pop تسونامي الثقافة الكورية يجتاح العالم

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

فور الإعلان عن إحياء فرقة غنائية كورية تحمل اسم B.I.G، لحفل في سلطنة عمان للمرة الأولى، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة منصة (تويتر) بالمطالبة بمنع دخول هذه الفرقة للسلطنة. الغير أن الموضوع يتعدى الفرقة الغنائية، فإذا دققنا فيما يتعلق به اليافعون في هذه السنوات، سنجد أن حالهم لا يختلف كثيرا ًعما تعلق الناس في فترات سابقة. الكثير من المراهقين حول العالم أجمع نجدهم متعلقين ومرتبطين بالثقافة الكورية بشكل عام. فمن منكم لم يلاحظ الطلب الكبير على المأكولات الكورية وممارسات المؤثرين في قنوات التواصل والتحدي في أكل الأطعمة الحارة أو استخدام العصي في الأكل، أو متابعة المسلسلات الكورية، والاستماع إلى الفرق الكورية الغنائية. وعلى غرار موجه التغريب الأمريكية والأوروبية على العالم في السنوات الماضية، أتتنا اليوم موجه تشريق آتيه من شرق آسيا.

التاريخ يكرر نفسه

باستعراض ما سبق سنجد أن الموضوع يتعلق بانتشار الثقافة الكورية بشكل عام، تماماً كما كان الحال في جيلي مثلا حين تأثرنا بالثقافة الأمريكية من مأكل ومشرب ولباس وأغاني وغيرها من الأمور.

الثقافة الكورية اليوم عبرت القارات وتجاوزت عوائق اللغة والعادات والتقاليد وأصبح تأثيرها واضحاً وجلياً على المراهقين حول العالم، وذلك إلى الحد الذي جعلت هناك مصطلح خاص بها يعرف ب K-pop

مصطلح K-pop

هذا المصطلح هو اختصار لجملة: الثقافة الكورية الرائجة

ويعرفها معجم أكسفورد مصطلح POP CULTURE على أنه: مجموعة من الممارسات والاعتقادات والمنتجات التي تنتشر بشكل واسع وتأثر على النظام الاجتماعي في المجتمعات. وهي تشمل العديد من المكونات منها: الإنتاج الترفيهي من أفلام وأغاني ومسلسلات، وكذلك المصطلحات اللغوية وطريقة الكلام، والمظهر الخارجي من ملبس وطرق تصفيف الشعر، وصولا إلى منتجات التجميل.  

K-pop=  Hallyu و البحث العلمي

لقد لوحظ في الفترة الماضية أن K-pop أصبحت أحد مواضيع البحث العلمي الرائجة. وهذا المصطلح يعرف أيضا باسم Hallyu. وعن هذا ذكرت مجلة forbes البيانات الآتية في أعداد البحوث والرسائل العلمية المحكمة المنشورة في مجلات البحث العلمية عن ثقافة K-pop، وهي في ازدياد مستمر:

  • ففي موقع الدراسات الأكاديمية SAGE JOURNALS   نشرت حوالي = 100 ورقة بحثية على الأقل حول هذا الموضوع.
  • كما نشر موقع academia.edu ما يقارب 1600 ورقة بحثية.
  • بينما نشر موقع jstor.org عدد 276 بحث علمي.

(يمكنكم الاطلاع عليها كلها عبر الروابط المرفقة في قائمة المراجع المرفقة في نهاية هذا المقال)

ومن المثير للشفقة أن نرى نقاشاتنا المحلية بعيدة كل البعد عن التحليل الاجتماعي والنفسي والاقتصادي حول هذه الظاهرة، حتى من قبل بعض الأكاديميين المعروفين، فكانوا يرددون ما يردده العامة دون رفع مستوى الوعي العام لفهم هذه الظواهر، بل أنهم عززوا ثقافة التسفيه والتسطيح والاكتفاء بشيطنة الآخر ورغبته في هدم قيم وثوابت المجتمعات العربية، رغم أن الظاهرة عالمية وليست موجهه للمجتمع العربي. ومن المؤسف أن يكون الشباب العربي الأقل مناعة وأكثر المتأثرين بالثقافات الخارجية بسبب قلة الوعي وحالة الغربة الداخلية التي يعيشها بحثاً عن الانتماء لشيء يعتبر عنه، وهذا بالطبع نتيجة للعديد من العوامل أهمها هو تقليدية وتخلف الخطاب السائد عن سرعة الزمن الحالي ووقوفه في الأزمنة الغابرة يردد ما لا يستسيغه الشباب، فالخطاب الحالي قديم ولا يعتمد على البحث في الأسباب والتحليل وإقناع الآخر، ولكنه يعتمد على التلقين والفرض والمنع، وهذا بكل تأكيد لن يزيد الوضع إلا سوءاً وتسفيهاً.

ومن المهم أن نشير أن ثقافة K-POP لا تمثل الثقافة الكورية الأصيلة بل هي مزيج من تأثر الشباب الكوري بموجه الثقافة الأمريكية، فتشكلت بمزيج جاذب مواكب للحداثة وللثقافة الكورية، التي خاطبت حاجات اليافعين في مختلف بلدان العالم، فحتى الشباب الأمريكي متأثر بشكل كبير بالثقافة الكورية الرائجة.

ولعل أبرز الأوراق البحثية التي كتبت حول تأثر الشرق الأوسط بالثقافة الكورية هي ما كتبه الباحث محمد العسكري Mohamed Elaskary، والتي حملت عنوان: الموجه الكورية على الشرق الأوسط بين الماضي والحاضر (والتي يمكن الاطلاع عليها مجاناً في الرابط المرفق بقائمة المراجع). وقد ذكر الباحث شح المراجع حول علاقة الثقافة الكورية بالشرق الأوسط حيث ذكر أنه وجد فقط ورقتين حول هذا الموضوع أقدمها نشر عام 2013.

ولأن البحث العلمي هو الأداة الأكثر حيادية وموضوعية في تقييم الظواهر الثقافية من كل الزوايا، فهو يبدأ بتتبع أصل الظاهرة وتاريخها، وتأثيرها واستعراض أثرها ونتائجها وإيجابياتها وسلبياتها على حد سواء. فمن الضروري استعراض أهم ما جاءت به هذه الأوراق العلمية لفهم الظاهرة بشكل أفضل. وفي القادم سأستعرض أبرز ما كتبه الباحث محمد العكسري في بحثه، وكذلك سأضع أبرز ما جاءت به الأوراق العلمية الأخرى حول هذا الموضوع.

من أين بدأت ثقافة   K-pop= Hallyu؟

في عام 1994 أقترح مجلس المستشارين الرئاسي على الرئيس الكوري President Kim Young-Sam أن يقوم بتفعيل ودعم صناعة الأفلام والمواد الإعلامية الكورية بكافة أشكالها كجزء من استراتيجية الصناعة الوطنية، وذلك للعوائد الاقتصادية الهائلة التي سوف تجنى من تفعيل القطاع الإعلامي، تماماً كما فعلت الهند في (بولييود) وأمريكا في (هوليود)، فلم لا تدخل كوريا في هذا القطاع وتننشأ (هالي وود – Hallyuwood)

وعن هذا يقول الباحث والناقد الكوري المعروف Hong, Lee Moon-Won أن موجه الثقافة الكورية بدأت في الأساس من حاجة ملحة للمجتمع الكوري في الأساس، وذلك بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت دول آسيا في 1997. ونلاحظ النقلة النوعية في نتائج ذلك القرار إذا ما عرفنا أن عوائد صناعة الأفلام والمسلسلات الكورية تضاعفت بهذا الشكل الملفت. ففي عام 1998 لم تتجاوز العوائد 8 بلايين دولار، بينما ارتفعت إلى 132 بليون في 2001، وصولاً إلى 172 بليون في 2010!!!

ومن هنا بدأ انتشار الإنتاج الإعلامي من كوريا إلى الأسواق القريبة في آسيا: تايلند، الهند، اندونسيا، واليابان وغيرها، ولم تتوقف هنا بل أن نجاحها في البلدان العربية كان لافتاً للغاية. حيث نجد أن بعض صفحات المعجبين بالأفلام الكورية بها اعداد من الشباب العربي أكثر من المعجبين الكوريين أنفسهم. مثال صفحة المعجبين العرب بالممثلة الكورية Park Shin-hye في الفيسبوك تفوق صفحات المعجبين الكوريين، حيث بلغ عدد المنتسبين في الصفحة في عام 2016 (480,534) بينما لا يتجاوز عدد الكوريين المعجبين بها في صفحات الفيسبوك (88,904)!!

ويرجع الباحث نجاح الدراما الكورية في العالم العربي تحديداً إلى نوعية وحشمة المواد المقدمة فيها بشكل عام، فبمقارنة المشاهد الإباحية في الإنتاج الأمريكي ونظيره في الإنتاج الكوري نجد أن المحتوى الكوري محتواه في الغالب مناسب لكل الأعمار وغير صادم للمتابع العربي، مما زاد في عدد المتابعين لها. كذلك نجد أن هناك قيماً اجتماعية مشتركة بين الثقافتين العربية والكورية، فالدراما الكورية تبرز فيها قيم الترابط الأسري، والقصص الرومانسية المحتشمة بمقارنة بالدراما الغربية. كما أن صناع المحتوى الكوري يحرصون على احترام المشاهد المسلم فهم على سبيل المثال يختارون أوقاتا مناسبة لعرض محتواهم لا تتعارض مع وقت الصلاة لدى المسلمين، ويقول الباحث أن هذا النجاح ينطبق تماماً على نجاح الدراما التركية في البلدان المسلمة، فالمحتوى يعد مناسباً لثقافة المجتمعات المسلمة أكثر بكثير عن الدراما الأمريكية والأوروبية.

الإيجابيات والسلبيات

لكل مجتمع طريقة تأثر مختلفة عن الآخر بالإنتاج الكوري. فعلى سبيل المثال نشرت ورقة بحثية عن إيجابيات وسلبيات ثقافة K-POP على المجتمع الفلبيني حيث كانت الإيجابيات تتمحور حول تمكن الثقافة الكورية من زرع الاعتزاز بالانتماء الآسيوي، في مقاومة التغريب الأمريكي الذي سيطر لسنوات عديدة على المجتمع الفلبيني والشرق آسيوي بشكل عام.

وهناك بالطبع إيجابيات مشتركة بين المختلف المجتمعات، مثال:

  • تعلم لغة جديدة ورائدة في السوق الاقتصادي.
  • تعزيز قيم التعارف الإنسانية و دعم القضايا الإنسانية، على سبيل مثال تبني العديد من الفرق الغنائية لقضايا عالمية إساءة للإنسانية، كقضية Black LIVES MATTERS  – حياة السود مهمة ، و التي ظهرت إبان مقتل شخص أسود في أمريكا من قبل الشرطة.
  • استضافت الأمم المتحدة أكثر من مرة أعضاء من الفرق الكورية كفرقة (Blackpink) لدعم قضايا عالمية ونشر التوعية عنها، كقضايا: التنمية المستدامة. حيث قامت الأمم المتحدة في عام 2015 باستضافة فرقة Blackpink للحديث ونشر خطة تتكون 17 هدف للتنمية المستدامة، وذلك اعترافا بمدى تأثير هذه الفرق الغنائية في تشكييل وعي الشباب حول العالم، مما سيحقق هذه الأهداف على يد القيادات الشبابة في مختلف بلدان العالم. 

أما السلبيات فأبرزها:

  • الخوف من تأثر اليافعين بأفعال وتصرفات أفراد الفرق التي يحبونها. فقد برزت في أوساط هذه الفرق معاناتهم الكبيرة نتيجة شهرتهم الزائدة، مما تسبب في معاناة عدد منهم من أمراض نفسية، وقيام بعضهم بالانتحار في سن مبكر.
  • –        شغف الجماهير الشبابية بهذه الفرق أدت إلى هوس الكثير منهم ليس فقط في متابعة أخبار هذه الفرق، بل أن بعضهم أصبحوا يتتبعون تحركاتهم في الواقع. والتتبع هو أمر مجرم قانوناً لكونه يخترق خصوصيات الأفراد، ويعد أحد الأمراض النفسية التي تستوجب العلاج.
  • رغبة اليافعين في حضور حفلات هذه الفرق أو القيام بشراء كل ماله علاقة بهم، هو أمر مكلف اقتصادياً فهو مجال ربح للشركات الفنية التي تدير شؤون هذه الفرق، ولكنه قد يكون تحدياً اقتصاديا كبيراً للكثير من العوائل.
  • هناك جوانب خفية ومظلمة لا يعرفها الكثير من الجماهير، فبينما يظنون أن أعضاء الفرق الغنائية يملكون حياة مثالية وأجساد مثالية ويعيشون علاقات عاطفية كأغانيهم، غير أن الواقع مختلف تماماً ولا يتعدا كونه مجرد دور يقومون بتأديته، فأعضاء هذه الفرق أشبه بالمستعبدين، فهم محرومون من ممارسة الحياة الطبيعية في الأكل والسلوك، فيمنع عليهم الارتباط العاطفي، ويخضعون لتدريبات صارمة للحصول على الجسم والمظهر المثالي. الأمر الذي أدى إلى انتحار عدد منهم. كما أن الجمهور يشكل جزء من هذا الضغط الهائل عليهم فتراهم يتنمرون عليهم في حالات كثيرة.  

الخاتمة

ليست موجه الثقافة الكورية الرائجة سوى موجه أخرى تشكلها البلدان لتحقيق الربح الاقتصادي، وأحد الوسائل المعروفة للنظام الرأسمالي، الذي شكل عبر السنين الماضي (قوى ناعمة) من خلال تصدير نمط حياة جاذب يخاطب الجموع اليافعة. تماماً كما فعل سابقاً في الترويج للثقافة الأمريكية فانتشرت مطاعم الوجبات السريعة، وشاعت الأفلام والأغاني الأمريكية، وانتشرت موضة بناطيل الجينز وغيرها.

ولكل شيء إيجابياته وسلبياته في المقابل، غير أن الوعي بكافة جوانب هذه الظاهرة مهم ليتمكن الشباب من معرفة مواطن الخلل كي لا ينجرف فيها ويناله السيء منها. فالمنع لم يكن يوماً بحل ناجع، خاصة في حظر ما يميل له الشباب المتحمس، فسن المراهقة معروف بتمرده ورغبة الشباب فيه من تكوين هوية خاصة بهم. فعوضاً عن المنع من المفيد إيجاد بدائل للشباب العربي. فإذا استطاعت أمريكا والهند وكوريا في بث ثقافتها من خلال المنتجات الإبداعية والفنية، لم لا يخوض العرب غمار هذا المجال، وإنتاج ثقافة عربية رائجة قد نسميها ذات يوم (آراب وود) على غرار هوليوود وبوليوود وهالي وود.

قراءات

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة