الاغتيال الرقمي وإدارة السمعة

كتب بواسطة فاطمة بنت ناصر

الموضوع هنا لا يتعلق بقتل الجسد وازهاق دمه، بل بقتل روح ذلك الجسد و بقتل شخصيته و تفرده وبقتل أفكاره أيضاً. أدوات الجريمة ليست بأعيرة نارية ولا بشفرات حادة، تكفيك نقرات أصابعك على لوحة المفاتيح لتقوم بأبشع جريمة قد تتخيلها. كلماتك المكتوبة ستقوم باللازم و ستقوم بتشريح جسد الضحية وهي حية، سيجعل روحها تنزف بينما الألسنة تنهشها ليل نهار. ويالا الأسف إذ أن الضحية لن تدفن بل ستمشي مشوهة بين الناس للأبد. 

لا أقول ما أقوله من باب التنظير أو تهويل الأمور، حيث أنني أكتب من واقع تجربة شخصية، وقد كنت أظن لسنوات أنني قد أكون مبالغة في تقديري لحجم ضرره، ولكن حجم الضرر الذي تلقيته من  فضاء الأنترنت الواسع، كان أسوء بكثير من كل تجربة مماثلة تلقيتها على أرض الواقع.

 ومن هنا قررت أن أبحث أكثر واقرأ حول هذا الأمر الذي بات يشغلني كثيراً، آملة أن تتضح رؤيتي له و أمتلك ما يلزمني للتعامل معه.

تعريف الاغتيال الرقمي

 لم يضاف هذا المصطلح حتى الآن في معاجم اللغة العربية ، التي بالكاد تتنفس عوضا أن تضيف سطراً جديدا في قواميسها. أما المعاجم الأجنبية ومنها معجم اكسفورد فتعرف اغتيال الشخصية بالآتي :

هي معاملة متحيزة غير عادلة اتجاه إنسان تهدف إلى تشويه سمعته وصورته بين الناس.

مسرح الجريمة وأدواتها

الاغتيال الرقمي يحدث في الإنترنت لهذا فمسرح الجريمة لا تحده حدود جغرافية. قد تغتال شخصية في عمان لتجد من يتحدث عنها في أمريكا. الاغتيال الرقمي شهوده قد يصلوا للملايين بينما الاغتيال الجسدي المعروف قد لا يلقطه سوى بضعه شهود عيان. إذا فنحن نتحدث عن مسرح كبير وعن جمهور ممتد عابر للقارات.

أدوات الجريمة

لا يقتصر الأمر بكلام عشوائي غير منظم في برامج التواصل الاجتماعي، فهناك العديد من الأدوات التي يستخدمها الارهابيون التقنيون. ومن هذه الأدوات:

– اختراق أجهزة الضحية وسرقة بيانات خاصة بها وابتزازه عليها لاحقاً

– ‏سرقة البيانات السرية للضحية كبيانات البطاقات البنكية و ارتكاب جرائم باسمه ودون علمه

– ‏استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل تقنية التزييف العميق Deep fake واستخدام صوت الضحية وصورها على سبيل المثال و انتاج مواد بصرية و سمعية كاذبة بصوت وصورة الضحية.

– ‏كشف الهوية Doxxing وهي نشر بيانات شخصية عن الضحية تشمل اسمه واسم عائلته و مكان إقامته وغيرها من التفاصيل التي لم يشاء الضحية أن يشاركها مع الآخرين. فعل الفضح هذا يشجع الآخرين على مضايقة الضحية وابتزازها بسبب التحريض الذي يتعرض له.

– ‏التنمر الرقمي: قيام الأشخاص باستخدام لغة السب والشتم و التنابز بالألقاب و الأوصاف  والتي تقلل من شأن الضحية ويجعلها موضوعا للسخرية وقد يتعدا الأمر ذلك إلى التحرش الرقمي الذي غالبا ما يمارس ضد الناس باستخدام لغة جنسية بذيئة تستهدف الضحية.

– ‏هجوم الهندسة الاجتماعية: وما يميزها أن يتم تسخير عدد من الأفراد لكشف الضحية وابتزازها ببيانات خاصة بها. قد تكون حقيقية أو مزورة ونشرها عبر وسائل التواصل والتسبب بضرر مباشر على الضحية على مستويات عديدة اجتماعية واقتصادية و نفسية.

من المهم كذلك أن ندرك أن هذه بعض الوسائل التي نعرفها حالياَ ومن المتوقع أن تظهر وسائل جديدة للاغتيال الرقمي باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.

هل من فرصة أخرى لأصحح خطئي؟

للأسف لا. فبمجرد أن تتسع في الكتابة في الفضاء الالكتروني، لن يغفر لك ذلك، وإن اعتذرت وإن مسحت ما قد كتبته. وعلى عكس الحياة الواقعية يتميز الفضاء الإلكتروني بالآتي:

الخطأ في الفضاء الإلكتروني لا ينسى بسهولة على عكس الحياة الواقعية. فيمكن للتغريدة التي وضعتها بشكل متسرع وندمت عليها لاحقا وقمت بحذفها والاعتذار عنها- أن تبقى خالدة بفضل تصوير الشاشة لها ووجود آلاف النسخ بأرشيف العديد من الناس والذين لن يتهاون الكثير منهم بابتزازك بها لاحقا ولو مرت سنوات على ما ندمت عليه. يمكن تشبيه بالأمر بلطخة في البياض وببقعه قد يبهت لونها مع الأيام ولكنها ستظل باقية ولا تستطيع إزالتها.

أساسيات إدارة السمعة في العالم الرقمي

على الرغم من صعوبة مواجهة الارهاب الرقمي واغتيال الشخصيات التي نختلف في توجهاتها غالباً، إلا أن هناك اجتهادات لكيفية الدفاع عن أنفسنا في حالة تعرضنا للإرهاب الرقمي وكيفية حماية أنفسنا منه. فعلى سبيل المثال هناك عدة نصائح وردت في كتاب جون رانسون Jon Ronson في كتابه So You’ve Been Publicly Shamed :

– اهدأ و تراجع قليلا:  قبل الرد حاول أن تبتعد عن المشهد لتراه عن بعد وبهدوء، لتستطيع التفكير بالطريقة الأنسب للتعامل مع الحدث دون إنفعال وتسرع.

– ‏الإعتذار فضيلة : حين تدرك إنك وقعت في الخطأ فلا عيب من أن تقدم اعتذارا صادقا للناس. ولكن لا تحاول تبرير ما فعلته، أكتفي بالاعتذار الصادق فقط.

– ‏الرد و التفاعل الإيجابي: إن قررت التفاعل مع من أساء إليك فحاول أن يكون صدرك رحباً، وخاطبه باحترام لفهم وجهة نظرك. فهذا يعكس إنك تتقبل الآخر و ترحب بمعرفة آراءه و مناقشتها.

– ‏الانسحاب: لا عيب في انسحابك إن ظننت أن التفاعل غير مجدي وقد يسبب لك ضرراً إضافياً. أبتعد وحاول أن تتجاهل ما يحدث وركز في القادم وتقدم بخطوات إيجابية مستفيداً من كل خطأ وقعت فيه.

– ‏أتكئ على دعم أحبائك: في مواجهة الإرهاب الالكتروني ستظن أنك وحيد والعالم يتكالب ضدك. لا عيب في قبول المساندة والدعم من أحبائك و المقربين منك.

– ‏تذكر أن بخلف تلك الشاشة إنسان: في بعض الأحيان قد ننجرف دون وعي إلى  قافلة الإرهاب الإلكتروني، حاول إن تتدارك ذلك ولا  تحاول أن ترد على المخالفين بالإساءة و تصبح إرهابي ومتحرش تقني آخر. تذكر أن بخلف تلك الشاشة و وراء ذلك المعرف إنسان قد يتضرر من سلوكك وكلامك.

– ‏تعلم التعاطف مع المختلف: تذكر أن الجميع يذنب ويخطئ، حاول أن تتعاطف مع المخالفين و المذنبين، فالجميع يحتاج فرصاً للتغيير للأفضل. تعاطفك قد يكون سبباَ في ذلك. – ‏تعلم من أخطائك: حين تتعرض للإرهاب الالكتروني حاول أن تتعلم من السلوك الذي حرض الناس ضدك،  حاول أن تتعامل بأسلوب مختلف في المرة الأخرى، لتتجنب هذه المواقف مستقبلاً.

مختارات الثقافة والفكر

عن الكاتب

فاطمة بنت ناصر

كاتبة ومترجمة