قراة في نكهة أنثى محرمة

يمارس محمد المزيني غوايته الذكورية على أنثاه، فيظهر لها منكسرا ومتأسيا على الماضي الذي عاشه معها، ويلفت نظرها منذ العنوان أن تجربته معها هي الأولى والأخيرة وأن الخوف قد تلبسه ولا نعرف على وجه التحديد ما الذي أخافه؟

محمد المزيني – رجل أنثاه بنكهة النسكافيه

في لغة تبدو أقرب للشعر، ولغة فضائية تأخذك بعيدا بحيث لا تقف عند حدود المكان، يكتب محمد المزيني نكهة أنثاه المحرمة، موغلا في أناه التي حاول إيلاجها في رؤيته للأنثى، ليقرأ الأنثى كما يراها رجل وَلِهٌ، تلك الرواية التي داعبت خيال الأنثى وعاثت حسا مرهفا في نفس المتلقي.

الرواية في مجملها هي رواية رومانسية ولا يمكن أن تصنف بعيدا عن ذلك، لكنها رومانسية إيروتيكية صادمة وقاتلة تتخطى كل التابوهات المجتمعية والدينية – ولست هنا في معرض محاكمة- بل الالتذاذ بنص انتصر لحبه وكسر كل الحواجز للارتقاء بالحب، لكنه مع ذلك كان حبا وجلا وخائفا لم يلتذذ بكل ما استطاع الحصول عليه، وكأن هذه المخاوف من الحبيب”الراوي” هي مخاوف مرتهن الواقع الذي يعيشه، إذ بالرغم من وجود المحبوبة بين ذراعيه إلا أنه كان وجودا عبثيا ربما كمنت لذته في اقتناص لحظات بين ذراعي المحبوبة، لكنه كان وجودا وهميا أقرب لعوالم يعيشها كائن شيزوفريني إذ تتكشف الأحداث شيئا فشيئا لتكون كل تلك العواطف الملتهبة مجرد ذكريات انتهت على صحو الحبيبين على واقع صادم.

يمارس محمد المزيني غوايته الذكورية على أنثاه، فيظهر لها منكسرا ومتأسيا على الماضي الذي عاشه معها، ويلفت نظرها منذ العنوان أن تجربته معها هي الأولى والأخيرة وأن الخوف قد تلبسه ولا نعرف على وجه التحديد ما الذي أخافه؟ أهي غواية الحب أم اليتم الذي أصابه بالفقد وجعله مستعبدا للذكرى؟ فيلح بالتالي على ذاكرته لتسجل تلك الذكريات خوف نسيانها.

فكان أن اتسمت الرواية بسمة الذكريات وكأنها ذكرى لإنسانة لم تعد موجودة، مع أن الكاتب كان حاذقا وماكرا حيث أدرج (sms) في نهاية كل فصل تقريبا كرسائل من الأنثى له وكأنه بتلك الرسائل يخرجها من الخيال إلى الواقع، – مما يعيدنا إلى أسلوب آلام فيرتر لجوته مع فارق كبير في الفلسفة-، وكأنها بتلك الرسائل القصيرة تقول كلمتها وتعبر عن مشاعرها بحرية مطلقة، لكنها حرية المخدوع بالحرية بينما هو في قيود العبودية، هنا تكمن الخدعة التي جعلتنا كمتلقين نحلق في سماوات الحب، وعوالم رجل لا يحاكم الانتصار للحب بل هو قاض غرامي يغني للحب ويطرب له، ويدافع عنه ولا يضعه في معرض المحاكمة والاتهام، يقف الكاتب أمام ذكرياته كشاعر جاهلي يتبتل أمام طلل محبوبته، فيندبها ويندب أيامها ومرابعها/والسؤال هل فعلا يبث الكاتب شوقه لحبيبة يتذكرها قديما؟ أم أنها امرأة في خياله يريدها على هذه الشاكلة ليظهر مدى قدرته على مسامحتها أم أنها عملية تطهير من حب دنسه ولا يستطيع شيئا إزاء إحساسه بفداحة جريمته؟

بنية الرواية:

 

لم يكتب المزيني روايته على شاكلة الروايات المعتادة، فقد اختلفت الرواية عن مثيلاتها شكلا ومضمونا، وهنا مكمن اللذة التي تبعثها الرواية والتي تظهر في الانحراف السردي فيها إذ من العبث البحث عن حبكة وخطية الرواية القديمة التي تسير ضمن وتيرة واحدة بل تخرج هذه الرواية على سلطة الأب ووصايته إلى وصاية الذات وإرباك المتلقي – خاصة إذا كان مقدسا لعناصر الرواية الكلاسيكية- الأمر الذي قام به المزيني في تذوقه لنكهة الأنثى المحرمة، جعله أيضا يتذوق نكهة البنية المحرمة واللامألوفة في الأعمال الروائية، وهذا ما أظهر صراعه بين رغباته وبين تابوهاته التي لم يتحرر هو منها، وبالتالي جعلت نكهة الأنثى محرمة يحملها قلقا وذنبا، والذي جعل الرواية لا تؤطر نفسها بقيود القدامى، فهي إيروتيكية متمردة ينتصر فيها الالتذاذ بصيغة متبتلة فلا يعود ملاك النظام يحركها، بل تقع أسيرة شياطين الفوضى والتمرد سرديا وأيديولوجيا .

تسير الرواية إلى مناطق موغلة ووحلة لتصل إلى منطقة سكون الزمن، حيث يتوقف الزمن في الرواية فلا يعود مهيمنا على النص وكأن سماوات الحب ما خلقت للزمن ليتحكم بها، يقف الزمن شاحبا وباهتا أمام ذكريات الحبيبين ليسخر في النهاية من القصة التي لم تعد سوى حكاية قديمة، مع أن للأماكن ذاكرة في الرواية وكأن لسان حال هذا المحبوب ناشدا”وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم/يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَمَّلِ(1)”، فهي عملية تأثيث وتحريك للحدث الذي يختزله الكاتب في أماكن ذكرياته مع الحبيبة، لذلك تحولت الأماكن إلى أطلال ما بقي منها سوى الرسوم والأثر، أيضا تلعب الأمكنة دورا حيا في رسم أنطولوجية الحبيب ولاوعيه الذي يتحرك في فضاءات مكانية معينة يفرضها المكان الأكبر وسلطته وأنظمته التي لا يمكن التمرد عليها.

الراوي:

إن صوت الراوي في رواية المزيني هو صوت واحد (أحادي القطب) إنه صوت الذكرى وصوت الموات والفقد وهناك صوت يحاول الكاتب قتله هو أناه العليا التي تتجاذبه مع أناه ورغباتها بتلك الأنثى المحرمة حاملة تفاحة آدم ألما وقلقا شفيفا، لذلك كان من السهل الإذعان لسطوة المجتمع، ولعب دور الضحية.

أخيرا:

إن رواية نكهة أنثى محرمة هي تعبير عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان، والرواية من مدرسة الرواية الجديدة والتي تتمتع بالانحرافات السردية المتعمدة، وهذه الانحرافات المتعمدة تكسر التسلسل الزمني، بل تُفقد الزمن أهم خصائصه (أي التسلسل). وتتداخل الأزمنة، وأحيانا تختفي، وكذا المكان. وحتى موضوع الرواية لا يتصف بالوحدة أو التناغم أو التحديد. والشخصيات مجرد أطياف أو أسماء، أو هي مجرد حروف لا معنى لها (س.ص) أو رموز أو ضمائر أو أصوات. ولغة الرواية ليست واحدة، فهناك مستويات متعددة، وأحيانا نلحظ تمردا على اللغة المألوفة وتراكيبها وقواعدها، وهذا يعني أنها رواية لها شكل جديد وليس قالبا يلقى على التجربة فيحتويها، فهي شيء ينمو من خلال التجربة ويخضع لمتطلباتها، فهو شكل تجريبي يخلقه كل من المؤلف والقارئ(2).

رواية نكهة أنثى محرمة هي رواية كتبت بعقل رجل وستكون اللذة الكبرى لو كتبت بقلب أنثى يغرقها الحب لتطلب أكبر كوب من النسكافيه(3) يشاطرها إياه رجل محب دنف ربما أخرج هذا الزواج السردي شكلا جديدا وأكثر فلسفة.

إبتسام الحجرية

 __________________________________________

 الهوَامش:

1)    امرؤ القيس/ البحر الطويل.

2)  لماضي، شكري عزيز، أنماط الرواية العربية الجديدة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: الكويت،عالم المعرفة:  العدد: 355، سبتمبر: 2008، ص: 15-16

3)    إشارة إلى أحد عناوين فصول الرواية.

العدد العشرين ثقافة وفكر

عن الكاتب

إبتسام الحجرية