لا تتوقف الأغاني والأناشيد.. في غرف التحقيق التي يستمر الانتظار فيها لساعات، يتم رفع صوت الأغاني، أحيانا تستبدل بأناشيد إسلامية. يسألني أحد المحققين: لماذا تنتقد السلطان، هل تريد الشهرة؟
ضحكت، وقلت له: ما شي تنظيمات معكم؟؟
– ماذا تقصد بالتنظيمات؟
– لا شيء، لكن في المكان السابق التحقيقات عن التنظيمات و26 فبراير والاخوان.. !
كرر سؤاله مجددا: هل تريد الشهرة؟، جبته وأنا أعدل من وضعيتي في كرسي الاستجواب: لا يا عزيزي، ما هي الشهرة التي تقصدها هنا، الذي يريد الشهرة من يكتب أشياء فارغة الهدف منها إثارة الرأي العام حول أشياء هامشية وتافهة، كيف أكون أريد الشهرة وأنا أنتقد العمل والأداء والحكومة؟؟
هزّ رأسه رفضا للإجابة: حتى مقالاتك فيها الكثير من التشهير، تريد تظهر كأسم وبس، ممكن تقول لي ليش السلطان وما تنتقد الوزراء مثلا؟
هززت رأسي كذلك رافضا مداخلته: لا عزيزي، انتقدت الوزراء كذلك، ولكن انتقادي للسلطان لإيماني الكامل، أن هؤلاء الوزراء لا يستطيعون رفع حجر أو إغلاق نافذة في شؤون الدولة إلا بأمر أو مرسوم من السلطان، فكيف أنتقدهم؟.
لم يجبني، تحدث بنبرة أكثر هدوءا: نحن نريد منكم النقد، وقلمك جيّد، وللأمانة أنت تؤثر على جيل بأكمله، ونحن نعلم أن نبهان لا يقصد الإساءة لأحد،لا للسلطان ولا للدولة، ولكن هناك جيل باكمله يقرأ لك ويتأثر بك.
ضحكت: عزيزي، لا دخل بي بغيري، كل يحاسب على ما اقترفت يداه. وإن كنتم فعلا تريدون منّا النقد، فلماذا أنا هنا؟ وإن كنتم تعلمون أنني لم أسيء بحق السلطان..فلماذا أنا هنا؟
قلّب أوراقه وهو يتحاشى النظر إليّ: اجراءات..اجراءات قانونية لا أكثر.
أسندت ظهري ووضعت يداي على مقبضي كرسيّ التحقيق: وما وضعنا.. ما هذه الاجراءات التي تستغرق أكثر من 20 يوما؟
أخد يرسم على الأوراق التي كان يقلبها أشكالا غير معرّفة: يا نبهان.. أنتم قضيتكم فكرية.. السلطان عفى عن ناس حملوا السلاح، أمركم هيّن.
في لحظات.. تحسّ أن الذي يحقق معك.. هو أنت! هو أنت حينما تحمل وجهة نظر أخرى!! أحيانا تحسّه آخر لا يدرك من الأمر إلا الأسئلة التي يطرحها.. وآخر ترى فيه تفاصيل بلد ذاهب إلى منفى..إلى مأزق.. إلى نفق لا نهاية له سوى الهاوية..!
– هل قلت لنا كلّ شيء.. تذكّر ربما هناك أشياء في البال لا زالت.. هل تحتاج لورقة وقلم حتى إذا ما تذكرت تكتب كي لا تنسى!
– أنتم لا تعلمون عنّا شيء.. نحن نعمل لأجل الحفاظ على سلامة هذا الوطن!
– هل تعلم، لولا أننا قمنا بهذه الاعتقالات لقامت الكثير من حركات المعارضة في عمان ولدخلنا في نفق الفوضى والأجندات الخارجية، ونحن في وضع حسّاس جدا. أمريكا وغيرها من الدول تبحث عن ثغرة تدخل من خلالها بسبب علاقتنا مع إيران.
– هل تعتقد أن الــ50 ألف وظيفة ظهرت هكذا..؟؟ أبدا، نحن كنّا نعلم عن عدد العاطلين عن العمل الحقيقي، ولكننا نعمل في هدوء ونعالج المشاكل في هدوء ولا نثيرها.
أتساءل.. :
إن كنتم تعلمون كل شيء.. فلماذا يجب أن اتذكر أيّ شيء؟؟
إن كنتم تعملون على سلامة الوطن.. لماذا هو أعرج وممتلئ بالمشاكل؟
كيف تكون هناك حركات معارضة.. لا أساس ولا تكوين لها.. وأفرادها لا يخطون خطوة إلا وأنتم تعلمونها؟؟؟
إن كنتم تعلمون بالخلل في القوى العاملة والعدد الحقيقي للعاطلين عن العمل، فلماذا تسترتم على الفساد هذا؟
(يتـبـع)