الشّبيحة العمانية

يجب أن يكون التصحيح حقيقيا ملموسا على أرض الواقع لا أن يكون مجرد شعارات إعلامية براقة لأن الجيل الجديد غير الجيل القديم وهي عبارة أرددها كثيرا لعلها تصل إلى من يدرس ويضع الخطط ولعله أن يفهمها، والواضح للعيان من خلال متابعة كل ما يُكتب الآن عبر وسائل الاتصال وما يتم تناقله عبر الوسائط أن تحت الأكوام في الأرض براكين تنتظر لحظة الانفجار، وهناك من هو مستعد أن يشعل النار فهي لا تحتاج إلا إلى عود ثقاب واحد وبسيط لا يكلف شيئا، كما أن الباحثين عن البطولة في الساحة العمانية أصبحوا كثيرين، والعمانيون في المقابل يبحثون عن أي بطل حتى وإن كان بطلا وهميا أقرب إلى المهرجين.!

 

انتشرت كلمة “الشّبيحة” كثيرا عبر وسائل الإعلام المختلفة مرتبطة بما عرف ببلطجية النظام السوري وما يقترفونه من جرائم، ويرى د. حسن العجمي – وهو كاتب سعودي يتناول القضايا السعودية بجرأة وهي قضايا متشابهة مع قضايا كل العرب – يرى أن مصطلح الشبيحة لا ينطبق على تلك الفئة السورية فقط بل يتعدها إلى كل المسؤولين الذين لا يراعون أماناتهم في خدمة الوطن والمواطنين، ويقدم نماذج من هذه الشبيحة في كل مواقع العمل في السعودية في مقال يحكي واقعا مريرا، وباستطاعة أي مواطن عربي أن يستبدل كلمة “السعودية” في المقال ويضع مكانها اسم دولته ليكتشف أن د. حسن العجمي كان يتكلم في مقاله ذلك عن هموم العرب أجمعين وهموم أبناء الخليج بالذات، ويعرّف الشِبِّيحة بأنهم حفنة مِن العصابات المُستأجرة يُؤذون ويعتدون دون دافع شخصي أو سبب وجيه، وهم من يُسمَّون في بلدان أخرى بالبلطجية أو المرتزقة، ومع انتشار ظاهرة الشِبِّيحة في سوريا واشمئزاز الناس من ممارساتهم غير المُبررة فقد أصبحت هذه الظاهرة صفةً يوصمُ بها كل مُعتدٍ وظالم، ولا شك أن بلادنا تزخر بشبيحة من النوع اللئيم، لذلك فنحن مشمئزون من شِبِّيحتنا كاشمئزاز السوريين من شبيحتهم بل أشد.

 

عندما شهدت السلطنة الحراك الشعبي، العام الماضي، مع انتشار ما عُرف بالربيع العربي في كل مكان، اتخذ جلالة السلطان المعظم عدة قرارات لمعالجة الوضع وهو وضع قد تفاقم منذ فترة طويلة نظرا لسوء التخطيط وللإهمال الشديد من بعض الشبيحة العمانية ونظرا لتقديم بيانات خاطئة عن الوضع خاصة عن الباحثين عن العمل الذين زاد عددهم عن 300 ألف شخص في وقت تفرخ مدارس التعليم العام عشرات الآلاف من الخريجين، مما يشير إلى وجود قنبلة موقوتة تحتاج إلى وضع حلول لها قبل أن تنفجر، وانفجارُها أصبح شبه مؤكد،وقد صدرت أوامر جلالة السلطان المعظم بتوظيف 50 ألف شخص في القطاعات المختلفة، ورغم مرور أكثر من سنة من تلك الأوامر فإن العديد من الباحثين عن العمل لم يجدوا الوظائف حتى الآن مما يدل دلالة واضحة أن هناك من الشبيحة العمانية من يعرقل الأمور وكأنه بذلك يريد شرا للبلد إما جهلا منه أو كسلا، فالجيل الجديد ليس كالجيل القديم ولا يحمل صبر الجيل القديم ولا فكره وثقافته لذا فهو مستعد ليفعل أيّ شيء في سبيل الوصول إلى ما يعتقده حق ولا يهم هذا الجيل في شيء أن يسمع كيف كانت عمان قبل عام 1970م وكيف أصبحت بعد ذلك، ثم إن تعليمات جلالة السلطان المعظم حفظه الله كانت مشددة في توفير 150 ريال لكل باحث عمل حتى يجد الوظيفة لكن حتى هذه المبالغ لم تصل إلى الكثيرين، فهناك من لم يستلم حتى الآن رغم مرور أكثر من سنة على الأوامر السامية في ذلك، وكأنّ الشبيحة العمانية تخطط لشيء آخر، بل إن المخصصات المالية لطلبة الكليات التقنية والكليات الأخرى التي أمر بها جلالته للطلبة حسب أماكن بعدهم عن الكليات تم تأخير صرفها، وها هي السنة الدراسية تنتهي ولم تُصرف تلك المبالغ أو أنها صرفت في الشهر الأخير فقط، وكل ذلك لأن الشبيحة لا تريد أن تنفذ التعليمات، أو أنها تريد شرا للبلد من حيث تدري أو لا تدري.

 

إن كل مسؤول مهما كان اسمه أو صفته حاول أن يعرقل تنفيذ الأوامر السامية فهو من الشبيحة، وهم بذلك يعملون على تأزيم العلاقة بين المواطن والحكومة، و يُشوهون سُمعة السلطنة وسمعة الشعب العماني الوديع والمتصف دائما بالهدوء والأخلاق الطيبة.

 

يجب أن يكون التصحيح حقيقيا ملموسا على أرض الواقع لا أن يكون مجرد شعارات إعلامية براقة لأن الجيل الجديد غير الجيل القديم وهي عبارة أرددها كثيرا لعلها تصل إلى من يدرس ويضع الخطط ولعله أن يفهمها، والواضح للعيان من خلال متابعة كل ما يُكتب الآن عبر وسائل الاتصال وما يتم تناقله عبر الوسائط أن تحت الأكوام في الأرض براكين تنتظر لحظة الانفجار، وهناك من هو مستعد أن يشعل النار فهي لا تحتاج إلا إلى عود ثقاب واحد وبسيط لا يكلف شيئا، كما أن الباحثين عن البطولة في الساحة العمانية أصبحوا كثيرين، والعمانيون في المقابل يبحثون عن أي بطل حتى وإن كان بطلا وهميا أقرب إلى المهرجين.! والباحث المدقق لكل ما ينشر الآن عبر النت يعلم أن هناك شيئا يتم الإعداد له سواء كان بقصد أو بغير قصد ولا يمكن التنبؤ به ولكنه موجود وظاهر ومتوقع، وعلى الجميع أن يعمل على استقرار البلد وعلى وحدته ووحدة شعبه لأن من تابع ما حدث في الوطن العربي منذ احتلال العراق وحتى الآن يعلم تماما كيف ثارت النعرات الطائفية والمذهبية والفئوية في كل مكان، تلك الطائفية التي ما دخلت بلدا إلا وقضت عليه، فأمامها يتخلى الناس ضيقو الأفق عن كل ما هو ديني ووطني وإنساني ليصبح كل طرف مصارعا عن مذهبه أو طائفته أو عرقيته أو جهويته، وعندما تنتشر الطائفية يختلط الأمرعلى الناس ولا يفرقوا بين المطالب المشروعة وبين الطائفية بحيث تعم الفوضى، وهذه رسالة إلى جهات الاختصاص بأن تنتبه لأن الإشارات الصادرة من الناس لا تطمئن أبدا بل تنذر بشؤم.

 

وقد سبق لي وأن كتبت مقالة في مجلة الفلق الإلكترونية في 15/11/2010م تحت عنوان “حان وقت التصحيح” وهي نشرت قبل الحراك الشعبي الذي شهدته السلطنة بشهور قلت فيها إن التصحيح سمة من سمات المجتمع البشري، وقد لجأت إليه المجتمعات دائما عندما تحس بأن مع طول الوقت أو الفترة يبدأ الجمود في التسلل إلى كل شيء حتى يصل إلى ما يعرف بالأساسيات وذلك بانتشار السوس في كل ركن من أركان المجتمع بدءا من الأخلاق العامة وانتهاء بالفساد في الحكومات حتى الثورية منها، وهناك أمثلة كثيرة على نظم قامت بثورة التصحيح على نفسها قبل فوات الأوان وقبل أن يقوم بذلك الآخرون، وضربتُ لذلك أمثلة، فيمكن الرجوع إلى المقال المذكور في الفلق  وهو متاح، إذ طرحتُ عدة أسئلة منها مثلا: هل نحن في عمان بحاجة إلى ثورة تصحيحية بعد مرور 40 عاما من بداية النهضة الحديثة؟ وهل أصاب الوهن التجربة العمانية؟ أسئلة يجب أن تطرح على المهتمين بقضايا الوطن كافة، يكون هدفهم في ذلك العمل على مصلحة الوطن والمواطنين لا غير أبدا، ولا زالت الأسئلة مطروحة حتى الآن.

 

عندما تكون هناك نية مخلصة لوضع كل الحلول ستكون هناك حلول لكل المشاكل، وما هو الداع للإهتمام بمشاريع عملاقة تملكها فئة بسيطة من الناس قد تدر أموالا مستقبلا للبلد وقد لا تدر، على حساب شعب كامل لديه ما يعاني منه الآن؟ إن الاهتمام بالإنسان أهم من الاهتمام بالبنيان إذا كانت هناك مفاضلة بينهما، وهناك مقترحات كثيرة لتشغيل الباحثين عن العمل ومن ذلك مثلا رفع رواتب التقاعد في الأجهزة المدنية أسوة بغيرها وتشجيع الموظفين القدامى على التقاعد المبكر بمبالغ مريحة ليتم الإحلال مكانهم، كما أن هناك مقترحات كثيرة يطرحها المواطنون العاديون في العديد من منتديات الحوار يمكن دراستها والاستفادة منها لأن المواطنين في الأول والأخير هم أصحاب المعاناة الحقيقية وهم هدف التنمية ووسيلتها.

 

Zahir679@gmail.com

 

 

ملاحظة: ينشر بالتزامن مع جريدة الرؤية.

السادس والعشرون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com