الرّقابة القَضائيّةُ على دُستوريَّةِ القَوانين في دُولِ مَجلسِ التَّعاون الخليجيّ

رِسالةٌ مُقدَّمةٌ للحُصولِ على دَرَجةِ الدُّكتوراه في الحُقوق

2011 م

مُلخَّص الرِّسَالة

إنّ الرقابةَ على دستوريةِ القوانين في معناها البسيط هي التحقق من مخالفةِ القوانين للدستور تمهيدا لعدم إصدارها إذا كانت لم تصدُر بعد، أو إلغائها أو الامتناع عن تطبيقها إذا كانت قد صدرت، وتقع القوانين على ثلاثِ مراتب تختلفُ عن بعضها البعض في القوة، فلا يَصِحُّ لقانونٍ في مرتبةٍ أدني مخالفةَ القانون الأعلى منه، ويأتي في المرتبةِ الأعلى القانون الدستوري، ثم القانون العادي ، ثم اللائحة أو القانون الفرعي، ويعني هذا أن يكون للدستورِ مركز السُّمو والصدارةِ على سائرِ التشريعات الأخرى انطلاقا من مبدأِ تدرُّج القواعد القانونية، وأن يكونَ محلَّ احترام جميع السلطات في الدولة ، تشريعيةٍ كانت أم  تنفيذية.

وقد تزايدت أهميةُ الرقابةِ على دستورية القوانين في الوقتِ الحاضر نظراً لتحوّلِ معظم الدول من فكرةِ الدولةِ الحارسة إلى فكرةِ الدولة المتدخلة، وزيادة اعمال السلطة التنفيذية، وهو ما ظهر بدخول الدول في المجالات الاقتصادية ، والتجارية ، والاجتماعية وغيرها ،  ومن ثم كثُرت الإتفاقيات وتعددت القوانين المنظمة لسلوكِ الدول في هذهِ المجالات وتعقّدت المصالح ؛ وهو الأمر الذي يُخشى معهُ أن تتعارضَ بعض هذه القوانين مع الدستور.

وتأخذُ الرقابة على دستورية القوانين عدةَ صورِ ،إما صورة الرقابة القضائية ، وإما صورة الرقابة السياسية ، كما تظهر صورة الرقابة الشعبية على الدستورية استنادا إلى فكرةِ أن الشعبَ هو أصلُ السُّلطات، وتنشط الرقابةَ الشعبية عندما تمتنع جميع السلطات عن الرقابة الدستورية بنصٍ دستوري يَحظرُ عليها ذلك، بل ويُلزمَها بالرجوعِ إلى الشعبِ لعرض جميع أو بعض المسائل الدستورية عليه في استفتاءاتٍ عامةٍ للنظر فيما إذا كانت أعمال السلطات العامة تتفق مع الدستور أم لا، وهو ما يُعرف بالرقابةِ الشعبية المباشرة، وهناك طريقةُ غير مباشرة للرقابة الشعبية تتمثلُ في قيامِ الشعب بالرقابةِ عن طريق هيئاتهِ ونقاباتهِ وأحزابهِ ووسائل إعلامهِ .

وقد تمثلت هذه الرقابة في أجلَى صُورها، وبلغت أوجَها في ثورةِ الشباب، أو ما أصطُلح على تسميته بالربيع العربي ، وأصبحنا نرى ونسمعُ من يتحدثَ من الحقوقيين والقانونيين ورؤساء الأحزاب والنقابات عن مخالفاتٍ دستورية في الأنظمة السياسية ، ويُبينُ مواطنَ تلك المخالفات، ويُجلّيها للشعب ، ويُظهر بعض القوانين التي لا تتفقُ مع القواعدِ الدستورية.

أما الرقابة السياسية فهي الرقابة التي تُمارسُ بواسطةِ هيئةٍ سياسيةٍ تَحولُ دونَ صدورِ التشريع المخالف للدستور، وهي هنا رقابةٌ وقائيةٌ سابقةٌ لصدورِ التشريع، حيث يُعرض التشريع في هذا النوعِ من الرقابةِ على هذه الهيئة قبل صدوره فإن أقرتهُ صدر وإن رأتهُ مخالفاً للدستورِ فإنهُ لا يَصدُر ، وقد كانت فرنسا مثالاً للرقابة السياسية على دستورية القوانين التي أسسها الفقيه الفرنسي سييس غداة نجاح الثورة الفرنسية ، وبعد مخاض وعراك قانوني آلت مسئولية الرقابة الى المجلس الدستوري الفرنسي ، الى أن فرنسا عدلت من قوانينها في العام 2008 م ، وأصبحت تطبق نظام الرقابة اللاحقة.

وأما الرقابة القضائية على دستورية القوانين فتُعد أهم أنواع الرقابة التي تستهدفُ تأكيدَ احترامِ ما يَصدُرُ عن السُّلطةِ التشريعيةِ من تشريعاتٍ لأحكامٍ الوثيقةِ الدستورية، وعدم مُخالفتِها لتلك الأحكام في كافةِ المراحل ، ولذلك تَحرِصُ معظمَ الدول أن تتضمن دساتيرها نصوصاً صريحةً تكفُلُ وضع السِّياج التشريعي والإجرائي لمباشرة جهة قضائية متخصصة للرقابة على دستورية القوانين، بحيث يكون للقاضي الحق في أن يَتيقّنَ من تطابق القانون ومن ثم اللائحة التنفيذية مع أحكام الدستور، وأن يقف على مدى تجاوز السلطة التشريعية لحدود الاختصاصات التي حددتها لها الوثيقة الدستورية.

وتُعد الرقابة القضائية التي بدأت أولى ممارساتها في المحاكم الأمريكية بجهود المحكة العليا ، ومن دون نَصٍ دستوري ، أكثر أنواع الرقابة انتشارًا وذيوعاً في العالم لما لها من قبولٍ أكثرَ لدى الفِقهِ الدستوري، ولأنها في نظرِ مُؤيديها تَحوزُ على الثقةِ في ضمانِ التطبيق الأمين لنصوص الدستور، والمحافظةِ على استقلالِ كل سلطةٍ من السلطات الثلاث، ومنع اعتداء سلطة على أخرى، لاسيّما أن القضاء يُعد دوما صمام الأمان لحقوقِ وحريات المواطنين.

مجلس التعاون الخليجي والرقابة على دستورية القوانين

تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 25 مايو من العام 1981 م وهو منظمةٌ إقليميةٌ عربية مكونةٌ من سِتِّ دول تطلُّ على الخليجِ العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة ، ومملكة البحرين ، والمملكة العربية السعودية ، وسلطنة عُمان ، ودولة قطر ،ودولة الكويت ، ويهدف مجلس التعاون الخليجي حسبما جاء في نظام تأسيسه الى تحقيقِ التنسيق والتكامل والترابط بين هذه الدول وصولاً الى وحدتها ، ويُتوقع أن تشهد هذه المنظمة تغييراً في نظامها الأساسي وحتى في مُسماها مستقبلاً ، بعد أن قًبلت المملكة الأردنية الهاشمية عضواً سابعاً في المجلس في مايو عام 2011 م ، ووُجهت الدعوةَ أيضاً للمملكةِ المغربية  للانضمام الى هذه المنظمة ، وفضلت التريث خوفاً من أن تغرق هويتها المميزة في مياه الخليج ، و يُلاحظ أن شُعوبَ الدول الست لم تُستفتى سابقاً في تأسيس هذا المجلس ، ومن ثمّ لم يُؤخذ رأيَها لاحقاً في قبول الأعضاء الجُدد .

وتُعد دول مجلس التعاون الخليجي في بديات الممارسة الحقيقية للرقابة على دستورية القوانين- إذا ما استثنينا دولة الكويت التي أُنشأت المحكمة الدستورية فيها في دستور 1962 ، وصدر قانونها المنظم بعد عشرة أعوام أي في العام 1973م ،  فنجد أن المحكمة الدستورية في مملكةِ البحرين أنشأت في سنة 2002م؛ بمقتضى المرسوم بقانون رقم 27 / 2002م، وأصدرت أول أحكامها في جلستها المنعقدة بتاريخ 21 ابريل، سنة 2004م، وفي دولة قطر أنشأت أول محكمة دستورية عليا مستقلة بتاريخ 18 يونيو سنة 2008م ، وقد كانت في السابق عبارة عن دائرةٍ دستورية في محكمة التمييز ، الاّ أن هذه المحكمة وقانونها لم يُفعلان عََمليا حتى الآن ، بعد أن استبشر الموطنين في هذه الدولة الحيوية ووصفوه بأنهُ فتحٍ قانوني وفجر وحراك دستوري جديد .

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فلا توجد محكمة دستورية مستقلة، وعَهِدَ المُشرّع الدستوري بهذا الاختصاص للمحكمة الاتحادية العليا في السلم القضائي تباشرهُ كواحدٍ من بين اختصاصاتها المتعددة الممتدّة من العُملةِ الى العََلَم .

وفي بلدٍ الباحث سَلطنة عُمان صدر المرسوم السلطاني رقم 90 / 99 بإصدار قانون السلطة القضائية، وجاء في (المادة 10) منه .. تُشكل بالمحكمة العليا ( عند الحاجة ) هيئة تكون هي الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات المتعلقة بمدى تطابق القوانين واللوائح مع النظام الأساسي للدولة وعدم مخالفتها لأحكامهِ ، وعقدت الهيئةُ أولى جلساتها يوم السبت بتاريخ: 6 يونيو، سنة 2009م، حيث أصدرت أحكامها في أكثرِ من ستينَ موضوعا يَخُصُّ تنازُع الاختصاص ، وحددت جهات التقاضي المناسبة لكل قضية كانت معلقة بسبب حالات التنازع في الاختصاص حولها.

وقد بََشَّرت هذه الخطوة بقيامِ محكمةٍ دستوريةٍ عُليا مستقلة في المستقبل وفقا لسياسة التَّدرج التي تنتهِجُها القيادة السياسية في عُمان، ولكن هذه الأمنية لم تتحقق بعد مُضي أكثر من عقد من الزمان على صدور قانون السلطة القضائية في البلاد ، ويُجمع كل الحُقوقيين ورجال القانون في البلاد على أهمية قيامِ محكمةٍ دستوريةٍ عُليا مستقلّة في سلطنة عًمان تواكب التطوُّر السياسي والديمقراطي في البلاد.

أما في المملكة العربية السعودية فلا يوجد ما يشير إلى رقابة على الدستورية في النظام الأساسي للحكم الصادر في 27 / 8 / 1412ه، الموافق 1/ 3/1992م، إلا أنه حدث تطور كبير في سنة 2008م بإعادة ترتيب المحاكم في المملكة، حيث تم إنشاء محكمةٍ عليا تَشبَهُ في اختصاصها المحاكم الدستورية في العالم تكون في أعلى السِّلم القضائي، ثم محاكم للاستئناف ومحاكم عامة تؤلف من دوائر متخصصة؛ تكون من بينها دوائر نهائية للتنفيذ والإثبات وما في حكمهما.

أهمية الدراسة:

تشتمل هذه الدراسة على أهميةٍ نظريةٍ تتمثلُ في بحثِ وتقييم تجربة الرقابة القضائية على دستورية القوانين في دول مجلس التعاون الخليجي حديثة العهد بهذا النظام، وما حققه هذا النظام من إيجابيات وانتصارات لصالح الحقوق والحريات، وما أكدته الأحكام والقرارات التي صدرت عن المحاكم الدستورية من احترام للوثيقة الدستورية وللمشروعية وسيادة القانون، وكذلك ما أخفقت في تحقيقه حتى الآن.

وأهمية عملية تتمثل فيما تَحقّق من مساهمة إيجابية لهذه الرقابة ، من معاصرة وتفعيل للحراك السياسي والديمقراطي للمجتمعات الخليجية، وتيسيرِ اندماجها مع النُّظمِ والسياسات الدولية والمتغيرات التي اجتاحت دُولَ العالم المتقدم والنامي على حدٍ سواء ، حيث ستضعُ هذه الدول على قدم المساواة من حيث الرقابة القضائية على دستورية القوانين .

وتكمن الأهمية العلميّة لهذه الدراسة من جهة أخرى في أنها تسُد ثغرةً في ميدان البحث؛ حيثُ لم تَتطرَّق أي دراسة في حدود علم الباحث إلى هذا الموضوع في سلطنة عُمان، ولذا تُعدُّ هذه الدراسة في الرقابة على دستورية القوانين ، إثراءً في هذا المجال لنُدرةِ تلك الدراسات، كما أنها تَفتحُ باباً للدارسين للولوج إلى هذا الميدان مما يؤدي إلى نتائج إيجابية تعود بالنفع على المواطنين حكاماً ومحكومين .

أهداف الدراسة:

اهتم الباحث في هذه الدراسة بإبراز عددٍ من الأهداف الهامة:

الهدف الأول:

بحث وتحليل وتقييم التطورات السياسية والدستورية وما رشحَ منها لناحيةِ التنظيم القانوني والقضائي في دول مجلس التعاون الخليجي، ووصولها إلى فكرة تطبيق الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، حيث تُعد حديثة عهدٍ بهذا النظام.

الهدف الثاني:

يتمثل في التحقق من المساهمة الإيجابية لهذه الرقابة على الواقع العملي لدول الخليج، ومساهمتها في حماية المبادئ السامية للدستور، وتثبيتَ دولةَ القانون والمؤسسات، ومدى قُدرتها وفاعليتها في حماية الحقوق والحريات العامة.

وأما الهدف الثالث:

فيتمثل في أن دراستنا للرقابة القضائية على دستورية القوانين مكنتنا من إبراز مواضع الخلل الحقيقي في التطبيق في دول مجلس التعاون الخليجي، كما كشفت لنا عن مبررات عدم التطبيق الفعلي للرقابة على دستورية القوانين، خاصة في البلدان التي أصدرت قوانين تُنشأ وتُحدد جهاتٍ للرقابة على دستورية القوانين، منذ أكثر من عقد من الزمان ولم تفعل هذه القوانين حتى الآن،.

خطة الدراسة:

قُسمت هذه الدراسة إلى فصلٍ تمهيدي، وثلاثة أبواب، تم عرضها في فصولٍ تتناسب مع موضوعات كل باب؛ حيث تمت مراعاة التسلسل التاريخي والفكري والقانوني لموضوع الرقابة على دستورية القوانين في دول مجلس التعاون الخليجي.

ففي الفصل التمهيدي:

تطرق الباحث إلى التعريفِ بمجلسِ التعاون لدول الخليج العربية من حيث محيطه الجغرافي، والدول المكونة له، وكذلك تاريخ نشأتهِ والمبادئ الأولية التي قام عليها، ومراحل تشكُّله، موضحاً الأهداف الإستراتيجية والأمنية التي قام على أساسها، ونوعية المظلة الاتحادية التي يشكلها للدول المنضوية تحت لوائه، وذلك من أجل تصور البيئة السياسية التي يمثلها مجلس التعاون الخليجي .

وفي الباب الأول:

    تناول الباحث بالدراسة؛ الرقابة على دستورية القوانين في الأنظمة العالمية المختلفة في فصلين، خُصّصَ الفصل الأول لنشأة الرقابة على دستورية القوانين، ولمبدأ سمو القاعدة الدستورية، ومبدأ الفصل بين السلطات، واستعرض تاريخ نشوئها وتطورها وبيّن أهميتهما لفكرة الرقابة على الدستورية حيث لا يُتصور ان تكون هناك رقابة على دستورية القوانين دون أن يكون هناك سمو للدستور، وفصل دقيق في السلطات.

وفي الفصل الثاني: عَرَضَ إلى أنواع الرقابة على دستورية القوانين وهي :

 الرقابة السياسية ، و الرقابة القضائية ، إضافة الى الرقابة على الدستورية في النظام الإسلامي ، من خلال ضبط الإسلام وأركانه والمسلم وإيمانه بدستور الأمة القرآن الكريم.

وفي الباب الثاني:

تناول الباحث بالدراسة والتحليل التحولات التاريخية والسياسية والدستورية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال فترة ما بعد الاستقلال، وانعكاسات ذلك على التنظيم القانوني في هذه الدول، وذلك في فصلين، خُصّص الفصل الأول لدراسة الأنظمة السياسية في هذه الدول، وتناولنا بالبحث والتحليل تطور البناء الدستوري لهذه الدول في الفصل الثاني.

أما في الباب الثالث:

فقد عرض في الفصل الأول الرقابة على دستورية القوانين وتطبيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تم تقسيمه إلى مبحثين: المبحث الأول: الدول التي يوجد بها محاكم دستورية عليا مستقلة ( دولة الكويت ومملكة البحرين ودولة قطر) والثاني: الدول التي لا يوجد بها محاكم دستورية عليا مستقلة (دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان)، وبينا كيف نشأت وتشكلت ، وما هي أدوارها الحقيقة في ترسيخ مبادئ الدستور ودولة القانون وحماية حقوق الناس وحرياتهم، واستشهدنا ببعض الأحكام الدستورية التي صدرت عن المحاكم في دولتي الكويت، البحرين على سبيل المثال ، وبينا تراخي بعض حكام الخليج عن تطبيق نظام الرقابة على الدستورية بفاعلية ليتمكنوا من تسيير الدستور وتسييس القضاء دون أن تكون الرقابة حجة عليهم.

 كما تناولت الدراسة بالتحليل في الفصل الثاني: أساليب الرقابة على الدستورية ، والحكم في دعاوي الدستورية من حيث رفض الدعوى أو قبولها، والحكم بعدم الدستورية، ومدى صلاحية هذا الحكم، وأثر الحكم بعدم الدستورية: الأثر المباشر، وغير المباشر، ورأي الباحث في كل ذلك.

وقد تعرض الباحث أثناء بحثهِ للكثيرٍ من الآراء الفقهية والقضائية التي تناولت نظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين في دول مجلس التعاون الخليجي وتناولها بالتحليل والنقاش الجاد المحايد؛ وبين أهم المزايا والإنجازات التي حققتها هذه الرقابة لصالح الحريات العامة ،وحماية حقوق الأفراد، والتفاعل الطبيعي بينها وبين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكذلك الانتقادات التي وجهت إلي الرقابة القضائية من ناحية تعارضها مع مبدأ الفصل بين السلطات، أو من حيث تسييس المحكمةِ لصالح أنظمة الحكم العاشقة للسلطة والمهيمنة عليها في بعض بلدان العالم ، مسجلاً رأيه في كل ما عرض من موضوعات.

صعوبات الدراسة:

غني عن البيان أن أية رسالة جامعية في أي موضوع تستلزم أن يكون هناك قدرا كاف من الدراسات السابقة التي يستطيع الباحث الاعتماد عليها والانطلاق منها نحو إتمام دراسته، من هنا تبرز أكبر الصعوبات التي واجهها الباحث، والتي تمثلت في قلة الكتابات والدراسات الدستورية الخليجية بصفة عامة، وفي مجال الرقابة على الدستورية في دول المجلس الخليجي بصفة خاصة، إضافة إلى غياب القضاء الدستوري على مستوى الممارسة العملية في بعض هذه الدول؛ حيث من النادر الحصول على أحكام دستورية عدا في دولتين فقط هما:الكويت والبحرين في وقتٍ متأخر ، اضافة الى تحفظ بعض القيمين والمسئولين عن التصريح بأية مشاريع قوانين او الإدلاء بمعلومات ، لكي لا تكون حجةً عليهم.

خاتمة الدراسة:

بعد جَولةٍ طويلةٍ بين مُتونِ الكتب ومصادر القانون ومؤلفاته، وبين طُرقاتِ المَحاكم وطرائِقها ، خلص الباحث إلى عددٍ من النتائج والتوصيات الهامة نذكُرُ منها ما يلي:

أولاً : النتائج

1)  أن دول مجلس التعاون لم تُفعِّل هذا النظام حتى الآن على وجهه الحقيقي في أغلب بلدانه لأسبابٍ مختلفة يجدها القارئ في الرسالة.

2)   هناك ثلاث دول يوجد بها محاكم دستورية مستقلة هي الكويت والبحرين وقطر، وثلاث دول لا يوجد لديها محاكم دستورية مستقلة رغم المطالبات الشعبية وهي الإمارات والسعودية وعُمان ، وقد استعاضت عن ذلك بمنح الاختصاص لمحكمة عليا ضمن النظام القضائي للدولة.

3)  كما أن الدول التي بها محاكم دستورية اختلفت في مستوى التطبيق بين مطبق بحذر وبين من اصدر القوانين المنظمة للمحاكم التي يناط بها الاختصاص بالرقابة على دستورية القوانين إلاّ أن هذه القوانين لم تفعل في الواقع العملي .

4)  وطبقت دول مجلس التعاون جميعا نظام الرقابة المركزية على الدستورية، مفضلة إياها على الرقابة اللامركزية التي تمارسها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها.

ثانيًا : التوصيات

بعد تلك النتائج التي توصل إليها الباحث من خلال دراسته لنظام الرقابة على دستورية القوانين في دول مجلس التعاون الخليجي ، ختم ببيان بأهم التوصيات وهي كماما يلي:

1 – أهمية لأن يكون هناك فصل فعلي و حقيقي للسلطات الثلاث الرئيسة في المجتمع المدني القضائية، والتشريعية، والتنفيذية ، وإبعادها عن السُّلطةِ الحاكمة.

2 – مراجعة الدساتير والأنظمة الأساسية الخليجية وتعديلها بما يحقق المطالب الشعبية والطموحات المستقبلية ، وأن تكون لجان التعديل والمواد المستهدفة بالتعديل معلنة للناس ، وأن يتم عرضها بعد ذلك على الشعوب للإستفتاء عليها.

3 – أهمية التفعيل الحقيقي للرقابة القضائية على دستورية القوانين في دول مجلس التعاون لخليجي، لتأكيد الشفافية والمصداقية ، وترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وحماية الحقوق والحريات العامة للموطنين والمقيمين على أرض هذه الدول.

4 –  السماح للدارسين بمراجعة الوثائق الخاصة بالرقابة الدستورية لغايات البحث العلمي، وعدم التحفّظ والحرص عليها بأساليبٍ لا مبرّر له.

5 –  إحالة التعديلات الدستورية وما يتصل بها إلى ذوي الإختصاص الدقيق من أساتذة الجامعات، والحقوقيين ، وعدم الخشية من ردّات فعل الشعوب التي من حقها أن تبطل أو تعطل المشروع الدستوري اذا رأت فيه جوراً قصورا .

إضافة الى توصيات اخرى يرى أهميتها الباحث من أجل مستقبل دستوري صحيّ وصريح لدول مجلس التعاون الخليجي، ليست للنشر الآن .

شكر وتقدير:

وفي الختام أتقدّم بوافر الشكر والعرفان، وخالص الودِّ والامتنان للأساتذة الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة والحُكم المحترمين الذين منحوني من وقتهم وجهدهم  لمناقشة وتحكيم هذه الرسالة ، وأخص بالذكر منهم الأستاذ الدّكتور/ صلاح الدين فوزي أستاذ ورئيس قسم القانون العام كلية الحقوق جامعة المنصورة، لتكرُمهِ بتَحمُّلِ أعباء الإشراف على هذه الدراسة، وما غمَرني به من لُطفٍ، ورعايةٍ، وكان نعم  المعلم الحاني، والناصح الأمين ، وأرى أنه من أقل الواجبات تجاهه أن أفيه حَقهِ ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا، وخيرَ ما أقدِّمهُ ، دُعاءً يزكو عند ذي العَرشِ غرسُه، وتَطيبُ به نفسُه.

ويُشرفني في هذا المقام أيضاً أن أسجل شُكري وتقديري واعتزازي لجامعة المنصورة وأخصُّ بالشكر فيها كُليّة الحقوق – قسم القانون العام – ومكتبتها العامرة، وإداراتها المختلفة وكل القائمين والمنتسبين إليها، لما وجدتهُ من دعمٍ وتمكينٍ وتعزيز للباحثين وطلبة العلم الذي يقصدوها من كافة أنحاء المعمورة.

 كما أتوجه بالشكر والتقدير لكل من قدم لي معلومةً، أو مشورة ً، أو نصح أو توجيه، أو غير ذلك سواءً في كلية الحقوق جامعة السلطان قابوس ، أو رجال القانون والقضاء في  سلطنة عُمان خاصة ، وفي البلدان العربية ودول مجلس التعاون الخليجي عامة .

ولا يفوتني في هذا اليوم المبارك أن أرفعَ أكُفَّ الضراعةِ إلى الله عزّ وجل أن يتغمّدَ روح والدي الصحفي الأديب الشيخ هاشل بن راشد المسكري بواسع رحمته ومرضاته، ويسكنه فسيح جناته، فهو من زرع في نفسي العَزمَ والإرادة لبلوغ هذه المرحلةِ وتحقيق هذا الحُلم رغم مُضي السنين .

كما أقبِّلُ رأسَ أُمّي أمدّ اللهُ لنا في عُمُرها على رعايتها ودعواتها الصادقة.

ولن أنسى أن أذكر وقفة كافة أفراد أسرتي دون ذكرٍ لأسماء ، وما وجدته منهم جميعا ، من نصحٍ وتعزيزٍ وتمكينٍ ومتابعة.. مقدماً لهم فروض المحبة وواجب الشكر والتقدير .

 و الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمين .

العدد الثالث والعشرون سياسة

عن الكاتب

د. صالح بن هاشل المسكري