حوار صحفي مع الروائي “عادل سعد”

 الفائز بجائزة الطيب صالح العالمية فرع الرواية

لا يعترف بالقواعد الثلاث للرواية : الزمان والمكان والشخصيات والسرد. داخل النص يمضي بأسلوب رسم اللوحات أو عزف الموسيقى وروايته : “الأسايطة ” تفتح الباب لمتاهة من الأحداث والأهوال والشجون بينما في روايته :”أيام الطالبية ” تتزاحم وجوه الناس داخل النص بأسلوب “الكولاج” لترسم معالم الاختناق في العشوائيات ليولد ويعيش ويموت أكثر من ثمانية أشخاص داخل نصف صفحة.

“عادل سعد” كاتب وروائي مصري له بصمات واضحة في الحياة الثقافية في مصر، من مؤسسي مركز الهلال للتراث، عمل مديراً لتحرير مجلة المصور، ورئيساً لتحرير جريدة الصباح (الإصدار الأسبوعي) ومديراً عاماً لتحرير جريدة الصباح اليومية، وهو رئيس الاتحاد المصري للشطرنج السابق وعضو اتحاد كتاب مصر وعضو جمعية كتاب ونقاد السينما وساهم في تأسيس جريدة المصري اليوم ومجلة كاريكاتير وجريدة الصباح.

صدر للكاتب (كلمات أحمد نجم الأخيرة) و(البابا مات) وهي مجموعة قصصية و(رمضان المسيحي) و(الأسايطة)و(أيام الطالبية) وترجم المركز المصري الروسي للثقافة والعلوم “البابا مات” و” رمضان المسيحي” للغة الروسية إلى أن فازت روايته الأخيرة “الكحكح” بجائزة الطيب صالح العالمية فئة الرواية هذا العام وهي رواية تمزج بين علم النفس وفنون دراما المسرح والسرد الروائي.

عن الكتابة وطقوسها والنقد والمجاملات وأحوال الوسط الثقافي في مصر وخارجها جرت وقائع هذا الحوار عن الفن والأدب والحياة.  

في البداية نهنئك على الفوز بجائزة الطيب صالح العالمية في الرواية. ماذا مثلت الجائزة بالنسبة لك؟ وهل الجوائز مهمة للأديب في مسيرته الأدبية؟

الجوائز مهمة للأديب خصوصاً في بلادنا. وفي بلاد أخرى يكفي أن تكتب رواية واحدة جيدة لتأمين حياتك.

والفوز الأخير يمثل عدة محاور: قيمة مالية تساعد على الاستمرار في الحياة والتفرغ للعمل الأدبي لسنوات أخرى وقيمة معنوية لأن للروائي الكبير “الطيب صالح” مكانة كبيرة في قلوب الروائيين. كما أن للجائزة مكانة عربية وعالمية لأن القائمين عليها رهبان يحرصون على الحياد الكامل والنزاهة والشفافية بعيداً عن الشللية والمجاملات وترضية كل الأطراف.

أخيرا للجائزة فائدة كبرى لأنها ستطبع العمل في طبعة غير تجارية رخيصة ليكون متاحاً للقراءة للجميع كما أنها ستسعى لترجمته ليعرض على العالم بالعربية والإنجليزية في آن واحد.

قرأت لك رواية “أيام الطالبية” ولاحظت أنك تميل في سردك إلى إسقاط الأحداث المأساوية في الرواية وما تفعله شخصياتها على الأحداث التاريخية أو المعاصرة كمبرر لها. هل تَعمَّدت ذلك لأن لديك رسالة تود إرسالها للقارئ؟

تلك رواية خانقة عن العشوائيات الفقيرة والزحام. والعنف في تلك المناطق الضيقة جزء من أساليب تدمير الحياة ولا يعاقب عليها القانون كانت العشوائيات عنصراً أساسياً لاندلاع ثورة يناير وكانت أيضا عنصراً أساسياً في إخمادها وفشلها والناس خرجت تصرخ: عيش.. حرية.. عدالة إجتماعية للاحتجاح على أوضاع الفقراء لكن الفقراء بدلاً من الدفاع عن الثورة خرجوا لتدميرها.

هناك أنواع وأنماط كثيرة للسرد القصصي. هل تميل في سرد رواياتك للسرد المتداخل الذي تترابط فيه المقاطع السردية إلى أزمنة متنوعة بين الحاضر والماضي والمستقبل؟

لكل نص في الدنيا روح تناديه ولا يُكتب بدونها. “ماركيز” مثلا كتب روايته الأشهر : ” مائة عام من العزلة” وظل قاعدا أمامها ثلاث سنوات يكتبها ويعيدها ولا يعرف ما العيب فيها حتى قرأ للمكسيكي : “خوان رولفو” وعرف أن واجبه أن يكتب الرواية بأسلوب جدته التي تتكلم بلا انقطاع مع الحيطان وتستضيف الأموات وتتناقش مع الصراصير والقطط والكلاب.

” أيام الطالبية ” مثلا كتبتها بأسلوب “الكولاج” في الرسم ازدحام شديد للشخصيات. لتعبر عن ضيق المكان وداخل نصف الصفحة يولد ويعيش ويموت ثمانية أشخاص في حياة شاقة ومستمرة بلا انقطاع.

 “الكحكح” رواية قلت إنها مزجت بين علم النفس وفنون دراما المسرح والسرد الروائي في بوتقة واحدة حدثنا عنها في عجالة. وهل للمسرح قيمة كبيرة عندك؟ ومتى يكتب “عادل سعد” مسرحية درامية في ظل تراجع فن المسرح أمام السينما؟

رواية “الكحكح” عن عصابة عجائز من كبار السن، نصف دستة مسنات وحيدات كلهن تجاوزن الخامسة والثمانين، والبنك والتأمينات والأقارب والعالم يعدون على الأصابع في انتظارموتهن وشراء أكفانهن لكنهن يقررن شيئا آخر.

يقررن الحياة!.

ووضعن دستورا وجدول ونظام.

كل واحدة منهن تستضيف زميلاتها يوما في الأسبوع ببيتها من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء. وتطبخ لهن أحلى المأكولات ليعشن بعيداً عن هذا العالم، يرقصن التويست والتشاتشاتشاه ويلعبن الكوتشينة ويدخلن السينما ويشاهدن مباريات الكرة وأفلام أودري هيبورن ورشدي أباظة وسعاد حسني.

ويزيد يوم للاستراحة ونظافة البيت.

صاحبة فكرة الاجتماع اليومي الأبلة أنعام مدرسة المسرح والغناء أتاحت لهن أفقا آخر ووفرت لهن فكرة التداوي والعلاج بالمسرح، كلهن عشن ظروفا صعبة واكتشفن أن لا أحد يختار الحياة، لكنهن على المسرح يخترن ما يردن، وممكن لأي واحدة منهن على المسرح أن تصنع حياة بديلة لتصبح رجلا أو مومسا أو ملكة أو سفاحة وأن تقتل وأن تحب وتغني وترقص.

والحقيقة أنا لا أجيد الكتابة للمسرح ولم أجربها وحرصت بعد انتهاء الرواية على عرضها على عالم المسرح الجليل د. “أسامة أبو طالب” خوفا من وقوع أخطاء وفوجئت بأنه يعد الآن كتاب عن “الكحكح” التي يعتبرها حدثاً أدبياً فريداً وغير مسبوق للجمع بين دراما المسرح والسرد الروائي.

“الأسايطة” رواية ملحمية تاريخية عن محافظتك محافظة أسيوط عرضت فيها شخصيات كثيرة من التراث الشعبي وملامح وطباع أهلها هل تميل لكتابة الرواية المعرفية والتي تجمع بين الحقيقة والتخييل؟

” الأسايطة” رواية مساحتها الزمنية 200 عام وهي عن مدينة سكانها 5 ملايين ولكي أكتبها لجأت للموسيقى، إنها سيمفونية أو معزوفة للمكان، أسيوط ويتفرع منها مئات الأصوات الصولو وأصوات الجموع للانتقال عبر العصور.

بداخل الرواية كتبت تاريخ المدينة الشعبي، محمد على باشا والملك فاروق وناصر والسادات في الهوامش هؤلاء لديهم كتابهم الذين يكتبون من أجلهم التاريخ، أما أنا فقد حرصت على كتابة حياة زعماء المدينة الحقيقييين مثل (عم مسلم الحرامي وعقروبة وخالتي هوى وخالتي بطة الحشاشة وخُط الصعيد وشفيقة أخت متولي) وكتبت تلك الروايات لأن كل ما كان يروى عن هؤلاء الناس أكاذيب.

أسيوط مدينة الأنبياء والقتلة خرج من بطنها نبي الله إدريس وعمر مكرم والجماعات الإسلامية. الرواية تُعد مرجعاً لكل من يريد معرفة جذور الارهاب المسيحي والمسلم في مصر.

 مع غزو الأعمال الروائية الرديئة للمشهد الثقافي لعدم وجود ضوابط للنشر. هل تؤيد حرية الإبداع على الإطلاق دون خبرة الكتابة السردية. أم تؤيد وضع ضوابط ومعايير دقيقة لاختيار الأعمال الصالحة للنشر وتقنينها؟ وما هي الضوابط الصحيحة من وجهة نظرك؟

أنا ضد المنع تماماً والأعمال الرديئة تسقط غالبا بعد سنوات من الزمن وينساها الناس.

“موت الناقد” ترددت تلك المقولة كثيرا في الفترة الماضية هل فعلا تراجع النقد الأدبي الأكاديمي المتخصص للرواية أمام بعض نخبة من القراء المثقفين الذين آمنوا بأن النقد متاح للجميع وغير مشروط بالنقد المنهجي؟

النقاد في بلادنا مصالح ومؤامرات وأهواء والمبدعين أيضا شلل وتحزبات ومراكز قوى ونحن الآن في حاجة لهدم كل تلك القواعد وفي حاجة لنقاد جدد مهمتهم فرز وغربلة المنتج الثقافي وتقييمه وتقديمه للناس، النقد الأكاديمي المتخصص يبدو في أغلب الأحيان متفذلكاً وصعباً على الفهم خاصة عند أساتذة الجامعات الذين لا يعنيهم الجمهور ويحرصون على الترقية بالأبحاث نحن في حاجة لنقاد يتواصلون مع الجمهور بلا تعقيد. 

 أعلم حبك لنجيب محفوظ وبمسيرته الأدبية هل تأثرت بطريقته الفنية في السرد القصصي في كتابة الرواية والقصة القصيرة؟

لا.. لم أتأثر بالأستاذ الكبير ولا غيره.. والحقيقة أن الدنيا في عالم السرد تغيرت تماماً.. بينما نقادنا ما زالوا نائمين في العسل ويتحدثون عن الواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية.. إلخ بينما الرواية تجاوزت كل ذلك منذ زمن.

نعلم أنك لست كاتباً فقط بل داعم لكل أنواع الفنون الراقية ومنها جمعية “محبي الفنون الجميلة” العريقة حدثنا عن تلك الجمعية وأهدافها؟

جمعية محبي الفنون الجميلة تأسست منذ مئة عام على يد (طه حسين والبرنس يوسف كمال ومحمد محمود خليل). وحاولنا مع مجموعة من الأصدقاء إحياء دورها الجامع بين الفنون الموسيقية والفن التشكيلي والشعر والرواية والمسرح. أنا شخصيا بدأت كشاعر ورسام. وظلال تلك المفردات يظهر بوضوح في أعمالي السردية.

مع التطور التكنولوجي وتوفر مؤشرات البحث عبر شبكات الإنترنت وسهولة جلب أي كتاب بضغطة زر برأيك هل اندثر الكتاب الورقي أمام القراءة الالكترونية؟

الكتاب الورقي لن يندثر والتطور التكنولوجي سيوفر بدائل أخرى لانتشاره كما أنه سيفتح أبوابا لأسواق جديدة.

 هل لديك مشروع معرفي تنويري تحارب به التطرف الديني عبر أعمالك الأدبية؟ وما هي نصيحتك للمبدعين الشبان في الرواية؟

لا أدعي التنوير ولا الإظلام وأكتب ما أراه بوضوح لأكشف مكامن الخلل. التطرف الديني موجود في “الأسايطة” و”في أيام الطالبية” وفي “البابا مات” وسيكون موجوداً في أعمال قادمة بشكل أكثر وضوحاً.

أدب

عن الكاتب

محمد جمال المغربي