الشيوخ والمشايخ

مع التغيرات الحاصلة في المجتمع يبدو أن المجتمع العماني فقد المرجعية الشعبية أو الأبوية أو القدوة التي قد يرجع إليها الناس بعيدا عن الحكومة، وهو شيء منطقي بحكم تغير الظروف، من هنا فلقد أثير جدل حول دور الشيوخ بعد الحراك الذي أصاب الشارع العماني في فبراير 2011، وفي واقع الأمر فإن هذه المسألة لها حساسية عند الكثيرين من الناس لا فرق بين من هو شيخ أو غير شيخ، والكل أصبح الآن يريد أن يكون شيخا، وليس أدل على ذلك من رفض وزارة الداخلية ل4 آلاف طلب مشيخة وهو عدد كبير بكل المقاييس، مما ذكّرني بقول أحد المسؤولين في الدولة من “أن الإنسان العماني تخلى عن بساطته وأصبح كل أحد يريد أن يكون شيخا”

يرى الشيوخ أن الحكومة قد سحبت منهم الصلاحيات ولم تعد لهم كلمة تسمع خاصة بين فئة الشباب، لذا كان دورهم في كل تلك الاحتجاجات دورا هامشيا لغياب كلمتهم، فيما يرى الآخرون أن الزمن قد تجاوز دور شيوخ القبائل بوجود مؤسسات تقوم بدور همزة الوصل بين المواطنين والحكومة مثل مجلس الشورى ومجلس الدولة والمجالس البلدية والادعاء العام ومكاتب العدل، وكذلك إن الأحوال المدنية قد ألغت الحاجة إلى تواقيع الشيوخ لأن كل المواطنين أصبحوا مسجلين في سجلات الأحوال المدنية، ويبدو أن الجدل سيستمر بعد أن شاهدت تسجيلا لأحد أعضاء مجلس الشورى ينتقد فيه بعض شيوخ ولايته ويخص أحدهم بالذكر أنه قال للوالي إن هذا العضو لا يمثلنا، وهذا بدوره يطرح فعلا تساؤلا هل تم بالفعل إلغاء دور الشيوخ والوجهاء والرشداء؟ أو هل ممثل الولاية هو الوحيد المخول للتحدث عن أبناء ولايته؟!

إن المسألة تحتاج إلى إعادة نظر ودراسة من جديد، فالمجتمع بحاجة إلى مرجعية شعبية معتبرة ولها قيمة عند الناس لأن أعضاء مجلس الشورى ليس شرطا أن يكونوا هم الأفضل في الولاية لاعتبارات كثيرة، منها أن هناك كفاءات لم ترشح نفسها وهناك كفاءات علمية ترشحت ولم تفز إذ بلغ عدد حاملي الشهادات العليا ممن ترشحوا ولم يفوزا 35 شخصا، ثم إن جدلا أثير حول رفع الحصانة عن البعض لأنهم فازوا بطرق ملتوية كدفع المال مثلا وهي حقيقة قد يعرفها الكل ولكن لا يوجد من يثبتها، هذا غير العصبية القبلية التي تلعب دورا هاما في تحقيق الفوز للبعض، ثم هناك من البعض ممن ترشحوا يسعون إلى الوصول إلى منصب وزير بعد التجربة الماضية، هذا غير من يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية باستغلال عضويته في المجلس

على أن هناك من أعضاء مجلس الشورى أصبحوا “علما على رأسه نار” مثل د. طالب المعمري عضو ولاية لوى الذي أثبت أنه أقوى شخصية دخلت مجلس الشورى منذ تأسيسه، وسواء اتفقنا مع أسلوبه أو اختلفنا إلا أنه من الصعب أن ننكر أنه أصبح “ظاهرة” الآن في الحياة البرلمانية العمانية، فهو قد فاز بنزاهة، ثم استطاع أن يستخدم مبدأ “العين الحمراء” بجدارة، ويملك أن يحرك الشباب وهم طوع أمره، وهي ميزة يفقتدها الكثيرون، وقد قدم مطالب أبناء ولاية لوى على مطالبه الشخصية واستطاع أن يأخذ من الحكومة ما لم يستطع غيره أن يأخذ، والحقيقة تقول إن الحكومة كانت قد خططت لتنفيذ مطالب أبناء ولاية لوى، هذه حقيقة ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: لماذا تأخر التنفيذ، وهل كانت الحكومة تنتظر الاعتصامات؟ فسواء كانت تلك المطالب تحققت بفضل قيادة د. طالب المعمري للاعتصامات أو لا، إلا أنها جاءت بعد تلك الاعتصامات التي قادها وبعد تلك التهديدات الشديدة اللهجة التي أطلقها، لذا من العدل أن ننصف الرجل – اتفقنا معه أو اختفلنا -، وهنا دار في ذهني سؤال هو: هل لو كان سعيد بن سلطان الهاشمي ومن معه يستطيعون أن يجمعوا الآلاف من الشباب للاعتصام أو التظاهر كما فعل د. طالب، هل كان يمكن أن يعتقلوا أو يحاكموا أو يسجنوا؟!! ثم هل ما حصل في ولايتي دبا ولوى من تلبية المطالب بعد الاعتصامات هو تشجيع لكل من له مطالب أن يتحرك؟!!

نعود إلى موضوعنا فإن وجود مرجعية شعبية كهمزة وصل حقيقية بين الحكومة والشعب معمول بها في الكثير من الدول حتى المتقدمة كالصين التي يوجد بها مسؤول عن كل حي، والعديد من الدول التي توجد بها في كل قرية وولاية شيخ البلد وشيخ القبيلة والعمدة تلجأ إليهم الحكومة لتصل إلى الناس ويلجأ إليهم الناس ليصلوا إلى الحكومة، ومن أبرز مهامهم المحافظة على الإنجازات والعمل على استتباب الأمن والاهتمام بالنواحي الأمنية والتحري عن المجهولين والمطلوبين والتبليغ عن المحتاجين والمستحقين للمساعدات وغير ذلك كثير

ولا يمكن أن ينكر أحد، ما قام به الشيوخ على مدى العصور الماضية من أدوار وطنية في إيجاد وعي باحترام الدولة وقوانينها ودعم الإستقرار والصلح بين الناس ومساعدة المحتاجين وحل مشاكلهم وتوصيل طلباتهم للحكومة، لذا لا يمكن أن نحكم على الشيوخ من خلال تصرفات البعض منهم ممن عزل نفسه وتعامل مع الناس كأنهم مجرد أتباع – وهو ما يتم الإشارة إليه دائما في منتديات الحوار -، فهناك من الشيوخ من فرضوا أنفسهم بأخلاقهم وهيبتهم وحب الناس لهم من خلال ما قدموه من عون ومساعدة وظلت بيوتهم مفتوحة لكل محتاج، إن شيوخا  كهؤلاء كانوا أكبر عون للحكومة على الإستقرار وكانت كلمتهم مسموعة من الناس وكانوا من العوامل المهمة لإصلاح الأمور وتوصيل رسالة الناس للحكومة، وهم ممن يحتاج إليهم المجتمع الآن أكثر من أي وقت مضى، ولا يمكن أن نلغي تقليدا متبعا لأن هناك من الشيوخ من تخلى عن دوره الفعلي وأصبح همه فقط هو الحصول على الهبات والمزايا والهدايا على حساب الناس والوطن، إن تصرفات مثل تلك لا توجب علينا أن نلغي الفكرة برمتها، فموضوع المشايخ شائك ومعقد، ومن خلال متابعتي للكثير مما نشر في هذا الموضوع رأيت أن هناك من الشيوخ من يحمل عقدة الشيوخ وبالمقابل هناك من ليس شيخا يحمل في نفسه عقده النقص، وهي عبارة عامة لا يُقصد أحد بها ما، وكل ذلك جعل النقاش يخرج عن إطاره لأنه كان هجوما وهجوما مضادا، وعلى ضوء ما تابعت من المناقشات أتوقع أن هناك الكثيرين ممن سيخالفني الرأي في هذا الموضوع، إلا أن ذلك يجب أن يكون ظاهرة صحية, فالهدف الأساسي من طرحه هو الحاجة إلى وضع علاقة صحية بين الحكومة والشعب من خلال وجود همزة وصل حقيقية تجد القبول من الطرفين وتعمل على المحافظة على المجتمع العماني بمواريثه الدينية والثقافية والمجتمعية والقبلية، خاصة أن الجيل الجديد يفتقد إلى القدوة ويفتقد إلى دور “السبلة” الحقيقي، لدرجة أن يظن البعض أن السبلة هي مجرد موقع ألكتروني وإذ تطور فكره فيعتقد أن السبلة هي مكان لإقامة الأفراح والأتراح فقط كما هو حادث الآن، عكس الدور الذي كانت تقوم به السبلة في الماضي بأن يجتمع فيها الكبار والصغار ويتم تداول أمور الحياة فيها، ويتعلم الصغار من الكبار أهم أبجديات الحياة والأخلاق والمباديء، وهناك مثل قديم في ولاية أدم يذم من هو أخلاقه سيئة يقول: “ما متربّي في سبلة الرحبة” وهي سبلة كانت عامة قبل أن تتخذ كل فخيذة سبلة لنفسها

لقد جاء إلغاء دور الشيوخ متزامنا مع إلغاء دور المشايخ والمساجد، خاصة بعد عام 2005 إذ اختفت الدروس والمحاضرات عن المساجد، وانزوى المشايخ مؤثرين السلامة، وصارت المساجد أماكن للصلاة فقط، وكانت النتيجة أن اختفت الأخلاق من الجيل الجديد وأصبح يتجرأ على كل شيء وكل أحد، مما ينذر بالخطر، ويمكن الرجوع إلى مقال لي سابق في مجلة الفلق الألكترونية بعنوان “الدولة تجني ثمار ما زرعت” ففيه التفاصيل حول خطورة غياب دور المشايخ والمساجد والمدارس والإعلام على جيل الشباب الذين هم عماد الأمة

 أرى أن الأمر أصبح ملحا لتفعيل دور الشيوخ والمشايخ بأي طريقة كانت وليس معنى هذا، الاهتمام فقط بالامتيازات التي يحصل عليها الشيوخ – وهي النقطة التي تثير الناس دائما – بل بأن يكون الشيوخ والمشايخ متفاعلين مع الناس وقريبين منهم من خلال المبادرة إلى العمل على الحفاظ على وحدة الوطن والاصلاح والمتابعة والعمل على رفع مستوى الوعي العام لدى المواطنين وتنمية روح التفاعل مع مكتسبات التنمية بالاستفادة منها والمحافظة عليها، كما يجب أن تكون الأمور واضحة للكل، ما هو دور عضو مجلس الشورى وما هو دور الشيوخ، وهل أعضاء مجلس الشورى قد حلوا مكان الشيوخ؟ يجب أن تكون هذه الأمور واضحة للناس حتى لا تختلط الأمور عليهم، بل حتى لا يختلط الأمر على الشيوخ وأعضاء مجلس الشورى أنفسهم كما هو واضح في شريط الفيديو الذي يتحدث فيه عضو مجلس الشورى عن الشيوخ

بقي أن أشير في نهاية مقالي هذا أني لست شيخا ولا أتقاضى أي امتيازات وكذلك لست عضوا في مجلس الشورى، وهي عبارة لا بد منها حتى تكون الفكرة واضحة وسليمة عند القاريء، والهدف أن تكون هناك مرجعية شعبية حقيقية وفاعلة للناس بأي طريقة كانت حيث تكون في مصلحة طرفي الوطن  الحكومة والشعب

Zahir679@gmail.com

 

العدد الثلاثون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com