الفتنة المذهبية

والحقيقة هي أن هناك من يسمون دعاة أو شيوخ أو متحدثين هم السبب في كل ذلك الشحن الذي أصاب شباب الأمة، إذ بانتشار الفضائيات التي تصل كل بيت وانتشار مواقع تُسمى تجاوزا مواقع الدعوة أصبح كل ملتح أو شيخ يعتقد أنه الوحيد على الحق وأن الآخرين على باطل وأصبح هناك من يوزع صكوك الغفران كالبابا تماما وبيده أن يدخل هذا الجنة ويدخل هذا النار

( 1 )

المسلمين قرروا أن يطلقوا العقل وينفذوا مخططات خارجية سواء علموا ذلك أو لم يعلموا

وسط الظلام الدامس الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية من انقسامات وتراشقات تصل إلى التهديد بالحرب والإقتتال بين أبناء الدين الواحد باسم التعصب المذهبي، قامت مؤسسة النور للثقافة والاعلام العراقية بفتح ملف يدعو لنبذ العنف بمختلف وجوهه والعمل على نشر المحبة والسلام بين الناس وبمختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، وهي خطوة إيجابية تحسب لمؤسسة النور تهدف إلى نبذ العنف وإلى إقامة علاقة جيدة بين جناحي الأمة الإسلامية السُنة والشيعة وتعدت الدعوة إلى إقامة علاقة جيدة بين المسلمين والأديان الأخرى، ولا تُخفى المعاناة التي عاشها الشعب العراقي الشقيق من انقسامات مذهبية وتفجيرات للمساجد السنية تارة والشيعية تارة أخرى، كما لا يخفى ما جرى للمسلمين في العديد من البلدان منها باكستان من اقتتال باسم المذاهب، وكل ذلك على حساب سمعة الإسلام لأن المسلمين قرروا من زمان أن يطلقوا العقل وينفذوا مخططات خارجية سواء علموا ذلك أو لم يعلموا، ومن يلقي نظرة إلى مواقع الحوار على الشبكة العنكبوتية يصاب بحالة من الغثيان شديدة، لأن العوام أصبحوا يتكلمون في نقاط الخلاف التي كانت حصرا على العلماء فقط، وأصبحنا نقرأ لأناس مجهولين بأسماء مستعارة لا يهمهم من الدنيا إلا إثارة الفتن ولو أننا بحثنا عن خلفيات هؤلاء لوجدناهم يعانون من أمراض وعلل نفسية شتى، ولو سألت أحدهم ماذا قدّم للبشرية أو للإسلام ستجد أنهم عالة على الجميع، ومع ذلك هم مستعدون أن يتقاتلوا باسم المذاهب ويحاربوا فرقا قد بادت من زمان وليس لها وجود الآن.

والحقيقة هي أن هناك من يسمون دعاة أو شيوخ أو متحدثين هم السبب في كل ذلك الشحن الذي أصاب شباب الأمة، إذ بانتشار الفضائيات التي تصل كل بيت وانتشار مواقع تُسمى تجاوزا مواقع الدعوة أصبح كل ملتح أو شيخ يعتقد أنه الوحيد على الحق وأن الآخرين على باطل وأصبح هناك من يوزع صكوك الغفران كالبابا تماما وبيده أن يدخل هذا الجنة ويدخل هذا النار، وقد كان من نتيجة هذا أن استغل الآخرون الموقف للطعن في الدين الإسلامي ولخلخلة المسلمين من الداخل وإشغالهم بمعارك وهمية وتافهة، وقد ظهر الدين الإسلامي من خلال مناقشات المسلمين كأنه دين هش وأساس بنيانه ضعيف، ومن هنا تم النفاذ إلى عقليات الشباب وتم التغرير بهم، لأن الأمة تفتقد إلى علماء حقيقيين بعد رحيل ذلك الجيل من العلماء الربانيين الذين تورعوا عن الدخول في سفاسف الأمور وأكدوا للعالم أن ما يجمع بين المسلمين كثير وما يفرق بينهم قليل ويكفي أن تجمعهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكدوا للعالم أن وجود المذاهب الإسلامية هو رحمة للمسلمين وأنها نتيجة للإجتهادات التي قام بها العلماء الكبار وأن الاختلاف عند الناس فيما يتعلق بالعقائد التي يتبنونها والثقافات التي يتخذونها لا توجب الشحناء والتباغض بل توجب التعايش والتآلف، ورحم الله رجلا مثل الشيخ محمد الغزالي الذي قال مرة إنه يستطيع أن يفتي بفتويين مختلفين لسؤال واحد إذا كان السؤال صادرا من مكانين مختلفين كمصر وأمريكا مثلا إذ أنه سينظر إلى أيسر الفتوى التي تلائم بيئة المستفتي أي أنه سيأخذ لهذا السائل فتوى من مدرسة وللسائل الآخر فتوى من مدرسة أخرى وهذا هو جوهر الإسلام وجوهر التسامح وجوهر الرحمة، والشيخ الغزالي نموذج من النماذج الإسلامية الجيدة

( 2 )

من المقالات الجميلة في موقع النور مقال كتبه “أ.د.. جعفر عبد المهدي صاحب”

يقول إننا نحتاج الى وقفة نقدية لتقويم الذات وقول الحق حتى لو كان على أنفسنا

فموضوع العنف والإرهاب يتطلب البحث عن مسبباته، ويرى أن تنظيمات القاعدة من أهم الجهات المسببة للعنف في العراق تنفيذا وتمويلا وتخطيطا، ويقول بما أنه من أبوين شيعيين فإنه سوف ينتقد الممارسات الشيعية التي ربما كانت سببا محوريا للعنف والإرهاب – حسب رأيه – ويقول: إذا أردنا أن نبحث في مسببات غضب القاعدة في العراق على وجه التحديد فعلينا أن ننتقد ممارساتنا المذهبية المشينة ولعل أبرزها – كما يراها د. جعفر هي ظهور بعض المعممين على الفضائيات واليوتوب يلعنون رموز الطرف الآخر وبشكل مهين ومقرف، وضرب بياسر الحبيب مثلا

ويقول الدكتور: أنا شيعي وأؤمن بأن عليّا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم وهذا ليس عيبا، وبالمقابل هناك أكثر من مليار مسلم من يعتقد أن أبا بكر أفضل الصحابة بعد الرسول وهذا ليس عيبا أيضا ولكن أن يأتي شخص معمم ويلقي دروسا ومحاضرات تفيد بأن أبا بكر وعمر في النار, وفي محاضرة أخرى يطعن بطريقته السيدة عائشة, وفي محاضرة غيرها يقول إن عمر مصاب بمرض وهو يطلب ماء الرجال، إلخ من هذا الكلام السخيف، يمكن أن نسأل لماذا يظهر مثل هذا الشخص في هذا الوقت بالذات؟ ويتساءل ماذا سنعمل لو أن شخصا تعرض لأئمتنا أو لرموزنا الدينية؟ فمثلما يوجد شيعة متعصبون فهناك سنة ووهابيون متعصبون

ويقول د. جعفر عبد المهدي إنه في هذه الأيام تم فتح فضائية شيعية تبث من قمر أمريكي مهمتها بث الفرقة والتناحر ويكفي أن اسمها (فدك) فما العبرة من ظهور فضائية تحمل هذا الاسم الملغوم؟ ولماذا ظهرت الآن وفي هذه الظروف بالذات؟

ويختتم رأيه بتوجيه للشيعة ولكن نتمنى لو أن كل طائفة إسلامية أو مذهب أخذ بهذا التوجيه فهو يقول: علينا أن نشخص هذه السلوكيات الشيعية أو المحسوبة على الشيعة ونلاحق ونفضح مرتكبيها بشتى الوسائل حتى لا يضاف الشهد بالسم وتعطى الفرصة للأفكار التكفيرية لتقوم بأعمالها الإجرامية وإن البحث في إشكالية معينة مثل موضوع بحثنا هذا حول العنف يتطلب معرفة أسباب الظاهرة وليس وصف الظاهرة، والنقد الذاتي الجمعي ضرورة يجب ممارستها عندما نرغب في التقييم أو محاكمة الظروف الحالية، فعندما نقول إن الفكر التكفيري هو فكر إجرامي علينا في الوقت نفسه أن نشخص الأسباب التي دعت من سماهم ب”الوهابيين” في إرسال من ينفذ عملياتهم الانتحارية في العراق

( 3 )

هناك بعض القنوات الفضائية تنشر الفتن بين العوام وبين البسطاء من الناس، وهناك مشايخ يطلقون فتاوى التكفير بالمجان

لقد قام “أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب” بممارسة النقد للمذهب الذي ينتمي إليه، ونأمل أن تقوم الأطراف الأخرى بممارسة النقد ذاته، وبالتأكيد فإن خطوات كهذه سوف تحد من ظاهرة التباغض والعنف والإرهاب المتبادل بين أبناء الدين الواحد وهذا خير من المقالات الرنانة التي تفوح منها رائحة المجاملة في وقت تمتلأ القلوب بالحقد والضغينة ضد بعضنا البعض بما يكفي لهدّ الجبال الشوامخ، فهناك بعض القنوات الفضائية تنشر الفتن بين العوام وبين البسطاء من الناس، وهناك مشايخ يطلقون فتاوى التكفير بالمجان، وأصبح التنابز بالألقاب هو السمة السائدة لهؤلاء الشيوخ ولهذه الفضائيات لدرجة أن يصف بعضهم الشيعة بأنهم “روافض ومجوس وعبدة النار وصفويين” بل هناك من قال إن الصهاينة أفضل منهم، ويصف الآخرين السنة وخاصة الوهابيين بأنهم “حشوية ومجسّمة”، ويصف الآخرين الإباضية بأنهم “خوارج وحارورية وأفراخ المعتزلة وكلاب أهل النار”

بل إن المصيبة الكبرى هي أن يقول أحد الشيوخ وحزبُ الله يحارب عدو الأمة إن الدعاء للحزب لا يجوز لأنه حزب رافضي.!

ماذا أصبحت النتيجة ؟ إن هذه النكتة تلخص الموقف وتلخص المآل المنتظر للمسلمين إذا استمروا في تناطحهم وتباغضهم، وتقول التفاصيل إن ثلاثة لبنانيين أحدهم سنّي والثاني شيعي والثالث مسيحي التقوا على شاطيء البحر، فإذا بهم بفانوس سحري وطلب منه كل واحد أمنية حيث قال له الشيعي لا تترك لي ولا لبناني سُنّي على وجه الأرض، وقال السُنّي لا تترك لي لبناني شيعي على وجه الأرض، أما المسيحي قال “أنا لا أريد منك شيئا أبدا، أريد كأس ويسكي وأرجيلة ودخيلك عجّللي بطلبات الشباب”

يكفي الأمة الإسلامية ما هي عليه الآن من ضعف وتشتت وتأخر، فإنها غثاء مثل غثاء السيل كما حدث عن ذلك من لا ينطق عن الهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

العدد الثالث والعشرون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com