الثورة المصرية: إلهام العالم

 من سوى تلك الثورة الشعبية التي ضجت بها القاهرة في يوم 25 يناير 2011م تلهم الناس في أصقاع الأرض كي يثوروا لإصلاح عوالمهم وانتزاعها من جشع السياسيين ومن أطماع الرأسماليين؟

ربما لولا تلك الثورة المصرية التي نسجت في ميدان التحرير على أنغام خرير النهر العظيم كأنها (ثرثرة على النيل) لم تقم قائمة الثورات في العالم، ولا استعاد الأمل شعاعهُ البراق في عالمٍ كئيب وحزين، كان يشجع الناس على كتابة آلامهم وأحزانهم، وكأنما قدر الحياة والأعمار هو الكآبة والأحزان!

نعم تلقفت مصر تلك البذرة التونسية المشعة في الأصل، وأحالتها بكرم مصر القديمة والحديثة إلى ثورة تهز أرجاء الكرة الأرضية، في كل مكان وصلَ صوتُ المصريين، وآلامهم، وأحلامهم، وفي كل مكان من الأرض ترحّم الناسُ على شهداء مصر، لا لشيء إلا لأنها مصر، تلك السرة الأرضية الحضارية منذ بدء ما قبل التاريخ، وما بعده.

استعادت مصر زهوها العالمي، وبدأت تتلو دروسها الثورية في آذان العالم، كي تصل تلك السرنمة المصرية بعيداً لتضج مراقد وول ستريت ولندن واليابان والصين ولترقص على أنغام ثورتها العظيمة كل البلاد العربية بلا استثناء واحد. أملٌ متدفقٌ كانت ترصدهُ وسائل الإعلام بكافة أنواعها وتنقلهُ طازجاً للناس، والناسُ في كل مكان من العالم يشربون خمرة الحياة الحقيقية وكأسها الرائع، كأس الأمل الكبير والعظيم من يدِ المصريين.

مرت أيام الثورة على الناس أجمعهم كأنهم كانوا جميعاً في ميدان التحرير، وكأنهم كانوا جميعاً مصريين، وهل نحنُ إلا مصريين في النهاية؟ ينسابُ النيلُ في أرواحنا منذ الأزل، كل الناس وجدوا أنهم جميعاً مجمعون على أملٍ واحد. وهو ليس إسقاط الرئيس بقدر ما هو دفن الماضي الكئيب، دفن الحزن والإحباط العالمي المرسوم بكل الفنون القاتلة من حولنا، وإحياء زهرة الأمل للمستقبل الحقيقي. للحياة التي تستحق أن تعاش. ولا أعظم من هذا الدرس المصري الذي تحقق.

بعدها، بعد الثورة، صار كل الناس يدركون قيمة الأمل، وبعد الثورة صار كل الناس يسألون عن صحة الأمل. ذلك الأمل الذي قتلته الحروب والثورات الدموية في القرن العشرين، أزهر لأنهُ ارتوى من نهر النيل العظيم. رواهُ المصريون باندفاعهم ودمائهم الشجاعة، وسخرياتهم، وحبهم. حبٌ متدفق ظلل العالم عاماً بأكلمه، ولم ينهِ عملهُ بعد. فما زال في جعبة الأمل المزيد والمزيد من الثورات، ومن لا يؤمن بذلك فهو كمن يحسب الحياة كالموت.

ليست الحياةُ كالموت، ولا يمكن أن تقاسَ الحياة بالثروات الفيزيائية، بل الثروة الحقيقية هي التي تجمعها الأرواح الصادقة. المؤمنة بأن الحياة هي ما نعيشها لا ما نمتلكه، وهي ما ننتجهُ ونفعلهُ لا ما نخزنهُ ونجمعه.

شرارةٌ انطلقت من مصر، أحيتنا هنا على ضفاف المحيط الهندي، سمعنا صوت النيل في بحر العرب وبحر عمان، وأطربتنا، وظهر طربنا في الشوارع والساحات. ومن سوى تلك الشمعة المصرية تظهر رقصة الروح الحقيقية أمام النار المتقدة. رقصة الرغبة في الحياة وحبها واحترام الأعمار، جمالٌ تدفق لا يمكن نسيانهُ أبداً بعدَ الآن.

لا زال الأمل صاحبَ نهرٍ رائع واسعٍ ومضاء.

السادس والعشرون سياسة

عن الكاتب

إبراهيم بن سعيد