هؤلاء هم الحكماء حقا

أما المنظّرون الحقيقيون فمن تجرأ منهم على التفكير بصوت عال فهو إما سجين أو ينتظر ساعة سجنه , هؤلاء هم المفكرون وهم الحكماء , أقلة في العدد , ولكن دورهم سيأتي قريبا , هم من ينير الطريق للأمة , يحارب على عشرين جبهة , ولكنه دائما إما يموت أو ينتصر .

سؤال وردني من أخت على صفحتي في الفيسبوك , ولكنه أثارني , وحرك  مواجع , فقررت أن أرد عليه وأشرككم معي .  تسأل  الأخت :

السلام عليكم

هل يوجد حكماء في وقتنا الحالي ؟ إذا وجد فمن هو ؟ بارك الله فيك أريد إجابة

هذا سؤال يمكن الإجابة عليه بكتب ذات أجزاء وليس بردٍ بسيط . وسأحاول تبسيط الجواب بقدْرِ ما استطيع .

أولا ,  من هو الحكيم ؟

هل المقصود به المعنى المتداول اليوم ؟ أي الشخص الذي يصُعّب السهل , ويتكلم في المفهومات والمعلومات  والبديهيات , ويحلل النظريات ويضع المصطلحات , ويقيّم الفكر ,

لا أظن إننا نحتاج للكثيرين من هذه النوعية , لأنها تُبْحر في ترف عقلي لا نحتاجه , تتحدث إلى نخبة النخبة . بلغة لا يفهمها المجموع . بل حتى المثقفون يقفون عندها حيارى في كثير من الأحيان .

أم نقصد به المعنى الحقيقي للحكيم ؟ وهو محب العلم  أو المفكر الذي يحاول حل الأزمات التي نعاني منها ؟

إن كان هذا هو المعنى الذي تسألين عنه يا أختاه , فأقول لك لدينا صنفان من هؤلاء .  أما الصنف الأول  فلدينا وفرة منهم , ممن ندعوهم بالمفكرين أو بالمنظّرين  . وكثير منهم قد انتهت صلاحيته .

منهم من له نظريات مستوردة من الخارج ومنهم له نظريات مستوردة من التاريخ .

وحتى لا يساء فهمي وأصبح عرضة لبعض المحللين الذين يقرأن سطرا ويتركون سطرا , فأنا لا أقصد المستورد من التاريخ  ما هو صحيح من  الإسلام قرآنا وسنة , بل نظريات فقهية ونظرات سياسية لا علاقة لها بالإسلام إلا إن من فكر بها مسلم .

لدينا وفرة من هؤلاء كانوا ينظّرون لما قبل جمال عبدالناصر ولما بعد جمال عبدالناصر ,

نظريات ونظريات تتلوها نظريات , كلها ولدت ميتة لأن الرحم الذي ترعرعت فيه ولدت منه  رحم متعفن , رحم عاش وسيموت مؤمن بنظرية المؤامرة .

وفرة أغلقت الطريق على الأقلام الحرة , والأفكار الحقيقية , بشهرتها وعلو صوتها .

منظّرون للحرية يطلبون من الشعب أن يكون عبدا ,

منظّرون للديمقراطية ما دامت تأتي بمن يريدون إلى الحكم والرئاسة ,

منظّرون شرعيون  مادام الحاكم يدفع ,

منظّرون للكرامة ما دامت هي كرامة الحاكم .

منظّرون يقولون لك إن 40 أو 50 سنة غير كافية لتعليم الشعب معنى الحرية

منظّرون يقولون لك إن الإسلام خطر على الصحة فيجب أن لا يخرج من المسجد

منظّرون يقولون لك إن الإسلام يوجب عليك أن تستعبد للحاكم لكي تدخل الجنة

منظّرون يقولون لك إن كلمة الحق عند سلطان جائر هي الفتنة وتدخلك إلى جهنم

منظّرون يعلمونك كيف تصوم وكيف تصلي وبأي رجل تدخل المسجد وبأي رجل تخرج من المرحاض , ولكنهم لا يعلمونك معنى الكرامة .

افتح أي صحيفة وأسمع أي قناة حكومية وستجدهم , يملئون بياض الصحف بسوادهم , ويملئون ساعات بثنا بلغوهم , يتكلمون ولا ينفعون .

هؤلاء كثرة ووفرة , مشهورون معروفون ,

تجدهم يتكلمون عن علاقة الزوج وزوجه , ولا يتكلمون عن علاقة حاكم ومحكوم .

يتكلمون عن حق الفقير في مالك , ولا يتكلمون عن حقك في وطنك .

يتكلمون عن البسمة في وجه أخيك , ولا يتكلمون عن زمجرة أعوان النظام فوق رأسك.

تجدهم يصعدون على منابر الخطابة في كل محفل وكل جمعة , يعطوننا دروس في التاريخ ولا يعطوننا العبر منه . يعلموننا سيرة عمر بن الخطاب ولا يأمروننا أن نطالب بعمر بن الخطاب . يعلموننا سيرة عمر بن عبدالعزيز , ولا يدعوننا نطالب بعدل عمر بن عبدالعزيز .

أما المنظّرون الحقيقيون فمن تجرأ منهم على التفكير بصوت عال فهو إما سجين أو ينتظر ساعة سجنه , هؤلاء هم المفكرون وهم الحكماء , أقلة في العدد , ولكن دورهم سيأتي قريبا , هم من ينير الطريق للأمة , يحارب على عشرين جبهة , ولكنه دائما إما يموت أو ينتصر .

هؤلاء هم من ادعوهم بالمفكرين اللذين سيسجلهم التاريخ , لأنهم أحبو الحكمة وصارعوا من أجل الحقيقة , الحقيقة المطلقة وليست نظريات أرسطو  وأفلاطون وديكارت وكنت ونيتشه , ليست نظريات الرازي وابن رشد والفارابي وبن سينا ,

الحكمة الحقيقية في كيف يجب أن نعيش؟  وكيف نواجه مشاكل العصر ؟ وكيف نحقق التنمية في الإنسان والوطن ؟

هؤلاء هم الحكماء حقا .

وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي

العدد العشرين سياسة

عن الكاتب

صالح بن عبدالله السليمان

http://salehalsulaiman.com