ليبيا في ما بعد الانتخابات

كل من تابع أحداث الثورة الليبية يتذكر تلك الفتاة التي كانت تصرخ وهي ترى هجوم ذوي القبعات الصفر على شوارع بنغازي وتقول ” يبو يحرقونا ” . صرخاتها التي طالما تكررت على وسائل الإعلام المرئي .

كل من تابع أحداث الثورة الليبية يتذكر خروج سيف الإسلام القذافي على الليبيين يرفع إصبعه مهددا إياهم بالخراب والتدمير والتشرذم والحرب الأهلية وبالويل والثبور وعظائم الأمور .

كل هذا أصبح تاريخا , وها هي تلك الفتاة الليبية التي كانت تستنجد خوفا من ذوي القبعات الصفر , ووجلا مما كان يهدد به ابن القذافي , الذي لم يكن له أي منصب رسمي في الدولة أو الحكومة ,

هاهي تغمس أصبعها في حبر الانتخابات الليبية , تختار من يمثلها في المؤتمر الوطني , وها هي تضع إصبعها على انف ابن القذافي الذي كان يهددها وأهلها وأبناء شعبها , ولسان حالها يقول ” هذا إصبعي محنى بحبر الحرية , فأين إصبعك الذي كنت تهددنا به ” . قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

فهنيئا لشعب ليبيا ما حققوه بهذه الانتخابات التي شهد بنزاهتها العالم كله , بدأ من مراقبي الأمم المتحدة ومراقبي المجتمع المدني الخارجية ومنظمات المجتمع المدني الليبية , ووسائل الإعلام .

ولكن أود أن أتكلم عن ما بعد الانتخابات . أما وقد وضعت حرب الانتخابات و التجاذبات أوزارها , أما وقد بانت النهاية الموعودة للمجلس الانتقالي بكل حسناته الكبيرة والعظيمة , وأولها قيادة تحرير ليبيا , وبكل سيئاته الواضحة من ضعف أداء بعد التحرير , وتدخله في الحكومة التنفيذية , واتهامات هنا وهناك .

أما وقد اقتربت النهاية لحكومة السيد عبدالرحيم الكيب , بكل حسناتها , وبكل الانتقادات الموجهة لها .

أما وقد انتهى وقت التنادي ولو مؤقتا بكل التوجهات والأيدلوجيات , من فيدرالية ومركزية وإسلامية وعلمانية .

أتمنى أن يعطي إخواني في ليبيا الفرصة للمجلس المنتخب , بكل ما صاحب عملية الانتخابات من أفراح وأحزان , ومن حرمان بعض الأخوة الليبيين من التصويت سواء المقيمون في الخارج والداخل ,

أقول حان الوقت أن نترك كل ما كان ,

ليأخذ المجلس المنتخب فرصته في قيادة الوطن إلى بر الآمان . وبناء الدولة ,ووضع الدستور . فهذا وقت ليبيا ككل , وليس منطقة أو أيدلوجية.

ليستعد كل من له شعار ينادي به من الآن للجولات القادمة من المعارك الديمقراطية , فمثلا الفيدراليون ليستعدوا من الآن بعمل حزب سياسي , وليكن اسمه ” الحزب الفيدرالي الليبي ” ,

ومن يطلب أن تكون لكل منطقة برلمان خاص بها , ليستعدوا من الآن بعمل حزب وليكن أسمه ” الحزب البرلماني الليبي ” , وهلم جرا . فبعد أشهر قليلة ستكون هنالك انتخابات .

ولكن رجاءا , رجاءا , لا الوقت مناسب الآن , ولا الظرف مناسب الآن إلا لهدف واحد , ليبيا دولة واحدة وليست موحدة , وجيش ليبي قوي , وأمن ليبي قوي , ودستور ليبي ينقل ليبيا إلى مصاف عظام الدول , ويفعّل القانون والقضاء , فليبيا تستحق , وشعبها يستحق . استحقت هذا ودفعت ضريبته .

دم الليبي حرام على أي ليبي إلا بحقه , وحق الليبي حرام على أي ليبي إلا بحقه ,

يجب أن يرضى الجميع بنتائج الصناديق , سواء صوت أم لم يصوت . سواء كان معها أم ضدها , سواء غمس أصبعه أم لم يغمس أصبعه في الحبر الانتخابي .

تعلمون “إخواني في ليبيا إني أقولها بصدق, وبحب لكم جميعا , وتعلمون أني (ولله الحمد والمنة ) لم أقل كلمة إلا وأثبتت الأيام مصداقيته ,

واليوم أقول لكم , كل من يفتعل صراعات , ويعرقل مسيرة الدولة فهو عدو لنفسه أولا ولليبيا ثانيا . فلا تكن عدوا لنفسك أو وطنك ,

وقد بدأت من الآن حملات تقول أن نتائج الانتخابات ستزور لصالح هذا أو ذاك , وان السيد / نوري العيار أن تكون المفوضية العليا للانتخابات هي مصدر النتائج , على أنها محاولة للتزوير , بينما هذه هي الحقيقة في العالم كله , فالنتائج النهائية والصحيحة يكون مصدرها القائمون على الانتخابات

اعلم والله أن من يقول هذا لا يقصد مصلحة ليبيا , ولا يهمه إن خرجت ليبيا من عنق الزجاجة  أم لا

أو , هنالك استحالة  لتزوير أوراق الانتخابات , فالفرز تحت رقابة محلية ودولية صارمة , وأي تزوير في هذه المرحلة فهو محال . ولا يقبله عقل .

فلماذا ينادي هؤلاء بالتزوير إذن ؟

هي استعداد للمرحلة القادمة , فعندما يفوز هذا الحزب , سيلبسون مسوح الحزب أو الأحزاب الأخرى ويتنادون ويصرخون ويؤججون الناس , أن الانتخابات مزورة , وأن صوت الشعب لم يصل , لا يهم من يفوز , ولا من يخسر , فهم دائما يصرخون بصوت الخاسر ,

هي محاولة لتأزيم  الأوضاع الداخلية , وزرع الفتنه , ولا بأس من إراقة بعض الدماء .

أي , وأكررها ” أي ” شخص يتكلم الآن عن تزوير الانتخابات فهو مجرم بحق ليبيا , لأنه يطلق إشاعات كاذبة , ويفترض افتراضات تخالف الواقع , بل ولا يمكن أن تتحقق بأي حال من الأحوال , فالرقابة الشعبية والمدنية والدولية على عمليات الفرز قائمة , فكيف تكون ؟

اتقوا الله في وطنكم , اتقوا الله في شهدائكم , اتقوا الله في أنفسكم , كفى , كفى , الشعب الليبي قدم أروع الصور , فلا تشوهوها .

السابع والعشرون سياسة

عن الكاتب

صالح بن عبدالله السليمان

http://salehalsulaiman.com