البنية الشعبية والفئات المجتمعية في عمان منذ عام 1970م: العمانيون المتحدثون للسواحيلية ورحلة البحث عن الهوية

يتضح هذا الخط الفاصل بين العمانيين في أفريقيا في التفاوت الحاصل في أساليب المصاهرة التي اتخذها العمانيون فكان عرب المانغا يقدمون منفردين للحصول على عمل في أفريقيا مما يجعلهم يلجؤون للتعددية الزوجية فيتزوجون من أفريقيات ، وبمرور الوقت وبانضمام النساء والعائلات إلى الرجال في حلّهم وترحالهم إلى أفريقيا استقرت الزوجية عند عرب المانغا المتعصبين

للكاتب: مارك فاليري[1]، ترجمة: عاصم بن عبدالله الصقري، وعيسى بن خلفان الصقري

ملخص الورقة:

مثّلت رحلة تأسيس هوية وطنية تستوعب مختلف الأعراق اللغوية في عمان أحد مشاريع السلطان قابوس السياسية. تركّز هذه الورقة على المكانة التي صار إليها العمانيين القافلين من المستعمرتين السابقتين: زنجبار وشرق أفريقيا؛ تلبية لنداء السلطان قابوس إلى “المواطنين” في الخارج. ورغم الدور الذي لعبه العائدون في مسيرة التطوير في السلطنة فقد كان هؤلاء المتحدثون للسواحيلية عرضة لتعصّب وتحيّز القاطنين في عمان، لدرجة تصل إلى إرغامهم على إبداء ضمانات تؤكد على تبعيّتهم الكاملة للشعب. ونتيجة لذلك فقد شكّل هؤلاء لأنفسهم هوية جديدة شيئا فشيئا، والتفّوا حولها رغم الفروقات، بدافع يبرّر حقّ العيش ضمن إطار دولة عمان الجديدة، والتي تُستدعى عند الضرورة فقط لضمان بقاء مكانتهم منها.

بعد انقلاب قابوس بن سعيد على أبيه في يوليو 1970م حاملا لقب سلطان عمان خرجت الدولة المعزولة من حرب أهليّة دامت 15 سنة امتلأت بالانقسامات الاجتماعية والسياسية[2]، وليحفظ السلطان مكانته ولضمان تقبّله جعل من نفسه الوحيد القادر على جمع الأعراق اللغوية المتواجدة حينها على أرض عمان في سدّة واحدة، وعمد إلى تأسيس هوية موحّدة[3]. ولتحقيق ذلك تبنى السلطان القوة المتجانسة لنظام الدولة المركزية مستغلا العوائد النفطية الضخمة التي تم اكتشافها مؤخرا آنذاك. أحدثت العوائد النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة تطورات اقتصادية واجتماعية لم تُعهد سابقا، فحينها شهد الجو العام تدفّق الكثير من الوظائف التي توفرت لجميع الفئات ولمختلف المهارات. وكان العاملون المدنيون في الجيش الوطني والشرطة والعاملون في الإدارة الحكومية أقل ميلا لمساءلة النظام لأنهم اعتمدوا عليه بشكل مباشر. لهذا عمد السلطان قابوس إلى أن يعتمد العمانيون على الدولة في حياتهم اليومية بدلا من اللجوء إلى الأصول المجتمعية ومشاعر العصبية[4].

لازم هذه الاتجاه عملية توحيد وطني بدأت تاريخا جديدا أعاد تشكيل أطر الهويات وركزّتها على شخص السلطان وحده، فكل ما أحيل إلى ما قبل السبعينات من القرن العشرين ظل معزولا ومحظورا حتى الآن، ولا تذكر تلك الحقبة التي بدت كعصور الظلام إلا مقارنة “بالنهضة الوطنية” التي حدثت يوم 23 يوليو 1970م حين خلف قابوس العرش مقلّدا ذلك اليوم بيوم النهضة.

وبذا عمد السلطان قابوس إلى تأسيس شرعيته الأبوية ببناء الدولة العمانية والشعب العماني ضمن هوية تشكّلت حول الجهاز الإداري للدولة. وليظفر العماني بالميزات (من الميزات السلطانية والدرجات المالية)  والمكانة المتمثّلة في المناصب المدنية في النظام السياسي الجديد كان لا بد من المشاركة في سباق الولاء للشعب والقائد.

وتعد أنظمة التكافل الانتمائية لبنات اجتماعية سياسية سواء أكانت قائمة على الانتماءات الأولية[5] (مثل القبيلة أو العشيرة أو العرق) أم لا، وتعتمد أسس بنائها على السياق الذي تطوّرت عليه وعلى عدد اللاعبين الذين تتعامل معها. والعامل الأساس في ذلك هو الهيئة التي يُبرز أعضائها أنفسهم والمنظار الذي شاؤوا أن يُنظروا منه. وكما يعبّر دالي إيكلمان بقوله: “لا توجد روابط التزام وتعهد طبيعية بين الناس والفئات المجتمعية لكن (…) لا بد من توثيقها (…) فهذه الالتزامات ليست بالضرورة ملزمة التطبيق عليهم. وهذا أحد أسباب كون الهويات مرنة عندما نأتي لتطبيقها عمليا[6]“. ويجب أن ينظر إلى التكافل الاجتماعي بالنظر إلى العلاقة بينها وبين الدولة واللاعبين الذين يتحكمون بها. هذا لو وفرّت الدولة الحديثة إطارا يقننّ ويحكم الاستراتيجيات الاجتماعية السياسية في مجتمعات ما بعد الاستعمار[7].

ومن هذا المنظور فإن تجربة العمانيين ” القادمين من أفريقيا”[8] تساهم في إثراء الدراسات حول عملية بناء الهوية الوطنية العمانية التي تقودها الدولة الحديثة. انحدرت هذه الفئة من السكان من عمانيين هاجروا إلى ساحل شرق أفريقيا خلال استعمار زنجبار (منذ القرن السابع عشر)، ونظرا لأسباب وحوافز اجتماعية واقتصادية (منذ نهاية القرن التاسع عشر). وينتمي الفئة الأكبر إلى تلك التي شملها نداء السلطان قابوس عام 1970م بدعوة للانضمام إلى الجمع لتطوير البلاد. وهم لا يشابهون الفئات المنحدرة من عبيد الطوائف البلدية سابقا (الخدّام) القاطنة لعمان الآن.

يركز هذا المقال على عملية بناء الهوية للمواطنين العائدين إلى عمان ومكانتهم ضمن الشعب الذي رسمه السلطان قابوس في ذهنه. رغم أن هذه الفئة كانت على رأس الموظفين والفنيين في عملية التطوير الصناعية في السلطنة وتتقلّد أعمدة أساسية من أركان الدولة الحديثة إلا أن ما انتظر منهم في الحال آنذاك هو أن يبرروا انتمائهم الكامل للشعب، وسط التنافس الذي أبداه الكل في سعيه لعرض مظاهر الولاء للسلطان عن سواه. ورغم أنها فئة غير متجانسة البتّة إلا أنها طوّرت لنفسها إحساسا عصبيا تحت لواء لغتهم العاميّة (السواحيلية). وبعيدا عن التشكيك في الوحدة الوطنية تستمد هذه الفئة مبرّرها وحقّها من المواجهات المتذبذبة مع غيرهم من اللاعبين في الدولة الحديثة، التي أسهمت في نهاية المطاف إلى ترسيخ خوضهم في خضم اللعبة الاجتماعية الاقتصادية العمانية.

الأثر العماني في شرق أفريقيا

وقد كوّن المتحدثون بالسواحيلية لأنفسهم طبقة من التجار متوسطي مستوى المعيشة[9]، وظهروا كمجتمع مسلم يرتبط تشكيله التاريخي ارتباطا حميما مع المكانة الجغرافية، بين التفاعل ما بين الحضارات الأفريقية من جهة وبين موجات الهجرة المتواصلة بين العالم العربي وآسيا والساحل شرق أفريقيا[10]. وقد أسهمت منطقة جنوب  شبه الجزيرة العربية على مر الألفيتين الماضيتين في تشكيل الهوية السواحيلية[11]، وخصوصا في دورها الذي لعبته في تكوين التاريخ السواحيلي تأصيل موروثاتهم، فتدّعي النخبة السواحيلية كثلا منذ زمن طويل انحداره من العرب؛ لتشريع حالتها الاجتماعية وللتقريب بين متفرقاتها مع الفئات السواحيلية الأخرى خاصة تلك التي توسم (بالأفارقة)[12].

يعود تاريخ التبادل الحضاري بين الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية والساحل السواحيلي إلى القرون الأولى للعهد الإسلامي، لكنها اتخذت شكلا جديدا بعد أن  حل اليعاربةُ محل البرتغاليين  فى ساحل عمان عام 1650م. وقد أسست سلطنة عمان بزنجبار في منتصف القرن الثامن عشر في بداية عهد أسرة البوسعيد. ومع ذلك أبقى التجار السواحيليين ظهورهم الاقتصادي على الساحل. وحتى حكم سعيد بن سلطان (1806-1865م) لم ينجح حكام عمان من ترسيخ استقرار سياسي حتى تعود عليهم مستعمراتهم الأفريقية بالنفع عليهم وللسيطرة على الفئات المحلية. وتعود أكبر حالات التزعزع الاقتصادي السياسي على النظام السواحيلي إلى ثلاثينيات القرن الثامن عشر. ومع تزايد التنافس البريطاني التجاري والعسكري في الخليج الفارسي اتجه تركيز سعيد إلى إمكانيات الساحل الشرقي الأفريقي الاقتصادية، فجعل من زنجبار عاصمة له عام 1832م واحتلّ ممباسا التي حكمتها أسرة المزروعيين بعد ذلك لخمس سنوات. وثّق سعيد قبضته على الساحل الأفريقي سياسيا واقتصاديا مما قلب الموازين الاقتصادية في صالح طبقتي المسقطيين والتجار الهنود الذين ارتبطت تطلّعاتهم بالحكام البوسعيد[13]. ومثّل ازدهار سلطنة عمان بزنجبار ازدهارا لمن تبع سعيدا ممن حظوا بالتحكم بجزء كبير من من الشبكات الاقتصادية بين أفريقيا (مصدر التوابل والعبيد والأحجار الكريمة والعاج) والهند (مصدر السلع والنسيج) وعمان (مصدر التمر واللبان). ولو كانت أولى موجات المستوطنات العمانية قد بدأت في عهد اليعاربة لكان مستوى الهجرة أكثر حدة لأن السلطات العمانية كانت تشجّع على ذلك. جعل هذا الكثير من المهاجرين يطمحون إلى أعلى المناصب السياسية وفرض سيادة اقتصادية على الساحل الأفريقي الشرقي مع استجلاب الكثير من العبيد من أواسط وبراري زنجبار للعمل في مهنة الزراعة[14]. وتحت حكم سلاطين القرن التاسع عشر ظهرت معالم الأرستقراطية التي ارتكزت على حماية  وتوثيق العلاقات مع الأنساب العمانية. وكانت النخبة السواحيلية التي قفزت فجأة من الفقر إلى الغنى تحت تضييق وفرض النظام الاجتماعي الجديد وتقّبله، مما أضعف مناصبهم فيها. وفي الوقت نفسه فقد كانت التجارة مع أفريقيا الداخل ( تشمل تنجانيقا، بوغندا وحوض الكونغو) قد تطورت بشكل كبير في ظل حركة الشركات التابعة للعمانيين[15].

وبعد وفاة سعيد تم فصل أملاك العمانيين تحت ضغط بريطاني بسبب الخلاف الذي وقع بين ابني سعيد: ماجد وثويني، وقد تقسمت الدولة إلى كيانين سياسيين منفصلين: مسقط وزنجبار عام 1861م. وبينما كانت التجارة في زنجبار عهد برغش (1870-1888م) في أوج قوتها كان الوضع  السياسي خاويا على عروشه. و أدى زيادة نفوذ  البريطانيين في المنطقة إلى تأسيس حكومة الوصاية في زنجبار عام 1890م، ولم تنته موجات الهجرة العمانية إلى زنجبار بسبب الحالة المعيشية الصعبة التي اتسّمت بها عمان الداخل والتي لم تكن إنتاجية، فقد تدفقت موجات المهاجرين الواحدة تلو الأخرى خلال النصف الأول من القرن العشرين في سبيل البحث عن الأرباح، ليس على الساحل الشرقي فحسب بل وصلت الهجرات إلى ما هو أعمق في وسط زنجبار. لكن لم تتمتع الهجرة الثانية بالإمكانيات التي أهلّت سابقيهم لأن تتطوّر مستوياتهم المعيشية اجتماعيا واقتصاديا كما يصف ذلك كوليتي لي كور جراندمايسون الذي قال أنه كلما تأخرت الهجرات حينها قلّت حظوظهم من الثراء والازدهار. مما أدى إلى نشوء طبقية لم يُعترف بها إلا أنها كانت حاضرة رأي العين بين العمانيين في شرق أفريقيا[16]. ولأن حظ القادمين من (عرب المانغا)[17] من التعليم والعلم عن الإسلام كان ضئيلا، لم يستطع أحدهم الحصول على عمل عدا بعض المناصب ذات الأجور المنخفضة كالفلاحة والزراعة والقيام على شؤون الكرفانات والتجارة البسيطة.

يتضح هذا الخط الفاصل بين العمانيين في أفريقيا في التفاوت الحاصل في أساليب المصاهرة التي اتخذها العمانيون فكان عرب المانغا يقدمون منفردين للحصول على عمل في أفريقيا مما يجعلهم يلجؤون للتعددية الزوجية فيتزوجون من أفريقيات[18]، وبمرور الوقت وبانضمام النساء والعائلات إلى الرجال في حلّهم وترحالهم إلى أفريقيا استقرت الزوجية عند عرب المانغا المتعصبين رغم أنهم قد ولدوا في المستوطنات العمانية في أفريقيا أو أنهم ولدوا في عمان. وفي الوقت نفسه لم يكن اتخاذ القرار في اختيار شريك الحياة مبنيا على القبليّة أو صلة القرابة إنما كانت مبنيّة على الصيت المجتمعي[19] وحسن المنبت والنسل. وحلّ محل العصبية التي باتت متربّعة العشائرية التي تنظر إلى المكانة الاجتماعية وذوي الصيت والمال ومرموقية الحالة الاقتصادية.

وقد جاءت التصنيفات البريطانية والألمانية فيما بعد لمجتمعات شرق أفريقيا، مصنّفة إياها إلى فئات مثل الأفارقة والعرب والهنود، مما أعطى معنى متجانسا للقاطنين في الساحل السواحيلي من العمانيين. ولم تغفَل هذه التصنيفات الحالة الاجتماعية والاقتصادية للعشائر التي عمّم عليها مسمّى “العرب” والتي شملت العمانيين واليمنيين وقاطني جزر القمر فحسب، بل مالت إلى إغفال المراحل المختلفة التي اندمجوا خلالها مع المجتمع السواحيلي[20]. وبحلول منتصف القرن العشرين بات جميع العمانيين بمختلف طبقاتهم وبما فيهم العشائر التي انتمت إلى الارستقراطية الزنجبارية يستخدمون اللغة السواحيلية عدا القليل من المتعلمين وعدا التجار الذين ارتحلوا موسميا بين شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية فأبقوا على رصانة لغتهم العربية. وقد تحوّل الكثير من العمانيين العرب في شرق أفريقيا إلى سواحيليين لدرجة أن المرء أصبح لا يميز بين ما إذا كانت أصول البعض عربية أم سواحيلية[21]. وإذا ما تمت المقارنة بين العماني الذي قامت قائمته في زنجبار أو الجزر المحيطة وبين النخبة التي لها لغتها الخاصة ممن تمتع بحماية السلطات العمانية وحظي بمراعاة الإدارة البريطانية فيما بعد، فإن هذه المقارنة لا تصلح عند عرب المانغا الذين هاجروا أساسا بحثا عن أوضاع اقتصادية واجتماعية أفضل. هذا بخلاف ما حدث لمن سبقهم من الذين لم يستفيدوا من عملية الاستعمار التي قادتها الدولة، حيث استوطنوا في مناطق كانت تحت الوصاية الأوروبية والتي تأكد بعدها عدم ترحيبها للمهاجرين من جنوب البلاد العربية بعد عشرينات القرن العشرين.

الحلفاء الرئيسيين للحاكم العماني الجديد:

وضعت ثورة زنجبار عام 1964م حدا للحكم المحلّي للبوسعيد[22]، وتجمع العرب العمانيون حول النداء الجديد “ارجعوا إلى وطنكم” بسبب غرابتهم المزعومة عن الوطن. لكن لم تكن عملية التوطين التي بادر بها سلطان مسقط شاملة، فيقال أن هنالك 17,000 من العرب الذين لقوا حتفهم خلال تلك الأحداث[23]، وقد استقبلت عمان 3,700 لاجئ فقط، أما الكثير من العائلات الأخرى فقد أرغمت على التوطن في أماكن أخرى مثل دبي والكويت والقاهرة[24].

أما الموجة الثانية فكانت بعد النداء الذي أطلقه السلطان قابوس إلى نخبة العمانيين في الخارج عام 1970م لدعوتهم للإسهام في نهضة البلد. ويعتقد أن حوالي 10,000 من عمانيي زنجبار قد انتقلوا إلى عمان حتى عام 1975م ، ورغم عدم تحدثهم للعربية بطلاقة إلا أنه كان لزاما على السلطان أن يمنحهم الجنسية العمانية فور وصولهم دون النظر في وقت هجرة عوائلهم وعدد السنوات التي قضتها هناك[25]. كان معظم العائدين أكثر تعلّما إلى حد ما من القاطنين في البلد نفسه، وكان الكثير منهم يتحدث الإنجليزية بطلاقة وكان قد تلقى تدريبا في المجالات الفنية إما في دول أوروبية أو في شرق أفريقيا ودول الخليج. لذا فقد شكلّ هؤلاء رافدا مهما لخطة التطوير التي خطط لها الحاكم. وعلاوة على ذلك فنظرا للعزلة السياسية التي تمتع بها السلطان عند اعتلاءه لسدّة العرش ونظرا لأن عمانيي الخارج كانوا غير منخرطين في السياسة الداخلية لعمان ولا في القضايا القبلية ولا في نظام والده السابق فقد مثّل عمانيو الخارج سلعة ثمينة بالنسبة له.

أدّت هذه العوامل بأجمعها إلى وصول العائدين إلى عمان إلى مناصب مهمة في الاستخبارات والشرطة والأمن، وقد غطّت مهاراتهم التنظيمية والإدارية والتحكّم السياسي على إخفاقهم في التحدث باللغة العربية. وكان من أمثلة الاعتماد على هؤلاء العمانيين في السنين الأولى من حكم السلطان قابوس إنشاء مجلس التخطيط المؤقت عام 1972م بهدف التخطيط لعمليات التنمية، حيث كان من بين أعضاء المجلس العشرة: ستة درسوا في دول أوروبية، واثنان ولدوا في زنجبار ولم يسبق لهم وأن أتوا إلى عمان قبل انقلاب 1970م[26].

وفي عمان حيث تلعب العلاقات الشخصية دورا مهما لم تكن عادة زواج عرب المانغا بأهالي من أفريقيا في صالحهم، فعلاوة على ذلك ولاستبعادهم عن السلك السياسي في سلطنة زنجبار لفترة طويلة تقوّضت أهمية القاعدة التي يمكن أن يستندوا عليها عند رجوعهم إلى عمان. وقد شكّل انعدام الوساطة لهم إضافة إلى تدنّي المستوى التعليمي لديهم عقبة كبيرة، فلو كانت الأفضلية والامتيازات للعمانيين العائدين إلى الوطن مقارنة بمن ظلّ قاطنا للبلاد لكان أفضل من  تبوّأ المناصب والفرص التي توفرت في عمان آنذاك هم المنحدرون من الأرستقراطية الزنجبارية.

واليوم يقدر عدد العائدين من زنجبار بمائة ألف من مجموع المليوني مواطن عماني[27]، ويطلق عليهم السواحيليين أو الزنجباريين[28]. وتحتوي معظم القبائل ومعظم الفئات المجتمعية بمختلف أصولهم اللغوية على ما يسمّى سواحيليين أفرادا أو عشائر، من ضمنهم الشيعة والبلوش[29] ولكن بمعدلات مختلفة، أما الأعداد الأكبر فتتمركز في عمان الداخل في قبائل مثل: الحبوس والحرث وبني خروص والكنود والمحاريق والمساكرة وبني ريام وبني رواحة. وقد تُعدّ بعض العائلات أو حتى العشائر بأكملها سواحيلية طالما أن لها روابط مع أفريقيا.

وقد شكّل وجود القادمين من أفريقيا ظهور فئة غير متجانسة لا يمكن تمييزها بمعيار نَسَبيّ أو جغرافي معين. وأهم الخطوط الانقسامية هي تلك التي خلّفتها المراتب الطبقية في شرق أفريقيا. هذه الانقسامات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية هي العامل الذي أوجد العائدين في عمان.

إضافة لذلك فقد بقي كل فرد مرتبطا بقبيلته الأصلية، وقد لعب الشيوخ والأعيان دورا كبيرا في التحقق من أنساب العائدين حتى وإن أتوا بعد ثلاثة أو أربعة أجيال. ومما عزّز من قوة الانتماء القبليّ توافر الأموال التي استقدمها القادمون إلى قراهم الأصلية قبل عام 1970م وعادوا بها إلى عشائرهم في أفريقيا.

وأما الخط التقسيمي الثاني فهو مكان الاستيطان الأفريقي، وتجدر الإشارة إلى الفرق بين السواحيليين العمانيين ذوي اللكنة المتأثرة بالإنجليزية الذين عاشوا في زنجبار وكينيا وتنجانيقا، وبين الأفارقة ذوي اللكنة الفرنسية الذين قدموا من رواندا وبورواندي ومن غرب الكونغو. ويمثل الصنف الأخير معدل 10 بالمائة من السواحيليين العمانيين، وهم عرب المانغا، ومعظمهم أتى في بداية التسعينيات عندما وقعت الأزمة في رواندا وبورندي.

ومن المهم أيضا التفريق بين القادمين من أفريقيا من الذين يدّعون رجوع نسبهم إلى جنوب شبه الجزيرة العربية وبين الأفارقة المستجلبين قسرا ممن يطلق على واحدهم (الخادم)، وممن لا تعدّ أصولهم عربية. ويشير إلى هذا لامدانا ليمبيرت بقوله: ” من خلال العناية الأبوية للعمانيين العرب كان بإمكانهم  أن يكونوا إخوانا للعمانيين، لكن  من سينسى أنهم كانوا عبيدا لا يعرفون شيئا، وأنه كان على  العمانيين  أن يثقّفوهم”[30]. لذا كانت معظم القبائل الأصيلة التي يربطها نسب قبلي عربي قد سعت للمحافظة على “نقاوة” أصلهم رغم أنها قطنت في أفريقيا ورغم أنها تعد سواحيلية في عمان.

 

النزول على الواقع:

مثلت عمان لهذه الأسر المغتربة مكاناً أسطوريا. وقلة من العمانيين الذين استقروا في أفريقيا تمكنوا من الرحيل إلى عمان والعودة إليها ليكتسبوا تصورا عن “البلد الأصلي” بصورة أكثر واقعية من التصور الذي  تناقلته الأوهام والأحلام. ولذلك يسهل فهم الصدمة التي أصابتهم عندما وجدوا أرضا مجدبة وصحراوية، ولكن لا يوجد ما يمكن مقارنته بالفجوة التي شعروا بها بين الترحيب الذي كانوا قد توقعوه والريبة التي واجهوها.

فقبل كل شيء لم يتم إعداد البنية التحتية لمثل هذا التدفق. ودعي العديد من العائدين الذين ينتمون إلى الطبقة الدنيا والطبقة الوسطى والذين لم يرغبوا في العودة إلى القرى في “عمان الداخل” إلى البقاء في أماكن محفوفة بالأخطار في ضواحي مسقط البعيدة (العامرات ووادي عدي). وفي حين اعتبرت ظروف الحياة تلك رسميا بأنها مؤقتة، إلا إنها أمست دائمة حتى حصل السكان بمساعدة أقاربهم على أموال لبناء منازل لهم في أحياء أحسن حالا، وحلت أفواج جديدة من المغتربين العمانيين محلهم في مشهد ما زال يتكرر حتى الآن حيث يواجه المغتربون العمانيون الجدد فيه صعوبة متنامية في العثور على مكانهم في المجتمع العماني المعاصر.

وسرعان ما وقعت خيبة أمل لدى كلا الجانبين على نطاق واسع. فالعماني الأصلي اشتكى التضخم المفاجئ الذي يُعزى إلى قدوم سكانٍ هم أكثر ثراءً ويُعتقد أن لديهم أفكارا أعلا من مقامهم. وفي المقابل يأخذ العائدون على رفقائهم المواطنين نكرانهم الجميل وعدم اعترافهم بالدور الذي اضطلعوا به في النهضة الاجتماعية والاقتصادية وفي تحسين الظروف المعيشية، وذلك كما توضح هذه المرأة التي تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية الدنيا والتي جاءت إلى عمان من داخل تنزانيا في عام 1972م:

لم يكن الناس في ولاية إبراء سعداء عندما عدنا. لم يساندونا، وقالوا أننا قد ابتعدنا وقد هربنا، ونسوا أنه لو لم نرسل لهم المال لماتوا جميعا! [. . .] قال والدي لأخي: ” إذا عدت إلى عمان، فلن تحصل على أي شيء” [. . .] وعندما عدنا إلى عمان ذهبنا إلى الشيخ لنعرف أين ذهبت أملاك العائلة، ولكن أبناء أعمامنا قالوا بأن تلك الأملاك تخصهم اعتبارا من ذلك الحين وأنه كان علينا أن لا نذهب وبأنهم بقوا بأنفسهم يولون العناية بأملاك العائلة ويحرثون الأرض. وأصروا على أن لهم الحق في الاحتفاظ بتلك الأملاك. وصدق أبي إذ لم نحصل على أي شيء عندما عدنا.[31]

وبمرور الأعوام ازداد التمييز بين الطرفين. واتهم العائدون بأنهم جلبوا السحر من أفريقيا على الرغم من أن القوى الروحية (الاستعمال السحري للقرآن، والأرواح ، والقوى الشريرة…) طالما لعبت دوراً رئيسيا في تفسير كثير من الظواهر الاجتماعية والسلوكية اليومية في عمان ومعالجتها.[32]  ومع ذلك فإن مثل هذه الممارسات ربما قد اتخذت بعدا آخر في أعقاب الاضطرابات التي أثارتها ‘عودة’ أبناء عمومتهم الأفارقة التي تزامنت مع الحداثة التقنية والمادية التي اخترقت الحياة اليومية في غضون جيل واحد. ومن هنا تجمع في شهر أيار/مايو  من عام 2003م أكثر من 7000 شخص في إبراء لجمع قوارير من دواء يُحسب أنه يشفي من أمراض مختلفة كالسرطان والسكري والربو، وكان الدواء تحضِّره امرأة عمانية عجوز تتحدث اللغة السواحيلية.[33]

وتلقي هذه الواقعة الضوء على بحث واسع عن قيم “تقليدية” سوف تكون بمثابة “مواد تشحيم” اجتماعية ثقافية لدمج عناصر رمزية ومادية ينظر إليها على أنها “قادمة من الخارج”.

كما أنه يؤخذ على العمانيين العائدين من أفريقيا ما يُزعم من قلة أعرافهم الرسمية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات التي تربط الذكور والإناث، مقارنة بالأسر التي لم تهاجر. وواجه كثير من الشباب العماني الناطق باللغة السواحيلية والذي كان أسلوب حياته “الهجين” ناجما عن الفترة التي قضتها أسرهم في الخارج صعوبة في الامتثال للقواعد الصارمة التي تحكم العلاقات بين الجنسين في عمان. وفي المقابل، يهاجم العمانيون الأصليون ما يُعدونه “قلة الحياء” الذي تبديه المرأة العمانية العائدة من أفريقيا. وكلما استفاد العماني الناطق باللغة السواحيلية اقتصاديا من الفرص التي تتيحها عمان الحديثة، كلما كان قادرا على تخليص نفسه من هذا النوع من الرفض الاجتماعي؛ ولكنه هذا الرفض لن يتلاشى تماما.

ونظرا لذلك يندُر الزواج بين العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية الذين ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية المتوسطة أو الدنيا وبين غيرهم من العمانيين. ونادرا ما يسمح العماني الذي لم يعش في أفريقيا لابنه أن يتزوج امرأة يُنظر إليها على أنها “مستقلة” في أسلوب حياتها وسلوكها في المنظور الديني “أقل حشمة”. وكما يبين لنا رجل أعزب يبلغ عمره 30 عاما ويعمل في القطاع الحكومي وتعود أصوله إلى الخدّام فإن هذا الارتياب من العمانيين العائدين من أفريقيا منتشر على نطاق واسع:

قالت لي والدتي ذات مرة : “تزوج من تشاء إلا فتاة سواحيلية. الفتاة السواحيلية لا تتحلى بالمسؤولية، إنها فتاة متحررة في سلوكها”. [. . .] إنها متعلمة وتعمل ومستقلة. وسوف تقول لي: “افعل هذا، وافعل ذلك، ولا تخرج ليلا، ولا تزور هؤلاء الناس…” وعلاوة على ذلك، تقول والدتي أن الفتاة السواحيلية لا تنزعج  إذا ظّنت أن الحل الأفضل لها هو الحصول على الطلاق”.[34]

والحجة التي يستخدمها الشيوخ عادة لرفض السماح لبناتهم بالزواج من رجل غير عربي تكمن في غياب   النسب العربى.

وعلى الرغم من أن أصل العمانيين العائدين من أفريقيا يعود إلى القبائل العربية في عمان الداخل إلا إن معيار نسبهم العربي يجابه تحديات يكمن سببها وراء مزاعم بأنهم لا يتحدثون العربية بطلاقة. وظهرت بالتالي فئة عرقية جديدة لم تعد تستند إلى علم الأنساب ولكنها تستند إلى مكان الولادة واللغة الدارجة.

وعلى نطاق أوسع فقد تواكب إتقان اللغة العربية باعتبارها السمة الأساسية لعمان المعاصرة مع تركيز الدولة على الهوية العربية لعمان لمدة ثلاثة عقود حتى الآن. وقد شكل هذا المعيار اللغوي أكبر صعوبة أمام معظم الأسر التي عادت من أفريقيا حيث أنهم لم يستطيعوا موازنته مع وضع اجتماعي – اقتصادي جيد أو مع مقدرتهم على تسجيل أطفالهم في مدارس اللغة الإنجليزية. ويوضح شاب عماني عادت عائلته من رواندا في عام 1994م ويسكن في حي العامرات الصعوبات اللغوية التي يواجهها:

عندما أتيت جعلوني أعود إلى أربعة مستويات دراسية. وأبلغ من العمر 21 عاما إلا أنني أدرس الثانوية العامة الآن فقط. وبالمقارنة مع النص الإنكليزي أو الفرنسي الذي أحتاج إلى 30 دقيقة لفهمه، فإن النص العربي يتطلب مني ساعتين أو ثلاث ساعات حتى أفهمه. وأنا أعرف أن الأشخاص الذين كانوا عاطلين عن العمل لسبع أو ثمان سنوات لم يذهبوا إلى المدرسة في سن مبكر لأن اللغة العربية كانت صعبة للغاية ولم يكونوا يفهمون شيئا. وقد كان الحل الوحيد لأحصل على الشهادة هو اللجوء للسحر.[35]

ولئن كانت اللغة العربية لدى الأجيال الناشئة قد تحسنت بفضل تعليمهم في مدارس عمان العامة والناطقة بالعربية فإن السواحيلية تبقى اللغة العامية للعمانيين الذين عاشوا في أفريقيا، بمن فيهم أفراد الأسرة المالكة في زنجبار. وهذا يخلق حالات معقدة داخل الأسر، كما يوضح ذلك هذا التاجر الذي يبلغ عمره خمسين عاماً والذي أمضى جزءا كبيرا من حياته في الكونغو:

ابنتي لا تتحدث الفرنسية البتة. وهي أتت من رواندا إلى عمان عندما كانت في الثالثة من عمرها، والآن هي في سنتها الثالثة عشر. أما أنا شخصيا فلا أستطيع التفكير إلا بالفرنسية. وابنتي هي وحدها في العائلة من يجيد اللغة العربية لأنها درست بالنظام العربي. وأنا مجبر في أن أتحدث إليها بالفرنسية أو أحيانا بالإنجليزية. أما زوجتي فنصف حديثها بالفرنسية والنصف الآخر بالسواحيلية.[36]

ولذلك أُخذ على العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية عجزهم عن التعبير باللغة العربية وأسلوبهم في الحياة الذي لا يتمسك بالحفاظ الاجتماعي والديني المنتشر في عمان الداخل. ومهما كانت المناصب التي تقلدوها في شرق أفريقيا فإن التمييز والتوترات الاجتماعية تجاههم تركزت خصوصا على عادات إسلامية وعربية. وهاتين المسألتين عززتا بقوة  الضيم الاجتماعي والاقتصادي الواقع على السواحيليين أو المواطنين العمانيين الذين يعود أصلهم إلى بلوشستان، حيث إن السلطان قابوس عدهم عناصر مهمة لهوية السلطنة الجديدة. ولذلك أسهمت مباشرة في عملية تحدي غير مباشرة ولكنها نشطة لعمانية المهاجرين بواسطة مجتمع غير المهاجرين.

وبالإضافة إلى ذلك يُلاحظ أن الحضور في المساجد في  مناطق مسقط التي يقطنها السواحيليين الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى والدنيا آخذ في الازدياد. كما أن عددا متزايدا من الشباب العمانيين الذين تعود أصولهم إلى المانغا يظهرون بمظاهر دينية لافتة للنظر مثل اللحى الكاملة والدشداشة القصيرة . وعلاوة على ذلك فإن عدد من أبرز الشخصيات الدينية العمانية ولدت في أفريقيا كمفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي الذي عاد سنة 1975م والشيخ خلفان العيسري وهو داعية شاب ومُحدث له شعبية خاصة عند الأجيال الشابة. ولعلّ هذا الإبراز للممارسات الدينية هو إشارة خارجية إلى الرغبة في رؤية العماني الآخر معترفا تماما بانتمائه إلى الأمة.

ولم تدم سياسة الهجرة التي نفذتها السلطات العمانية تجاه العائدين من أفريقيا في أعقاب الدعوة التي أطلقها السلطان قابوس في عام 1975م. وإذا كانت السلطات قد اعتمدت عليهم اعتماداً كبيرا في تنمية البلاد في السبعينات فإنها لم ترحب أبدا بهذه القوى العاملة بحماسة مفرطة. والحقيقة أنها خشت أن تهدد كوسموبولوتية العماني العائد من أفريقيا وتعليمه الغربي وحتى تسييسه المحتمل الاستقرار الاجتماعي-السياسي في المستقبل القريب.[37] ومنذ ثمانينيات القرن العشرين اضطر الكثير منهم إلى أن يستقروا في الإمارات العربية المتحدة إذ كان من المستحيل الحصول على تصريح إقامة في سلطنة عمان. وتقدر السلطات الإماراتية عدد المقيمين في بلدهم الذين لا يحملون الجنسية ب10.000 شخص، نصفهم من عرب زنجبار.[38]

ولمدة عشر سنوات حتى الآن لم تؤد الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها السلطنة إلا إلى زيادة هذه القيود. وبما أن أكثر من نصف السكان هم تحت سن الخامسة عشر فسوف يدخل إلى سوق العمل جيل جديد غير مستعد لتحمل التضحيات التي عفي عنها آباؤهم. وأثرت هذا الأزمة الحساسة على سياسات الهجرة. والآن يبدو أن حركة عودة العمانيين من أفريقيا توقفت بشكل كامل  من أجل تجنب منافسة “غير عادلة ” مع السكان المحليين.[39]  وتحد الحكومة من عملية تنظيم العمانيين الذين يعيشون في أفريقيا حيث يعتقد أنه من المحتمل أن ينافسوا الشباب العمانيين المواطنين الباحثين عن العمل في الوقت الذي تنفذ فيه السلطنة سياسات طموحة للتنويع الاقتصادي وتعمين الوظائف.[40] وفعلا استفاد الشباب العمانيون الذين يفتقرون للمهارة والذين لا يتحدثون السواحيلية من مقدراتهم اللغوية إلى جانب نفورهم الأقل من الوظائف التي تتطلب عملا يدويا ومن الاختلاط في العمل بين الجنسين واغتنموا الفرص المتاحة. وكثير من المهن التي تحتاج إلى شيء من المهارة أو التي لا تتطلب مهارة أصلا مثل سائقي سيارات الأجرة أو أصحاب المحلات، وأيضا فرص العمل في قطاع السياحة أو في المشاريع الصناعية الضخمة (مثل ميناء صحار) تمتلئ بالشباب – الإناث العادة- الذين تعود أصولهن إلى المانغا. ونظرا لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على درجة جيدة في شهادة الدبلوم في نظام المدارس العربية في عمان أو دفع تكاليف الدراسة في الخارج فقد اختاروا الدخول إلى سوق العمل في وقت مبكر كي يجنوا راتبا إضافيا لأسرهم. ويشتكي أحد مخبرينا ممن ينتمون إلى الطبقة الوسطى والذي يحاول بنفسه أن يعيد ابن أخيه الذي يحمل جواز سفر تنزاني إلى عمان:

الحصول على تأشيرة عمانية هو مثل الحصول على تأشيرة دخول إلى الجنة، إنه أكثر صعوبة من الحصول على تأشيرة دخول إلى أوروبا، وكأنك تريد تأشيرة للجنة، آمل أن يبدو وكأنه شيء مختلف عن ما يجري هنا . .[41]

 

ظهور عصبية حديثة:

لم يكن لدى العائدين قبل وصولهم إلى عمان روح العمل الجماعي الحقيقية. وحتى بعد موجات متعاقبة من العودة ظلت تصورات الانقسامات القديمة الموروثة من الفترة الأفريقية حادة، سواء في الضمير الجماعي أم الممارسات الاجتماعية الفعلية. فعلى سبيل المثال تعطينا امرأة عجوز من أصل المانغا عادت من بوروندي في بداية التسعينيات تصورها عن الخطوط الفاصلة بين العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية:

يتعلق الفارق الرئيسي بالتعليم: في بوروندي كانت تنشئتنا مثل البلجيكيين، في حين أن الزنجباريين كانت تنشئتهم مثل الإنجليز. وعمل آباؤنا في التجارة، فسافرنا إلى جميع أنحاء شرق أفريقيا وإلى عمان وشاهدنا أشياء كثيرة. أما الزنجباريون فقد سافروا فقط بعد الاستقلال، ولكن بوصفهم لاجئين. وعندما جاءوا إلى عمان تصرفوا مثل المحدثين بالنعم. وعلاوة على ذلك، فإننا لا نتحدث اللغة السواحيلية نفسها التي يتحدث بها الزنجباريون إذ أن لغتهم أدق. ولذلك فهم يضحكون علينا بسبب لهجتنا. ولغتهم
السواحيلية مثل اللغة الإنجليزية  يتحدثون بها ببطء وثقل لسان وكأنهم يأكلون جوز الهند! [. .] فنضحك عليهم لأننا نقول أن هذا يجعلهم هادئين![42]

بينما قال موظف مدني عماني رفيع المستوى أصله من زنجبار، بعد أن أكد على تاريخ زنجبار الاجتماعي والسياسي:

الناس الذين هم من مواطني هذه الجزر هم أكثر تعليما وأرقى تفكيرا، في حين أننا بالتأكيد الأكثر تقليدية ومحافظة على طريقتنا في الحياة: لقد أدركنا دائما بأنه يجب علينا أن  نحافظ على تراث وقيم سلطنة زنجبار. والناس الذين هم من مواطني رواندا والكونغو هم أكثر عدوانية وأكثر صراحة. وهم يعملون بجد، وإنهم شجعان وأقوياء . .[43]

وبالمثل يعتقد شيخ ولد في تنزانيا وينتمي إلى إحدى قبائل المنطقة الشرقية بأن كلمة “زنجباري” أدخلها الشيعة في السبعينات من أجل وصم أبناء عمان الداخل الذين عادوا من أفريقيا:

كان الشيعة يسيطرون على التجارة كلها في مسقط، وتلقوا تعليما جيدا، وكثير من عاد أيضا من زنجبار. هذا هو السبب في أنهم كانوا أول من وصمنا بذلك لأنهم أرادوا أن يجعلونا نبدو عديمي الثقة في أعين المجتمع بأسره. [44]

وهكذا لم يكن جمع هذه القطاعات من السكان التي تشترك فقط في كونها عاشت في شرق أفريقيا وجلبت معها ما يتصل بالثقافة السواحيلية متعمدا أو عفويا ولكنه كان نتيجة السياق الاجتماعي السياسي في عمان بعد عام 1970. فأدى ذلك إلى تشكل روح تضامنية جديدة أسست معاييرها من قبل آخرين، إنهم المواطنون العمانيون. وتندب المرأة العجوز التي ذكرناها سابقا هذا الاندماج فتقول:

أطلق علينا جميعا “زنجباريين” (مع حركة ازدراء باليد)، ولكننا لم نستطع أن نفعل شيئا حيال ذلك. إنه لأمر مؤلم ومن الصعب قبوله. ولكن العمانيين يقولون بأننا كلنا سود، فماذا يمكننا أن نفعل؟[45]

وقد أثارت هذه المرأة قضية متوارية ولكنها أساسية في النقاش الدائر حول المكان الذي يشغله العمانيون الناطقون باللغة السواحيلية في البلاد. وتشتبه القطاعات السكانية العمانية في أن هؤلاء العمانيين الذين يصنفون أحيانا بأنهم “سود” يتبنون أنماطا وسلوكيات ينظر إليها عادة في جنوب الجزيرة العربية بأنها أشبه ما تكون بتلك التي يتبناها العبيد أو أنها على الأقل لا تمت إلى العرب بصلة، خصوصا إذا كانوا ينتمون إلى طبقات اجتماعية دنيا ويجدون صعوبة في الاندماج في عمان الحديثة. ويساعدنا هذا على تعليل بقاء التزاوج بين العمانيين الذين عادوا من أفريقيا سائدا حتى الآن. ومع ذلك فإن الادعاء بأنهم أيضا اندمجوا جزئيا مع الأفارقة الأصليين هو أصعب ما يمكن قبوله بشأن هذه الطبقة الدنيا والمتوسطة من العمانيين لأنها حرصت على الحفاظ على طبقية اجتماعية ورمزية في أفريقيا.

و من ثم ظهرت نتيجة لهذه المواجهات –السلمية- مع القطاعات السكانية العمانية الأخرى شعورا جماعيا معينا بين أولئك الذين كانوا يدعون جميعا -في الخطاب عموما- “زنجباريين” أو “سواحيليين”، في إشارة إلى اللغة التي لم يستطع الآخرون فهمها. وتتخطى هذه الهوية الجمعية الجديدة التي حرصت على استبعاد أحفاد العبيد الذين ليس لهم أصل عربي الخطوط الثقافية والاقتصادية الفاصلة وحشرت أحفاد النخبة من العمانيين في شرق أفريقيا مع المهاجرين حديثا الذين ينتمون إلى منزلة ثقافية واجتماعية أدنى. ومنذ عام 1970م اعتمدت هذه المجموعة الجديدة على استراتيجيات للبقاء على قيد الحياة تشبه تلك التي يستخدمها العمانيون الآخرون “العصبية”. ومن وجهة النظر الاجتماعية فقد رسخ العمانيون الناطقون باللغة السواحيلية مناصبهم بفضل المحسوبية التي تنتشر في كثير من جهات القطاع العام العماني. ومن خلال علاقات عملائهم يميل الأشخاص المسؤولين في أي دائرة بيروقراطية إلى تفضيل توظيف أقرباء ينتمون إلى مجموعتهم. وكنتيجة دائمة لتضافر سائر هذه العوامل -المهارات المكتسبة قبل عام 1970م من جهة والمحسوبية المهنية الاجتماعية من جهة أخرى- يشغل العمانيون الناطقون باللغة السواحيلية مناصب مهمة في شركة تنمية نفط عمان حيث يفضلون توظيف الشباب العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية الأكثر فقرا لشغل المناصب الأدنى. ففي عام 2004م كان غالبية الموظفين والمتدربين الشباب في شركة تنمية نفط عمان يتحدثون السواحيلية.

وعلاوة على ذلك فإن أعراس العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية ليست مجرد تجمعات اجتماعية ولكنها أيضا مناسبات للتأكيد على وجود خصوصية ثقافية سواحيلية وذلك فيما يتعلق بالموسيقى والاحتفالات. وهذه الاحتفالات التي تجمع أسرا من مختلف الطبقات الاجتماعية تجرى غالبا في فنادق فاخرة في مسقط وتحييها مجموعات موسيقية تستدعى من تنزانيا أو الكونغو لهذه المناسبة خاصة. كما أن العادات التي تنظم الاتصال بين الزوجين الشابين حتى ليلة زفافهما تختلف عن عادات العمانيين الآخرين. ومن العادات الأخرى المترسّخة في حياة الرجال هي تمتع العديد من العمانيين العائدين من أفريقيا بالتجمع مساء الخميس في أماكن مثل “الحانات السواحيلية” التي تذكرهم بـ”أيام العز” و يحرصون على الطعام والموسيقى والرقصات الأفريقية.

ويمتد هذا التضامن السواحيلي إلى القطاع السياسي وكانت أول انتخابات بالاقتراع العام التي نظمت في أكتوبر 2003م قد أعطت مثالا واضحا. ففي ولاية بوشر -الواقعة في مشارف مسقط والتي تضم أرضها أهم أحياء العاصمة تقطنها أغلبية سواحيلية- نجحت  مرشحة عاشت أسرتها في زنجبار في الاستفادة من خاصيتين لكسب الأصوات. الخاصية الأولى كانت لغتها العامية، أما الثانية فكانت تمثيلها للمرأة التي وجدت مكانها في عمان الحديثة وتجسيدها لتطلعات قطاع من السكان في حالة اجتماعية غير ملائمة.

ومن خلال دورهم الاقتصادي وأيضا من خلال عدم الإضرار بالسلطان قابوس سياسيا، وفي مجتمع منقسم بشدة بين ولاءات محلية متعددة فرض العمانيون الذين عادوا مؤخرا من أفريقيا أنفسهم حلفاء لا يستطيع الحاكم الجديد أن يستغني عنهم. وفي السبعينيات والثمانينيات شغلوا العديد من مناصب الخدمة المدنية التي تعتمد عليها الدولة والتي ترتبط بالتطور الهائل في البلاد. لقد كانوا بذلك شخصيات رئيسية في عملية بناء الدولة القومية، ولكن في نفس الوقت كان عليهم أن يواجهوا هوية قومية عمانية مختلفة جدا عن تلك التي كانوا يتوقعونها. وعند مواجهتهم في مسألة عمانيتهم تطلب المجموعات الأخرى من العمانيين الناطقين باللغة السواحيلية أن يقدموا ضمانات تؤكد انتمائهم الكامل والصادق للشعب العماني. وكان الاستقبال البارد الذي صادفوه عند عودتهم والحاجة إلى إثبات عمانيتهم أصعب ما يمكنهم قبوله لأنهم لم يفكروا أبدا سوى بأنهم عمانيين خالصين (وإن كانوا قد هاجروا لعدة أجيال) وبأنهم  الورثة المستحقين للإمبراطورية العمانية المجيدة.

وكما لاحظ أوليفييه روي في دراسة مقارنة تعتمد على الجزائر وطاجاكستان، فإن التنافس على الموارد يحدث في الدولة الحديثة، وليس على المستوى المحلي أو الإقليمي، ويدفع بالفاعلين إلى تنظيم أنفسهم في  عصبيات تتجاوز القبيلة أو العشيرة وذلك من أجل أن تصبح أكثر بروزا على الصعيد الوطني.[46] ودراسة عملية “عودة” السكان العمانيين المغتربين في أفريقيا تقتضب من هذا النموذج. ويسلط هذا المقال الضوء على تشكل “العصبية” بمعزل عن الأنساب أو المناطق وبالاعتماد بدلا من ذلك على معيار واحد يسهل به حشد التأييد على الصعيد الوطني وهو ممارسة اللغة العامية. وقد تشكل شعور المجموعة “العمانية السواحيلية” ضمن السياق التاريخي لعمان في ظل حكم السلطان قابوس الذي ارتبط فيه تأسيس هوية وطنية جديدة بخلق ولاء للحاكم ارتباطا وثيقا في عقول السلطات. هذه “الهوية السواحيلية العمانية” تستخلص علتها السياسية من هذا الوضع بالذات ويمكن أن تفهم تماما في نطاق ذلك. وحتى لو لم يكن ظهور التصنيف الاجتماعي للفئة “السواحيلية” نتيجة عملية متعمدة، وحتى لو كان هذا التصنيف قد شكل في مواجهة مع المجتمع العماني لتسهيل قبول هؤلاء الناس كعمانيين وذلك كغيرهم في أرض الوطن، وحتى لو لم يُزل خطوط الصدع الاجتماعية والثقافية الموروثة من فترة شرق أفريقيا، فإنه لا يمكن الإنكار أنه يمثل على أكمل وجه مرجع الهوية في سلطنة عمان المعاصرة ، بقدر ما هو قطب جذب للعمانيين الناطقين باللغة السواحيلية باعتبارها إحباطا لممثلين اجتماعيين وسياسيين آخرين.

ومن هذا المنظور، لا العماني الناطق باللغة السواحيلية ولا غيرهم من المواطنين من بلوشستان أو من عمان الداخل يشك بأي طريقة في شرعية الأمة باعتبارها  مرجعية سياسية. وفي المقابل فإنه حين بدأت فرص الإثراء التي توفرها الدولة تقل سعى الجميع إلى ترسيخ مكانه في المجتمع العماني. وفي قلب هذه الإستراتيجية يكمن الهدف المشترك المتمثل في تعزيز المناصب السياسية أو الاقتصادية ذات النفوذ في جهاز الدولة ثم الاستفادة من الحصص المهمة والرمزية (الوظائف الإدارية والمزايا المالية والعقود العامة وغير ذلك) التي تؤهلهم لها تلك المناصب. ومع ذلك فإن الصعوبات الاقتصادية التي مرت بها السلطنة على مدى السنوات العشر الماضية في أعقاب انخفاض إنتاج النفط وتأخر التنويع الاقتصادي والتعمين من المرجح أنها لا تؤدي إلا إلى تعزيز هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.


[1]  حصل الكاتب مارك فاليري على رسالة الدكتوراه في العلوم السياسية عام 2005م من جامعة ” the Institut d’Etudes Politiques ” بباريس. وهو اليوم محاضر في العلوم السياسية والقوانين الدستورية في جامعة “La Rochelle” (فرنسا). وهو يعمل منذ عام 2007م على تأليف كتاب سيصدر قريبا بعنوان: “لي سلتانات دي أومان: إني ريفلوشن آت إن ترومبيل أويل Le sultanat d’Oman: une re ´volution en trompe-l’oeil”. تدور أعماله اليوم حول مواضيع الشرعية السلطوية والسياسية في عمان والخليج. يوجّه الكاتب شكرا خاصا لـ”جان فرانك أويس بايارت” لدعمه وإسهامه في إخراج هذا البحث، والشكر موصول لأولئك الذين لن نذكر أسماءهم من المختصين في الشؤون الأفريقية، لتشجيعهم ونقدهم البناء للنسخات الأولية من البحث. تقع المسؤولية على المؤلف بخصوص ما ورد في هذا البحث، وللتواصل معه عبر البريد الإلكتروني marc.valeri@gmail.com

[2]  John Peterson, Oman in the Twentieth Century: Political foundations of an emerging state (Croom Helm, London, 1978).

[3]  Marc Valeri, Le sultanat d’Oman: une re ´volution en trompe-l’oeil (Karthala, Paris, 2007 – forthcoming).

[4]  كان ابن خلدون أحد من استخدم اصطلاح العصبية، والتي تعني المشاعر المشتركة التي تجتمع عند المترابطين بالدم، وتتمثّل المشاعر في التصرّفات الجماعية أو العادات الموحّدة لهدف أو غاية معينة مثل التطلّع إلى منصب أو سلطة. للمزيد: Ibn Khaldu ˆn, The Muqaddimah: An

introduction to history, chapter 2 (Princeton University Press, Princeton, 1980).

[5]  Clifford Geertz, ‘The integrative revolution. Primordial sentiments and civil politics in the new states’, in Clifford Geertz (ed.), Old Societies and New States: The quest for modernity in Asia and Africa (Free Press of Glencoe, London, 1963), pp. 105–57..

[6]  Dale Eickelman, The Middle East and Central Asia: An anthropological approach, 4th edn. (Prentice Hall, Upper Saddle River, 2002), pp. 131–2.

[7]  Frederick Bailey, Stratagems and Spoils: A social anthropology of politics (Blackwell, Oxford, 1969); Jean-Franc ¸ois Me ´dard, ‘L’Etat patrimonialise ´’, Politique africaine, 39 (September 1990), pp. 25–36.

[8]  تدل فكرة “العودة” هنا على عملية استيطان في السلطنة منذ الستينات وحتى الآن والتي يقوم بها الأفراد والعائلات الذين يدّعون بأن لهم صلة قرابة تربطهم بعمان . إلا أن هذه الكلمة التي تدور حول فكرة “العودة إلى أرض الوطن الأصلي” قادرة على وصف الحقائق جزئيا، لأن معظمهم لم تطأ رجله أرض عمان قبل “عودته”. إلا أننا سنستخدم الكلمة لتدل على الثنائية التي تتمثّل في رغبة السواحيليين بان يكونوا متميّزين عن المجتمعات الأفريقية (خصوصا مجتمعات العبيد التي دامت عقودا)، وبين تعقّد مسألة العو لعمان بسبب الروابط “لرمزية” التي لازمتهم مدة استيطانهم على أرضها.

[9]  John Middleton, The World of the Swahili: An African mercantile civilization (Yale University Press, New Haven, 1992).

[10] Mark Horton and John Middleton, The Swahili: The social landscape of a mercantile society (Blackwell, Oxford, 2000); Derek Nurse and Thomas Spear, The Swahili: Reconstructing the history and language of an African society (University of Philadelphia Press, Philadelphia, 1985); Thomas Spear, ‘Early Swahili history reconsidered’, The International Journal of African Historical Studies 33, 2 (2000), pp. 257–90.

[11] Bradford G. Martin, ‘Arab migrations to East Africa in medieval times’, The International Journal of African Historical Studies 7, 3 (1974), pp. 367–90; John Middleton, ‘The immigrant communities (3): The Arabs of the East African coast’, in Donald A. Low and Alison Smith (eds), History of East Africa, vol. III (Clarendon Press, Oxford, 1976), pp. 489–507.

[12] تأخذ هذه الظاهرة منحى آخر تحت الحكم العماني لسلطنة زنجبار، راجع: Jonathon Glassman, Feasts and Riot: Revelry, rebellion, and popular consciousness on the Swahili coast, 1856–1888 ( James Currey, London, 1995)..

[13] 12. Frederick Cooper, Plantation slavery on the east coast of Africa (Yale University Press, New Haven, 1977); Glassman, Feasts and Riot; Mohammed Reda Bhacker, Trade and Empire in Muscat and Zanzibar: Roots of British domination (Routledge, London, 1992); Abdul Sheriff and Ed Ferguson (eds), Zanzibar under colonial rule (James Currey, London, 1991).

[14] 13. Edward A. Alpers, Ivory and Slaves in East Central Africa: Changing patterns of international trade to the late nineteenth century (Heinemann, London, 1975); Cooper, Plantation slavery on the east coast of Africa; Abdul Sheriff, Slaves, spices and ivory in Zanzibar ( James Currey, London, 1987).

[15] Norman Bennett, A history of the Arab State of Zanzibar (Methuen, London, 1978), p. 85 et seq.; Cooper, Plantation slavery on the east coast of Africa.

[16] Colette Le Cour Grandmaison, ‘Rich cousins, poor cousins: Hidden stratification among the Omani Arabs in eastern Africa’, Africa 59, 2 (1989), p. 178.

[17]  تحمل كلمة مانغا معاني كثيرة منذ القرن السابع عشر، وهي تحيل إلى آخر المهاجرين العمانيين المتحدثين للعربية ممن لم يحظوا بمكانة منصبية مثل سابقيهم. وقد استقروا لأجيال عدة حتى عدوّا أنفسهم جزءا من الارستقراطية العربية ومن المجتمع السواحيلي.

[18] كان زواج العمانيين من النساء الأفريقيات شائعا، حتى أن كلمة (خال) تستخدم على سبيل السخرية هذه الأيام للإشارة إلى من عاش في أفريقيا.

[19] Le Cour Grandmaison, ‘Rich cousins, poor cousins’.

[20]  قد تمتزج الهويات أحيانا، فالبعض يحلو له أن يطلق على نفسه عمانيا عربيا سواحيليا زنجباريا في الوقت نفسه.

[21] Horton and Middleton, The Swahili, p. 186. See also Cooper, From Slaves to Squatters: Plantation labor and agriculture in Zanzibar and coastal Kenya, 1890–1925 (Yale University Press, New Haven, 1980).

[22] Michael Lofchie, Zanzibar: Background to revolution (Oxford University Press, London, 1965).

[23] John Peterson, ‘Oman’s diverse society: northern Oman’, Middle East Journal 58,1 (2004), p. 46.

[24] Ibid.

[25]  المرسوم السلطاني رقم 1/72، و الذي ينصّ على أن أي طفل من أب عماني سيحظى بالجنسية العمانية، كذلك الطفل الذي له أم عمانية وأب غير معروف، وكذا المنحدر عن عماني ولم يسبق أن حصل على جنسية سابقا. وانطبق الصنف الأخير على من عاش في أفريقيا قبل السبعين ولم يحظ بالحصول على جنسية بعد فترة الاستعمار.

[26] John Townsend, Oman: The making of a modern state (Croom Helm, London, 1977), p. 127.

[27]  هذه إحصاءات تقديرية مبنية على دراسة ميدانية، وذلك لأن الوثائق الرسمية لا تظهر أعداد السكان حسب الدين أو العرق أو القبيلة.

[28]  ثمة مشكلة في تحديد مسمى للقادمين من أفريقيا بسبب عدم وجود لفظ رسمي بالسلطنة. لذا ففي الصفحات التالية سيحال المعنى إلى “العماني المتحدث للسواحيلية” إلى جانب “العمانيون العائدون من أفريقيا”. نجد أنه حتى لفظة “سواحيلي” مبهمة في عمان كونها قد تحدث خلطا مع قاطني أفريقيا أنفسهم. أما لفظة “زنجباري” فهي محدودة المعنى رغم أنها شائعة الاستخدام في المصادر الإنجليزية التي تتحدث عن عمان.

[29]  اعتمد سعيد بن سلطان خلال عهده على البلوش لتوثيق سيطرته على ساحل شرق أفريقيا.

[30] Mandana Limbert, Of Ties and Time: Sociality, gender and modernity in an Omani town (University of Michigan, unpublished PhD dissertation, 2002), p. 263.

[31] . مقابلة، مسقط، 23/مايو/ 2003م.

[32] .اشتهر معظم علماء عمان في أوائل القرن العشرين بمعرفتهم بعلم الأسرار: انظر فالري هوفمان، “صياغة الهوية الإباضية في عمان الحديثة وزنجبار، العالم الإسلامي، 94، 2 (2004م)، صفحة 201-216.

[33] . الشبيبة، مسقط، 6/مايو/2003م.

[34] . مقابلة، مسقط، 8/يناير/2003م.

[35] . مقابلة، مسقط، 29/يناير/2003م.

[36] . مقابلة، نزوى، 27/مايو/2003م.

[37] . لبثت مسقط حتى عام 2005م لتؤسس علاقات دبلوماسية رسمية مع تنزانيا لأن إيديولوجية “الاشتراكية الأفريقية” لتنزانيا مثلت اختلافا بارزا بالنسبة لعمان.

[38] . ” حوالي 1.300 مقيم بدون جنسية يسعون للحصول على الجنسية الإماراتية”، وكالة الأنباء الفرنسية، 28/ديسمبر/2006م.

[39] . ” الغلاف الخلفي: رسالة من مسقط” توجد في http://meionline.com/backcover/print256. Shtml (11/فبراير/2005).

[40] . مارك فالري ” سلطنة عمان في بحثها عن  متنفس آخر”، 122 (ديسمبر، 2005م)، صفحة 1-35.

[41] . مقابلة، مسقط، 30/مايو/2003م.

[42] . مقابلة، مسقط، 9/يونيو/2003م.

[43] . مقابلة، إبراء، 2/يونيو/2003م.

[44] . مقابلة، مسقط، 9/يونيو/2003م.

[45] . مقابلة، مسقط، 9/يونيو/2003م.

[46] . أليف أوليفيه روي، “جماعات المناصرة والتضامن: البقاء أم الإصلاح؟” في غسان  سلامة(محرر)، ديمقراطية يلا ديمقراطيين؟ تجديد السياسة في العالم الإسلامي (آي. بي. تورس، لندن، 1994م)، صفحة 81-270.

العدد التاسع عشر ثقافة وفكر

عن الكاتب

مارك فاليري

محاضر في العلوم السياسية والقوانين الدستورية في جامعة "La Rochelle" (فرنسا).