إذا كانت مقولة “ما بين العبقرية والجنون شعرة” صحيحة، فإن مقولة “ما بين الحرية والفوضى كذلك شعرة” تكون صحيحة أيضا، ومن هنا يمكن لنا أن نتفهم بيان الإدعاء العام حول تزايد وتيرة الكتابات المسيئة أو المحرضة أو الدعوات التحريضية، حيث أشار البيان إلى تزايد وتيرة الكتابات المسيئة والدعوات التحريضية التي تصدر من بعض الأشخاص بحجة حرية التعبير عن الرأي، في حين أن ذلك يمثل اعتداء صارخا على حرمة الحياة الخاصة للأفراد والتعدي عليهم بالسب والقذف سواء كان ذلك في شخوصهم أو بوظائفهم
والذي حدث في الفترة الماضية هو أن مفهوم الحرية والفوضى اختلط عند البعض، مما جعله يتجاوز كل الحدود ويطلق لقلمه العنان في السب والقذف والشتم مما يتنافى مع أبسط مباديء الحرية، وتزامن ذلك وكأنه حملة منظمة من قبل جهة مّا أو أناس معينين للوصول إلى هدف معين، مما أدى إلى تلك الاعتقالات التي تمت وطالت حتى البريئين ممن لم يسيؤوا إلى أحد، سواء في كتاباتهم أو تعاملهم مع الناس وإنما كانت جريرتهم أنهم وقفوا وقفة تضامنية مع المحتجَزين، وفي ذهني الشاعر المهذب الهاديء الطبع سماء عيسى الذي كان دائما هو الناصح للتهدئة
وفي الحقيقة فإن ما كتب ونشر عبر شبكات الحوار والمدونات والمنتديات فاق التصور ولا يمكن أن يكون ذلك من باب الحرية في شيء أبدا، ويمكن لنا أن نتساءل: هل من كتب تلك العبارات المسيئة في حق أشخاص آخرين يرضون لأنفسهم بأن يُقذفوا بمثلها؟! ثم ما هي الفائدة التي استفادت بها السلطنة من تلك العبارات؟! وهل تلك هي الحرية المنشودة؟! وهل كان ذلك السب والقذف والشتم معول بناء أو معول هدم؟!
هناك مجموعة من الشباب تؤمن بالإصلاح وتؤمن بالتغيير عبر الحوار وعملت على ذلك منذ سنوات طويلة عبر الكتابات الهادفة من خلال الصحف الورقية ويمثلهم الكاتب والباحث سعيد بن سلطان الهاشمي وناصر بن صالح الغيلاني، وهناك مجموعة أخرى مندفعة وقد تأثرت بما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن وأرادت أن تطبق ذلك في السلطنة وأخطأت الطريق إذ اختلط مفهوم الحرية ومفهوم الفوضى لديها وذلك لقلة الوعي والفهم، وقد تكون دوافعهم جيدة ونيتهم حسنة إلا أن نتيجة أخطائهم هي التي جعلت من الآخرين يدفعون الثمن ونخشى أن تدفع حريةُ التعبير ثمنا غاليا، والمؤشراتُ تدل على ذلك
ومن المثير الآن أننا نعاني أزمة في الوعي العام وأصبح من يتناول الشأن الوطني والشأن العام في منتديات الحوار لا يملك الوسطية في الرأي، فإما أن يجنح إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار حيث اختفت الوسطية من المتحاورين إلا ما ندر، وكان من نتيجة ذلك أن تظهر فئة لا هم لها إلا في انتقاد الحكومة وكأنها شر مطلق فيما الفئة الأخرى تدافع بشدة عن الحكومة وكأنها دون أخطاء تذكر، وإذا ما تناول أحد موضوعا مّا بالإشادة فإذا هناك من يتهمه بأنه من المطبلين، وإذا تناول أحد موضوعا مّا بالنقد فإذا هناك من يتهمه بأنه جاحد لا يشكر النعم،( وقد نالنا من هذه التهم الكثير )، وهذا يدل على أن الشباب أنفتحت أمامهم قنوات اتصال بالمجان دون أي توعية لمعنى الحرية وأن الفاصل بينها والفوضى هي شعرة دقيقة يراها المبصرون بالبصيرة لا البصر، ومن هنا يمكن لنا أن نعرف حقيقة القول بأن حرية الإنسان تنتهي أمام حريات الآخرين وأن الإنسان ليس حرا في أن يؤذي الآخرين، ومن حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه وله الحرية في ذلك شرط أن لا يتجاوز الحدود بالقذف والشتم والإهانة خاصة إذا كان هذا السب والقذف لرموز الدولة أو لرموز دينية أو لأي مواطن عادي كان، ومن حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه دون أن يتسبب في فتن تشعل النار في الوطن وتسبب التفرقة بين المواطنين ( وللأسف فإن كل الأوطان العربية وخاصة الخليجية بتركيبتها العرقية والمذهبية جاهزة للاشتعال تنتظر إشارة بسيطة، ومن ثم يدفع الثمن المواطن العادي)
وإذا كان توجه الادعاء العام هو وضع حد لتلك المهازل البعيدة كل البعد عن الحرية – وهو توجه محمود بالتأكيد -، فإن الإدعاء العام مطالب أيضا أن يضع حدا لكل من شوه سمعة المعتقلين خاصة المعتقلات بأن تناول سمعتهن وشرفهن حتى وصل الأمر إلى نشر صور بعضهن وقد تم التلاعب بها عبر الفوتو شوب في الفيس بوك، لأن ذلك سيضع حدا لتناول أعراض الناس وسيعيد المجتمع العماني إلى أخلاقياته التي اشتهر بها عبر العصور وهي الأخلاقيات التي اختفت، والمطلوب أن تتكاتف كافة الأجهزة لنشر ثقافة الحوار وتقبل رأي الآخر وأن الكلمة مسؤولية كبيرة وأنه ليس من الشطارة في شيء أن يتم سب وقذف وشتم الناس عبر منتديات حوارية بأسماء وهمية، وأن يتم نشر أكاذيب دون الإستناد إلى الأدلة، فذلك من بديهيات فقد المصداقية
يرى الكثيرون أن الإدعاء العام يتحمل مسؤولية تشويه سمعة السلطنة في الخارج نظرا للإجراءات التي اتخذها، فيما يرى الآخرون أن المعتقلين على ذمة التحقيق هم من يتحمل تلك المسؤولية، وبما أن للحقيقة أكثر من وجه فأنا أرى أن القضية لم تكن تستاهل تلك الضجة المثارة حولها وكان يمكن أن يتم حلها بالتي هي أحسن خاصة مع الكتاب والمثقفين الذين تضامنوا مع المعتقلين ولم يصدر منهم ما يسيء إلى أحد سواء بالكتابة أو التحريض، ولكن يجب أن نقول إن هيبة الدولة مطلوبة في أي مكان في العالم وإلا ستفلت الأمور وتعم الفوضى كل شيء وكل أحد، ونحن للأسف نعيش فى زمن اختلطت فيه موازين كل شيء واختلط الحابل بالنابل وأصبح كل أحد مفتيا وناقدا وناشطا يتغنى بالحرية والديمقراطية والوطنية، وأصبح الوطن ورموزه مستباحين
والحكومة مطالبة الآن أن تضع الحلول وتسرع في تنفيذ الإصلاحات وأن تكون هناك شفافية في التعامل مع المواطنين عبر الصراحة التامة بأن تعلن الوقت الزمني لكل خطوة سواء كان ذلك في التعيين أو غيره وأن لا تعتمد على الكلمات الإنشائية فقط لأنها لم تعد تقنع أحدا، وللمرة المليون أردد أن على الحكومة أن تعلم أن الجيل الجديد ليس هو الجيل القديم في كل شيء لأنه إبن عصره، وكلما زاد الفراغ زادت خطورته، وللأسف فهذا صيف طويل جدا يمر على الشباب وليس لديهم ما يشغلهم غير المنتديات والعالم الافتراضي الذي وجدوا فيه متنفسا لتفريغ شحناتهم الزائدة دون رقيب وحسيب ظانين أن في الإساءة حرية، وعندما يتم حل كل مطالب الناس وهي قليلة فلن تكون هناك كتابات مسيئة ولا تحريض أي أن على الدولة أن تقطع الطريق بوضع الحلول والاستجابة للمطالب وهي ليست بالصعبة أو الكثيرة
Zahir679@gmail.com
ملاحظة: ينشر بالتزامن مع جريدة الرؤية.