من أنتم!!

السؤال إيّاه، لعله تكرر في محافل عدّة، ومناسبات مختلفة، لكنّني أكاد أجزم يقينا أن هاتين الكلمتين اكتسبتا أهميتهما أكثر، إبان الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي، حين خرج العقيد مخاطبا شعبه ومستنكرا ثورتهم :من أنتم؟ في مهرجان شتائم ضدهم. ولكن في الحقيقة، أن السؤال يُشكل قاعدة أساسية في تعامل الحكومات العربية، بل الفرق الحاكمة والفئات التي تتبعها، في التعامل مع شعوبها، بل حقيقة تتعلق بكل الطغاة أيّا كان لونهم أو جنسهم أو لغتهم، حقيقة الواحد الأحد الفرد الحكيم الرشيد : أنا الشعب وأبو الشعب وراسم مصير الشعب!

لذلك..أحد الإشكاليات المهمة والتي تكوّن حجر عثرة بل ربما سدا منيعا لتطوّر الشعوب وتنمية جوانبها الحياتية والسياسية والاقتصادية، عدم اعتراف السلطات الحاكمة بأهمية المواطن، بالتالي التعامل معه على أساس أنه “عوامل تنفيذية” و “أدوات استقبال وتلقي”، بالتالي لا يحق له –المواطن- في نقاش قانونا ما، أو مراجعة الدولة في أمور عيشه ومعاشه!!!.

عادة ما تجد الطغاة وحينما تواجههم أزمات سياسية في بلدانهم، لا يستطيعون التعامل معها وفق منهجية التركيع المتبعة عادة،  ذلك لأن هذه الأزمات تتمثل عادة في وجود فئة من الشعب، تطالب بحقوقها السياسية في إدارة شؤون البلاد وصنع القرار، وهذه الفئة عادة ما تتمثل من مجموعة من الأفراد أصحاب الوعي المطلوب لهكذا  مطالب وحقوق، من متخصصين في أمور القانون أو في شؤون السياسة، بالتالي عدم نجاح طرق التهويل أو التهوين  في الذي يدعون إليه. لكن ردة الفعل الطبيعية والمعتادة التي ينتهجها الطغاة في هذا الأمر، هو الاستجابة للمطالب الاقتصادية، والتركيز على التأثير في مجموع الحشود المطالبة بالتغيير أو المساواة أو التصحيح الاقتصادي. وهذه التغييرات عادة ما تنحصر في الرواتب والوظائف ومراقبة الأسواق أو دعمها! في حين أن جانب الاستجابة للمطالب السياسية عادة ما يكون ضئيلة جدا، وأحيانا معدومة، وهذه الضآلة تتشكل في توسيع صلاحيات للبرلمان مثلا وكل ما ينبع عن صوت الشعب، هذه الصلاحيات التي عادة لا تتعدى المساحة المرسمة لها ولا تتجاوز الخطوط الحمراء..ما هي إلا قياس ردة فعل الجماهير ومدى استجابتها لها!.

ولكن الشغل الأكبر للسلطة.. ليس فقط في تحقيق المطالب “الجزئية” جدا، بل شق صفوف الكتل  والفئات التي عادة ما تخرج مطالبة بالتغيير وتتصدر المشهد، وذلك عبر:

–       سحب البساط عنهم بانحسار الأغلبة المؤيدة لهم.

–       تعمّد السلطة تهميشهم والتشهير بهم بطرق لا مباشرة.

–       تقديمهم للرأي العام على أنهم أصحاب مصالح فردية أو يتبعون أجندات خارجية.

ومن عادة الطغاة، أو السلطات المطلقة، حرصهم الكبير على محو أي أسماء منافسة لهم، أو أسماء تظهر وتبرز في الساحة السياسية، فلا يحق لأحد أن يظهر إلا ما تراه الحكومة مناسبا لذلك فقط. لذلك، عادة ما تقوم السلطة إلى استحضار وصناعة أسماء تتوزع في مجالات عدّة تخاطب الجمهور مباشرة مثل الصحافة والتلفزيون وغيرها، تتصدر هذه الأسماء مهمة التطبيل لكل عمل حكومي والثناء عليه وتكبير أهميته، كذلك تقوم على تهيئة الرأي العام في التخلص من أي صوت معارض والتشكيك في توجهاته، أو أي فكر معارض لا يتوافق مع توجهات السلطة، وتصويره على أنه صاحب أجندات خفية هدفها بثّ الفتن والفوضى في البلاد. وعلى أساس كل هذا، تجد أن القوانين الجزائية فجأة في ازدياد، كتفصيل مناسب لقياس حالة تنامي وتصاعد نبرات الاعتراض!.

من أنتم؟؟؟

هو الترسب النفسيّ الخطير، الذي يصاحب الحالة العربية خاصة، الموروث السياسي العقيم الذي ألقى بظلاله على التكوين الاجتماعي، حتى أصبح الوضع المقلوب هو أساس الصورة!! فليس من حق الشعوب مناقشة الحاكم في أمور حكمه، ولا التشكيك في أوامره ومراسيمه، ولا حقهم في المشاركة في صنع القرار ولو فيما يخص حالتهم المعيشية، وهذا بحد ذاته انتكاس سياسي خطير، يكتمل مشهده حين تعمل الدولة على إطلاق سلطتها الأمنية في ملاحقة واعتقال كل من ينادي بالتغيير، وينتقد صراحا تصرفات الحاكم وغروه في الانفراد بالقرار!!

من أنتم!!

لربما تكون هي الخاتمة التي ستتسبب إلى يتم استبدال الشعوب والأمم بغيرها.. فما استقامت حياة في أمر شعوب لا حياة فيها، وظاهر أمرها غير باطنها، شعوب كل همها ما أمر الحاكم،وما قال الحاكم، وما لبس وما سكن و و و إلخ. ولعلّ أمر كهذا من شأنه فعلا أن يخلق أجيالا هشّة المعرفة، تعتقد أن العمل الحقيقي والانتاج ينحصر في تضخيم جيوبها وأرصدتها البنكية، ويصحون في يوم ما، ويجدون أن البلاد من سافلها لعاليها ملك فئة من الناس يأمرون وينهون..لأنهم هم الأعلون!!!

العدد الثلاثون سياسة

عن الكاتب

نبهان الحنشي

كاتب وأديب عماني