من الأسباب التي جعلت إسرائيل تتفوق على الأمة العربية – طبعا ضمن أسباب أخرى كثيرة – هو علمها بدقة بكل صغيرة وكبيرة مما يدور داخل الكواليس العربية وعلى مستوى القيادات، ومن ذلك مثلا حضورها الرسمي للقمم العربية سواء بممثليها الغير معلنين أو بحضورها عبر أجهزة التسجيل، ودائما عندما يعلم عنك عدوك كل التفاصيل فهذا يعطيه قوة السيطرة عليك لأنه يعرف تفكيرك ويعرف أيضا خططك وخطواتك، واختراق ُ الأمة العربية من قبل إسرائيل يمكن أن نفهم دواعيه، ولكن السؤال المحيّر هو لماذا يلجأ العرب إلى الخيانة وإلى نقل المعلومات إلى إسرائيل ومن أشخاص معتبرين ومقربين من سلطة اتخاذ القرار أو حتى من بعض الزعماء كما أشير ونشر في الصحافة العالمية؟
لم يعد سرا أن إسرائيل كانت حاضرة في القمم العربية وسجلت كل شيء بالتفصيل، ولم يعد سرا أن إسرائيل كانت على علم بموعد حرب أكتوبر وبالتنسيق المصري السوري في ذلك، ولم يعد سرا أن عملاء إسرائيل هم الذين زودوا إسرائيل بتحركات القيادات الفلسطينية الكبيرة وقيادات حماس في الضفة الغربية قبل أن تغتالهم، إذ أن التفاصيل كاملة عن ذلك منشورة عبر فيلم وثائقي من إنتاج وزارة الداخلية الفلسطينية تم عرضه يوم 28/6/2012 به اعترافات خطيرة عن كيفية تعامل هؤلاء الجواسيس مع إسرائيل وكيف ابُتزوا وقدموا معلومات عن المقاومة، وكيف شاركوا في اغتيال شخصيات مُقاوِمة ووطنِية، وما بثوه من شائعات وروجوه من فتن لزعزعة استقرار المجتمع بالتنسيق الكامل مع المخابرات الإسرائيلية، ثم تحدث آخرون عن الإهمال الذي لقوه بعد أن خانوا وطنهم وأهليهم، وهو مصير أي خائن في التاريخ
والجديد في هذا الإطار هو ما قاله موقع أمني فلسطيني من أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” أعد خطة لاختراق قصر الرئاسة المصرية،
وحسب موقع “المجد” التابع لاستخبارات “حماس” فإن خطة التجسس على الرئيس مرسي جاءت تحت مسمى عبري يعني “عملية الهلال الأخضر 2012″، وتشمل أيضا التجسس على فريق عمله السياسي بجانب البحث والعمل على تجنيد شخصية مصرية ذات ثقل، تكون قريبة من الرئيس لنقل المعلومات التي لا يمكن أن ترصدها أجهزة التنصت أو التجسس الحديثة.
وتهدف الخطة إلى البحث عن نقاط ضعف أو ثغرات في القصر الجمهوري المصري لاختراقه من خلال استخدام تكنولوجيا التنصت المتطورة على محادثات الرئيس المحلية والدولية لتصل الخطة إلى ذروتها “بوضع الرئيس تحت منظار التجسس 24 ساعة في اليوم”.
وهذه نقطة هامة جدا يجب أن تنتبه إليها القيادة المصرية، لأن اختراق مصر من قبل إسرائيل ليس جديدا بل إنه حدث منذ فترة طويلة وكانت مصر وإسرائيل في حالة حرب وعداوة، فكيف الآن وقد انتفحت مصر كلها لإسرائيل وأصبحت مستباحة؟!.
لقد كان الاختراق الإسرائيلي الكبير والمعلن ضد مصر عبر شخصية هامة هو “أشرف مروان” صهر الزعيم جمال عبد الناصر، ومدير مكتب الرئيس السادات للمعلومات ثم وزيرا لشؤون مكتب الرئاسة الذي دارت حوله الكثير من الأقاويل والتهم، ولكن الحقيقة ظلت غائبة لأن الرئيس حسني مبارك دافع عنه ووصفه بإنه رجل وطني، إلا أن شهادة مبارك تبقى مجروحة بل هي أقرب إلى الاتهام لأن “بنيامين بن اليعازر” وصف حسني مبارك نفسه بأنه “كنز استراتيجي لإسرائيل” وهذا الوصف بحد ذاته هو تهمة، إلا أن الأستاذ هيكل كشف الغطاء عن هذه الشخصية في كتابه الأخير “مبارك وزمانه – من المنصة إلى الميدان” إذ أنه ذكر التفاصيل الدقيقة التي تؤكد أن مروان كان عميلا لإسرائيل وزودها بمعلومات دقيقة عن حرب أكتوبر، وعندما تواجه الإثنان ( هيكل ومروان ) في العاصمة البريطانية دار نقاش بينهما على أن يستكمل فيما بعد عندما واجهه هيكل ببعض شكوكه ومعلوماته المؤكدة، إلا أن مروان وعده بلقاء آخر ثم تهرب منه ولم يستطع أن يدافع عن نفسه، وهناك نقطة كبيرة ذكرها هيكل في ذلك الكتاب، وهي إشارة لها مغزاها ولا يمكن أن يثبتها هيكل في كتابه إلا إذا كان يقصد من ورائها شيئا، حيث أشار أنه قال لأشرف مروان: “أنت لم تأت إلى القاهرة طوال هذه السنة والنصف، ولا أعرف إذا كنت ممنوعا من المجىء لها بطلب من الرئيس مبارك الذي نصحك بالسفر منها أثناء لقائك معه فى ضريح الرئيس عبد الناصر”، فكان رد فعل مروان هو الانفعال نافيا أن يكون قد ترك القاهرة بطلب منهم كما يشيعون لأن الرئيس مبارك لا يستطيع ذلك! وعندما سأل هيكل لماذا لا يستطيع، ألا يملك سلطة ؟! إلا أن مروان رد بحدة: “هو لا يملك أي سلطة، إنني أستطيع تدميره وتدمير غيره معه”، وذكر اسم اللواء عمر سليمان.
وبالسياق نفسه يمكن الإشارة إلى أن الوثائق التي نشرت في أمريكا اتهمت بعض القيادات العربية علنا بأن هناك من هو عميل للمخابرات الأمريكية وكان يتقاضى راتبا شهريا على مدى أكثر من 20 عاما، هي أصعب الفترات على الأمة خاض فيها العرب حروب 56، و67 ، و73 ، كما أن هناك عاهلا عربيا آخر كان يسجل جلسات القمم العربية على حساب الموساد، مما يعني بأن العدو كان يعرف كل ما تفكر فيه الأمة، وفي حالة كهذه فلا غرابة أبدا من الهزائم الثقيلة التي مُني بها العرب سواء عسكريا أو في مجالات الحياة كلها، ويبقى أن أقول إن الحقيقة الكاملة في يد التاريخ ولن تطول الأيام حتى تظهر الحقائق
والآن هناك قضية مثارة عبر وسائل الإعلام وهي قضية تسميم الرئيس ياسر عرفات، وهذه لم تكن بعيدة عن الأذهان وقد سبق وأن طرحت فورا ودم الرئيس عرفات لا يزال ساخنا لم يتخثر، وقد قيل الكثير عن طريقة قتله، وذهبت كل الاتهامات إلى إسرائيل وهي بالفعل صاحبة المصلحة في ذلك بعدما رفض الرئيس عرفات التنازل عن القدس وحق العودة بعد مفاوضات مضنية في منتجع كامب ديفيد المشؤوم، وهي المفاوضات التي أعادت ياسر عرفات إلى شخصيته الثورية الحقيقية بعد أن تصالح مع نفسه ومسح سيئات ذهابه إلى أوسلو، ولكن قبل أن نتهم إسرائيل – وهي المجرمة حقا وفعلا – أليس من العدل أن نسأل كيف وصلت إسرائيل إلى الرئيس عرفات وهو المحاصَر بين جدران مهدمة بلا كهرباء ولا ماء وهو الذي تخلى عنه الزعماء العرب والعالم كله؟!
لقد وصلت إسرائيل إلى أبو عمار عن طريق فلسطينيين مقربين إليه مما يعني أن اللوم قبل أن يقع على إسرائيل يجب أن يقع على الفلسطينيين وأن يكون التحقيق مع كل الطاقم المقرب من عرفات، وإلا ما الفائدة من استخراج جثة الرئيس من قبره، وهل إذا ثبت أنه مسموم هل سينتقم الفلسطينيون أو العرب أو العالم من إسرائيل؟! لقد قتلت إسرائيل على مدى تاريخها كله الشعب الفلسطيني وقتلت كل القيادات الفلسطينية وبأسلوب مباشر والعالمُ كله يعلم ويشاهد ذلك، فهل هناك من حاسب إسرائيل أو يجرؤ على ذلك؟!
ولإسرائيل مبرراتها بأن تزرع الجواسيس في كل مكان، ولكن ماذا لو حدث ذلك من دولة عربية شقيقة لجارتها؟ وما هي المبررات التي تجعل أناسا منعّمين ولهم مكانتهم أن يخونوا الأوطان ويبيعوا ضمائرهم؟ وهل الشخصية العربية قائمة على الغدر والخيانة بمجرد أن تلوح في الأفق بادرة؟ الإجابة تحتاج إلى مختصين في علم الاجتماع!
ملاحظة: ينشر بالتزامن مع جريدة الرؤية.