هكذا يكون النصر

إن ما كتب عن الفيلم السيء فيه الكفاية، إلا أني أشير أننا – نحن المسلمين – من أساء إلى الإسلام وإلى نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم أكثر مما فعله أصحاب هذا الفيلم الذي لا يرقى إلى أن يكون فيلما ولا يستاهل أن تثار هذه الضجة كلها حوله، لأن أبسط ما يقال عنه إنه تافه ولا يحمل جديدا، بل هو ترديد لما سبق وأن قاله الآخرون، منهم القس زكريا بطرس، وما قاله مؤلف قبطي مجهول في رواية تافهة تحت عنوان “تيس عزازيل في مكة”، ردا على رواية د. يوسف زيدان بعنوان “عزازيل” التي فاز بها بجائزة البوكر العربية

هناك من الإساءات التي لحقت بالإسلام وبنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام من المسلمين أضعاف ما جاء في هذا الفيلم أو في بعض الرسوم أو المقالات التي كتبها غربيون حاقدون، ونظرةٌ واحدة على مواقع النت للملحدين العرب وبعض المواقع العلمانية العربية ونقاشات المسلمين فيما بينهم تكفي للإلمام بما وصل إليه بعض أبناء الإسلام من تخبط لدرجة أن يزعم البعض بنقد القرآن الكريم ويحاول أن يظهر أخطاء فيه حسب زعمه وهو لا يلم بأساسيات اللغة العربية، كما أن من يتابع السب والقذف بين بعض ممن يسمون تجاوزا علماء سيرى العجب، فهناك من يسب الصحابة وهناك من يقذف أمهات المؤمنين وهناك من يكفّر هذا ويشكك في ذلك ويتناول عرض هذا وغير ذلك الكثير مما يندى له الجبين لدرجة أن ما جاء في الفيلم السيء قد يكون أرحم، وهذا ينطبق على كثير من كتب التاريخ التي تحتاج إلى مراجعة وتنقية

والدفاعُ عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب أن يكون بغوغائية لأن لا الفيلم بقادر على النيل من الرسول الكريم ولا أمريكا نفسها تقدر على ذلك، إنما يجب أن يكون الدفاع عنه بالتمسك بدينه وبسنته والتمسك بما جاءت به تعاليم الدين الإسلامي السمحة، وعندها لن يتجرأ علينا أحد، ولكن إذا كانت الأمة بهذا التشتت والتشرذم والتناحر باسم المذهبية تارة وباسم القبلية تارة وباسم الوطنية الضيقة تارة أخرى وباسم التبعية للغرب تارة وغير ذلك مما يشغل الناس كالتقاتل حتى في مباريات كرة القدم مثلا، فإن الأمة ستعيش على الهامش وفي ذيل القائمة، وإن من أهم طرق نصرة النبي صلى الله عليه وسلم أن تخلص القيادات العربية النية وتعمل صادقة من أجل ضمان حرية الشعوب وأن توفر لهم كل متطلبات الحياة الكريمة من العلم والمعرفة والحرية وكل أسباب العيش الكريم وأن تكون الأمانة مقدمة على كل شيء سواه أن يبتعد الكبار والصغار عن سرقة مقدرات الشعوب وأن تكون هناك محاسبة حقيقية لكل المختلسين الكبار والصغار وأن تكون هناك شفافية في التعامل مع كل مخالف للقوانين والأنظمة، وأن تهتم الحكومات ببناء جيل صالح مزود بالعلم والمعرفة والأخلاق، عندها ستكون الجبهة الداخلية قوية وعصية على الإختراق لأن إصلاح الباطن مقدم على إصلاح الظاهر.

إن كل الاحتجاجات التي انطلقت في الوطن الإسلامي تعطي صورة سيئة عن المسلمين بل تؤكد ما أراده أصحاب الفيلم بإظهار أن المسلمين غوغائيون، فقد سبق وشاهد العالم احتجاجات كتلك عند صدور رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” وكذلك الرسوم السيئة في الدنمارك وكذلك حرق القرآن الكريم ثم هدأ الأمر وكأن شيئا لم يكن رغم أن المسلمين لم يقرأوا الرواية ولم يشاهدوا الرسوم وحتى لم يروا مقاطع الفيلم، في وقت كانت الأمة بحاجة إلى وقفة صارمة أمام إسرائيل التي احتلت المسجد الأقصى وتعمل على تهديمه وقتلت الشعب الفلسطيني وشردته وكذلك فعلت في لبنان أفعاعيلها، لكن الكل يصمت عن ذلك، بل يظهر بعض الشيوخ مدافعا عن إسرائيل ويدعوها علنا أن تقضي على حزب الله لأنه “رافضي”، بدلا من مساندته لأنه يقاوم العدو، وهو عدو لا ينبغي أن يختلف عليه إثنان، لأن من لا يقف مع المقاومة فهو مع الاحتلال!

لقد جاءت أزمة الفيلم السيء لتعيد السؤال المكرر نفسه من الطرفين العرب والأمريكان، ما هي المشكلة وأين يكمن الخلل في العلاقة بينهما؟ فيما تكرر السؤال نفسه من الجانب الأمريكي: لماذا يكرهوننا؟! فها هي “هيلاري كلينتون”  تتساءل عما حدث في ليبيا من قتل السفير الأمريكي ومعاونيه: “كيف يحدث هذا في دولة ساعدنا في تحريرها، وفي مدينة بنغازي بالذات التي ساهمنا في إنقاذها من الدمار”؟، ربما تكون الوزيرة الأمريكية محقة في تساؤلها لأن الدول التي شهدت أعنف المظاهرات هي الدول التي ساعدتها أمريكا لكي تتخلص من الأنظمة الديكتاتورية، وهي إشارة إلى أن الشعوب العربية لن تنسى الإساءات التي لحقتها من الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومن تأييدها التام لإسرائيل ضد العرب حتى وإن كانت الظروف لا تسمح بالتعبير عن ذلك بوجود حكومات عميلة تتبع القمع أسلوبا ثابتا ضد الشعوب، ومن هنا لا يمكن تجاهل ونسيان ملايين الضحايا من الأبرياء في كل من العراق والصومال وفلسطين وأفغانستان وباكستان ولبنان والقائمة تطول وتطول، ولكن مع ذلك هناك في أمريكا من لا يزال يقرأ الموضوع قراءة خاطئة ويسعى إلى تكبير الفجوة بين الطرفين تنفيذا لأجندات اليمين المتطرف، ومن ذلك مثلا ما نشرته صحيفة “الواشنطن تايمز” الأمريكية وهي صحيفة يمينية، في افتتاحيتها يوم الثلاثاء الماضي 11/9 ، إذ قالت “إن الأميركيين يعرفون ما يعنيه الانتصار في الحرب، فبعد 11 عاما من الهجمات اليابانية على “بيرل هاربر”، كان الكابتن “متسو فوشيدو” الذي قاد شخصيا تلك الغارة عام 1941 في جولة لحسن النوايا إلى أمريكا، وكانت بلاده بعد أربع سنوات من الهجوم في خراب، وتم تدمير إمبراطوريتها وحرق معظم مدنها الكبيرة وتسويتها بالأرض، وقبل نهاية 1952 اعتنق فوشيدو المسيحية واعتذر عن دوره في الهجمات، و”هكذا يكون النصر””، وهي رسالة من الصحفية للحكومة الأمريكية أن تواصل نهج الحزم مع العرب، وتقول الصحيفة إن أميركا لم تتخل فقط عن الحرب على الإرهاب، بل إن إدارة أوباما لا تعرف حتى السبب وراء هذه الحرب وأن البيت الأبيض وصف هذا الصراع بـ”الكفاح ضد التطرف العنيف”، لكنه “سعيد بالترحيب بالمتطرفين المسلمين الذين وصلوا إلى السلطة بوسائل أخرى”. وترى الصحيفة أن هذا فهم ضعيف لمكافحة الإرهاب في وقت يقول فيه مسؤولو إدارة أوباما إن نهوض حركة الإخوان المسلمين في مصر يقلل من قدرة تنظيم القاعدة على جذب الناس لنموذجها الذي يتخذ العنف وسيلة للتغيير، وتشير الصحيفة أن مسؤولا بوزارة الخارجية الأميركية أعلن مطلع هذا العام أن الصعود السياسي للمجموعات الراديكالية إثر الربيع العربي أمر إيجابي “لأن الناس الذين كان يمكن أن يذهبوا إلى القاعدة سيرون أن هناك فرصة للتيار الإسلامي ليتمتع بالشرعية”.

عندما تكون الأمة قوية من الداخل، متحدة غير متفرقة يصعب اختراقها ولكن عندما تكون بهذه الهشاشة وتفتقد إلى الرؤية الصحيحة ويغيب عنها فقه الأولويات ويعيش الشباب الفراغ الروحي والعلمي ويتطاحن شيوخ الفضائيات على الهواء، يمكن لفيلم تافه أن يثيرها وعندما يحين الجد ويأتي أمر جلل فلن يكون هناك حس ولا خبر، فيجب على المسلمين أن يتصالحوا مع ربهم ودينهم ومع بعضهم البعض وهذا هو خير دفاع عن خير خلق الله سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهكذا يكون النصر

Zahir679@gmail.com

التاسع والعشرون ثقافة وفكر

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com