تطوير التفكير الحكومي

تناقلت الأخبار ندوة تطوير الأداء الحكومي في ظل الرؤية السامية لجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه- التي نظمتها وزارة الخدمة المدنية لمدة أربعة أيام بفندق قصر البستان، وهذه المبادرة الجميلة كان يفترض أن تشق طريقها منذ بداية تأسيس الخدمات الحكومية جنبا إلى جنب مع تلك الخدمات مع ضمان وجود آليات تقييم وتقويم حقيقية. الكلام المتداول حول هذا الموضوع كثير وبه تشكيك في إمكانية إحراز أي تقدم في هذا الجانب مقارنة بالدعاية المرصودة ونتيجة للخبرات المتراكمة حول نجاح الكثير من المشاريع الحكومية المماثلة والتي تختص بها الوزارات الخدمية.

ليس هناك أي شك بتطور بعض الخدمات المقدمة في بعض الأجهزة الحكومية مثل شرطة عمان السلطانية والإدارات التابعة لها، ولكن تبقى طوابير الانتظار خير دليل على عدم تحقيق اكتمال التطوير وعلى عدم وجود تفعيل حقيقي للتوصيات والدراسات التي تخرج بها مثل هذه المشاريع، وأن الدعاية والترويج لنجاح هذه المشاريع أكبر من تفعيلها على ارض الواقع.

فمن خلال تجربتي الشخصية وانا موظف في أحد القطاعات الحكومية التي تم إعادة هيكلتها أسمع دائما عبارة ” العقليات الحكومية” ، ولكي نطور من الأداء الحكومي يجب تطوير التفكير الحكومي، وإن كان لا محالة ولا يوجد مجال لتطوير التفكير الحكومي يجب إزالة هذه العقليات واستبدالها بعقليات عصرية، ويجب ضخ دماء جديدة بأفكار متطورة تنفض عن ردائها غبار الفكر التقليدي في إدارة الخدمات وفي إضافة قيمة ملموسة لتلك الخدمات، وقد كنت من المتحفظين على ذلك التعبير كوني أحد العقليات المقصودة ولكن ربما نجد بها نوعا من الصحة وفي كثير من المواضع، فمن خلال تجربتي الشخصية أذكر لكم بعض المواقف مثل:

–  لفت انتباهي إعلان توظيف تابع لوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، وبه الكثير من الفرص الوظيفية لدرجة أن الذي يقرأ الإعلان ويتمعن فيه تخلج إلى ذهنه عدة تفسيرات وأهمها كيف تقوم هذه المؤسسة بتقديم خدماتها بدون ذلك العدد من الموظفين، ومثلا وظيفة مهندس مدني والتي اعلن عنها لعدة بلديات، فانا أعرف أحد المهندسين استقال من البلدية واشتغل في شركة خاصة بعد أن كان راتبه 602 ريال – مع غلاء المعيشة – ليحصل على 1600 ريال، واكمل عاما وزيادة ولم يتم تعيين مهندس بديل، واستقال معه ثلاثة آخرين من نفس المحافظة، وبقيت معاملات المواطنين تحت رحمة مهندس واحد يغطي 4 ولايات ولا يعرف كيف يجمع شتات نفسه … أليس هناك حاجة لإعادة التفكير في رواتب المهندسين الحكوميين؟ أليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– كانت لدي معاملة في أحد الدوائر الحكومية وكان المدير غير موجود لكي يوقع المعاملة، والمخول بالتوقيع نيابة عنه هو نائبه ولكن النائب تقاعد منذ ما يقارب السنتين ولم يتم تعيين بدبل عنه، أليس هناك حاجة لإعادة التفكير في التخويل ومراتبه وما هي الإضافات التي يمكن ان يضيفها توقيع المدير على المعاملة؟ أليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– قمت بتوصيل أحد الإخوان إلى المطار ورأيت العجب من طابور المغادرة من مختلف الجنسيات وفي الجهة المقابلة طوابير المغادرة النهائية للعمال، أليس هناك حاجة للتفكير حول زيادة المواد البشرية وتسهيل الإجراءات لخدمة المسافرين والذين يحملون انطباعهم عن التنظيم وجودة الخدمة المقدمة؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– الكثير ممن يمتلكون مركبات ويمر عليهم التجديد السنوي ودفع المخالفات، وأترك لكم التعليق على الطوابير والأرقام الخيالية التي تخرجها آلات تنظيم المراجعين، أليس هناك حاجة لإعادة النظر في تفعيل الخدمة الإلكترونية بشكل اكبر وزيادة عدد المراكز التي تقدم هذه الخدمة وكذلك العمل بنظام المناوبات لتفادي هذا الزحام وهذه الطوابير المهلكة؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– معاملات العمالة الوافدة بها نوع من الغرابة، فبينما وزارة القوى العاملة لا تستقبل المعاملات التي بها غرامة إلا في وقت الدوام الرسمي، فبالمقابل فإن إدارة الهجرة والجوازات لا تستقبل إصدار بطاقات الأجانب إلا في الفترة المسائية مما يضطر صاحب المعاملة إلى قضاء يوم كامل – إن كانت من سعيدي الحظ – لإنهاء معاملة بسيطة، أليس هناك حاجة لإعادة التفكير في حل هذه الإشكالية باستقبال المعاملات من الطرفين في كل الأوقات ؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– نستغرب من عدم إقبال المستثمرين العالميين للاستثمار في السلطنة برغم وجود مناخ استثماري خصب ولكن هل جرب أحدكم معاملة استخراج سجل تجاري والمعاملات المرتبطة به؟ التعقيدات والخدمات التقليدية والموافقات والشروط أكبر مانع لذلك، بينما نسمع انه في دول مجاورة ليست أفضل مننا بشيء أن استخراج السجل التجاري في اقل من ساعة، أليس هناك حاجة لإعادة التفكير في إجراءات ومدة سير كل معاملة؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– الكثير من المعاملات تحتاج إلى موافقة عدة وزارات وعدة جهات، ويبقى المواطن أو المستثمر تائها ومتنقلا بين تلك الجهات من دواوين وزاراتها إلى فروعها ومكاتبها الفرعية، وضائعا بين طوابقها وموظفيها، اليس هناك حاجة لإعادة التفكير فيما ما يسمى بالمحطة الواحدة ونشرها في ربوع السلطنة؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

– مشروع سند للخدمات لم نعرف ما هي اهدافه! يقدم خدمات محصورة وبها الكثير من التعقيد، وغير مخول بتخليص معظم المعاملات التجارية وحتى الخاصة، ناهيك عن الاشتراطات والصعوبات للحصول على موافقة فتح المشروع أساسا، أليس هناك حاجة لإعادة النظر في إعطاء هذه المكاتب تخليص كل ما يسمى معاملة والتي لا يجد صاحبها الوقت او القدرة لتخليصها بنفسه وهو مستعد لدفع مبالغ جراء تخليصها ؟ اليس هناك حاجة لتطوير التفكير الحكومي؟

الأمثلة كثيرة ولا تحصى وفي كثير بل وفي معظم الوزارات الخدمية مثل وزارة القوى العاملة، وزارة الإسكان، وزارة البيئة والشؤون المناخية، شرطة عمان السلطانية، وزارة التجارة والصناعة ، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، بنك الإسكان، شركات قطاع الكهرباء، بل وحتى في بعض الوزارات التي تقدم خدمات بسيطة مثل وزارة الخارجية والتي تعتمد بعض الشهادات او التصديقات، وكذلك وزارة الداخلية التي تصدق بعض المعاملات…..

فهل نلوم ممن يطالبون بتطوير التفكير الحكومي قبل تطوير الأداء الحكومي، وهل نعتب على من يستخدمون مصطلح العقلية الحكومية؟

العدد الثلاثون سياسة

عن الكاتب

سلطان الأدمي