قراءة في نصوص غزوة بدر …… والروايات المفارقة للنص

 القرآن الكريم ذو وحدة واحدة يخبر بالحقائق بكل مصداقية، ويترك للإنسانية إعمال عقلها، لتتدبر آياته، ولتستفيد من معانيه وكلماته، من هنا اختلفت وجهات المفسرين في تأويل بعض الآيات الكريمة، ومن ذلك الآيات التي تحدثت عن غزوة بدر وهي أول غزوة قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة المشركين في 17 من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وقد نصر الله نبيه وأصحابه نصراً مؤزراً.

التصوير القرآني

قدم النص القرآني رؤية كلية لغزوة بدر، فمن الآيات التي تحدثت عن غزوة بدر قول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} آل عمران:123، وقوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ۝ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ۝ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الأنفال:9-13.

فهذه الآيات من سورة الأنفال تخبر بأن المؤمنين يستغيثون ربهم، فأغاثهم ربهم بأن مدهم بألف من الملائكة مردفين، وهذا الإمداد ما هو إلا تبشيراً لهم وطمأنينة لقلوبهم،{وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} الأنفال:10.

ومن أنواع الإغاثة الربانية أن يُغشّهم النعاس أمنة من الله، وذلك ليزيل عنهم الخوف قبل الزحف، ومعلوم أن الإنسان الذي يتوقع صبيحة ليلته أمراً عظيماً وهولاً كبيراً سيتجافى جنبه عن مضجعه ويبيت ليلته مهموماً مفكراً، وسيصاب بالأرق والسهاد، مما يؤثر على جسده في وقت الصباح بالإرهاق والخمول والضعف والإكلال، فمن نعم الله عليهم وفضله أن أصابهم النعاس في ليلة الغزوة، لكونه ضرباً من الذهول والغفلة عن الخطر، وراحة للجسم وليصبحوا على نشاط وهمة للقاء عدوهم.

وأخبر عن النعاس ولم يخبر عن النوم، في قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} الأنفال:11 ليصور لنا القرآن الأمر واقعياً بمعنى لا يخرج عن سنن الله الفطرية، وذلك لأنهم كانوا في حالة خوف لكثرة عدد وعدة عدوهم، والخائف لا يأتيه النوم، ولكنه قد ينعس، والنعاس هو السِّنَة من غير نوم([1])، أي أول النوم، وفي الوقت ذاته ليأخذوا حذرهم لأنه قد يباغتهم العدو ويداهمهم فجأة، فمن الطبيعي أن يكونوا في حالة النعاس التي أنزلها الله عليهم.

ثم أنزل الله عليهم الماء من السماء، فقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} الأنفال:11، وعللت الآية أسباب نزول الماء وهي أربعة أسباب:

الأول: ليطهرهم به، وذلك يكون بالوضوء والاغتسال، وهم من بعد النعاس سيستقبلون صلاة الفجر.

الثاني: ليذهب عنهم رجز الشيطان، والرجز هو الشيء المستقذر، فهنا يُذهب عنهم القذارة من النجاسة، لكون القذارة ليست من الإيمان فسماها رجز الشيطان، وليذهب عنهم وسوسة الشيطان التي تخالج النفس البشرية في مثل هذه المواقف الصعبة، والطهارة بالماء تجدد النشاط وتذهب الوسوسة.

الثالث: ليربط على قلوبهم، وهو تعبير عن التثبيت والتوطين على الصبر والتحمل، والربط على القلوب عامل نفسي إيجابي، ليستحضر المسلم ذهنياً بأن الله معه، فيدخل ساحة المعركة بكل حيوية وعزيمة، قال عزّ وجل: { إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال:46.

الرابع: ليثبت به الأقدام، فالأرض كانت دهساً أو رملاً ليناً، تسيخ فيها الأقدام ولا تثبت عليها، فبالمطر تتماسك الأرض وتتلبد، وهم قد يقاتل بعضهم فارساً لا راجلاً، مما يدخل في القلب الخوف والقلق والاضطراب، فكان نزول الماء ربطاً لقلوبهم من الخوف والفزع، وهو على حد التعبير القرآني في قول الله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} القصص:10.

 وقد يكون المفهوم من تثبيت الأقدام تثبيتها في ميدان القتال لئلا يفروا من الميدان، وأن الله ثبتهم في القتال بسبب ما منحهم من الربط على القلوب، وحينها يكون الضمير في “به” يعود على الربط على القلوب.

ثم يخبر جلّ وعلا بأن دور الملائكة هو تثبيت الذين آمنوا،{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الأنفال:12، وبأن الله سيلقي الرعب في قلوب الكافرين، وأما دور المؤمنين المجاهدين في المعركة فهو القتال بالضرب فوق الأعناق والضرب فوق البنان، والمعية هنا هي صورة من صور تبشير الملائكة للمؤمنين واطمئنان قلوبهم، أي أن الله معكم إن اتخذتم الأسباب في القتال، من قبيل الضرب فوق الأعناق وضرب كل بنان، يقول اطفيش: (أي يوحي ربك إلى الملائكة ثبوته معكم)([2])، وبذلك تكون هذه المعية هي معية الإعانة، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال:46، والقتال بحاجة إلى صبر وشدة بأس وقوة، ومن صور هذه المعية إلقاء الرعب في قلوب الكافرين،{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} الأنفال:12، وجاء الأمر من الله للمجاهدين بالضرب لأنها أول غزوة تقع لهم، وبما أنهم يحاربون الرسول والمؤمنين فهذه مشاقة لله ولرسوله، ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب، ولذا فهم يستحقون القتال منكم أيها المجاهدون بالضرب فوق الأعناق وضرب كل بنان، والخطاب في قوله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال:12، موجه إلى المؤمنين، خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرأي عزاه محمد رشيد رضا إلى المحققين الذين جزموا بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر تبعاً لما قبله من الآيات([3])، وذهب آخرون إلى أن هذا الخطاب مما أوحى الله به إلى الملائكة([4])، وحينها يفهم منه أن الله أمرهم بأن يلقوا هذا المعنى في قلوب المؤمنين بالإلهام([5])، من هنا يتضح من ذلك عدم وجود دليل على مقاتلة الملائكة في غزوة بدر، يقول اطفيش: (ولا دليل في ذلك على أن الملائكة قاتلوا يوم بدر… فيكون الضاربون المؤمنون لا الملائكة)([6])، وبذا يفهم من الرأيين أن الله أمر المؤمنين بضرب الأعناق والبنان، وهو ما أوضحته الآية.

وفي قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الأنفال:13، تعليل لمقاتلة المشركين في الحرب بالشدة وبالضرب فوق الأعناق وضرب كل بنان، وذلك لكونهم شاقوا الله ورسوله، أما في غير القتال والحرب فلا تكون المعاملة إلا بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، قال الله عزّ وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل:125 .

وفعلاً تحقق النصر بمشيئة الله، بعدما اتخذ المسلمون أسباب النصر لهذه الغزوة، وهي أسباب كما يلاحظ لا تخرج عن سنن الله الكونية، فالدعاء والاستغاثة هي متطلبات المحتاج إلى معونة من هو أقوى منه، والنعاس والخوف والاضطراب هي أيضاً طبيعة بشرية، ونزول الماء من السماء لتلك الأسباب هي استجابة للدعاء وقد قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر:60، وتحققت الاستجابة للدعاء والاستغاثة دون الخروج عن سنن الله تعالى المضطردة التي لا تتغير ولا تتبدل، والإمداد بالملائكة أيضاً لم يخرج عن ذلك، فقد كانت مهمتهم تثبيت الذين آمنوا لا القتال معهم كما ادعت الروايات، أما كيفية هذا التثبيت لم يخبر الله به، ولا يمكن وضع احتمالات في ذلك لكون عمل الملائكة أمراً غيبياً، والأمور الغيبية لا يحكم عليها بالظنون والاحتمالات والأوهام، وإنما بالنص القطعي ولا نص قطعي يخبر عن كيفية هذا التثبيت، وإلقاء الرعب في قلوب المشركين أمر يلقيه الله على من يشاء، ولم يخبر النص بكيفية هذا الإلقاء، بيد أن بعض الإشارات قد يستفاد منها كيفية إلقاء الرعب دون جزم، فوقوع الخوف والقلق قبل المعركة على المؤمنين ومن بعد تثبيت الله لهم بإزالة الخوف بالنعاس ونزول الماء، لا يخرج عن مألوف سنن الله، فكذلك في الجانب الآخر في إلقاء الرعب في قلوب الكافرين، لا يخرج عن فطرة الله الكونية، فقد يكون تكتيك المسلمين للحرب وقوة بأسهم وقتالهم بحيوية ونشاط دون تعب وإرهاق وضربهم فوق الأعناق وضربهم كل بنان سبباً في إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا، وأمر الله المجاهدين بالضرب فوق الأعناق وكل بنان أيضاً لا يخرج من مستلزمات الحرب للفوز، وليس الأمر بالضرب موجهاً للملائكة، وقد جاء الأمر هنا بالضرب في الحرب لأن من تعاليم الدين الإسلامي الرحمة والرأفة والعفو، غير أن هذه أول غزوة يخوضها المسلمون فيأمرهم الله بأن يضربوا بشدة فوق الأعناق ولا رحمة في ذلك ولا رأفة لأنها غزوة وقتال، فإذا لم يقتلوهم فسوف يقتلهم الكفار، وكل ذلك ينسجم انسجاماً تاماً مع الطبيعة البشرية في التعامل مع الحياة عامة، وثمة الغزوة وما وقع فيها من بدايتها إلى نهايتها هي بمعية الله تعالى مع المؤمنين المجاهدين لكونهم اتخذوا الأسباب في ذلك، فمن  خلال كل ذلك أتى نصر الله، قال الله عزّ وجل: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} آل عمران:123، وقد أشار زكريا المحرمي([7]) إلى أخذ المسلمين بأسباب النصر في غزوة بدر، وعدم أخذهم الأسباب في غزوة أحد فكانت النتيجة النصر في غزوة بدر والهزيمة في غزوة أحد، ليربيهم الله على الأخذ بالأسباب، لكون الأخذ بالأسباب سنة كونية وقانوني إلهي لا يمكن اختراقه.

التصوير الروائي

 ذلك هو التصوير القرآني لغزوة بدر، غير أن كتب الرواية والسير والتفسير والتاريخ قدمت تصويراً آخر، تصويراً ذا صبغة خارقة عجيبة، تختلف عن الرؤية القرآنية الآنفة وتوقع القاريء لأحداث الغزوة في ملابسات لم يأت بها النص الإلهي، وقد أرجعها منصف الجزار([8]) إلى ثلاثة أسباب:

1- السياق ذي الصبغة المقدسة.

2- السياق العام الذي تتنزل فيه أخبار الحروب كما روتها الثقافات منذ غابر الأزمنة.

3- أخبار المأثورات الجاهلية المتواترة عن أيام العرب وما أحاط بها من أخبار جمعت بين الواقع واللاواقع.

ولعل من ضمن الأسباب الطبيعة البشرية التي تعشق الأمور الخارقة للعادة، خاصة فيما يتعلق بالقيم والحروب والقتال، إذ يريد الإنسان أن يتحقق لبطله أموراً خارقة للعادة ليصوره بأنه تستحيل مغالبته وهزمه، ويلبس عليه ثوب القداسة والتبجيل، ففي السابق يقص الآباء لأبنائهم قصص الأبطال والشجعان مع إلباس تلك القصص ثوب القداسة والآيات الخارقة، وفي الزمن الراهن عبر الفكر البشري عن ذلك عن طريق الأفلام والمسلسلات، ليشبع نفسه وخياله بهذه العجائب التي لا يقبلها المنطق السليم.

من هنا لابد من الوقوف مع بعض الروايات المفارقة للنص القرآني والتي تصوّر غزوة بدر بقصة عجيبة وتُلبس الصحابة ثوب القداسة، ولذا فهي روايات تتطلب من العلماء والباحثين الدارسة والفحص والتمحيص، لأن ضررها أكبر من نفعها على فكر الأمة، هذا إن قبل أن فيها منفعة، وإلا فهي لا تناغم فيها ولا انسجام مع القرآن الكريم ودلالاته ولا مع العقل ومسلماته، ومن هذه الروايات المتعلقة بقتال الملائكة يوم بدر:

1-  روي من طريق ابن عباس قال: (بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتدُّ في إِثره رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم؛ إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفه، وشُقَّ وجهه، كضربة السوط فاخضرَّ ذلك الموضع أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، ذلك مدد من السماء الثالثة)([9]).

2- عن بن عباس قال: (كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب أبو اليسر بن عمرو، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: كيف أسرته يا أبا اليسر؟ قال: لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل هيئته كذا هيئته كذا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم)([10]).

3- عن أبي أُسيد مالك بن ربيعة، وكان شهد بدراً، قال بعد أن ذهب بصره: (لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشِّعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك فيه ولا أتمارى)([11]).

4- قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن علي بن أبي طالب قال: (العمائم تيجان العرب، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرْخَوها على ظهورهم، إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء)([12]).

5- عن ابن عباس قال: (ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى بدر من الأيام، وكانوا فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون)([13]).

وعلى كل حال هناك مجموعة من الروايات جاءت في نفس السياق لا داعي لذكرها فيُضرب عنها صفحاً، لكونها لا تخرج عن الفكرة التي تصور مشاركة الملائكة في القتال يوم بدر، ومن الملاحظ أن هذه الروايات في عمومها حققت نجحاً في رسم صورة متخيلة عن الملائكة في غزوة بدر ما أنزل الله بها من سلطان، وأبعدت بذلك العقول عن تدبر كتاب الله تعالى وفق سنن الحياة، وتلك الروايات لا يمكن التسليم لها بالصحة والقبول، وذلك لعدة أسباب منها:

1- أنها روايات معارضة للنص القرآني الصريح في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ۝ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} العنكبوت:50-51، فالآيات الخارقة للعادة (المعجزات) كانت زمن الأنبياء السابقين كما حكى القرآن ذلك، ولكن في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم منعت مع مطالبات المشركين بذلك، يقول الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ) الإسراء:59، وإنما النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث مبشراً ومنذراً ومبلغاً وداعية، قال الله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} الإسراء:105.

 2- هذه الروايات أيضاً معارضة لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ۝ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا ۝ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا ۝ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ۝ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولاً ۝ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولاً ۝ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً ۝ قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الإسراء:89-96، فالآيات هنا تتحدث عن هذا القرآن إذ صرّف الله فيه للناس من كل مثل، غير أنه أبى أكثر الناس وطلبوا آيات خارقة للعادة، وعددت سورة الإسراء أمثلة من مطالب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم بالآيات الخارقة، ومن بينها أن يأتي بالله والملائكة قبيلاً، وإذا كانت الآيات تأمر الرسول أن يقول لهم  {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً ۝ قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} الإسراء:95-96، فهو جواب لمن يطالب بنزول الملائكة، وفي الوقت ذاته الملائكة لو أرادت أن تقاتل فلا تقاتل إلا ملائكة مثلها، وقد عصم الله الملائكة من المعصية ويفعلون ما يؤمرون.

3- وهي أيضاً معارضة لقول الله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ۝ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۝ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} الحجر:6-8، فالمفهوم من الآيتين بأن الملائكة لا تنزل إلا بوحي الشرائع، ولا حكمة في مشاهدتهم عياناً([14]) لا على صورهم الحقيقية ولا على صور البشر([15])، اللهم إلا ما نص عليه القرآن الكريم، للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما كانوا إذاً مؤخرين في الهلاك والعذاب([16])، بينما المشركون لم يهلكوا كلهم يوم بدر ولا معظمهم.

4- الملائكة مخلوقات غيبية، فلا يعلم عنها البشر شيئاً إلا عن طريق الوحي أي النص القرآني القطعي، يقول الله تعالى: {يَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} يونس:20، فكيف تصور الروايات الأحادية بأن المخلوقات الغيبية يراها البشر ويتحدثون عنها ويصفونها دون نص قطعي يخبر بذلك.

5- أنها معارضة لقول الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} الأنفال:9-10، والآية العاشرة صريحة في تبيين القصد من هذا الإمداد، وهو إمداد للبشارة والاطمئنان، إذ لو كان إمداداً للقتال لبيّنه الله بنص قطعي لكونه من الغيبيات، قال اطفيش: (والآية دلت على أن الملائكة لم تقاتل)([17]).

6- أن بعض هذه الروايات من طريق ابن عباس ومن المعلوم بأن ابن عباس يومئذ كان صغيراً ولم يشهد بدراً.

7- لا يمكن إدعاء التواتر اللفظي أو المعنوي في هذه الروايات لكثرتها، وذلك لكونها مخالفة للنصوص القطعية، والمتواتر لا يخالف النص القرآني، وأيضاً لوقوع الخلاف بين الأمة في صحتها عموماً، وما وقع فيه الخلاف لا يقال بتواتره لوجود العلل التي تخرم نقله، ولم يفد بذلك علماً ضرورياً بذاته.

8- أن هذه الروايات أرادت أن تلبس الصحابة والغزوة هالة قدسية مباركة، بينما هي في الوقت ذاته أبعدت الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة عن الدراية التكتيكية بالحرب والحنكة بالفنون القتالية والقوة المجابهة للعدو، التي ينبغي أن يتصف بها المجاهد المؤمن، فهي حينما تصور دور الصحابة بأنهم لا يقتلون وإنما يرى الصحابي المشرك مستلقياً، فأي فضل؟ وأي دور للصحابة ولقوتهم في القتال؟ ويفهم من ذلك أن الصحابة ما كان لديهم حنكة ودراية بالقتال ونزول المعارك. وهذا أمر يسيء إلى الصحابة أكثر مما يرفع من شأنهم.

9- أن الروايات تذكر مشاركة الملائكة في القتال، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف هذه الملائكة التي عددها ألف لا تستطيع مقاتلة ألف من المشركين؟، فأي قوة يملكها هؤلاء المشركون حتى تكون النتيجة قتل 70 رجلاً من المشركين وأسر 70؟، يقول اطفيش: (والملك الواحد لو أمره الله لأهلكهم في أقل من ساعة)([18]).

 وينقل محمد رشيد رضا عن أبي بكر الأصم قوله: (وأنكر أبو بكر قتال الملائكة وقال: إن الملك الواحد يكفي في إهلاك أهل الأرض كما فعل جبريل بمدائن قوم لوط، فإذا حضر يوم بدر فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار، وبتقدير حضوره أي فائدة في إرسال سائر الملائكة)([19]).

10- نقل الرازي حجج أبي بكر الأصم في إنكاره قتال الملائكة، ويُختصر هنا على حجة واحدة لئلا يطيل كلام، فمما احتج به أبو بكر الأصم أن الملائكة إن كانوا أجساماً كثيفة وجب أن يراهم الكل، وإن كانوا أجساماً لطيفة هوائية فكيف ثبتوا على الخيول([20]).

واعترضه الرازي بأن هذا الإنكار إنما يليق بمن ينكر القرآن والنبوة، وأما من يؤمن بهما فلا يليق به شيء من هذه الكلمات([21])، والملاحظ أن اعتراض الرازي ينقصه البرهان، إذ كان ينبغي من الرازي أن يرد على كل حجج أبي بكر الأصم حجة حجة، ولو سُلم أن هذا الكلام صادر من رجل غير مسلم ألا ينبغي من الرازي أن يرد على حجج غير المسلم إن كان يريد أن يطعن في دين الإسلام! مع العلم بأن محمد رشيد رضا تعقب الرازي بعد اعتراضه على أبي بكر بقوله: (كان ينبغي أن يرد عليه بما يدفع هذه الحجج أو يبين لها مخرجاً، ليس في القرآن الكريم نص ناطق بأن الملائكة قاتلت بالفعل فيحتج به الرازي على أبي بكر الأصم)([22]).

وعلى كل حال حينما أردف الله المسلمين بالملائكة لا يستلزم ذلك بالضرورة مشاركتهم في القتال عملياً، وهو رأي مجموعة من المفسرين كما ذكر محمد رشيد رضا([23])، وذكر رشيد رضا أن روايات قتال الملائكة ضعيفة (لم يعبأ بها ابن جرير بشيء منها ولم يجعلها حقيقة أن تذكر ولو لترجيح غيرها عليها)([24]).

على أن محمد رشيد رضا ينقد هذه الروايات بقوله: (وما أدري أين يضع بعض العلماء عقولهم عندما يغترون ببعض الظواهر وبعض الروايات الغريبة التي يردها العقل، ولا يثبتها ما له قيمة من النقل… كفانا الله شرّ هذه الروايات الباطلة التي شوهت التفسير وقلبت الحقائق حتى أنها خالفت نص القرآن نفسه، فالله تعالى يقول في إمداد الملائكة: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} الأنفال:10، وهذه الروايات تقول بل جعلها مقاتلة وإن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر والمتعددة.

ألا إن في هذا من شأن تعظيم المشركين ورفع شأنهم وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم ما لا يصدر عن عاقل إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس ذكره الألوسي وغيره بغير سند ولم يحضر ابن عباس غزوة بدر لأنه كان صغيراً، فرواياته عنها حتى في الصحيح مرسلة وقد روى عن غير الصحابة حتى عن كعب الأحبار وأمثاله)([25]).

خطان رسما غزوة بدر

وبعد هذه القراءة يتبين أن أحداث غزوة بدر رُسمت بخطين:

 الأول: خط قرآني واضح، وهو خط لا توجد فيه دلالة مرجعية صريحة في مشاركة الملائكة الفعلية في القتال، بل رسم دور الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة في المشاركة الفعلية باتخاذ الأسباب فكتب الله لهم النصر.

الثاني: خط روائي غريب، وهو الخط الذي رسم مشاركة الملائكة الفعلية المادية في الغزوة وأنه لا وجه لإنكارها، فكتب الله لهم النصر بذلك.

وهذا الخط الروائي أثّر على خيال بعض المسلمين حتى الطبقة المثقفة، وهو خط فَرض قراءة لا تنسجم مع روح التشريع ولا مع السنن الإلهية، ومثل هذا الخط لم يتوقف مع غزوة بدر، بل صار مِن المسلمين مَن يرسمه في الكثير من المعارك والحروب حتى في العصر الحديث عبر القصص المخترعة، وذلك للتأثير النفسي الإيجابي ولإضفاء ثوب القداسة على المحاربين المسلمين حتى وإن وقعوا في الهزيمة، يقول منصف الجزار: (ولا شك أن هذا التوجه العام الغالب في التعامل مع أحداث بدر أملته عوامل أساسية نذكر منها دور المتلقي المؤمن في التعامل مع النصوص وتقبّلها خاصة إذا كانت تستجيب لرغبته، وهي في هذا المدار رغبة صريحة لنصرة الدين الجديد وإضفاء القداسة على الدعوة؛ كما اعتبر العلماء أن هذه الروايات المفارقة يمكن أن تسهم في ترقيق قلوب الكافة ولذلك لم تعارض الطبقة العالمة ترويج هذه الأخبار العجيبة حول بدر. لكن إذا كنا نتفهم الأسباب الظرفية القائمة وراء انتشار هذه الأخبار المفارقة فإننا لا يمكن أن نقبل أن تتحول هذه المواقف الظرفية إلى سلطة تفرض قراءة واحدة للأحداث دون غيرها، بل تميل أحياناً إلى تكفير كل من تحدثه نفسه بتقليب الأمر والخروج إلى مجال البحث والتمحيص)([26]).

لا داعي للإطالة في هذه الروايات ونقدها من خلال النص والواقع، ولكن ينبغي قراءة أحداث سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء النص القرآني، كما تقرأ قصص باقي الأنبياء، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيرته مدونة بخطوط عريضة في كتاب الله عزّ وجل، وذلك لكون الرسول صلى الله عليه وسلم جاء مبلغاً لما في كتاب الله فسيرته وسنته تعتبران ترجمة فعلية لما في القرآن الكريم، وما جاء فيهما من الروايات ينبغي قرأتها وفق السياق القرآني والانسجام الكوني، وبذا يستطيع القاريء أن يأخذ من الروايات في السيرة والسنة النبوية ما اتفق مع كتاب الله عزّ وجل والعقل الصريح، ويرفض ما خالف ذلك.



[1] ابن منظور، لسان العرب، مادة (نعس).

[2] محمد يوسف اطفيش، تيسير التفسير، ج4، ص317.

[3] محمد رشيد رشا، تفسير المنار، ج9، ص613.

[4] محمد يوسف اطفيش، تيسير التفسير، ج4، 318.

[5] المرجع السابق.

[6] المرجع السابق، ص317-318.

[7] زكريا المحرمي، قراءة في جدلية الرواية والدراية عند أهل الحديث، ص238.

[8] منصف الجزار، المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول، ص498.

[9] مسلم (4687).

[10] مسند أحمد بن حنبل.

[11] ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص633.

[12] المرجع السابق، ص633.

[13] المرجع السابق، ص634.

[14] الزمخشري، الكشاف، ج2، ص549.

[15] محمد يوسف اطفيش، تيسير التفسير، ج6، ص393.

[16] المرجع السابق.

[17] المرجع السابق، ج4، 313.

[18] المرجع السابق، ص313.

[19] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج4، ص113، في كلام أبي بكر الأصم نظر، لأن النص لم ينسب إهلاك مدائن قوم لوط إلى جبريل، وإنما نسبه إلى الله عزّ وجل، والنسبة إلى جبريل أو أي ملك آخر بحاجة إلى دليل قطعي، قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} هود:82، فلا يسلم بالشرط الذي وضعه أبوبكر الأصم، ويسلم بنتيجته، لكون الملائكة تفعل ما تؤمر، والظاهر أنه شرط يمكن قبوله لدى الأذهان التي تقبل هذا المتخيل الوهمي ووضعت لذلك روايات.

[20] الرازي، التفسير الكبير، ج8، ص186.

[21] المرجع السابق.

[22] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، 4، ص113.

[23] المرجع السابق، ص113.

[24] المرجع السابق، ج9، ص613.

[25] المرجع السابق، ج9، ص613-614.

[26] منصف الجزار، المخيال العربي، ص518.

السابع والعشرون ثقافة وفكر

عن الكاتب

أحمد بن مبارك النوفلي

كاتب عماني