في إطار الحرب الفلسطينية “طوفان الأقصى” الإسرائيلية “السيوف الحديدية” الدائرة رحاها في الوقت الحالي بين الطرفين، تخرج القيادات العسكرية الإسرائيلية من حين لآخر بتصريحات استفزازية ليس للفلسطينيين فقط، بل تُعد تصريحات مثيرة لحفيظة بقية شعوب المنطقة خاصة مصر، دولة الجوار.
ومن آخر تلك التصريحات التي أدلى بها “الكلونيل ريتشارد هيشيت” كبير المتحدثين العسكرين للإعلام الأجنبي قبل عدة ساعات، نصيحة للفلسطينيين بالإسراع واللجوء إلى مصر قبل إغلاق المعبر هرباً من الضربات والغارات، قبل أن يعود ويلغي تلك التصريحات التي أثارت موجة غضب عارمة في الداخل المصري.
ووفقا لوكالة “أنباء العالم العربي”: أكدت المصادر “أن السيادة المصرية غير مستباحة، وأن سلطة الاحتلال مسؤولة عن إيجاد ممرات آمنة إنسانية لشعب غزة” الرد الذى يُعد شديد اللهجة. وقد عدَّ الجانب المصري أن مثل هذه التصريحات والدعوات لإفراغ القطاع من أهله من شأنها تضييع وتصفية القضية الفلسطينية من أساسها.
ولم تثر تصريحات القائد العسكري الإسرائيلي تحفظ القيادات الرسمية في مصر فقط؛ لكنها أيضا أثارت الغضب الشعبي، الذي تمثّل في موجة الرفض الكبيرة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذى صرّح أغلبهم بأنه رغم الأخوة بين الشعبين الفلسطيني والمصري إلا أن كل بلد أولى بأهلها، وتوطين الفلسطينيين في سيناء مرفوض بشكل قاطع.
أيضا حذّرت القبائل السيناوية ومشائخ القبائل هناك الحكومة من تنفيذ مخطط التوطين للفلسطينيين بعدما أعلنت السلطات المحلية في سيناء نيتها عن إقامة عدد من المخيّمات تحسبا لموجة نزوح جماعي كبيرة آتية من فلسطين، مستغلين النازحين ضعف القوة الأمنية على الحدود المصرية الإسرائيلية التي لا تتعدى سبع مئة وخمسين جنديا من عناصر الشرطة، بحسب اتفاقية كامب ديفيد.
وفي استطلاع لموقع اليوم السابع المصري، أجري في محافظة سيناء، صرّح خالد عرفات، منسق حزب الكرامة بشمال سيناء: إن إيواء أهل غزة في سيناء مرفوض؛ لأنه أول مراحل التوطين وتنفيذ السيناريو والمخطط الأمريكي الصهيوني لما يُعرف باسم “مشروع وطن بديل”
جيورا، على درب بلفورد.
وكأنما التاريخ هنا يُعيد نفسه؛ فلم تكن تصريحات القائد العسكري بلجوء الفلسطينيين إلى مصر بجديدة؛ فقضية الوطن البديل للفلسطينيين كانت مطروحة منذ أكثر من ثلاثين عامًا. وقد قدم فكرة الوطن البديل هذه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي “جيورا إيلند” في يناير 2010، والذي أعد دراسة خطيرة قدمها إلى مركز “بيجين، السادات للدراسات الاستراتيجية” كحل لمعضلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومحور الاقتراح هو ترك يد إسرائيل وسيطرتها على المساحة الأكبر من الضفة الغربية مقابل منح الفلسطينيين مساحات كبيرة من أراضي سيناء المصرية لإنشاء دولة مستقرة مستقلة بها! وكأنما سيناء هذه أرض بلا شعب!. وبذلك يكون قد سار على درب وزير الخارجية البريطاني “أرثر بلفورد” عندما وعد بإقامة وطن لليهود في فلسطين، الدولة التي لا يمتلكها ولا يحق له التحدّث باسمها، ليحل مشكلة اليهود في أوروبا ويتخلّص منهم، وأعطى لهم ما لا يملك.
هذا المشروع، والذي طرح كجس نبض في فترة حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وقد رفضه حينها بشكل قاطع مما دفع بالإسرائيليين للانتظار على تنفيد هذا المشروع لحين الانتهاء من حكم مبارك.
وكاد بالفعل أن يوافق خلف مبارك في الحكم، وهم جماعة الإخوان برئاسة محمد مرسي على تنفيذ هذا المخطط. وحدث ذلك عندما التقى محمد مرسي رئيس جماعة الإخوان بوزير الخارجية الأمريكي 2013 جون كيري حينها، واتفقا على أن تُسقط واشنطن ديون مصر في مقابل السماح للفلسطينيين بالتوّطن في سيناء، وكانت كل الدلائل تشير إلى قبول رئيس جماعة الإخوان لهذا المقترح؛ فهم منذ بدء ثورة يناير 2011، تحالفوا مع حماس، وبالإضافة إلى فكرهم عن إزالة الحدود القومية بين الأوطان غير المعترف بها لديهم. فمن أدبيات بل والعقيدة الأشد رسوخاً لدى الإخوان، هي “الخلافة” والخليفة له مركز يحكم منه وبقية الأوطان في العالم، خاصة العربي، بالنسبة لهم مجرد ولايات تتبع الخلافة وإنّ ما يسمى بالأوطان المستقلة لهو بدعة؛ لكن الله سلّم ولم يبقوا في الحكم أكثر من عام.
وفي عرضه للمشروع الشيطاني عن الوطن البديل، يقول جيورا: إن حل القضية الفلسطينية ليس مسؤولية إسرائيل وحدها بل هي مسؤولية اثنين وعشرين دولة عربية، وعلى مصر والأردن تحديدا المشاركة بشكل فعالا أكثر لصياغة حل إقليمي للمعضلة “وأردف” أنه ليس من المنطق أن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي في انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة”
وبموجب هذا المشروع سيتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية أي ما يعادل 770 كيلو متر، وهي المساحة التي تضم الكتل الاستيطانية الكبيرة المحاذية لحدود 1967، بالإضافة إلى جزء من أراضي الغور الفلسطيني المشتركة مع المملكة الأردنية ومن ضمنها الأراضي المطلة على البحر الميت. في المقابل سيأخذ الفلسطينيون نفس المساحة 770 ككيلو متر مربع؛ لكن من الأراضي السيناوية المصرية المحاذية لقطاع غزة. وهي عبارة عن مستطيل عرضه 24 كيلو متر، وبطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا وحتى حدود العريش، هذا ضلع وأما الضلع الآخر يبلغ طوله 30 كيلومتر من معبر” كرم أبو سالم” ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. وهكذا ستتضاعف مساحة غزة ثلاث مرات.
عندما كان هذا المشروع مجرد أحاديث تدور في كواليس الصحافة أو حتى على مسرحها باستحياء، اتهم الكثيرون ممَن يرددون الأحاديث عن ذاك المشروع بالمخرفين؛ لكن في نوفمبر 2017 صرّحت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية “جيلا جملنيل” والتي كانت حينها موجودة بمصر في مؤتمر تمكين المرأة، وقالت “إن أفضل مكان يمكن أن يقيم الفلسطينيون فيه دولتهم هو سيناء” وهي التصريحات التي كادت أن تتسبب في أزمة دبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب، بحسب تعبير القناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلي. وكان لنفس الوزيرة حوار مع مجلة “ريبونوت” وقالت فيه: “إن ثمة خطة سياسية يمكن أن تحظى بقبول دول عربية مجاورة لإسرائيل، تقوم على إقامة دولة فلسطينية في سيناء”، وفي الحوار نفسه شددت على أنها ضد إقامة أي دولة فلسطينية على أرض فلسطين، والتي تُعد تهديداً لأمن الإسرائيليين ووصفت الأمر بأنه “خطر على إسرائيل”.
وفى تصريح لقناةRT، تقول الدكتورة “رنيا فوزى” المتخصصة في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، قالت “منذ مطلع عملية طوفان الأقصى وما تبعتها من إهانة لقوة الردع الإسرائيلية، وإظهار حالة من الخلل أثلجت صدور العالم المتعاطف مع القضية الفلسطينية. وأضافت “لكن يبدو أن هناك استغلالا إسرائيليا لمحاولة كسر شوكة حماس واستعادة هيبة الحكومة الإسرائيلية بتكثيف الغارات والتجهيز لاجتياح غزة لتنفيذ مخطط مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، وهو ما كانت تتحسب له مصر وقياداتها عقب العملية؛ فأصبح مشروع توطين الفلسطينيين وإزاحة صداع غزة من رأس الاحتلال من المؤكد أن يخلق توترا جديدا قد تشهده”.
وفي سياق متصل، أصدرت السلطة الإسرائيلية تحذيرا لمصر، منذ ساعات قليلة، بضرب أي شاحنات لمساعدات تدخل إلى غزة، وكأنما لسان حالهم يقول “ساعدوهم عندما ندفعهم لاحتلال أراضيكم”. بالفعل انسحبت الشاحنات المصرية المحملة بالمساعدات الطبية والغذائية من المعبر بعد توجيه الضربات الإسرائيلية له. وقد صرّح مدير الهلال الأحمر المصري بسيناء أن المساعدات المصرية توقفت بعد التحذير وتوجيه الضربات مرتين بالفعل للمعبر. وبذلك تكون إسرائيل حققت الخنق الكامل للفلسطينيين بقطع الماء والكهرباء والمساعدات الخارجية عن القطاع.
فالمطلوب من الفلسطينيين باختصار، أن يعيدوا ما فعله الصهاينة منذ سبعين عاماً، أن يتركوا أوطانهم التي ولدوا وعاشوا فيها هم وآباؤهم وأجدادهم منذ آلاف السنين، ليحتلوا أوطان غيرهم، فقط لتحقيق الاستقرار للمحتل. ورضوخ مصر للمخطط الشيطاني، بحسب أحلام سلطة الاحتلال.
تصريحات الرئيس المصري الاسبق حسنى مبارك عن اقتراح الوطن البديل.
https://www.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%8A%D9%84
تصريحات مصطفى بكرى على موقع تويتر