خلال دراستنا للتاريخ وخصوصا تاريخ الثورات نجد أن هناك عوامل مشتركة بين جميع الثورات التي وقعت في العالم , فأسباب قيام الثورات على مر التاريخ كما درسنا :-
1- انتشار الفقر والجوع في المجتمع ’ كما كان يحدث في أوربا من إرهاق المواطن الفقير بالضرائب
2- شيوع الاستبداد و الظلم والفساد في السلطة , بحيث أصبح هناك فئة معينة أو شخصيات معينة أعلى وأكبر من القانون , فلا يجوز محاسبتها أو حتى مراقبتها . من أقرباء الحاكم أو المقربين له او حاشيته وبطانته .
كان هذان العاملان يشكلان الحجر الأساس في قيام الثورات , و كانا العامل الرئيسي في الثورة الفرنسية ,والثورة الماوية في الصين والثورة البلشفية في روسيا .
ولكن نجد احد هذان العاملان شبه مفقود في واحدة من اكبر الثورات العربية , وهي الثورة الليبية . إذ كان مستوى المعيشة العام في ليبيا أعلى بكثير من جميع الدول المحيطة بها أو القريبة منها .
فمستوى المعيشة في ليبيا أعلى بكثير من تونس أو مصر و الجزائر و تشاد والسودان , بل ونجد الكثير من مواطني هذه الدول يعمل في ليبيا .
إذن ما درسنا سابقا عن قيام الثورات لا يجوز أو لا يصح تطبيقه على جميع الثورات العربية التي قامت خلال القرن الحادي والعشرون . وهنا نحتاج إلى دراسة واعية معمقة في الثورات العربية لكي نعلم أسبابها .
أهم عاملان يجب إضافتهما في دراسة أسباب الثورات العربية هما “الحرية والكرامة ” ,
فالمواطن العربي يتلقى يوميا من خلال وسائل الإعلام المفتوح , سواء الإعلام الإلكتروني أو الإعلام المرئي أو المكتوب جرعات مكثفة من الإحساس بالحرية والكرامة , مما يولد عنده أحساس آخر بالجوع والفقر , ليس جوع البطن أو فقر الجيب , ولكنه جوع من نوع آخر .
انه جوع للحرية وشوق لها . جوع لأن يقول ما شاء , وقتما يشاء , لا رقيب عليه سوى دينه ومجتمعة , وليست رقابة الحاكم أو رقابة وزارة الإعلام ,
وهو جوع للكرامة , فروحه تتوق للكرامة التي قال الله عنها , “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ “ . يحب أن يرى انه متساوي مع الآخرين , لا أحد أفضل منه لأنه ابن لفلان أو قريب لفلان أو ابن العائلة الفلانيه , لا يجد غيره يكرم ويرفع لأنه ولد ابنا لعائلة معينة , يحب أن يرى تحقيقا للمشهور من القول ” النَّاسُ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ ” “
هذان العاملان ” الحرية والكرامة ” والجوع الذي يحسه المواطن العربي لهما هما الدافع للثورة على الحكام العرب , من بن علي تونس إلى بشار سوريا , مرورا بحسنى مبارك ومعمر القذافي و علي عبدالله صالح .
وهنالك مظاهر كثيرة تؤكد أن هذان العاملان رئيسيان في الثورات العربية , وستكونان العاملان الرئيسيان في جميع الثورات القادمة ,
أولى هذه المظاهر أن الطبقة المتوسطة المتعلمة هي من قام بالثورة وليست الطبقات الفقيرة . بل وأقول أن الطبقات الفقيرة كانت تقف على الحياد أو بجانب الحكام في اكثر الأحيان .
ثانيها , هو أن الشرارة الحقيقة للثورة في تونس هي الصفعة التي تلقاها البوعزيزي , ونعرف معنى الصفعة في الموروث الثقافي , فهي إهانة للكرامة , أما في مصر فنجد أن نجاح الثورة ارتبط بموقعة الجمل الشهيرة , واعتبرت إهانة للشعب المصري باستخدام الجمال والخيول والحمير للهجوم على المعتصمين في ميدان التحرير , بعد أن انسحب معظم المتظاهرين من الميدان عقب خطاب مبارك العاطفي .
ثالثها , هو ما نراه في تونس ومصر وخصوصا في ليبيا من سخط عام وافتراق في الرؤى , قد يسيء الكثير فهمه حين ينظر إليه , فيراه انه تفرق وتشتت , ولكني أراه تطبيق لمبدأ الحرية والكرامة , فالشعب الجائع لهما قفز إلى المائدة , يأكل منها دون أن يراعي الآداب المعهودة , ومن حقه ذلك , فهو جائع , ويجب أن يعطى مهلة ليطفئ جوعه ويسكت نهمه للحرية والكرامة . وأتمنى أن لا تطول فترة الإشباع .
وها أنا أدق الجرس مرة أخرى , لبقية الحكام العرب , وأقول لهم ما كان أبي “غفر الله له ” يعلمني , أن من لم يتعظ بغيره أصبح عظة لغيره . فالشعب العربي جائع للحرية , جائع للكرامة , وليس جائع للخبز. فهل من متعظ ؟
كم رددنا مع أم كلثوم وهي تقول “أعطني حريتي أطلق يدي ” . لقد أصبح لها معنى آخر , فهي ليست من عاشق لمعشوقة , بل من محكوم لحاكمه .
وعلى دروب الحرية والكرامة نلتقي