كيف نعالج الجريمة في مجتمعنا؟

كتب بواسطة حسناء عبدالحميد

شهد هذا العصر تقدماً هائلاً بدخول عصر الأقمار الصناعية، وتنوع آليات التطوير ومع زيادة التقدم والنهوض فقد تزايد حجم الجريمة على الساحة العالمية يوماً بعد يوم لتصبح الجرائم ظاهرة خطيرة واسعة الانتشار تهدد أمن المجتمع المسلم والعالم كله ( الأخضر واليابس).

وفي منطق الإجرام أو العدوان لا يقوم اعتبار ما بطبيعة الحال لمراعاة مقاصد السنن وحكمة المثل الأعلى فعلى الرغم من التوعية الإعلامية المتكررة وتنوع آليات المواجهة إلا أن في بيئاتنا الإسلامية لا تزال هناك طوائف تعيش فوضى أخلاقية متناهية، والأخطر مما أشرت إليه أن القلة القليلة من الجرائم المرتكبة يقع أصحابها تحت يد القانون والطرف الأنشط والأكثر دهاءً ومكراً وتدميراً يعمل في الخفاء بروح عدوانية وأحياناُ انتقامية وحوافز مادية أدت في أسوأ ظروفنا الراهنة إلى ما يعرف بظاهرة ( البلطجة)، أو أعمال الإجرام المنظم بأساليب غير مألوفة ومسبوقة، قال تعالى: ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) ( الروم: 41).

دوافع وراء الجريمة

وعندما تفرّس أطباء النفس في الأسباب التي تدفع إلى ارتكاب الجريمة وانتشارها بطريقة ملفتة ردوا دوافعها إلى أسباب مختلفة ومتعددة، اجتماعية أحياناً وأخرى نفسية، وأخرى اقتصادية، فزي المرأة وطريقة مشيها له علاقة وثيقة بجرائم الاغتصاب والعقد النفسية ربما تكون عاملاً مهماً وراء الإدمان والمخدرات، كما أن الفقر المدقع قد يدفع ببعض النفوس الضعيفة والعاجزة إلى السرقة وتسلق الأسوار بغرض الاعتداء على حقوق الآخرين.

أضف إلى ما سبق من أسباب لحدوث الجريمة، أسباباً أخرى أكثر خطورة وتدميراً:

  1. حين تصطبغ المجتمعات بالصبغة المادية البحتة بعيداً عن تلبية أشواق الروح والأنوار الملائكية يكون التنابز ويكون الحسد وأكل أموال الناس بالباطل فينظر كل امرئ إلى ما في يد غيره يغتصبه اغتصاباً أو يسرقه انتهاباً أو يأخذه بالاحتيال من غير دين يعمر قلبه ولا خلق سام يحكمه ولا علاقات معنوية تربطه بالناس، قال تعالى:( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ) ( الإسراء: 16).

وأصدق مثال لهذه النماذج الرديئة إحدى الدول الأوروبية التي انحط بها واقعها إلى أن يرتكب فيها جريمة بمعدل كل ثانية حسب الإحصائيات الأخيرة، والله لطيف بعباده .

  • غياب سلطة الأسرة المتمثلة في الوالدين مما يؤدي إلى انحراف الأولاد نحو عالم الجريمة بدون حياء ولا خجل ولا رقيب.
  • غياب التربية الدينية الصحيحة والإعلام الديني الذي يوجه المجتمع توجيهاً ربانياً سليماً.
  • انتشار البطالة وانعدام التكافل الاجتماعي ونقصانه عن الحد الشرعي المطلوب لتلبية مطالب وحاجات الأمة الإسلامية.
  • غياب دور المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة وانحرافها عن الهدف المقصود منها وهو توجيه المجتمع وحمايته من الانحراف بما تملك من أدوات قوية في التأثير, قوية في التربية والتعليم في عصر ندرت فيه محاسبة النفس ومراقبة الضمير.

وللأسف الشديد فبعض الجهات الإعلامية في واقعنا المعاصر تقف من ورائها القوى المعادية للإسلام، وفي مقدمتها الخطط الإعلامية الصهيونية المدمرة التي يعبرها اليهود خير معاون ومساند لهم لتحقيق أهدافهم وإنشاء دولة إسرائيل التي تمتد في زعمهم من النيل إلى الفرات، لذلك فقد عمدوا إلى إشاعة أعمال التخريب والإفساد والجرائم فتفاحش أمرها في العالم.

ونرى العاطلين المتمردين من أبناء أمتنا يخربون الشوارع ويحطمون الملك العام بدون أن يشعروا أنهم يعملون مسخرين لهذه الأيدي الخفية(1).

وقناعتي التامة بأن هذه القوى الغاشمة الظالمة لن تترك الإعلام الديني يختار نظامه ويؤدي رسالته خاضعاً لسلطان دينه ومن ثم فهي ترسم السياسات الجهنمية, وتوجه أدوار السينما للهدم والتمدير وهم يعلمون أن أغلب رواد السينما من صغار السن أو من طبقة العمال والفقراء لذا فإنهم يعمدون إثارة غرائزهم وإفساد أخلاقهم بما يقدمون لهم من أفلام الجنس والجريمة والسرقات والقتل (2).

إن التصدي لهذه الجرائم الخطيرة التي امتلأ بها المجتمع المسلم على النهج الذي تضمنه الإسلام مبدأ أصيل لابد منه لكي يتحقق التعايش السلمي وللقضاء على لصوص المال والعرض وسفاكي الدماء البريئة ومصدّري الرعب والفزع للأفراد والجماعات والمحاربين لله ورسوله والساعين في الأرض فساداً ( 3).

هذا المطلب المهم يوجب على الإعلام إيماناً بدوره ومسؤوليته تحصين أبناء الأمة الإسلامية ضد هذه الجرائم الخلقية، من خلال رؤية واعية في ضوء النظام الإسلامي الذي أقام مجتمعاته على أسس سامية وتولت الشريعة الإسلامية بمعناها القانوني، حماية هذه الأخلاق بالتربية والبناء وإقامة الحدود والتعازير فاستقرت في المجتمع قروناً عديدة وهي تشكل أنماط سلوكه الظاهرة وواجهته العلنية فكانت لها آثارها الواضحة، فلم تعرف مجتمعات المسلمين دور البغاء المرخصة ولا حانات الخمور ولا بيوت المراهنات والقمار ولا وسائل إشاعة الفاحشة كالملاهي والمراقص وغاية ما وجد من ذلك أن يكون منكراً يتخفى ويلوذ بالجدر لأن الشريعة باعتبارها قانون الأمة السائد تحرمه وتعاقب عليه والعرف العام الذي رسّخته الشريعة الإسلامية في المجتمع يستنكره ولا يسكت عليه (4).

وبهذا صنع المسلم مجداً عالياً لم يزل يتحدث به العالم كنموذج فريد لم يضارعه أي نموذج للحضارة في أي مكان أو زمان حتى الآن رغم جميع المحاولات التي يبذلها دعاة التحضر والتمدن في ظل المذاهب الوضعية (5).

 كما أننا لا يجب أن ننسى دور الإعلام الديني في هذه الفترة وإسهامه بنصيب كبير في حفظ كيان المجتمع المسلم فساهم الخطاب الديني في تنفير المجتمع من الرذيلة وإشعار المسلمين بالمسؤولية أمام الله يوم الحساب عن كل صغيرة وكبيرة في حياة الإنسان فكان هذا رادعاً لكل من تسول له نفسه أن يرتكب جريمة أو فاحشة واستقام المجتمع على أمر الله, وحتى لا يكون دور الإعلام في بيئاتنا المسلمة هامشياً أقدم بين يدي القارئ هذه المقترحات التالية إسهاماً في علاج الجريمة إعلامياً وبمنظور إسلامي صحيح.

  1. الاهتمام بالإعلام الديني وفي مقدمة أدواته الخطبة الوعظية ودروس المساجد لتوعية أفراد الأمة بخطورة الجرائم والأضرار  التي تلحق أصحابها في الدنيا والآخرة ودفع الناس إلى أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً ويحسنوا فقه التعامل بينهم.
  2. تنمية المواهب الإبداعية الإعلامية ذات القدرات الخاصة لخمة الهدف الإعلامي الديني وإيجاد البدائل الإعلامية المتطورة القادرة على تقنين البرامج الإعلامية لتلبية حاجات الأمة في كل شؤونها الدينية والدنيوية وتوعيتها من منطلق ديني صحيح, من خلال الحوار الهادف والمناقشة البناءة مع القدرة على الإقناع والتأثير.
  3. إثراء الساحة الإعلامية بالقنوات المتخصصة وفي مقدمتها إعلام الأسرة لتربية الأجيال القادمة تربية دينية سليمة كي تدير ظهورها للانحراف فتحيا حياة طيبة سعيدة.
  4. توجيه البرامج الإعلامية للقضاء على الفراغ الذي يملأ حياة الشباب المسلم وتوجيهه نحو العمل النافع.
  5. توجيه الإعلام في الدول الإسلامية نحو الأصالة والذاتية النابعة من قيم الإسلام ومبادئه وتوفير الجو الملائم والدعم المناسب لصنع البدائل الإسلامية التي تقف في وجه ما يقدمه الغرب المتآمر على الإسلام والمسلمين (6).
  6. تنقية الإعلام إلى جانب التعليم من المؤثرات العلمانية الإلحادية وتنفيذ ما يقدمه من وسائل الإعلام الغربية من انحرافات، عسى أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً.
  7. التعاون بين وسائل الدعوة والإعلام في عالمنا العربي والإسلامي للتعريف الصحيح بالإسلام والدفاع عن قيمه وفضائله ونقل مضمون حضارته إلى العالم بما يحصل معه من عوامل الأمن والطمأنينة والاستقرار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

  1. أصول الصهيونية ومآلها: عبد الحميد بن شهنو، الدار الوطنية الجزائر، ص 120
  2. النفوذ اليهودي في أجهزة الإعلام: فؤاد بن سيد، طبعة الكويت، 43
  3. مبادئ التعايش السلمي في الإسلام: د/ عبد العظيم المطعني، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ص 95
  4. الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام: د/ عبد الستار فتح الله سعيد، دار الوفاء القاهرة، 1989م
  5. فقد الدعوة والإعلام: د/ عمارة نجيب، مكتبة المعارف الرياض، طبعة 1987م
  6. مجلة المنهل: عدد رجب 1418ه، نوفمبر 1997م، ص 59-60
قراءات

عن الكاتب

حسناء عبدالحميد