عزمي بشارة يتحدث

كتب بواسطة بدر العبري

على المدى القريب إسرائيل مرتاحة ؛ لأن قضيتها مهمشة، لم تعد القضية الرئيسية، فالناس منشغلة الآن بالوضع العربي.إذن لن يكون عليها أي ضغط تاريخي حقيقي، ولا تعاني من خسائر بسبب الاحتلال كمثل أيام الانتفاضة الأولى والثانية…إذن لا يوجد من يهدد إسرائيل بحرب.

عزمي بشارة

عندما أتى الدكتور “عزمي بشارة” لسلطنة عُمان يوم الإثنين الموافق للثالث من إكتوبر لعام 2011م ليلقي محاضرة بعنوان “العام والخاص في الثورات العربية الراهنة: الآفاق والمخاطر” كانت تلك زيارته الأولى له؛ ولذلك السبب اعتذر بلطف وبلباقة شديدين عن تناول شأنها في اللقاء الذي انفردت به الفلق معه بذات اليوم.

لكن لقاءً مع شخص بحجم الدكتور عزمي بشارة لن يكون مبتوراً أبداً، فمن يطلّع على سيرته الذاتية منذ ميلاده بالناصرة عام 1956م ليكون من “عرب 48” حتى تبوئِه منصب مدير عام “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” مروراً بوصوله لعضوية “الكنيست” الإسرائيلي لثلاث مرات قبل سحب الحصانة منه واعتزام محاكمته بحجة دعمه للإرهاب الفلسطيني وهروبه منها للأردن فقطر. يعرف أن لدى الرجل الكثير ما يقوله، ولعل هذه المعرفة تتأكد مع متابعة الرجل على قناة “الجزيرة” وخصوصاً برنامج “حديث الثورة” الذي يظهر فيه بشكل مستمر.

ولذلك ففي لقاء الفلق به تطرقنا لموضوعين أساسين هما ثورات “الربيع العربي” ومستجداتها والوضع الخليجي بشكل خاص، ولم تغب السلطنة عن الحوار تماماً بالطبع بالرغم أن حضورها ليس كما ينبغي ربما.

بدايةً دعنا نتحدث عن الوضع العربي بشكل عام هناك الكثير من التساؤلات حول مستقبل ليبيا ومصر وتونس ، نبدأ مثلاً بليبيا هناك تخوف من القاعدة ومن تهريب الأسلحة إلى القاعدة ، تخوف من حدوث صراع داخلي حول الحكم في ليبيا. وكما أن تونس إلى اليوم مازالت هناك مظاهرات من قِبل صناع الثورة ، حيث يقولوا بأنهم لم يأخذوا حقهم بعد ، وأنه مازال أزلام زين العابدين بن علي هم من يتولون الحكم في تونس . كذلك مصر مازال الوضع بين شد وجذب …
كيف ترى المستقبل ؟

أنا أعتقد أن الخطوة الرئيسية كانت التخلص من رموز النظام القائم بالأساس، وفتح الطريق أمام التحول الديموقراطي. حالة تونس ومصر أنا أعتبرها حالات ناضجة في التغيير الديموقراطي في المستقبل لكن ليس اليوم .. نحن نتحدث هنا عن دول ذات مؤسسات وذات تاريخ وطني وتقاليد وطنية لا تتناقض إطلاقا مع الانتماء العربي ، نستطيع أن نتحدث بسهولة عن هوية وطنية تونسية كما عن هوية وطنية عمانية (يظل وراءها فكرة) خلافاً لباقي الخليج .هناك هوية وطنية مصرية وأعتقد أن البلد بلد مؤسسات . بهذا المعنى هو _أي البلد_ قابل للتغير في إطار جدلية داخلية (ديناميكية داخلية) وليس بواسطة تدخل خارجي وليس أيضا بواسطة شرخ اجتماعي عميق يؤدي إلى حروب أهلية .من هنا كنت منذ البدء أكثر تفاؤلاً في حالتي تونس ومصر ،إذ لا أحد يستطيع تخيل مصري يطالب بتدخل أجنبي، وهذا أيضا في حالة تونس. لماذا؟

لأن الهوية المصرية الوطنية تبقى فوق الهويات الطائفية والجهوية. كذلك الحال في تونس. أعتقد أن الأمر الرئيسي أن الحالة “الأسرية الأمنية الحزبية” هذا الثلاثي الذي حكم تونس ومصر ذهب. لم يتغير النظام هذا صحيح ولكن المثلث القوي في النظام وهو الأسرة الحاكمة والأمن و الحزب قد تضعضعت. الأسرة ذهبت والحزب ذهب والأمن أصبح خاضع أكثر لرقابة الجمهور من الماضي، لا أقول أنه ذهب ولكن تضعضع. لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الحالة في مصر اليوم بقبل ثمان أشهر. ولا حالة تونس ، فالوضع في تونس _وأنا حاليا قد تعمقت في دراسة وضعها ؛. لأني أعكف على كتابة كتاب عن الثورة التونسية، وقد عرفت بعض شباب الثورة ، كما تعرفت على بعض شباب ثورة مصر معرفة شخصية_كذلك مختلف، فمطالبهم لن تأتي على صينية من ذهب، وسيستمرون بالنضال . وأرى نضالهم إيجابي ولكن كونهم يناضلون لا يعني أنه لم يتحقق شيء ، لأنه أصلاً ليس مطلوب منهم الإسترخاء الآن والإعتقاد أن الأمور الآن ستجري وحدها، هذا اعتقاد خاطِئ ،فالمطلوب مواصلة النضال، بما في ذلك ضد عناصر زين العابدين في الحكم ، ولكن الحل الأعمق سيكون على المدى البعيد بالانتخابات الديموقراطية ، إذا عقدت انتخابات ديموقراطية متكاملة على دورتين كل خمس سنين أو ثمان سنين فإن هذا كفيل بتغيير النظام بالتدريج. أما الاجتثاث فلن يكون اجتثاث لأن حالات الاجتثاث التي نعرفها لم تكن موفقة. ولم تؤدي إلى الديموقراطية .

كالانقلابات العسكرية تقصد؟

الانقلابات العسكرية، والاجتثاث في العراق ، اجتثاث البعث أوغيره، هذه أمور لم تؤدي إلى ديموقراطية ؛ لذلك الأمر يحتاج إلى وقت، مع ثقتي أن الأفق في حال مصر وتونس انفتح . بلا شك ستكون هناك صعوبة ، سيكون هناك تعقيدات ، وسيعلو الموجة عدد هائل من الانتهازيين الذين كانوا من زمن زين العابدين أو كانوا من زمن مبارك ، وبما في ذلك الإعلاميين الذين كانوا يمجدون مبارك وأصبحوا الآن مع الثورة . هذا طبيعي المهم أن الطلائع الرئيسية للحركة الثورية في مصر وتونس لا تفقد الاتجاه والبوصلة ، وأن تساهم في العمل السياسي وأن لا تعزف عنه، أن تدخل في الأحزاب وأن تناضل حتى لو لم تؤسس حزب ، أن تتفرق على الأحزاب ، أن تكون في كل مكان خميرة تذكر بالأهداف الأصلية للثورة، ولكن يجب أن ننتبه ..هذا أمر يجب أن يستمر ولذلك أنا واثق من هذا، بالنسبة لليبيا الوضع مختلف. ليبيا شيء مختلف تماما …

ما المختلف في ليبيا ؟

ليبيا لم يكن بلد مؤسسات ، لم تنشئ حركة ثورية مدنية واسعة، كما أن الأمور فيها لم تتم فقط بالديناميكية الداخلية بل تدخل الخارج أيضا، أي تعقدت الأمور باتجاهات لا تشي بتطور مستقيم نحو الديموقراطية ، وذلك ما سيلزم الأمر بناء مؤسسات، ومنع التدخل الخارجي من أن يتحول إلى تدخل في سياسة البلد، وأيضا منع الفساد، كما أن ثمة رجالات تسعى للتدخل الخارجي، فالدول الأجنبية تراهن على رجال بعينهم هذا أيضا يجب أن توضع له حدود، وسيكون موضوع صراع . بطبيعة الحال ليست الخشية في الصراع ، بل في تحول الصراع إلى حرب، أما الصراع المؤطر في مؤسسات معترف بها بموجب قواعد لعبة متفق عليها فلا يشكل مشكلة. المسألة في ليبيا ستأخذ وقت وربما تأخذ مسارات أخرى مختلفة عن مصر وتونس ولكن هنالك أمر جدير أن نفكر به، وكنت أطالب الإخوان في الثورة الليبية أن يفكروا فيه. أن يستفيدوا من موقعهم بين مصر وتونس..

أتقصد الموقع الجغرافي ..؟

طبعا لأنهم سيكونوا محاطين بدولتين تشهدان تحول ديموقراطي، لذلك يجب أن يستفيدوا ، وأن يحاولوا التخلص قدر الإمكان من الوصاية الخارجية، تاريخيا هناك حوالي ثلاثة ملايين مصري يعملون في ليبيا ، كذلك الموظفين والعمالة التونسية بلغت ثلاثمائة ألف في الفترة الأخيرة ، أعتقد أن مصر وتونس يمكن أن يغنوا كثيراً، ويمكن الاستفادة أيضاً من التجربة الانتخابية والتعددية الإعلامية في البلد ..آمل فعلاً أن يتم الاستفادة من هذا، وأن تفتح الحدود للتفاعل بين مصر وتونس وليبيا، هذا أمر أعتقد أنه مهم جداً يمكن أن يكون هو ضامن أو رافعة للسيادة في ليبيا .

حسناً دكتور.. بما أن المستقبل في ليبيا غامض نوعاً ما ،و ليس بوضوح مصر وتونس على الأقل..في ظنّك هل هنالك تحول، أو فلنقُل هل ستغدو ليبيا رقعة شطرنج أخرى كلبنان حيث تتصارع فيه الدول الأجنبية ربما القاعدة طرف وأمريكا طرف..كون ليبيا غنية بالنفط وغنية بموارد كثيرة ؟

نستطيع جازمين أن نقول أن القاعدة ليست طرفاً هناك… صحيح أنه يوجد أفراد من الجماعة الإسلامية المقاتلة نشطين الآن في ليبيا ، ولكنهم أجروا مراجعات طويلة لخطِّهم السابق ، وهم الآن مندمجون في الحركة السياسية . القاعدة كقاعدة حتى الشباب الذين كانوا في مرحلة من المراحل فيها ، كانوا في إطار المجاهدين ولم يكونوا في إطار القاعدة، ولذلك الحديث عن وجود القاعدة في ليبيا هذا لا أساس له من الصحة، طبعاً يوجد إسلاميون و متدينون، ولا بأس، لكن أن تصبح ليبيا ساحة للتأثير بين الدول ؛ فهذا خطر ثاني .. الفرق أنه في ليبيا لا يوجد احتلال مباشر كما في العراق ، ولا يوجد عشائر وطوائف تستعين بتحالفات أجنبية ، حيث يختار كل منها حليف خارجي ؛ لتستعين على بعضها كما في لبنان، هذا لا يوجد في ليبيا، ونأمل أن لا يوجد ، ولكن لا أستبعد أن تكون هناك صراعات حتى بين دول غربية حليفة مثلا بريطانيا أمريكا، فكلها دول تتصارع على النفوذ رغم تحالفها، وهذا قد يدفعها إلى البحث عن أزلام لسياستها ، وأيضاً تركيا.

أعتقد أن هذا أمر يجب أن تكون الناس واعية له، وأن يشار إليه باستمرار بعدم السكوت عنه . أفضل علاج للأمر هو الاستمرار بإثارة الموضوع والتحذير منه لكي يصبح الأمر عيب وليس أمراً يفتخر به ، خاصة أن جزء من السياسيين الليبيين حاليا كانوا في الغرب وعاشوا في الغرب عشرات السنوات مما جعلهم – ليس جميعهم ولكن جزء منهم- أصبح له علاقات بالأجندة الغربية ، ويجب أن لا يعتد بذلك.. يجب أن لا يفتخر به، في النهاية أنت تريد أن تبني وطن، ولذلك يجب أن يكون انتماءك الرئيسي لهذا الوطن. كما أنه يجب عدم إخفاء الهوية العربية لليبيا، ففي ليبيا أمازيغ ولهم حقوقهم الكاملة، ولكن ليبيا يظل بلد ثقافته عربية إسلامية ، وجزء من المحيط العربي الإسلامي ولا يجوز التنكر لهذا من أجل إثارة إعجاب فرنسا أو بريطانيا أو غيرها. في العمق الشعب الليبي هو شعب عربي مسلم، وبالتالي يجب عدم الهروب من هذه الحقيقة ؛ لأن البديل لها هو العشائر.
عندما أُنكرت الهوية العربية للعراق كان البديل هو الطوائف في حين الأكراد حافظوا وبلوروا هوية قومية، طُلب من العرب التخلي عنها. هذه الحالة الوحيدة في العالم التي تطالب فيها الأقليات أن يعترف بهويتها القومية، ولا يعترف بهوية الأغلبية . فأنا مع الأكراد في الهوية القومية للأقليات إذا كانت هناك هوية قومية في الحالات التي يتشبثون بها أو يتمسكون بها، ولكن لا يجوز أن نطلب من الأغلبية أن لا تكون لها هوية قومية خاصة ونحن نعرف جميعا أن البديل لها هو الإنتماءات العشائرية والطائفية التي لا تؤسس لتعددية ديموقراطية بل تؤسس لاحتقان داخلي .

دعنا نعود قليلا إلى مصر وتونس.. الانتخابات القادمة أو المنتظرة هل ستشهد نوع من الصراع اليساري الديني ، كوننا نسمع دائماً تحذيراً من الدينيين ..من السلفيين ..من الأصوليين أم أن صناديق الاقتراع ستحتوي الموقف ؟

الصراع سيكون في إطار صناديق الاقتراع. لماذا لا يكون؟ فليكن.
في جزء من الحالات سيخفى الصراع بتحالفات، وفي جزء آخر سيثار. وحتى في حالة التحالفات دائما سيكون هنالك من يثير الموضوع، الآن يجب أن نفكر… هل إثارة الموضوع والحوار عنه، والتناقش حوله، والدخول إلى صناديق الاقتراع أفضل أم إخفاءه أفضل؟ والتستر عليه؟
التجربة أثبتت أن إخفاء هذا الموضوع والتستر عليه وعدم مناقشته علناً يؤدي إلى تفاقمه ولا يؤدي إلى حل. وأنا أرى الأفضل هو طرحه للملأ بالفضاء والتناقش حوله، وسؤال كل من له برنامج يقول أنه علماني، بغض النّظر عن الكلمات الكبري علماني أو غيره. ما هو برنامجك في القضايا التفصيلية التي تواجه البلد سواء في ذلك سياسات اقتصادية أو اجتماعية؟.. العلمانية لا تحوي حلول لهذه القضايا، العلمانية قضية واحدة، والشئ نفسه عندما تقول لدي أيدولوجيا دينية ..حسناً.. ما هو الموقف من بيع الغاز ، من أسعار المواد الغذائية والسلع، من التصنيع، من قضية المياه، من التلوث؟.. وكيف ستعالج هذا؟.. لأن هذا لن يعالج بشعارات من قبيل “الإسلام هو الحل” أو أن “العلمانية هي الحل” ، أو “القومية هي الحل”.

في نهاية الأمر هذه قضايا نعم مهمة جداً في الحياة ، ولكن ستكتشف أنك إذا وضعتها في إطارها الصحيح، بمعنى إذا أخذت من القومية قضية الهوية التي تحافظ على تماسك البلد، وأخذت من التدين الجزء الحضاري والثقافي والتراثي ، وأخذت من العلمانية قضية عدم الإكراه في الدين، سترى أن هذه الأمور تتعايش مع بعضها، وليس الأمر أن كل طرف يطرح نفسه كأيدلوجيا شمولية ..تقصي الآخرين ..في الواقع يمكن أن يتعاون هؤلاء في فهم معين لهذه المواقف متناسبا مع قواعد اللعبة الديموقراطية.

حسنا لنتجه ناحية سوريا ..من خلال رؤيتك دكتور.. المستقبل في سوريا إلى أين ؟

المستقبل في سوريا يشوبه الكثير من القلق وعدم الوضوح ؛ لأنه من الواضح أن النظام ينتهي ، ولكن البديل ليس واضحاً بعد. صحيح أن هناك محاولات لتنظيم معارضة، بعضها أنجح من بعضها الآخر، وصحيحٌ أنه أصبح واضحاً أن هذا النظام يجب أن يذهب، وأن المطلوب هو إسقاط النظام، لكن عندما نتوقف عند فقط إسقاط النظام، ولا نطرح أن البديل هو الديموقراطية يحدث قلق عند أوساط واسعة من الناس، لو قلت في مصر أن الهدف هو فقط إسقاط مبارك دون القول بإقامة نظام ديموقراطي تعددي.. إلخ، لما خرجت الجماهير. الجماهير تريد إسقاط مبارك وإقامة نظام ديموقراطي، وليس إقامة نظام استبدادي جديد. وهذا أيضا الحال في تونس الموضوع ليس زين العابدين أولا بل موضوع نظام.

أنت ترى أنه ذهب زين العابدين والمطالبة الآن بذهاب النظام، ولكن أيضاً عليك أن تطرح ما هو المستقبل خاصة في حالة دول المشرق العربي .. ولو سألتني لماذا تطرح بقلق أكبر في حالة المشرق العربي؟ لأن هوية الدولة كدولة وطنية لم تتبلور ، كما في تونس ومصر نتيجة للتقسيمات الاستعمارية، لم تتبلور هوية الدولة الوطنية لأن الأيدلوجيات التي حكمتها سابقاً لم تهتم بتنمية هوية وطنية ؛ولأن هناك تعددية دينية وفسيفساء ديني وأقوامي غني جدا يهدد بشرخ المجتمع إلى فئات تتضامن بعضها على مستوى الهوية مع النظام الحاكم ، وفئات أخرى تعارض على مستوى الهوية مع النظام الحاكم، مثل أن تتحول الحركة الديموقراطية إلى حركة طائفية.

في الواقع أنا ضد ما يدعى أنه طائفة حاكمة، أو ضد ما يعتبر أنه عشيرة حاكمة، وهكذا لذلك نحن حريصون جداً في حالة المشرق العربي لأنه المجتمع في المشرق مختلف عن المجتمع في المغرب، على التأكيد بأن البديل عن النظام الحاكم يجب أن يكون نظام ديموقراطي. هنالك فئات من المجتمع السوري مازالت قلقة بشأن المستقبل ؛ لذلك لا تنضم إلى الثورة، طبعا يضاف إلى ذلك أن حالة القمع هي حالة وحشية وبالذات في سوريا ، فهناك قمع وحشي. الملاحظ من البداية أن هناك مطالبة بالتساوي بين ظواهر غير متساوية وهو موقف غير علمي. تساوي في القيم والأخلاق، في التحليل العلمي حتى في الظاهرة يختلف. نحن مع الديموقراطية ومع المساواة ولكن يجب أن نميز بين تحليلنا للمجتمع المصري والسوداني، وبين تحليلنا للمجتمع الليبي والتونسي، وبين تحليلنا للمجتمع المصري والمجتمع السوري، هذه مجتمعات مختلفة إذا عاملتها بمساواة تُصبح غير علميّ، هناك تعامل أخلاقي يجب أن يكون متساوي أما التحليل العلمي فيجب أن يُحلل الظواهر ، في حينها قلت أنه أولاً في حالة سوريا ستأخذ وقت أطول، وثبت أن كل الناس أتت بعقلية الأربعين يوم والخمسين يوم لثوراتهم، كما أن النظام سيدافع بشراسة أكبر عن وضعه ، وله قاعدة أيدلوجية. وثالثاً إمكانية حصول شرخ على مستوى الهوية، أضيف إلى ذلك أن المراكز المدينية الكبرى مثل حلب ودمشق لم تتحرك بسبب القمع الخاص بها، أو الوضع الإقتصادي. الآن الأمور بدأت تتسارع ..بإعتقادي النظام بدأ يستنفذ ذخيرته وسط حصار شامل دولياً عليه، وقدرته على الصمود تتآكل ؛ لأن هناك تفتت في الجهاز الأمني، حيث دخل في خطوات تقشف اقتصادي، سيؤدي إلى أن فئات مجتمعية أوسع تنفك عنه. ولكن هنالك حاجة ماسة جداً إلى أن تطرح القوى السياسية الثورية تصوراً مبني على المواطنة، ومتمسكاً بهويته العربية؛ لأن هناك استسهال في حالات ليبيا وسوريا، هناك استسهال في مسألة التدخل الخارجي، طبعاً لن يكون هناك تدخل خارجي سوريا لأسباب متعلقة بالدول الغربية نفسها. ولكن مجرد تكراره يقدم مؤشرات على نوع الخط السياسي الذي يُقدّم، يدل على أن العداوة والفجوة في سوريا عميقة لدرجة أنك تفضل العدو الخارجي للتحالف معه. هذا يدل على عمق الشرخ كما في حالة لبنان، الهوية الوطنية ضعيفة لدرجة أنك مستعد أن تستقوي بفرنسا على طرف آخر يستقوي بايطاليا أو بألمانيا أو بإيران وطرف ثالث يستقوي بسوريا.

وكنا دائما نعتقد أن الهوية السورية ستكون هي الجواب على الهوية اللبنانية، الحالة العروبية بسوريا هي الجواب، لكن ما أُثبت أنه ليست سوريا التي أثرت على لبنان، بل لبنان على سوريا. لبنان كانت أكثر تأثيراً على سوريا مما لسوريا على لبنان للأسف الشديد؛ لذلك هناك مسؤولية كبرى_ذهاب النظام شئ لابُد منه ، فهو نظام استبدادي لا يستطيع أن يستمر _ مسؤولية تاريخية كبرى على قوى التغيير في سوريا.. من ناحية ماذا تطرح…؟ لأن المشرق العربي اكتوى بالطائفية. والعراق و لبنان أمثلة واقعية ،فإذا انضمت سوريا إلى هذا سنفقد حينها المشرق العربي ؛ لأن الشام هي كرسي المشرق ولا نستطيع أن نفقدها، نأمل أن ينجحوا في إقامة نظام ديموقراطي لا يُفرّط بالهوية العربية للبلد، نظام ديموقراطي متمسك بموقفه المعادي للصهيونية الإسرائيلية، له موقف يتعلق بالأرض المحتلة، وقضية فلسطين، فقضية فلسطين هي قضية الشعب السوري، ومن يأتي لإقامة نظام ديموقراطي يصبح هذا هو الرد على بقية الفوضى التي نشأت أما إذا اندرج ضمنها فهذه مشكلة.

ماذا عن التدخل الدولي، والتركي خصوصا في سوريا .. خصوصاً إذا ما قلنا أن سوريا هي إحدى الدول المقاومة لإسرائيل على الأقل رسميا. ..التدخل الدولي لم يكن بتلك الحدة، بيان دول الخليج كان هزيلاً ، كذلك بيان جامعة الدول العربية.. مقارنة بمواقفها مع ما حدث في مصر وتونس وليبيا ..في حين كان لتركيا موقِف مُختلف .. تركيا هي الدولة الوحيدة التي وقفت حقا مع الثوار.

بالنسبة لمواقف الدول الغربية..سوريا الآن تعيش عزلة بين الدول الغربية. عزلة كاملة بين الدول الغربية جميعها ، وقسم كبير منها يطالب بإسقاط النظام ، وتنحي الرئيس ، حيث يرون أنه قد فقد شرعيته ، وبدأت كما نرى سلسلة عقوبات ، ولكن كتدخل عسكري مباشر لا أعتقد أن هذا ممكن بعد تجربة العراق. ليس لأسبابنا نحن (أسبابنا الوطنية) بل لأسبابهم هم. حتى التدخل في ليبيا احتاج إلى حملة لإقناع الغرب. من قبل ساركوزي أو من قبل آخرين، ككذلك من قبل دول مجلس التعاون، لإقناع الغربيين بفعل شيء لإنقاذ المدنيين في بنغازي حينها. قطر قامت بدور كبير في حينها. ولكن لم يكن هنالك حماس للتدخل بالمعنى الحرفي للكلمة، بل العكس أمريكا كانت مترددة، والذي قاد الحملة هي بريطانيا وفرنسا، لذلك فلا تعتقد أن الغرب يتلهف للتدخل العسكري في أي مكان. حالة سوريا أكثر تعقيداً، وقد تؤدي إلى صدام عسكري حقيقي خصوصاً أن فكرة المقاومة مطروحة، في إسرائيل هناك أراض محتلة ، وهناك لاجئين فلسطينيين، هناك مقاومة لبنانية. أن تأتي إلى هذا كله بتدخل عسكري سيواجه بمقاومة، وكثيرين إذا جاء التدخل العسكري سيغيرون موقفهم ؛ لأنها بلاد مُركبة … قضية فلسطين، و احتلال، ومقاومة فلسطينية، ولبنانية، وأرض محتلة لسوريا، وهناك تاريخ.

الموقف التركي لا نستطيع القول أنه كان موقفاً مبدئياً ، فقد احتاج الأمر أولاً إلى وقت طويل إلى أن اقتنعوا أن النظام ذاهب، كان موقفهم طيلة الوقت هو الحوار مع النظام، وقد أخذ وقت طويل إلى أن اقتنعوا. حواراتهم عموماً مع تيار معين فقط في سوريا وهو التيار الإسلامي. لا نستطيع القول أن تركيا بلد بلا مصالح في سوريا، فهو بلد ملاصق له، وله مصالح اقتصادية، وقد احتل أرض سوريا لفترة طويلة.
تركيا بلد مؤهل لأن يؤثر باتجاه ديموقراطي ؛ لأنها دولة إسلامية وديموقراطية. الآن أصبح لها طابع إسلامي بفعل حزب العدالة والتنمية. لكن التعددية فيها لم تصبح بفضل العدالة والتنمية، بل إن العدالة والتنمية وصل إلى الحكم بفضل التعددية، حزب العدالة والتنمية ليس مبشر بالديموقراطية ، فالنظام التركي هو من أعطاه الفرصة لأن يحكم وليس العكس. لكنه استفاد من التعددية، نأمل أن يُؤثر هذا النموذج على تيارات إسلامية في المنطقة، ما يمكننا قوله هو أن تركيا في النهاية دولة إقليمية، لها مصالحها، والجيد أن تلتقي مصالحها مع مصالحنا، ولكن يجب أن لا نعتمد على أنها ستقوم بالمهمة من أجلنا، في النهاية يجب أن تكون هناك علاقات سورية تركية جيدة، وأن لا ننسى طبعا صراعات الماضي،و من ناحية أخرى لا يمكن الآن اعتبار الدور التركي دورا محوريا،ً فهو مؤخراً فقد بدأ يصبح موقفاً حاداً، ويجب أيضا أن ننتبه أن العلاقات يجب أن تكون جيدة ومفيدة ومبنية على المصالح، وأيضا الوطنيين السوريين والعروبيين في المستقبل يجب أن يعرفوا أين تكمن مصلحة تركيا ، وأين تكمن مصلحة سوريا ، ولا يفكروا أن هذا عملاً خيرياً.

أخيراً وبالنسبة إلى الدول العربية الأخرى لم يكن للدول العربية أي موقف ديموقراطي من أحد. الحالة الوحيدة التي كان لها صوت عالي، حالة ليبيا ، وما يزال الموقف العربي الحالي أفضل من الموقف العربي تجاه مبارك ، ومازالت دول معينة عربية في الخليج تشتاق لمبارك. كما أن الموقف لم يكن جيدا أثناء الثورة التونسية. والآن الموقف سيء كذلك تجاه اليمنيين، موقف الجامعة العربية، ومجلس التعاون من سوريا أفضل من موقفها تجاه الثورة في اليمن؛ لذلك الحديث أن الموقف العربي في حالة سوريا كان أسوأ من الموقف العربي في حالات أخرى، لا أظنه صحيح ، بل العكس، هو أكثر موقف متطور في نقده للنظام في أي دولة عربية بعد ليبيا. حيث اتخذوا موقفا حاداً من ليبيا ، واتخذوا موقفاً حاداً من سوريا نسبيا.

انظر مثلا الآن كيف يشعر اليمنيون بأن الدول العربية والجامعة العربية ينتقدون النظام في سوريا، وينتقدون النظام في ليبيا، ولم ينتقدوا النظام في اليمن، كما أنهم لم ينتقدوا النظام في مصر ولم ينتقدوا النظام أيضاً في تونس، ولذلك أنا لا أرى أن الدولة العربية عاملت سوريا بشكل مختلف، بل العكس كان هناك نقد أعلى من نقدهم لدول أخرى. وهناك تفسيرات لذلك، خذ مثلا التفسيرات الطائفية التي فسرها بعض السوريين، وهناك دول موقفها كان ضد كل الثورات، خذ مثلا المملكة العربية السعودية موقفها كان ضد كل الثورات على الإطلاق، وفقط في حالة سوريا سمعنا النقد. لماذا؟ الدولة السعودية ليست ديموقراطية إذن، أعتقد أن ما يحدث هو تهدئة الرأي العام الداخلي لأسباب دينية، لذلك لا تأخذ موقف الدول العربية كمقياس للموقف الديموقراطي لأنها كلها ليست دول ديموقراطية.

نقرأ بعض الأخبار التي تُفيد بمحاولات إسرائلية لعرقلة الثورة في سوريا من ضمنها خبر عُرض منذ فترة في موقع شبكة الجزيرة بعنوان أن إسرائيل تعرقل الثورة في سوريا ، جاء التحليل على أساس أن خطاب وزيرة الخارجية كلنتون تغيّر بعد زيارة نتنياهو لنيويورك. ما هي قراءتك للموقف؟

أنا أميل إلى الاعتقاد أن الموقف الإسرائيلي على عدائه وخصومته التاريخية مع موقف سوريا الداعم للمقاومة إلا أن هذا وارد، لست متأكدأ ، لكن هناك موقف يقول أن عدم الاستقرار بسوريا، قد يضر بإسرائيل ، وهناك مسؤول سوري قال ذلك صراحة، من الجهة الأُخرى ومن خلال قراءتي البحثية وليست السياسية للأوضاع، أرى مواقف الإسرائيليين متناقضة، فحين ترى موقف قيادات تاريخية، هناك قيادي سابق للموساد يقول: لا يهم إذا انهار النظام في سوريا، لن يحصل شيء. ما سيحصل هو مجيء لنظام سني مثل السعودية ليس ديموقراطي مقلد للغرب، وأن هناك أنظمة دينية معتدلة مثل السعودية. فإذا جاء نظام طائفي سني معتدل، لم تكون هناك مشكلة مع اسرائيل، مثل الحريري مثلاً ، في حين موقف آخر يقول : لا، سيصبح هناك نوع من عدم الاستقرار.

أعتقد أن هناك نقاش في اسرائيل حول هذا، لا تعتقدوا أن الأمور منتهية ،ولكن ربما لديهم خشية من حالة لا يكون لهم فيها دور، أو حرب أهلية مثل العراق .

أو ربّما يكون انفلات أمني ؟

نعم ..انفلات أمني يتجاوز الحدود ، أنا لا أعتقد أن إسرائيل خائفة مِن مَن سيحكم سوريا. فعندما تنظر إلى دول أخرى بين قوسين تعتبر باللغة الصهيونية “سنية معتدلة” وهذه الدول قد أقامت سلام مع اسرائيل كمصر سنية معتدلة، الأردن سنية معتدلة، السعودية. لذلك هذا الكلام يحتاج إلى دقة أكبر، شرحه يحتاج إلى دقة أكثر مما يقال حتى الآن، الأمور ليست بهذه السهولة. البعض يروج أن النظام شيعي أو علوي، كل الأنظمة التي أقامت سلام مع اسرائيل، وتبادل سفارات كلها أنظمة سنية. لذلك هذه التقسيمات الطائفية، و الآن الثورية فالمعترضين على السفارة في مصر أيضا سنة. لذلك هذه التقسيمات الطائفية “يا ليت نتخلص منها، ولا عاد نحكي فيها”

تقصد أنها لا تعني شيئا..

يا ليت نخلص من هالحكي الفاضي (يضحك). النظام المصري نظام استبدادي، لا يهمني سني أو شيعي. النظام السوري نظام استبدادي، لا يهمني سني أو شيعي. هناك من يقفون مع نظام استبدادي إذا من طائفة، وضد نظام استبدادي إذا كان من طائفة أخرى. أنا ضد الاستبداد بغض النظر عن طائفة من يحكم، أو عن هوية من يحكم، أو عشيرة من يحكم. أنا ضد الاستبداد كفكرة سواء بسوريا أو في مصر أو تونس.

بما أننا تحدثنا عن إسرائيل… دعنا نعرج لرؤيتك عن وضع اسرائيل..حيث تقع اسرائيل الآن بين دولتين _مصر وسوريا_ في كلتيهما الأمور غير واضحة، بالإضافة إلى قضية فلسطين وسعيها للحصول على اعتراف كامل .

على المدى القريب إسرائيل مرتاحة ؛ لأن قضيتها مهمشة، لم تعد القضية الرئيسية، فالناس منشغلة الآن بالوضع العربي.إذن لن يكون عليها أي ضغط تاريخي حقيقي، ولا تعاني من خسائر بسبب الاحتلال كمثل أيام الانتفاضة الأولى والثانية…إذن لا يوجد من يهدد إسرائيل بحرب.

لكن على المدى البعيد فإنهم قلقين جدا. .. يقلقهم أمر متى سيصبح الموضوع الفلسطيني مرتبط بموضوع انتخابات في مصر؟ حيث سينتخب الأكثر دعوة للتخلص من السلام مع اسرائيل، أوسينتخب الأكثر تشديداً على القضية الفلسطينية.

يبقى في النهاية أنه رأي عام يتفاعل، وهو رأي عام مقلق لإسرائيل، لكن الآن الرأي العام العربي _بدون فهم غليانه المستمر_ لا يمكن أن يفهم ذهاب أبو مازن للأمم المتحدة، فلو أن مبارك موجود لم يذهب، خاصة أن أبو مازن قد ألقى خطاب يتفاوت مع الرأي العام العربي… ولأقرب الصورة ، تخيل مسؤول عربي الآن وفي هذه الفترة يزور إسرائيل!

لن يقبل أحد، فالرأي العام العربي الآن لا يحتاج للمزيد من الاستفزازت، كما أنه _أي الرأي العام_أصبح مقلق لإسرائيل، حتى لو أنّه لم يحكم، مجرد أنه الآن فعال وموجود في الشارع، وكل العالم يحسب له حساباً فضلا ًعن القادة العرب.

مؤخراً سألتُ سؤالاً: هل تتذكرون الحديث الذي وصلنا له أثناء العدوان على غزة، عندما عقد مؤتمر غزة في الدوحة، والذي قاطعته حوالي نصف الدول العربية..؟ هل تتخيلون أنه لو عقد الآن مؤتمر يمكن لأحد أن يقاطعه؟.. الآن لن يجرؤ أحد أن يقاطعه حيث أن الأجواء الآن مختلفة، فأنت تتنفس الآن شيئا آخر. تعيش في نفس المنطقة، وتشعر أن نبض الشارع العربي، هو ليس نبضاً للحكام إطلاقاً، ولذلك فاسرائيل تعيش في قلق مستمر حول المستقبل… هذا الربيع العربي، قد يترجم في أي وقت إلى ربيع فلسطيني، وخروج الفلسطينيين للساحات.

ماذا عن ردة فعل إسرائيل، بما أنها قلقة على المدى البعيد. هل تتوقع أن تقوم بخطوات معينة لتضمن عدم وصول دولة ديموقراطية لمصر مثلا؟

لا شك لدي أنها تقوم الآن بخطوات، نحن لا نعرف كم الدس الذي تدسه، وكم الاتصالات التي تقوم بها، وما هي فعالية ما تقوم به الآن ،نحن نعرف أنه كانت هناك اتصالات اسرائيلية مباشرة مع واشنطن لعدم الضغط على مبارك. اتصالات حادة وحقيقية من قبل إسرائيل لواشنطن، من قبل مسؤولين إسرائيليين، ولذلك إسرائيل تقوم بجهد كبير قسم منه مخفي، والقسم الآخر واضِح. ولكن في النهاية ليس لاسرائيل أدوات للتأثير على الشارع العربي. تتدخل نعم، وتثير إشاعات، وما ذلك إلا لتشكيك الناس ببعضها. ولكن هي أصغر من أن تؤثر على الشارع العربي، قد تؤثر على حاكم، أو على جهاز أمني في دول عربية، ولكن على بحر متلاطم من الرأي العام العربي، ليس لديها الرؤية الثاقبة.

سؤال لابد منه بما أن قضية ذهاب فلسطين إلى الأمم المتحدة إحدى المواضيع السائدة، أنت تكلمت في حديث الثورة بإسهاب عن هذه النقطة ولكن لدي سؤال محدد: تأثير الربيع العربي ألا يمكن أن يخلق سيناريو مخالف. السيناريو الآن الأكثر شيوعة أن أمريكا ستستخدم حق الفيتو، أو أن هناك تسع دول لن توافق على طلب الانضمام. لكن ألا يمكن أن تفكر أمريكا بمخرج آخر لتهدئة الشارع العربي عبر تمرير فلسطين كدولة لديها الشرعية الكاملة وما شابه؟

هذا غير وارد للأسف الشديد ؛ لأنه مناقض تماماً للتصور الأمريكي الإسرائيلي، لأن كل شيء يجب التوصل إليه بالتسويات الثنائية بين إسرائيل وفلسطين. وإن هذا الخوف في الأمم المتحدة يفقد الولايات المتحدة الوصاية على المفاوضات ، حقيقة هناك تأثير إسرائيلي كبير يجعل من السياسات الأمريكية في المنطقة غير عقلانية حتى من منطلق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، لذلك أنا لا أرى أن هذا وارد… وأظنهم سيستخدمون الفيتو إذا لزم.

ننتقل إلى الوضع الخليجي: ونبدأ بالجزيرة ..تغطية الجزيرة مُفاجِئة في البحرين مثلا فقد تحولت الثورة إلى فتنة طائفية.. حيث كانت هناك تغطية، ثم خضعت التغطية لضغوطات كثيرة، ثم عدت ثورة البحرين ثورة طائفية. جاء بعدها التدخل السعودي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. سأضرب مثال هنا: هناك برنامج على الجزيرة الإنجليزية كان اسمه “صراخ في الظلام” بث مرة واحدة ثم منع من البث. لماذا؟ أليس من حق البحرينيين إذا كانت الأغلبية شيعية …

تتعاملون مع الجزيرة كأنها حزب سياسي! وأنا لا علاقة لي بذلك

هذا مثال على الضغوط الخليجية .

آه , إذن عندك كمثال العربية عندك تلفزيونات الخليج كلها.

كلها ?

يجب أن تنظر إلى دول مجلس التعاون كجسم متعاضد حتى من كان عندهم مواقف معينة نقدية مثلاً كما رأيت تجاه سوريا وليبيا، لم تكن لها أي مواقف نقدية خليجية إطلاقاً، إلا في حالات فسر فيها موقف الجزيرة على أنه هذا هو موقف قطر من الثورة المصرية والتونسية، ولكنه لم يكن الموقف الرسمي لقطر. لم تعلن قطر مواقف رسمية تؤيد الثورات لا في مصر ولا في تونس. مجلس التعاون الخليجي متعاضد، ولديه مصالح متقاربة في بعض الحالات كما أنه يعاني من نفس المشاكل، ومن نفس القضايا .

نحن لا نتحدث عن مجلس التعاون كمجلس لمجموعة دول ديموقراطية متآلفة، ليس الأمر هكذا!

والذي يملك هذا التصور لا أدري “وين عايش”. لذلك أنا لا أدري ما هو المفاجئ في الأمر، إن دولة البحرين دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، حدثت فيها انتفاضة، أنا باعتقادي القسم الأساسي منها قائم على مطالب عادلة، وإن كان في بعض الحالات كلمة حق أريد بها باطل ، بتدخل الأحزاب الدينية المتطرفة، لكن لا يمكن لأحد أن ينكر أن هنالك حقوق مهضومة لقسم كبير من السكان في البحرين، ربما الآخرين من دول مجلس التعاون لم يعايشوها، وقسم آخر منهم _أي دول المجلس_ ينظر إلى أن رأيه العام الداخلي غير متعاطف مع القضية، وقسم آخر لديه مشاكل شبيهة لا يريد أن تصل إليه الثورة..إلخ، لا أريد أن أشرح ولكن بالتأكيد مجلس التعاون وقف إلى جانب حكومة البحرين.

القضية الأساس في وضع البحرين هي موقف الإنسان في هذه الدول هل هو متأثر بمطالب الناس العادلة، أم هو متأثر بالجو الطائفي؟. ليست الحكومات فقط بل الإنسان معرض للدعاية التي تقول أن هذه أدوات لبسط النفوذ الإيراني الذي بدأ بالبحرين . ولديك كمثال على ذلك جنوب العراق. فبالفعل المطالب بدأت ديموقراطية إلى آخره في العراق، ولكن المسيطر في النهاية على جنوب العراق أو في العراق كلها تقريباً الآن هو إيران، يقول البعض أن هذا صحيح. البعض الآخر يقول ولكن هل هذا يبرر للنظام القائم بالبحرين أنه لا يستطيع أن يستوعب المطالب الإنسانية والديموقراطية لجزء أساسي من شعب البحرين، ويقرب الجزء منه حتى لا يكون تحت النفوذ الإيراني. فلن تستطيع أن تبعد كل الشيعة في الخليج عن النفوذ الإيراني. ولكن تبعد جزء كبير منهم، لأن جزء كبير منهم لم يكن تحت النفوذ الإيراني في الماضي. الأغلبية لم تكن تحت النفوذ الإيراني. في النهاية مواطنين وفي النهاية عرب. والشيعية ليست حالة فارسية، الشيعية حالة عربية من الجزيرة، علي بن أبي طالب ليس فارسي ولا ابنه الحسين ولا كل أبناءهم الأئمة كلهم ينحدرون من قريش. في النهاية هي ليست حالة فارسية. سؤال إذا هم جزء لا يتجزأ من وطننا العربي لماذا لا نستطيع استيعابهم؟ أنا لا أبرئ إيران من التدخل لكني اسأل السؤال، بمعنى لو كان لدينا مواطنة متساوية هل سيكون حجم تأثيرها مثل حجم تأثيرها اليوم؟ لذلك هذا ما أقوله، أما أن تسألني عن سلوك دول الخليج، سأقول لك أن سلوك دول الخليج والمحطات الإعلامية في الخليج متوقع، والصمت الذي حصل متوقع. الشيعة في البحرين هم عرب بحرينيين أصليين، في البحرين تحديدا مطالبهم في غالب الحالات عادلة، نشأت عندهم أحزاب دينية بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، هذه الأحزاب لها تابعية لإيران وهي تقول ذلك صراحة لكن إلى فترة قريبة الغالبية الساحقة من شيعة إيران كانوا في أحزاب قومية يسارية حتى فترة قريبة. أعتقد أنه لا مهرب في النهاية، سوى الحوار معهم والحديث معهم، والتوصل إلى تلبية جزء كبير من المطالب. لا مجال آخر .

اليمن بعد عودة صالح ودور السعودية في اليمن. يتكلمون عن مبادرة خليجية عن التهدئة، وفجأة يعود صالح ليفجر الأوضاع هناك.. كيف تقرأ الوضع؟

أولاً اليمن ليست جزء من الخليج. .ليست في الخليج جغرافياً ولا سياسياً ، هي جزء من الجزيرة، ولها حضارة عميقة، وهي أصل المدنية والحضارة في الجزيرة العربية. ويجب على المدى البعيد عدم التفكير إطلاقاً بأنه بإمكان الدول الغنية في الجزيرة العربية أن تنظم نفسها، وأن تطرح على المغرب والأردن أن ينضموا بينما اليمن أقرب.. هذا الأمر غير معقول وغير عادل.. يجب أخذ اليمن في الاعتبار في كل ما يتعلق بالتخطيط لمستقبل الجزيرة العربية، فالجزيرة العربية هي بلاد واحدة وأنا أرى أنها تمتد حتى بلاد الشام، هذه هي الجزيرة الحقيقية. الآن فيما يتعلق باليمن، العنصر المشجع في باليمن هو الشباب. فالشباب مفاجئة كبرى، حتى نحن الذي ندعي أننا نعرف العالم العربي، لم نكن ندري عن هذا الكم من الشّباب ، مئات الآلاف من الشباب المتنور الواعي الديموقراطي، الذي يريد حقوق وطنية ولا يريد نظام عشائري بل نظام سياسي حديث.

والذي يرفض حمل السلاح ..

يرفض حمل السلاح، وكل هذه المظاهر المدنية الرائعة التي رأيناها. نستطيع أن نقيس النجاح بقدر ما هؤلاء موجودون. وليس بقدر سقوط علي عبدالله صالح. أن يسقط علي صالح ثم تأتي العشائر لتحكم، أو يأتي الجيش من جديد ليحكم “ما عملنا شي”؛ هو النظام في اليمن نظام أمني عشائري بصالح أو بدون صالح. إذن في اليمن المشكلة ليست صالح، بل المشكلة كالتالي: بلد و بسبب الحالة العشائرية الأمنية أصبح بلد غير منتج على الإطلاق، يعتمد على المساعدات الأجنبية. دولة مثل السعودية تُموّل بشكل كامل السياسة اليمنية، سياسة المعارضة والسلطة لفترة طويلة، ويبقى البلد بدون تطور، وبدون تنمية يعيش على الخدمات السياسية والولائات العشائرية للسعودية أو لغيرها.

هذا غير معقول، أنا أقول أنه حتى لو سقط صالح يبقى هناك الكثير مما يجب عمله على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الاجتماعي، وعلى مستوى تطور المجتمع، مستوى العادات البائسة المنتشرة في كثير من الحالات التي تمس حياة الإنسان اليمني والإنسانة اليمنية.
معدلات الزواج لأجيال غير معقولة في اليمن، و حالات الثأر التي تمنع أي تماسك اجتماعي، تجارة السلاح من جهة، الكثير من الأمور التي تحتاج لفترة طويلة، لذلك أنا أراهن على جيل الشباب أصبحنا- والحمدلله- نعرف جزء كبير منهم نتيجة الاتصال، ونعوّل عليهم كثيراً.

موقف دول مجلس التعاون في اليمن أيضاً متوقع، ليس موقفاً تقدمياً ولا ديموقراطياً، ليس صادراً عن دول ديموقراطية، أنا لا أتوقع شيء إيجابي. دول مجلس التعاون كمجموعة لا تتمع بالمصداقية ، لا بقضايا حقوق الإنسان ولا بشيء آخر، هي تحاول أن تتعاطى مع الوضع ببرجماتية سياسية يمكن أن تسميها حكمة في الاستمرار على الاستقرار، هم فعلاً ذهبوا إلى محاولة المساعدة للاستقرار، ولكن لا تستطيع أن تقف مكتوف الأيدي ، وتتحدث فقط عن الاستقرار والمصالحة إزاء نظام يرمي لك المبادرة في وجهك، وفي الوقت نفسه يحاصر صفتك ،ويرتكب مجازر. هنا لا أعتقد أن حكمة البرجماتية تكفي ولكن هذا شأنهم كدول. أنا لم أتوقع منهم أن يقوموا لا بدور ديموقراطي، ولا ثوري في اليمن.

عندما حدثت الاحتجاجات في السلطنة وفي البحرين، كانت هناك حزمة مساعدات خارجية بقيمة 10 مليارات دولار. في ظنك ألا يمكن أن تشكل هذه ورقة ضغط على عمان من أجل تغيير سياستها تجاه إيران خصوصاً أن عمان ساهمت في الإفراج عن الرهينتيين الأمريكيين؟

المساعدات التي قدمتها دول مجلس التعاون على حد علمي، كانت لكافة الدول التي لها الطابع ذاته. السعودية قدمت للأردن المساعدات كما قدموا للبحرين وعمان. أعتقد أن هذا هو الحد الأدنى لما يستطيعوا أن يفعلوه كدول مجلس تعاون، قلت لك أنا لا أتوقع منهم دور ديموقراطي، ولكن هذا هو الحد الأدنى لما يستطيعوا أن يفعلوه كدول متعاضدة في مجلس التعاون وهو تقديم المساعدات.

لكن هل يمكن أن تؤثر هذه المساعدات على سياسة عمان الخارجية؟ أشك جداً، لأن عمان تميزت باستقلال سياستها الخارجية طيلة الفترة الماضية، ومرت بأزمات أكبر من الأخيرة، وبقيت مصرة على استقلاليتها. ليس بمعنى أن لها علاقات متميزة مع النظام في إيران،فعمان تعتبر إيران جاراً بغض النظر عن من يحكمه،و أيضا علاقتها مع النظام السابق في إيران كانت ممتازة. أعتقد أن عمان تتعامل مع الموضوع كالتالي: هناك جار وهذا الجار يجب أن تكون العلاقة معه ممتازة بغض النظر عن من يحكمه، وهذا بالضبط ينطبق على السعودية وعلى إيران وعلى اليمن. أنا أتصور أن هذا هو مجمل سلوكهم، إن كنت أفهمهم. هذا موقف متجذر وأنا أعتقد أنه من الصعب التأثير عليه. ولا أعتقد أن المسألة مرتبطة بالسياسات الخارجية. أعتقد فعلاً أنه هو البحث عن الاستقرار بأي ثمن. وفي بعض الحالات مثلا ً كانت تبحث عن استقرار عند مبارك وهذا كان توجههم ، التوجه العام هو ، وفي حالات أخرى يكون غير موفق ، أنا أضع الأمور بهذا الشكل ليس للضغط على السياسات الخارجية، ولا أعتقد أن دول مجلس التعاون قادرة. فقد مرت عدة محطات أثبتت فيها عمان استقلاليتها في صنع سياستها الخارجية، وعدم ارتباطها بضغط دولة أخرى.

في الختامِ..وإن بدت مُقابلة د. عزمي مكرّرة ومُستهلكة إلّا أنّ قِراءتها بتمعُّنٍ يظلُّ أمرا مطلوبا للوصولِ إلى ما خلف السّطور ، ولابُد من التّنويه إلى أنّ سلسلة ُشابهة من المُقابلات مع كِبار مفكِّري العرب لا تزال في الطّريق.

هذا وبالطّبع فإنّ مقابلة كهذِه لا يُمكن لها أن تتم لولا جهود فريق العمل مشكورا [المعتصم البهلاني، محمد الحبسي، نوف السعيدي، بدرية العامري، بدر العبري].. كما أنّها بلا شك لن تسمو للأفضل لولا مُلاحظاتكم وتشجيعكم.

العدد العشرين سياسة

عن الكاتب

بدر العبري