حوار مع الكاتبة السعودية ريم جلال الجمعة
ريم جلال الجمعة كاتبة سعودية تكتب الرواية والقصة القصيرة، صدر لها رواية “حي الحميدية” ومجموعة “بوح الزيزفون”، وهي مجموعة قصصية ذات نفس روائي تناولت فيها الحرب السورية باستفاضة عبر ثمان وعشرين قصة رتبتها حسب ترتيب الحروف الأبجدية للأبطال حيث تبدأ المجموعة بقصة “منفى الياسمين” وبطلتها “إمتثال” وتنتهي بقصة “الغمامة” وبطلها “ياسين” وريم الجمعة تحرص دائما على التعبير عن مشاعر الشخصيات فهي لا تكتفي بالوصف الخارجي وإنما تحاول أن تضع صورة نفسية متكاملة لشخصياتها، وهي تركز دائما على جانب المعاناة لدى الشخصيات خاصة النسائية منها، كما أنها تعتبرالواقع خير ملهم ومعلم، وتثق في قدرة المملكة العربية السعودية على الانطلاق نحو آفاق واسعة من التجديد، وتؤمن بدور المرأة السعودية في المرحلة المقبلة. يسعدنا أن يكون لنا معها هذا الحوار.
- الكاتبة ريم الجمعة، نريد أن نتعرف على أهم الروافد السردية وأهم المواقف أو القراءات التي دفعتك للكتابة عمومًا ولاختيار السرد خاصة.
قرأت لأغلبية عمالقة الأدب العربي كطه حسين والعقاد والسباعي وإحسان عبد القدوس، ولكن لا أخفي ولعي وتأثري برائد الواقعية نجيب محفوظ الذي تغلغل في وجدان القارئ العربي. فقد أبدع قيصر الرواية العربية نجيب محفوظ في مراحله الفنية الثلاث التاريخية والواقعية والرمزية، أبدع في اشتقاق لغة خاصة تعبر عن حكايات الناس بلغة أدبية سهلة غير متكلفة، وهو برأيي أفضل من وصف الحياة اليومية للمواطن المصري، خاصة في مرحلة الواقعية وأخص بالذكر الثلاثية، الحرافيش، خان الخليلي، زقاق المدق، واللص والكلاب، وغيرها من روائعه، وهو لم يخترع شخصيات رواياته ولكنه استقاها من صميم الواقع في مصر، ولا أدل على ذلك من أن كتاباته لا تزال حية وحاضرة بقوة، تتابعها كل الأجيال.
وبالنسبة لي فالواقع بتفاصيله المؤلمة والقاتمة هو الذي دفعني للكتابة. في مجموعة بوح الزيزفون اعتمدت على سرد أحداث واقعية ولكني قمت باختلاق بعض الأحداث وإضافة بعض التفاصيل لإضفاء عنصر الجذب والمتعة للقارئ.
- – كتبتِ الرواية في “حي الحميدية” والمجموعة القصصية في “بوح الزيزفون” أين تجدين نفسك في الرواية أم في المجموعة القصصية؟
الرواية والقصة القصيرة ينبعان من المنبع نفسه، وهو السرد، بصرف النظر عن الفوارق التقنية بينهما، أرى أن كليهما تتغذيان على المعاناة التي مر ويمر بها الإنسان على امتداد العصور وقد يختلف غرض الكاتب من عرض هذه المعاناة وتختلف طريقته أيضا فهناك من ينقل الواقع كما هو وهناك من يختلق بعض الأحداث لإضافة المتعة والجذب للقارئ. بالنسبة لي، أنا أجد نفسي في الرواية أكثر؛ لأنها تتيح لي مساحة أوسع للتعبير والروايات ذات الحجم الكبير تساعد الكاتب الذي يملك خيالاً واسعاً وفكراً قوياً ولديه مهارة في التعبير والوصف والخوض في أدق التفاصيل وهذا يعزز الإبداع ويجعل العمل ضاجاً بكل العناصر الفنية سواء بالنسبة للزمان أو المكان أو الشخصيات والأحداث. أرى أن الرواية ترضي فضول القارئ الذي يريد أن يعرف كل صغيرة وكبيرة.
- كيف رصدت الحرب السورية في مجموعتك الأخيرة “بوح الزيزفون”؟ ولماذا اهتممتِ بمشاعر الأبطال حتى بدت المجموعة توثيقا حيا لمشاعر الشخصيات؟
مجموعة بوح الزيزفون وثّقت مآسي الحرب، محّصت الشخصيات وغاصت في أعماقها ونقبت في ماضيها. عرضت حجم الدمار الذي خلفه ذلك الصراع العنيف ولكنها لم تهمل القيم الإنسانية التي تجلت وبقوة بالرغم من كل شيء. المجموعة رصدت مسيرة كل شخصية على حدة وبينت أثر هذه الأحداث عليها. قمت بعرض أدق التفاصيل والصراعات النفسية جراء تأثر الشخصيات بظروف هذه الحرب الشعواء حيث أظهرت مشاعر الخوف والمعاناة من خلال ثمان وعشرين شخصية اقتحمنا من خلالها واقعاً مريراً.
اشتملت المجموعة القصصية على قصص “منفى الياسمين، عروس الجهاد، زائلة وتتمزق، قسمة ضيزى، الصبر والجبر، سيستم يوك، الباب، طائر الكناري، العدل مصلوباً، على حلبة الرقص، رسالة إلى الله، بأي ذنب قتلت، ساتر وعساكر، فاصل منشط، زهو الدم، في نهاية النفق، وجه ميت، بوح الزيزفون، في حرم الجمال، كان يا ما كان، نبتة مرة، الممر، الهوتة، الغمامة”
في قصة “الباب” تحديداً جمعت نماذج من الأطراف المتنازعة جميعها (الجيش الحر، داعش، النظام، النصرة، وشاب كردي) في مزرعة العجوز “تيماء” في خلال يومين متتالين حيث اضطرتهم ظروفهم المختلفة إلى اللجوء لهذه المزرعة، وحكيت من خلال حبكة رائعة قصة كل طرف من هذه الأطراف، وطرحت رأيه وتوجّهه والأسباب التي دفعت به إلى هذا التوجّه، كما أبرزت دور العجوز “تيماء” التي استطاعت أن تجمع الأضداد وتماهي النقائض بسلاسة عجيبة وحكمة بالغة. أما في قصة “بوح الزيزفون” فقد جعلت البطل “كمال” يصطحبنا من خلال دفتر مذكراته في جولة قاتمة أرّخت لواقعه المرير منذ العام 2011 وحتى العام 2022
المجموعة القصصية متسلسلة أبجدياً وفق أسماء الشخصيات. وقد تركت النهايات مفتوحة لمعظم أبطالها لأن معاناتهم ما تزال مستمرة ولأن الحرب برأيي لم تنتهِ بعد حتى وإن توقّف إطلاق الرصاص وسكتت المدافع. وثقت من خلال هذه المجموعة أيضا لأحداث ما قبل 2011 من خلال سرد تفاصيل بعض الشخصيات. امتدت حدود بعض هذه القصص خارج مدن سوريا أيضاً فلاحقت بعض أبطالها في بلادهم الأصلية وبلاد النزوح.
- في مجموعتك “بوح الزيزفون” شخصيات نسائية كثيرة، فهل كثرة الشخصيات النسائية دليل على كثرة المعاناة النسائية خاصة أنك تناولت في المجموعة مآسي الحرب السورية؟
الحرب السورية كأي حرب رمت ولا تزال ترمي بظلالها الثقيلة على كل شرائح المجتمع ذكوراً وإناثاً، بالنسبة لغلبة الشخصيات النسائية في مجموعة بوح الزيزفون، لم يكن ذلك مقصوداً وأرى أن النظرة التي تعدّ النساء فئة مستضعفة في حالات الحرب هي نظرة غير واقعية؛ لأن المرأة أثبتت ولا تزال تبرهن أنها بارعة وقادرة بشكل مذهل على مواجهة الصعاب.
في مجموعة بوح الزيزفون عرضت نماذج لنساء اضطلعن بأدوار خطيرة عديدة كمقاتلات وثائرات وصامدات قمن بالمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقهن لحماية عائلاتهن زمن الحرب.
- تدخل المملكة العربية السعودية عهدا ثقافيا جديدا كيف تنظرين إليه؟ وماذا تأملين منه؟ وما الدور المنوط بالمثقفات السعوديات للمشاركة في هذه المرحلة؟
المرأة من الركائز الأساسية في رؤية المملكة ٢٠٣٠ ومن هذا المنطلق فقد مكنتها القيادة الحكيمة وجعلتها شريكاً فاعلاً في عملية البناء والنماء، وأعادتها إلى مسارها الأصلي ومكانتها التاريخية الأولى كما عهدناها في صدر الإسلام؛ لذلك فإن الدور المنوط بالمرأة السعودية هو دور محوري وحيوي لا يقل أهمية عن دور الرجل في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية.