لقد ساهمت العولمة في تقريب العالم من بعضه البعض بوسائل مختلفة، وأصبحت هناك منافسة كبيرة بين الدول في التعريف بمقوماتها المختلفة والتي تتميز بها عن بقية دول العالم، فلم يعد التأثير في عالمنا المعاصر مربوطاً بالضرورة بقدرات الدول العسكرية فقط، وإنما أصبحت هناك آليات جديدة تلجأ إليها الدول للوصول إلى التأثير الذي ترغب به، ونيل الاعتراف الدولي الذي تطمح فيه، ولعل أبرز تلك الآليات هي صنع وتعزيز العلامة التجارية للأمة، والتي تعتمد بشكل أساسي على عدة مقومات أهمها الثقافة والدين والجغرافيا والسياسة. وفي الحقيقة يمكن اعتبار العلامة التجارية للأمة هي أحد أهم القوى الناعمة الفعالة التي تتجه الدول في تبنيها وترسيخها في سياساتها الخارجية. وتأتي القوى الناعمة على أشكال مختلفة مثل المساعدات الإنسانية والخيرية، واستضافة الأحداث الاقتصادية والرياضية والثقافية العالمية الهامة، واستثمارات الصناديق السيادية، رعاية أشهر الأندية الرياضية العالمية، وغيرها الكثير. وعلى خطى جاراتها دول الخليج، التفتت سلطنة عمان إلى أهمية تفعيل سياستها الخارجية من خلال تنويع آليات القوة الناعمة، تمثل ذلك في رعاية الطيران العماني المملوك من الحكومة لنادي تشيلسي الإنجليزي المُنافس في الدوري الإنجليزي المُمتاز لكرة القدم.. إن الاتفاقية الأخيرة بين الطيران العماني ونادي تشيلسي لعله أبرز خطوة قامت بها الحكومة العُمانية في سبيل الترويج للعلامة التجارية للأمة العُمانية، والتي من التأكيد سوف تكون عوائده هائلة على الاقتصاد والسياحة في سلطنة عمان. ولعل هذه الخطوة كانت متأخرة نوعاً ما بسبب الازمة الاقتصادية التي عانت منها البلاد منذ عام 2014 إلى الفترة التي تقلد فيها السلطان هيثم مقاليد الحكم، والذي قام بإصلاحات اقتصادية ومالية وفرت سيولة كافية في خزينة الدولة، تم استثمارها في قطاعات مختلفة. سوف تكون هذه الرعاية الرياضية أحد أهم الوجوه الدبلوماسية التي تسعى السلطنة لترويجها أمام الجماهير الدولية، كما سوف تساعد مثل هذه الاتفاقيات على تحديد الاستراتيجيات العامة للدولة، فضلا على تجديد الصورة الوطنية الامر الذي سوف يعزز من قيم الولاء والانتماء لدى المجتمع المحلي.
الجدير بالذكر بأن نادي تشيلسي لكرة القدم من أعرق الأندية الإنجليزية فقد تأسس بتاريخ 10 مارس 1905م، حيث يقع في منطقة فولهام في مدينة لندن. ويلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم. ويحتل الفريق المرتبة الخامسة من حيث الحضور الجماهيري في إنكلترا، كما قد أحرز النادي بطولات محلية وقارية عدة أبرزها، لقب الدوري الإنجليزي الممتاز 6 مرات، ولقب كأس الاتحاد الإنجليزي 7 مرات، ولقب كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة 5 مرات، ولقب درع الاتحاد الإنجليزي 4 مرات، ولقب كأس الكؤوس الأوروبية مرتين، ولقب كأس السوبر الأوروبي مرتين، ولقب الدوري الأوروبي مرتين، وكذلك لقب دوري أبطال أوروبا مرتين. وفي شهر أبريل 2013 صنفته مجلة فوركس في المركز السابع في قائمة أغنى نادٍ في العالم بقيمة 588 مليون يورو (901 مليون دولار) وبزيادة 18% عن العام السابق. وبالنظر للتجارب الخليجية مثل رعاية طيران الامارات لأبرز الأندية الأوروبية مثل ريال مدريد ومانشستر سيتي وميلان، ورعاية الخطوط الجوية القطرية لنادي برشلونة وباريس سان جيرمان وبايرن ميونخ وغيرها، فقد حققت هذه الشركات الوطنية أداء ماليا قويا بسبب اتفاقيات الرعاية، والتي أسهمت في الترويج عن المقومات السياحية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لهذه البلدان، الامر الذي حقق عوائداً هامة في قطاع الاستثمار والسياحة.
إن سعي السلطنة في مواصلة الاستثمار في العلامة التجارية الوطنية جاء بسبب وعي القيادة العليا بأهمية التعريف الإيجابي بالسلطنة في ظل التحديات التي تواجه منطقتنا الخليجية بشكل خاص والشرق الأوسط على وجه العموم، حيث أن سلطنة عُمان تقع في منتصف محيط سياسي متحرك، وتحاول أن تكون نقطة الارتكاز لهذا المحيط حتى يحقق الاستقرار الذي يطمح إليه الجميع. وبطبيعة الحال، فأن السلطنة تعي تماما بحجم المنافسة الكبيرة في الترويج لعلامتها التجارية، خاصة وأن هناك بلدان خليجية تتشابه في خصائصها الاجتماعية والثقافية مع السلطنة، قد بدأت في هذا القطاع منذ فترة طويلة، وبإمكانيات مالية هائلة، حيث نرى استقطاب قطر لكأس العالم ضمن لها تواجد مؤثر على الخارطة الدولية، وكذلك الحال بالنسبة لدولة الأمارات العربية المتحدة. وعلى نفس الخطى، فإن اتفاق الرعاية الأخير لنادي تشيلسي سوف يسهم في جذب المستهلكين والمستثمرين والسياح ووسائل الأعلام وحكومات الدول الأخرى، الامر الذي سوف يحقق لا محالة قيمة إضافية جديدة للبلد، وليس بالضرورة أن تكون العوائد مالية فقط من هذه الاتفاقية بل سوف تتضمن أيضا عوائد معنوية تتمثل في التعريف الإيجابي للسلطنة ومقوماتها المختلفة، وهذا مكسب لا يقدر بثمن، ولهذا الامر يجب أن يتعاون الجمهور المحلي مع الحكومة في تحقيق الهدف من هذه الاتفاقية على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي في السلطنة قد ضجت بسبب هذه الاتفاقية ما بين مؤيد ومعارض، وهناك من يرى بأن التكلفة المادية لهذه الاتفاقية غير مبرره في ظل تراكم خسائر الشركة منذ عام 2015 إلى 2019 والتي وصلت 1.3 مليار ريال، واستمرار تكبد الشركة لخسائر متوالية في ظل جائحة كوفيد 19 التي شلت السياحة والتجارة حول العالم، ولم تستطع الشركة أن تتعافى بشكل جيد حتى بعد انتهاء الجائحة. البعض يرى بأنه يجب على الحكومة أن تولي اهتمامها في الوقت الراهن بقضايا ذات أولوية مثل معالجة ملف الديون الخارجية ومشكلة الباحثين والمسرحين عن عمل وغيرها؛ إلا أن اتفاقية الرعاية سوف تعمل بشكل مباشر وغير مباشر في حل تلك القضايا التي يعاني منها البلد حالها حال بقية الدول. إن بناء علامة تجارية ناجحة سوف يتيح للسلطنة أمكانية المنافسة في السوق العالمية، وسوف تساعد السلطنة على كسب اهتمام وثقة الدول والمستثمرين والسائحين. من المؤمل أن تكون سلطنة عمان مقصداً هاما في قطاع الاستثمارات والسياحة، خاصة في ظل وجود مدن واعدة مثل الدقم وصحار وصلالة، وهذا الامر سوف يحقق بالتأكيد رخاء اقتصاديا واجتماعيا لأهالي البلد والمقيمين فيها.