مدير المعهد الألماني للأبحاث الشرقية لمجلة الفلق: التغيرات الثقافية والاجتماعية هي المحرك الرئيسي لثورات الربيع العربي .

ستفان ليدر - مدير المعهد الالماني

المعهد الألماني للأبحاث الشرقية هو أحد المؤسسات البحثية المهمة في بيروت، عاصمة الجمهورية اللبانية . يشغل المعهد دار جميلة بأحد الأحياء العريقة ببيروت والمعروف باسم زقاق البلاط. وهو زقاق محاذى لوسط مدينة بيروت التجارى. هدوء المكان وكثافة الأشجار التي تحيط بالدار، ونقوش “الأربيسك” الرائعة التي تغطي الجدران تعطي الزائر انطباعا بهيبة المكان وأناقته . محتويات الدار من المجلدات والكتب توحي بإنجازات بحثية وعلمية مهمة .مجلة الفلق زارت المعهد وتجولت في مكتبته وبين جنباته وكان لها لقاء مع الاستاذ الدكتور/ ستفان ليدر مدير المعهد .

نبذة عن المعهد

في البداية قدم مدير المعهد نبذة مفصلة عن المعهد حيث قال : تأسس المعهد الالماني للأبحاث الشرقية في بيروت من خلال الجمعية الالمانية للدراسات الشرقية في ستينيات القرن الماضي . وهو معهد بحثي علمي غير تجاري. قامت بتمويله في البداية وزارة الداخلية الالمانية حتى العام 1972 ، ثم انتقلت بعدها مسؤولية التمويل ولا تزال إلى وزارة الأبحاث العلمية والتكنولوجية وذلك بالاشتراك مع بعض الجمعيات الخيرية المعنية بالبحث العلمي. ولقد ترتب على هجرة المعهد القسرية إلى إسطنبول ابان الحرب الأهلية في لبنان نتيجة إيجابية جدا ، إذ ادت إقامتهم هناك إلى إنشاء فرع للمعهد في تركيا . وهو مخصص للاهتمام بالدراسات والأبحاث في المنطقة وكل ما يتعلق بشؤون آسيا الوسطى . كما أن للمعهد فرع حديث في القاهرة بجمهورية مصر العربية.

 ويواصل مدير المعهد حديثه حيث يقول : أن المعهد يقوم بأبحاث تتعلق بقضايا الشرق الأوسط والعالم العربي ماضيًا وحاضرًا. كما يقدّم دعماً لمشاريع علمية وبحثية وذلك بالتعاون مع بعض المؤسسات الأكاديمية العالمية والباحثين في المنطقة. كما يهيّئ المعهد الفرص لتبادل نتائج الأبحاث والدراسات والإنتاج الفكري والعلمي .

مكتبة المعهد

تناولنا القهوة في ردهة المكتبة . كانت تضم مجموعة من الكتبة والتي تبدو في مجملها من المؤلفات القديمة ذات القيمة الكبيرة وأمهات الكتب العربية والعالمية. وبعد قدم لنا مدير المعهد كتيبات ومنشورات صغيرة عن المعهد بعدة لغات حدثنا عن المكتبة قائلا: تضم مكتبة المعهد مجموعة من المؤلفات بعدة لغات خصوصا في المجالات المتعلقة بالفكر والأديان السماوية , كما تغطي تاريخ الشرق الاوسط والمنطقة العربية. وهناك أقسام خاصة بالعلوم والفلسفة والفنون والأدب. وقد استحوذت المكتبة على كم كبير من الإنتاج الأدبي لبلدان المنطقة .

أهمية المعهد ودوره في المجال البحثي

بعد تناول القهوة ، قدمت مجلة الفلق للمدير مجموعة من المؤلفات العمانية كهدية للمعهد مع دعوة للتعاون مع بعض المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي في السلطنة ثم دار معه الحوار الآتي:

ما هي أبرز الأنشطة العلمية والمشاريع البحثية التي يقوم بها المعهد؟

يقوم المعهد بمجموعة من الدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية ، ويشجع التعاون بين الحضارات والأفكار. كما يقوم المعهد أيضا بدراسات حول الأديان والفلسفة والسياسة والتاريخ والشؤون الاجتماعية والآداب واللغات وغيرها. وقد نشر المعهد مؤخرا مجلد باللغة الفرنسية عن الروايات العربية حول كتابة المصحف العثماني، وكتاب آخر حول الوثائق والمخطوطات العربية وهو كتاب موثق بالصور . ويعمل المعهد حاليا على انشاء مكتبة الكترونية ضخمة. ومن أهم المشاريع البحثية التي يقوم بها المعهد حاليا:

– المعرفة العقائدية من منظور تعددي : وهو مشروع بحثي بالتعاون مع جامع الأزهر في مصر . يشارك فيه علماء مسلمين ومسيحيين ومجموعة من المؤسسات المعنية بالعلوم الشرعية والدينية. وسيتم عقد أربعة مؤتمرات دولية لإنجازه . وهي ليست مؤتمرات حوارية في العقائد ، فالعقائد واضحة ، وإنما هو مشروع معرفي يبحث في المنهجيات والخلفيات والسياقات المعرفية للعقائد. وقد بحث المؤتمر الأول في العلاقة بين النص والعقيدة والتراث . وبحث المؤتمر الثاني في العلاقة بين الوحي والدين . والمعهد مستمر في هذا المشروع .

– الفكر الشيوعي بعد سقوط الشيوعية : وهو البحث في الفكر الشيوعي ومدى انتشاره في العالم بعد سقوط الشيوعية .

– الازدهار المدني في مدينة حلب السورية : وهي دراسة مبنية على الوثائق العثمانية وتبحث في التغيرات التي حدثت بالمدينة في سياق التاريخ العالمي والمقارنة بينها وبين بعض المدن الايطالية.

– محاولة الكتابة في تاريخ بعلبك: وهو مشروع للبحث في تاريخ بعلبك اللبنانية في سياق من التعدد في الفنون والهندسة والتاريخ المكتوب دون التدخل في المواضيع ذات الحساسية بالمنطقة وخصوصا الطائفية.

ما هي المؤسسات التي تتعاونون معها؟

يتعاون المعهد مع مؤسسات أكاديمية وبحثية عالمية ، كما يتعاون مع المؤسسات المعنية بالبحث والمعرفة في المنطقة . وأيضا يتعاون المعهد مع بعض الباحثين الافراد ويمول بعض المشاريع البحثية والرسائل العلمية. ويشجع كذلك تكوين فرق عمل تقوم بمشاريع ذات استمرارية وتعاون بين العلوم والفنون المختلفة. كما أنه يوفر بعض المنح البحثية للدكتوراه و ما بعد الدكتوراه.

هل للمعهد نشاط بحثي في الجانب السياسي؟

توجد فكرة للقيام بمشروع بحثي تحت عنوان ( موسوعة الفكر السياسي العربي) . نحتاج إلى صورة عن تراث الفكر العربي في بعض الدول وخصوصا ما يتعلق بالجانب السياسي. أغلب الابحاث العالمية تركز على الفكر السياسي الأوربي مع غياب شبه كامل للدراسات في الفكر السياسي العربي. كما أن شيوخ وقادة الاصلاح في الوطن العربي غفلوا عن العصر الوسيط ولجئوا إلى العصور المتأخرة ولذلك فقد جاءت الأفكار السياسية قريبة للسلفية . نحتاج إلى مصادر في الفكر السياسي العربي بجميع فئاته ، كما نحتاج إلى بعض المراجع في الفكر السياسي الأباضي في عمان.

هل كان للمعهد دور في الأحداث السياسية التي مر بها لبنان؟

إنّ الخصوصيات التي نشأت عليها الفئات الاجتماعية المختلفة في لبنان، والتنوع اللغوي والثقافي الذي يصوغ الحياة فيه، يدفع المعهد لأن يسعى دائمًا إلى الحوار وترسيخ الروابط مع جميع مكونات المجتمع اللبناني. وقد أقام المعهد منذ البداية شبكة من العلاقات الوثيقة مع المؤسسات العلمية داخل لبنان وخارجه . هذه العلاقات واجهت صعوبات جَمَة، وخاصة بعد اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية . هذه الظروف المستجدة اضطرت بعض الباحثين الالمان للهجرة إلى إسطنبول عام 1988 ولكن المعهد لم يغلق أبوابه يوما في بيروت منذ العام 1965م والى يومنا هذا . ومرت الحرب دون أن يصاب مبنى المعهد بأية أضرار، وذلك برغم قربه من خطوط التماس بين المتقاتلين . لكن المعهد لم يتدخل أطلاقا في الشأن السياسي اللبناني ولن نتدخل مستقبلا وذلك ضامنا للاستمرار.

كيف تنظرون إلى أحداث ما يمسى بالربيع العربي؟

أن المحرك الرئيسي للأحداث في المنطقة العربية هي التغيرات الثقافية والاجتماعية في المجتمعات العربية. هذه التغيرات حدثت قبل ثورات الربيع العربي وهي مستمرة وسوف تستمر . المعهد لا يتبنى موقف سياسي محدد ولا ينبغي أن يكون له أي توجه سياسي ولكننا نبحث في المتغيرات التي حركت الثورة في المنطقة. أن المعهد بصدد القيام بمجموعة من ورش العمل حول التغيرات التي حدثت والأسباب التي حركت الثورة والشعارات التي صاحبتها . أيضا هناك الكثير من الأدوات التي حركت الثورات العربية والتي يأتي في مقدمتها الاعلام الالكتروني ، وسائل الاعلام بأنواعها ، الفنون ، الموسيقى  … الخ . يجب البحث في المعنى الأدبي الذي تحمله كلمة “أرحل” . وبمعنى آخر فأن المعهد يحاول أن يلفت النظر إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية والأدوات المسببة لأحداث الربيع العربي ويبتعد عن التدخل السياسية.

وبعد ختام الحديث مع مدير المعهد ، قام فريق مجلة الفلق بجولة في أروقة المعهد والحدائق المحيطة به . وبعد أخذ مجموعة من الصور التذكارية غادر الفريق المعهد على أمل اللقاء بالاستاذ الدكتور/ ستفان ليدر مدير المعهد في رحاب مدينة مسقط.

السادس والعشرون ثقافة وفكر

عن الكاتب

خليفة سليمان

كاتب وأديب عماني