شيء عن الاعتقال وطريق نضال 7

تبللت روحي بدموع أمي..فسكنت! سألني المحقق: أوّل مرة تتحدث إليها؟ هززت رأسي:نعم. علّق: طوال هذه الفترة ولم تتحدث إليها؟؟. لم أجبه، كيف سيفهم أن للروح اهتزاز وانكسار.. لا يحدث إلا حين تسمع صوت أمك مكسورا حزينا مقهورا.. هل كان سيفهمني!!!

أكمل من رسمه لخطوط غير مستوية ولا متوازية على كراسة بيده.. وضعت الهاتف على الطاولة أمامه..ابتسمت وأنا أعلّق: ارحم الدفتر شويّ شويّ عليه. ابتسم، قال وهو يزيد من حركة الشخبطة بالقلم:

–       نبهان..كنّا نشكّ فيكم.. كنا نعتقد أنك مرتبط بتنظيمات وجهات خارجية ولكن الحمد لله الشك زال.

ابتسمت له: طالما زال الشك..لماذا يستمر اعتقالي؟

استمر في شخبطته.. وصمته.. قبل أن يتحدث وهو مستمر تحاشي النظر إلي: هذه اجراءات يا نبهان. أتيت لأخبرك أننا كأمن داخلي انتهينا من التحقيق معكم، سيتم فتح التحقيق معكم من قبل الادعاء العام.

رفعت يديّ عن مقبضي كرسي التحقيق، وضممت كفيّ وأنا أكتم غضبا ما: ألم تقل لي أن شكوكم زالت.. ما حاجة الادعاء العام..!

استمرّ في تحاشي النظر إليّ..: نبهان..هذه اجراءات قانونية عادية..

ابتسمت وأنا أحكّ بسبابتي على خدي الأيمن: نعم نعم.. المرة السابقة أخذتموني من هنا للقسم الخاص،كي أوقع بعد 19 يوما على أوراق توكيل المحامي.. وقلتم أنها اجراءات قانونية،ورغم ذلك لم أقابل المحامي للآن!

وضع القلم على الطاولة وأفلت الكراسّ من يده، أخذ يضرب خفيفا بغطاء القلم على الطاولة: نبهان.. مضى الكثير وماتبقى إلا القليل.. رمضان مقبل وإن شاء الله تكون بين أهلك ومع ابنتك قريبا.. المهم ما يجب أن تعرفه، أنكم هنا كضيوف فقط، سيتم أخذك للتحقيق معك في الادعاء العام.. ثم ستعود.

غادر.. كانت برودة غرفة التحقيق فجأة توقفت.. فرض الصمت وجوده..فتح الباب فجأة المجندان ذوي الأقنعة، أشارا عليّ دون أن يتحدثا بالاتجاه صوب الجدار.. ارفع يديك..باعد بين قدميك.. أنزل يديك.. قيّدوا رسغيّ واقتادوني إلى غرفة الحجز.. أحضروا لي ملابسي الخاصة وقال أحدهم بصوت آمر: تجهّز..بسرعة.

وفي الإدعاء العام.. وحين فتح صندوق السيارة الــ Van اثنان بلباس مدني، وأمرا الشخص المرافق لي من المعتقل السريّ الثاني أن يفك قيدي.. بادرا إلى تحيتي.. ثم أدخلاني لمبنى الإدعاء بالخوير.. !!

في دورة المياه..وقفت طويلا أنظرإلى وجهي.. مضى 27 يوما.. كانت المرة الأولى التي أرى وجهي في مرآة..ذقن كبير..شعر أشعث..شارب كثّ..! وفي المكان المخصص للصلاة..وقفت طويلا أمام الفاصل الزجاجي..أتأمل السيارات في الشارع العام للخوير.. حركة الناس.. ابتساماتهم..تعبهم..عرقهم.. ماذا يحدث لي يا ترى؟؟؟

          وفي انتظاري للدخول لغرفة التحقيق، كان الذي رافقني من المعتقل السري وأحد الذين استقبلاني أمام الإدعاء العام يتبادلان أطراف الحديث معي..عن إسمي..تهمتي..فترة اعتقالي.. عن أمم أوربا.. ورمضان الذي سيأتي.. كل شيء كان غريبا.. كالذي تغرّب عن وطنه زمنا..ثمّ عاد!!

 نبهان الحنشي..

          أحدهم أقبل.. نادى باسمي..أمرني أن أتبعه وحيدا.. فتح بابا لأحد المكاتب.. دخلت، رفع المحقق رأسه إليّ في ازدراء..سألني وهو يتأفف: وين دشداشتك..ليش جاي كذا؟

يتبع 

العدد الثلاثون سياسة

عن الكاتب

نبهان الحنشي

كاتب وأديب عماني