ثيمة الحرية تحركني دائماً

كتب بواسطة رابعة الختام

الروائية المصرية هالة البدري

التشابه بين روايتي و”مالينا” لانجيبورج باخمان هو النزعة للحرية والتأثيرات الشديدة للحروب

 أبطالي صور ذهنية لبشر حقيقين أعيد تفكيكها

حاورتها/ رابعة الختام

 قال عالم الفيزياء الألماني ألبرت آينشتاين: “الإبداع خيال، والخيال للجميع”، وهذا ما طرحته الروائية المصرية في مجمل أعمالها خاصة رواية “وادي الكون”؛ لتطرح ولتشتبك مع القارئ في جدلية: نشأة الكون والأديان والمعتقد والأساطير.

جدد فوز الروائية والكاتبة الصحفية هالة البدري الشجن النسوي لتجاهل النساء في التكريمات والفوز إلا ما ندر، وإلى شح المرات التي فازت فيها النساء بجوائز كبيرة.

والجدل حول أحقية الأدب النسوي بالالتفات إليه وإلى مبدعاته، وتطرق الحديث في حوارنا مع البدري إلى الكثير من القضايا الشائكة، وحول مشروعها الإبداعي؛ فإلى نص المكتوب …..

**في مجموعتك القصصية “مدارات البراءة” تطرقت إلى عدة قضايا شائكة ومنها “اغتصاب طفلة”، كيف تلتقطين الخيط الأول لكتاباتك؟

*ثيمة الحرية هي ما أحاول إبرازه في كافة أعمالي، حتى وإن لم تكن ظاهرة بشكل مباشر، كذلك الضعف الإنساني؛ فأنا أركز على ما يؤثر على البشر من نوازع إنسانية وبيئية واجتماعية، فنحن لا نعيش بمعزل عن غيرنا، وإنما في مجتمع متأثرين بعاداته وتقاليده، أشعر كيف يكون الإنسان وحيداً في هذا العالم، وكيف يعرف سر الوجود وكونُه محاطاً بالأسئلة الوجودية؛ لذا أتناول قضايا اجتماعية ونفسية وتاريخية وعلمية، ولا أركز على قضايا بعينها.  

الكتاب مقسم إلى قسمين: ذاكرة هالة البدري، وذاكرة الأخرين. وما ألتقطه من حكايات وما عاصرته من أحداث محيطة، أحياناً ألتقط الأفكار من جملة قالها عابر سبيل؛ فتفتح الباب لتشكيل أفكار داخل عقلي، وتتداعى الأفكار والمشاعر لتتحول إلى كتابة مع الوقت. وأحياناً ألتقط الأفكار من موضوع مثار، ويبدأ عقلي في تفكيك الأحداث وإعادة ترتيبها بشكل معين فتظهر قصة، وربما مشاعري تجاه شخصية ما، وأحياناً أبدأ الكتابة بجملة جاءت إلى ذهني؛ فكل رواية أو مجموعة قصصية ولدت بمعرفتها هي.

** ما بين “نساء في بيتي”، “مدارات البراءة”، و”وادي الكون”، كيف تطورت مفردات هالة البدري؟

*نساء في بيتي بدأت في مرحلة من عمري وأنا متفرغة بشكل كامل للكتابة، وبدأت برسالة للماجستير قامت بها الباحثة (أميرة سعد)، وكانت فكرتها عبارة عن دراسة مقارنة بين روايتي “امرأة ما” ورواية “مالينا” لانجيبورج باخمان وهي تكتب بالألمانية، والغريب الذي كشفت عنه أميرة هو تشابه بين الروايتين على الرغم من أنها لم تترجم إلى العربية.

والخلاصة أثبتت وجود تشابه اجتماعي من حيث النزعة للحرية والتأثيرات الشديدة للحروب بيننا، روايتي تأثرت في كتابتها بحرب أكتوبر وقبلها 67، وهي تأثرت بالحرب العالمية.

وضحكت كثيراً قائلة: سأبحث عنها بنفسي والغوص في عالمها، وبعد سنوات طويلة حين بدأت التفرغ الكامل دعوت إين إلى بيتي، وفوجئتُ بأنها كانت رفيقة حياة لباول سيلان الشاعر المجري، وماكس فريش المسرحي السويسري والروائي العالمي

كانت البداية النقاش معها حول أعمالها وأعمالي ثم اتسعت الرغبة بدعوة آخرين، وكنت وقتها شغفت بأعمال جورجيا أوكيف، وقررت استضافتها مع باخمن، وحين فكرت في كاتبة عربية كانت قوت القلوب الدمرداشية، ودعوت ثلاثتهن ثم رجالهن وأبطال أعمالهن حتى اتسعت الرواية وأصبحت “نساء في بيتي”.

ومن حيث المفردات؛ فهي إتاحة الفرصة للخيال بشكل أوسع كثيراً ليأخذ مساحات أكبر، ومع نمو الكتابة والعمر اكتشفتُ مسارات أخرى لحرية الخيال، وهذا ما يجمع بين “نساء في بيتي” و “مدارات البراءة” و “وادي الكون”؛ فمساحة الخيال فيها شاسعة فقد تخيلت كيف صنع الكون من وجهة نظر كل شعوب الأرض، وكيف أن الإنسان البدائي الوحيد كان ينازع الحيوان على الأرض ويتعايش من لحمها ويأكل ما تجود به الأرض، وأقمت الرواية من حيث اتساع رقعة الخيال على تصوراته القديمة وتصورات أبطال العمل، وكيف نمت مفردات الكتابة بشكل عام لإصراري على إيجاد لغة خاصة لكل رواية.

فلك أن تتخيلي أن “منتهى” استغرقت 14 عامًا لجمع قاموس خاص بها لكي أكتب بلسان الفلاح، وكيف فعلت هذا في “ليس الآن” للكتابة بلسان ضابط مصري في الجيش يتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي، وكل عمل له دراسة خاصة في بيئة العمل، ودائماً أريد ابتكار بنية سردية مختلفة، وهي جزء من لعبي بالورق ولعبي مع القارئ.     

**لك أسلوب مميز مع بساطته؛ فهل تبتدعين لنفسك لغة جديدة؟ وهل تحرصين على تضمين كلمات لجذب  القارئ؟

*أميل للبساطة وإن كنت أحياناً لا أستطيع هذا؛ فيكون تركيب الجملة بحاجة إلى تركيز أعلى، وأنا أميل لشعرية النص في الأعمال التي تتحدث عن الحب، ويتنوع الأسلوب داخل العمل الروائي الواحد حسب الشخصيات؛ ولكن بلغة مبدعة تحلق في الآفاق، غير أني بعيدة تماماً عن الغنائية في النصوص وأعدُّها ترهلًا، وعن تضمين كلمات لجذب القارئ لا يكون من خلال الكلمات إلا إذا كانت سخرية أو مفارقة، صنعة المفارقة داخل العمل نفسه، وبوجه عام الجاذبية تأتي من التشويق والغموض؛ فحرفية الكتابة هي صنع دهشة أو ألم فأحياناً أوجه له اللوم لأنه يسكت عن أشياء لا يجوز السكوت عنها، بالمسكوت عنه في المجتمع.

** “السباحة في قمم على قاع المحيط” تحدثي عنه وكيف كانت رسائلك للقارئ؟

*أول أعمالي المنشورة في كتاب، تتحدث عن أطفال فريق سباحة ومحاولة اكتشافهم للعالم في الفترة الزمنية من 67 إلى 73، وكان المجتمع في حالة انهيار بسبب الهزيمة وترقبهم للنصر واستعادة الأرض في سيناء، ويفاجأ هؤلاء السباحون بعد فوزهم ببطولة كبيرة بعد معاناة صعبة جداً، وبعضهم الأكبر سناً يلتحق بالكلية الحربية والأصغر يتطوعون في القصر العيني لمساعدة الجرحى كممرضي طوارئ، ويكتشفوا لأول مرة الجندي القادم من قرى فقيرة جداً في الصعيد أو بحري وكيف يضحون من أجل الوطن؛ فيتساءلون عن معنى البطولة، ومن هو البطل.

** ما بين الروايات والقصص والعمل الصحفي والأعباء الأسرية، إلى أي مدى ترى هالة البدري أنها نجحت في هذه الأدوار؟

*أنا زوجة وأم أولاً، نظمت حياتي بحيث أرتب أدواري؛ ولكن الانتصار الأقوى لدوري كزوجة وأم، ولا نقاش في هذا، والتوازن بين الصحافة والأدب كان مرهقاً للغاية، خاصة وأنني منشغلة بهموم الناس طوال الوقت.

وتستمر لعبة التوازن بين الصحافة والأدب، وكنت أسجل الأحداث والأفكار كخطوط عريضة، وحين جاءت ثورة يناير الرائعة وما تلاها في فترة حكم الإخوان، وأفخر بأنني رغم كوني كنت أسير على الحبال وبين الفخاخ إلا أنني كتبت وزملائي انعكاسًا كاملًا للحقيقة التي تعد الآن وثائقًا مهمة جداً تؤرخ لفترة مهمة للغاية، رغم أن المجلة كانت تصدر عن وزارة الإعلام والدولة بكاملها يسيطر عليها الإخوان.

وفي روايتي “مدن السور” حاكمت الثورة وبعدها وجدت ملامحًا كثيرة من روايتي في أعمال أدباء آخرين.

كتبت “وادي الكون” بطريقة مغايرة؛ لأنني كتبتها عن دراسة الأديان القديمة والمعتقد القديم وعكفت على مقابلات مع رجال الدين وعلمائه، وقرأت العديد من الكتب التاريخية القديمة والأساطير.

ما يتعلق بنجاحي من عدمه أنتم من تستطيعون الحكم به؛ لكنني فخورة بكون مجلة الإذاعة والتلفزيون كانت تعكس الحقيقة وما يدور في الشارع المصري بكل وضوح، وتعد الآن وثيقة هامة لا يمكن للمؤرخين إغفالها.

** الغلاف وعنوان الكتاب من أهم أدوات جذب القراء، كيف تختارين أغلفتك وعناوينك؟

*أختار رسامين للغلاف لديهم وعي؛ فمثلاً حين انتهيت من روايتي “منتهى” كنت أتخيل أن الفنان حلمي التوني هو من يقوم برسم الغلاف، وحين اتصلت به وهو فنان كبير ولا يعرفني طلب مني النص ليقرأه، وفاجأني بعد يومين فقط بإرسال الغلاف، واستمر الفنان الكبير حلمي التوني يرسم أغلفتي لوقت طويل حتى ظن البعض أن رواياتي تصدر عن دار الهلال؛ لأنه كان رسامًا لديهم في ذلك الوقت.

وفي رواية “امرأة ما” كان تفكيري في “عدلي رزق الله” وكانت رسوماته تجسد روح الأنثى وهو تماس مع الفنانة جورجيا أوكيف، وكان غلاف “نساء في بيتي” لوحتها الوردة البيضاء.

غالبا ما أشارك في الغلاف، والأعمال تخرج بعناوينها.   

**منذ كتابة ديستوفيسكي لروايته الإخوة كروامازوف، والأدباء يراودهم السؤال المحير من أين يلتقط الكاتب أبطاله، وكيف يلتقيهم؟

*أستقي أبطالي من صورة ذهنية؛ ولكنني أعيد تفكيك الشخصيات، ففي رواية “نساء في بيتي” هن شخصيات حقيقية، وشاهدت من أجلهن أفلاماً قصيرة، ومقالات وأعمال أدبية.

لكن في وادي الكون الشخصيات يحركها الخيال والخصوبة في العلاقة بالدنيا والأحداث، خلطة خيالية.

هالة البدري روائية وقاصة وناقدة مصرية، رئيسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية سابقا.

نشرت رواية مُنتهى عام 1995، وهي قصة تجري أحداثها في قرية خيالية على ضفاف دلتا النيل. أما رواية امرأة ما؛ فهي العمل الرابع للبدري حصلت على المركز الأول كأفضل رواية في معرض القاهرة الدولي للكتاب في عام 2001.

حصلت على جائزة الدولة للتفوق الأدبي عن مجمل أعمالها عام 2012

كرمت في العديد من الدول ودرست أعمالها في عدد من أهم الجامعات في العالم، منها جامعة متشجن وشيكاغو والقاهرة وعين شمس. وكانت أعمالها محورا لعدد من الرسائل العلمية منها: دراسة مقارنة بعنوان الأنا النسوية بين “امرأة ما” ورواية “آنا مالينا” للكاتبة الألمانية انجيبورج باخمان للباحثة أميرة سعد من قسم اللغة الألمانية بكلية الآداب جامعة عين شمس، جماليات الرواية النسائية في مصر عبد الخالق قاسم خلف من كلية الآداب جامعة حلوان عام2005، الرؤية السياسية في الرواية النسائية في مصر من عام 75 إلى عام 2000 عبد الخالق قاسم خلف من جامعة سوهاج عام 2011

أهم أعمالها، السباحة في قمقم على قاع المحيط، الطبعة الأولى، 1988م، دار الغد

رقصة الشمس والغيم، 1989م، دار الغد، أجنحة الحصان، 1992م، مختارات فصول من الهيئة المصرية العامة للكتاب، منتهى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م 

وتوجت مسيرة الكاتبة الروائية هالة البدري بحصد جائزة الدولة التقديرية، بعد

أن قدّمت عددا من الأعمال الأدبية على إمتداد مسيرتها.

أدب

عن الكاتب

رابعة الختام