وسيق الشيوخ والعلماء الأعلام ليقوموا على خدمة الجند في مجالس الشراب, وجمع الناس لجنكيز خان بظاهر المدينة فخطبهم مندداً بسلطانهم شاه خوارزم ومهدداً بأنه إنما هو سوط الله الذي بعث به إليهم لينزل بهم عذابه, وطلب إليهم في ذلك أن يخرجوا إليه كل ما أخفوه من متاع, ثم أمر من بعد ذلك بإشعال النيران في المدينة وكان أغلب بوتها من الخشب, حتى صارت المدينة رماداً بعد أيام قليلة, وقد قتل من جنودها ثلاثون ألفاً واسترق الباقون,(17) .
وجاء الدور من بعد بخارى على سمرقند أعظم مدن بلاد النهر وقد جدّ جنكيز خان السير إليها ومعه أسرى البخاريين, وقد ساقهم في مقدمة قواته لتلقوا الصدمة الأولى حين يحتدم القتال, فعل المغول بسمرقند أعظم مدن العالم تألقاً وازدهاراً لوقتها ما فعلوه في بخارى من قبل وأكثر, ينطلق من بعدها صوب مدن أخرى, وفي ترمز على نهر جيحون فُرق الأهلون بين الجند ليتولوا قتلهم جميعاً,(18), ولما عاد جنكيز خان من بعد ذلك إلى بلاده, عقد هناك( القرلتاي), مجلس شورى المغول عام,(621ه), وفيه قسم مملكته المترامية الأطراف بين أبنائه فكانت تركستان وبلاد ما وراء النهر من نصيب ابنه”جفتاي”, أما ابنه جرجي فكان قد مات في ذلك الوقت ومن ثم صار ابنه” بانو”, حاكماً لخوارزم وصحراء القبحاق,(19) .
انفصلنا عن تاريخنا الإسلامي
ونحن لا نستطيع تتبع تاريخ مسلمي آسيا الوسطى في عدة صفحات, ذلك لأنه صفحة طويلة عميقة من كتاب تاريخنا الإسلامي, انفصلنا عنها وتقطعت بيننا وبينها الوشائج وأصبح المهتمون بها من العرب قلة قليلة, فضلاً عن أن هذه المقاطعات قد خضعت لتطورات تاريخية وجغرافية كبيرة, فثمة تداخلات بين تاريخ إيران وتاريخ تركستان بجناحيها الشرقي والغربي وتاريخ روسيا وتاريخ فارس بصفة عامة .
فالمفهوم الإسلامي لآسيا الوسطى قد يتسع كثيراً عن المفهوم الجغرافي ليشمل إيران, فإذا اقتربنا من العصر الحديث وجدنا وجوداً مكثفاً لروسيا من جانب والدولة العثمانية من جانب آخر, في هذه المناطق وثمة مد وجزر وانكسار واستقلال, مما يشكل صعوبة في عمليتي التحديد التاريخي والجغرافي .
ومن المعالم البارزة في التاريخ الحديث لمسلمي هذه المنطقة صلتهم العدائية بروسيا, حيث سعت الأخير باستمرار لفرض سيطرتهم ليها والكيد المستمر للعنصر التركي والإسلامي, وكانت دائماً تفرق في المعاملة بين رعاياها وتخص المسلمين بأسوأ معاملة, ففي سنة 1593م على سبيل المثال تعرض التتار لتغيرات جذرية, حيث خضعت الأصقاع التتارية للقيصر,” إيفان الرابع”, فحكمها على قواعد وأسس روسية, وساعد دعاة التنصير وحوّل منطقة الفولجا إلى الأرض الروسية فضلاً عن الظلم الألماني المجحف الذي أثقل به كاهل المسلمين وتهجير الروس للمناطق الإسلامية على حساب المسلمين الأصليين, كما صدر قرار يأمر بهدم المساجد الموجودة ويمنع إقامة مساجد جديدة,(20) .
واستخدمت وسائل ترغيبية وترهيبية لكنها ترمي إلى الأهداف نفسها, فلما جاء العصر البلشفي سنة 1917م اتسم بالعنف الشديد في القضاء على هوية المسلمين ومساجدهم وعقائدهم .
صفحات سوداء
وإن الصور الوحشية التي استغلها البلاشفة مع المسلمين تحتاج إلى مجلدات, وهي صفحة سوداء في جبين الإنسانية يتحمل وزرها الشيوعيون الذين حكموا الاتحاد السوفيتي الهالك, والعنصر الحاكم بصفة خاصة, والعناصر العربية والإسلامية ذات الصلة بأحداث هذا العصر سياسياً أو مذهبياً, كما تتحمل الأمة الإسلامية كلها جزءاً من هذه المسؤولية!! .
وعلى أية حال فإن تتبع الجغرافيا والتاريخ لمسلمي آسيا الوسطى وما يحيط بها عملية تكتنفها صعوبات كثيرة, لكنها ضرورة ملحة توجبها الأخوة الإسلامية كما تمليها عودتنا إلى ذاتنا الإسلامية بكل عناصرها وملامحها وقسماتها وحتى نقرأ تاريخنا الإسلامي قراءة إسلامية إنسانية لا قومية عنصرية ولا وطنية جزئية قاتلة !!
الهوامش
- انظر الطبري- ج8,ص 39 نقلاً عن حسن أحمد محمود, الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي, ص184 نشر مصر, 1973
- المرجع السابق, ص 150 وما بعدها
- انظر الطبري, جزء 8, ص 161 وما بعدها
- انظر ياقوت الحموي, معجم البلدان, جزء 2, ص 258, طبعة القاهرة الأولى سنة 1906, ونعمة علي مرسي, الدويلات المستقلة في المشرق الإسلامي – دولة القره الخانيين الترك -, ص 14- 15- نشر دار الهداية القاهرة, ص1 /1408
- 5-6-7- المرجع السابق
8- بلدان الخلافة الشرقية, كي لسترنج
9- 10-11- 12-13-14-15- حامد غنيمو انتشار الإسلامحول بحر القزوين.
16- 17-18- تاريخ الدول الإسلامية بآسيا وحضارتها للدكتور/ أحمد الساداتي .
19- الإسلام في آسيا الوسطى بين الفتحين العربي والتركي د/ حسين أحمد محمود
20- العالم الإسلامي في العصر المغولي” برتو لدشبولر “