حوادث السير في عمان؟
سؤال ملحاح…نافر.. هو صراخ الوجدان الأكبر في البلاد برمتها.
الدماء تسيل في الشوارع كل يوم …جريان يفيض عن الحدود..ذاكرة مضرجة بالدماء…حرب ضروس في جميع الساحات الهانئة بسكونها الذي لايلبث وأن يخدش على حين غرة ..شوارع استمرأت الصوت القاصم للفجيعة، ورعود الموت الذي يسرح بحرية الفوضى والعبث، (وكأنها ليست بأرواح بشرية).
ماذا فعلت الحكومة للحد من هذه الحرب الكارثية؟..هل هناك أكثر بقليل من عمل احصاءات دقيقة عن القتلى يوميا وشهريا وأسبوعيا ونشرها في الصحف كما ينشر أي شيء، هل هناك أكثر بقليل من كتابة رسائل هاتفية لطيفة تبدأ بعبارة ( عزيزي السائق…..) الشبيهة بعبارة ( عزيزي النائم…)… أو بعبارة ( عزيزي الطالب تذكر بأن الأشجار مفيدة للحياة…الخ) ماذا أكثر من اللامبالات المطلقة … ومسبحة الموت تكر، وعداد الموتى لاتخف وتيرته.
شوارع أمام البيوت بلا مطبات..يسابق فيها الموت خطوات الأطفال، حيث ينقض الحديد بلارحمة ويهرس بعنف بظاظة اللحم البشري الطاهر.
تقع حادثة.. يموت أناس.بيوت تدفن بعائلاتها تحت التراب..والحكومة –المعول عليها ولها – هي في فرجة العاجز المشلول، ولاخطط لديها لدفع الكارثة التي تتفاقم كل يوم وساعة.
تأتي الشرطة ثم الإسعاف .. يختفي صوت الإسعاف ..يكنس الشارع سريعا من السيارات الخربة والأرواح والجثث المضرجة بالدماء .. بسرعة يكنسون الشارع ..بسرعة… بعدها سيهل المساء أو الصباح ولن يبقى للحادث من أثر… لا شيء بعد ذلك سوى ما تنثره الصحف كخبر لابد منه، خبر عابر بين أخبار كثيرة..ثم يستمر الشارع في صمته وجريان حديده كأن شيئا لم يكن..وفي يوم موال يزف الصوت الجنائزي معلنا عن حادث جديد لا يلبث وأن يجبّه خبر آخر لحادث مروع آخر في نفس اليوم أو في يوم موال ..وهكذا دواليك…وهكذا دواليك …ولكن إلى متى ؟ هذا الصمت إلى متى ؟ هذه اللامبالات إلى متى؟
نسمع عن خبر الحوادث ولم نسمع عن حل لأي منها…وكأن هذه الحوادث تجري في بلد بعيد عنا أو أنها ضمن نشرات الأخبار الدولية العامة والتي لابد وأن يذكر عنها خبر،شيء خارج عن اختصاصات الحكومة، والخبر-فوق كل ذلك- لن يكون على رأس الأخبار أو جبينها ، فمن هلك في الحادث هم من عامة الناس وسواده وليس من النخبة أو أقرباء النخبة أو الخاصة أو أقرباء الخاصة..هم بشر ولكنهم في نفس الآن بشر فقط ..إنهم ليسوا أكثر من مواطنين…مواطنون ليسوا أكثر من ذلك..يكفيهم هذه النعمة .. نعمة المواطنة …ويجب أن يكونوا في غنى كبير بسببها ويجب أن يكونوا في أمن كبير بسببها..يجب أن يكونوا في!
الرمق الأول من الحياة، رغم كل شيء وأحد.
ماذا فعلت فرنسا في سنة من سنوات الثمانينات حين زادت وتيرة الحوادث فيها…طبعا هي حوادث لا تقارن إطلاقا بالمسلسل المريع الذي يحدث عندنا…أقول ماذا فعلت فرنسا؟…قامت القيامة في فرنسا والله..جيشت الصحافة والإعلام والشرطة والناس والجامعات والمخابرات والمختبرات و البرلمانيين والوزراء والأطباء النفسيين والدنيا من أجل الوقوف والحد من هذه الحوادث..نصبت تماثيل للشرطة في الشوارع ليس إلا لتذكير العابرين بأنهم أذكياء جدا ولكن سبب وجودها – أي التماثيل- للتذكير بأن الشرطة هو أنتم.. نصبت سيارات شرطة –نجدة– فارغة في الشوارع ،في مختلف الشوارع، وذلك حتى يرى المتهور -في غمرة تهوره – سيارة نجده فيتذكر سريعا ويخفت من سرعته..ابتدع العقل والخيال الفرنسي أمورا توعوية كثيرة ..مسابقات ..سيارات أطفال تجوب الشوارع … مسيرات ضخمة بسرعة طفيفة ..طرقوا كل بيت وكل حي من أجل التذكير..مسيرات ضخمة للسيارات تحت لافتة كيلو مترات قليلة فقط تكفي لإمدادنا بحياة أجمل وأبهى .
في دول أخرى كالسويد وبريطانيا ..إلخ ..حين يحدث حادث مريع ( يكون الحادث مريعا حتى حين يجرح عدة أشخاص أوشخص واحد) ويسمى الحادث قاتلا( حين يموت فيه شخص واحد فقط ) فإن الصحف والتلفزيون وجيمع القنوات الخاصة والعامة تأتي إلي عين الحادث وتصوره ويذكر لمدة أيام في مقالات الصحف وتحليلات الأخبار ومختلف وسائل (الميديامس) ووسائطها، الملموسة والمسموعة والمرئية منها والرقمي، في حديث يطول ولاينقطع بسرعة، عن ذلك الحادث الذي لايجب أن يفارق ذاكرة الناس بسهولة وذلك لسبب بسيط وهو أن ثمة أرواح قد أهدرت ولايجب أن يمر أمر موتها هكذا ببساطة، عكس ما يحدث في بلادنا بامتيازشديد.. ولسبب آخر أعمق وهو أن الإنسان في هذه الدول، الإنسان هو أغلى ما لديهم ..روح الإنسان الأعلى!
(ملاحظة: مثل هذه المقالات ذات الطموح التنويري، ترفض صحافتنا الحرة جدا – والتي تكرس التجميل الساطع او المكياج التنموي – أن تنشرها، لذا وجب التنويه).