” التجربة الهولندية ” -الجزء الثاني-

في هذا الجزء يُواصل يعقوب الريامي سرد تجربته السياحية المُمتعة مع السائحين الهولنديين في ربوع بعض ولايات عمان.

 

ولاية الحمراء تمتاز بطابعها الزراعي و الجبلي ، تشتهر بمواقع سياحية عالمية مثل كهف الهوته و جبل شمس ومسفاة العبريين .

حين كان ردهما أنهما بالأمس مساء زارا كهف الهوته وباتا ليلتهم بالقرب منه ! وليت بهما شطر مسفاة العبريين ، وهي قرية وادعة تقع على سفح جبل ، في البدء تستقبلك منازلها الحجرية وحارتها القديمة . المسفاة تعكس لوحة خضراء رسمتها أشجار النخيل والليمون ، تجري من خلالها فلج متدفق ومن تحتها وادي سحيق . هذه اللوحة محاطة بسلسلة جبال شامخة ، تتعدد ألوانها ما بين حمرٌ وبيضٌ و غرابيب سود .

تجولنا في بساتينها ونزلنا إلى عمق الوادي الذي يمر بمحاذاتها .

حين أزفت صلاة العصر ، طلبت منهم البقاء ريثما أؤدي الفرض .

 

عند خروجي من المسجد التقيت برجل كهل يمشي على ثلاثة أرجل .

تحدثنا معا ونحن نقترب من صاحباي ، بعدها اجتماعنا كلنا ، سألني الرجل وهو يتأمل وجههما :

–  من هؤلاء ؟

قلت له :

–  أنهما سائحان هولنديان نزلا ضيوفا عندي .

صمت لبرهة ثم قال ونظرات مريبة يطلقها باتجاه السائح الأسمر :

–  حتى هذا هولندي ؟!

قلت وأنا أخفي ابتسامتي العفوية :

– نعم .. ربما يكون من أصوله اسيوية ! .

راح يردد نعم .. نعم .. دلالة على اقتناعه بالجواب .

 

مع أنهما لا يعرفان العربية أخال أنهما فهما استفسار الرجل ، والدليل أن السائح الأسمر كان يعدل نظارته مع تغيير طفيف في ملامح وجهه ! .

 

طاف بذهني سؤال مهم فطرحته عليه :

–  بحكم أنك من سكان مسفاة العبريين ، هل تجدون مضايقات من السياح عموما ؟ .

كان جوابه سريعا مشوبا بانفعال خفيف :

–  الكل يعلم أن بيوتنا متقاربه ومنها يقع داخل البساتين ، فنجد السياح يتحركون أمام عتبة أبوابها ، فربما تقع أبصارهم على خصوصياتنا وعوراتنا فنجد الحرج من ذلك ، قد نتغاضى عن هذا لكن ما لا نقبله أبدا ونرفضه بتاتا هو تبرج النساء وكشفهن لمفاتنهن … ، ظل يشرح ذلك مشيرا بيده إلى ساعديه والنحر والفخذين ، في تلك اللحظة مرت سائحة أوربية تلبس قميصا من الصوف ساترا بدنها حتى الذراعين مع بنطلون واسع ، حين رآها أشار إليها مدللا فكرته بأن مثل هذا اللباس هو المقبول ، صمت قليلا ثم أردف مشركا السياح الرجال في الستر كذلك .

 

تحدثت معه في هذا الموضوع مؤكدا دور وزارة السياحة في تنبيه السياح بعاداتنا وقيمنا ، كذلك واجب السياح في إعطائها كفلا من الاحترام .

 

استأذنا الرجل معتذرين من دعوته اللحوحة لنا للقهوة .

ملاحظة لا بد من ذكرها في الفترة القريبة شاهدت لوحة كبيرة معلقة عند مشارف المسفاة . اللوحة تعرض شرحا مفصلا للعادات العمانية لعموم الزوار والسياح الأجانب خاصة ، وتقدم إرشادات أثناء تجوالهم . بحق أنه عمل يستحق التزكية .

بدأنا نعود أدراجنا .. في القرية لمحنا متجراً متواضعاً فدعوتهم إلى المثلجات .

قعدنا على سفح صخرة كبيرة تطل على مزارع تنبسط على أسفل مجموعة جبال .

رغبت أن أبين لهم كلمة الرجل الكهل ، لتكون فائدة لهم ولغيرهم ، فسألتهم :

– هل أدركتم ما الذي كان يتحدث عنه ذلك الرجل ؟

رد أحدهم :

– كأنه يتحدث عن حال السياح وستر النساء ، وهذا لحضناه من حركة يديه ! .

أعجبني فهمهم اللبق …

ثم أنهما أبديا اقتناعهما باختلاف الثقافات بين الشعوب وضرورة احترام الآخرين لها .

 

* في بحث طويل كتبه الأستاذ محمد بن سعيد الشعيلي بعنوان ( الهولنديين و الخليج العربي ) سأعتمده كمرجع – وله جزيل الشكر والامتنان – لتوضيح العلاقة القديمة بين هولندا كدولة لها أطماع في الخليج العربي بعمومه ثم علاقتها بالدولة العُمانية ، باختصار .

 

”  الهولنديين و الخليج العربي ” .

* في بداية القرن السابع عشر الميلادي كان الخليج العربي حلبة الصراع بين الهولنديين والإنجليز والبرتغاليين .

* لم يـدُم الاتفاق بين الهولنديين والإنجليز في حربهم ضد البرتغاليين لإضعاف نفوذهم في الشرق ، فالتنافس الاستعماري بين الأثنين ظل يرتكز على سياسة المصالح .

* بقت العلاقات الهولندية والفارسية أكثر متانة ، حيث أتاحت للأولى حرية تجارية كبيرة حققت أرباح عظيمة ، خاصة في تجارة الحرير الفارسي .

* ما بين ( 1652م- 1674م ) نشبت حروب معلنة بين الهولنديين و الإنجليز ، كل منها يسعى لتكوين نفوذ سياسية أو تدعيم مراكزه التجارية في الخليج العربي .

* منذ عام 1688م أخذ النفوذ الهولندي في الخليج العربي في الضعف ، وبدأت تفقد مراكزها التجارية لصالح انجلترا ، ومن اسباب ذلك دخول الفرنسيين كمنافسين في الخليج العربي .

* ظل صراع الأطماع مستمرا بين الهولنديين والإنجليز إلى أن اضطرت الشركة الهولندية إلى الانسحاب من البصرة في عام 1753 ثم بندر عباس عام 1759م ، بعدها قضى العرب على آخر موانئهم الحصينة في خرج عام 1766م ثم تصفية نفوذهم نهائيا .

 

”  العلاقات الهولندية العُمانية “

* فشل مشروع الحملة الهولندية والفارسية والإنجليزية للاستيلاء على مسقط ، خاصة بعد وفاة عدد كبير من الجنود الهولنديين بسبب الوباء .

* تضاءل اهتمام الهولنديين بمسقط في عام 1633م، وتخَـلّو عن أخذ مسقط بسبب عدم وجود قوة برية مساندة للهجوم البحري .

* بعد طرد دولة اليعاربة للبرتغاليين من مسقط ، تكونت علاقة مصالح مشتركة بين الهولنديين والدولة الجديدة ، ففي عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي قدم للوكالة الهولندية في جمبرون رخصة لاستخدام الطريق البري لنقل البضائع الهولندية بواسطة الجمال عبر الأراضي العمانية إلى القطيف و البصرة بدلا من جمبرون , كان هدف الإمام كسب الشركة الهولندية إلى جانبه في صراعه مع البرتغاليين وإلحاق الأذى بالمصالح الاقتصادية البرتغالية في كونغ .

 

بعد ساعة ستغرب الشمس ، فاستفسرت منهم موقعهم القادم ، كان جوابهم وادي بني عوف .

عصرت ذاكرتي واستدعيت معلوماتي الجغرافية فلم أجد هذا الوادي المزعوم في أطلس عقلي .

فقلت لهم بثقة :

–  لا يوجد في بهلا ولا الحمراء وادي بهذا الاسم ، هل متأكدان أنه يوجد في عُمان أصلا ؟! .

 

قالا بنبرة اليقين :

–  أنه وادي يقصده السياح للتنزه وممارسة الرياضة ، الوصول إليه يبدأ بطريق مختصر من الحمراء ، أي أن الوادي يقع في ولاية أخرى ! .

 ثم  أخرج أحدهم من حقيبته كتاب إرشادي للسائح في عُمان ، قلب الأوراق سريعا إلى أن وصل فقرة التعريف بوادي بني عوف ، مع أني قرأتها إلا أني لم أستوعبها جيدا بسبب لغتها الانجليزية الثقيلة وشرحها المقتضب .

لا مراء أن الكثير منا يجهل أماكن في وطننا لا يعرف عنها غير الاسم ، تقعد به ضعف الهمة و تسويف الزيارة إلى أن يمضي العمر وهو لم يصعد الجبل الأخضر بالرغم أنه يسكن في الولاية المجاورة له ، أو لم يجول في خاطره يوما بزيارة جزر الحلانيات ، أو تحدثه نفسه الأمارة بالخير بالتعرف على مدينة كمزار ، بعدها يأتي السائح الأجنبي يظهر لنا أستاذيته كمرشد لنا ، وهذا يناقض كون أهل مكة أدرى بشعابها ! .

 

اتفقا على أن يعودا بي إلى بهلا ثم يستكملان رحلتهما إلى وادي بني عوف بطريقتهما الخاصة .

بينما كنا ننسحب من المسفاة ، إذ بنا نقابل ذلك الكهل الغيور مرة أخرى ، ألفيناه يمشي في الطريق وحيدا ، اقتراحي لهما بأن نضمه معنا إلى السيارة قوبل بترحاب .

طافت بي فكرة سؤاله عن موقع وادي بني عوف . كان جوابه أن الوادي يقع في ولاية الرستاق وله طريق من الحمراء ، وهو طريق جبلي يصعد بسالكه بلدة سيت ثم يزل به إلى أودية الرستاق إذ أن الفاصل هو سلسلة جبال ، ثم وعدنا أن يدلنا على الطريق عندما نصل الحمراء ، وقد فعل .

 

في طريق العودة وقفنا لحبس ظل أشكالنا في ورقة ملونة للذكرى الطيبة .

 

في نفس المكان الذي التقيت بهما صباحا هو ذاته الذي ودعتهما فيه ، داعيا الله ربي وربهم أن يجنبهم وعثاء السفر .

 

لا يفتني هنا ذكر مواقع أخرى في بهلا تستحق الزيارة :

حصن سلوت الأثري – مكتبة الندوة العامة – الفتح .

 

5-  حصن سلوت الأثري :

سلوت موقع أثري ضارب في عمق التاريخ ، على شكل مستوطنة تحصينية محاطة بسور حجري ضخم ، الموقع يعود الى نهاية الالف الثاني وبداية الالف الاول قبل الميلاد وهي الفترة المماثلة لحضارة مجان .

التاريخ يذكر مسمى معركة سلوت التي انتصرت فيها قوات مالك بن فهم على جيوش الفرس ثم استقرار ملك عُمان له .

الحصن نتصار

 

 

 

يقع في بسيا .

 

6-  مكتبة الندوة العامة :

تُعد من أكبر المكتبات الأهلية في عُمان ، كانت بدايتها عام 1996م ، تضم أكثر من 25 ألف عنوان كتاب .

لها أنشطة ثقافية : المسابقات الثقافية – منهل الندوة – المعارض – الملتقيات السنوية – الاحتفالات -المقهى الأدبي .

تقع في حلة المستغفر ، بجانب مسجد عائشة الريامية .

 

7- الفتح :

هي مجموعة أراضي زراعية ، تحفها أشجار النخيل والسدر ، يتفجر من حولها فلج دائم الجريان ، يحج إليها الناس للتنزه والاسترخاء .

تقع في أطراف منطقة السفالة .

 

كم كانت سعادتي حين تزين صندوق بريدي الالكتروني برسالة عابرة للقارات ، كانت من أحدهم ، تتضمن كلمات الشكر الجزيل والثناء العطر .

سألت نفسي …

عما إذا كنت أظهرتُ لهم صورة جميلة وانطباع حسن لسلوك المسلم العربي العُماني ؟

 

هذه هي تجربتي الهولندية وتلك هي التجربة الدنماركية لـ عادل إمام ! .

 

 

 

 

 

 

العدد الثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

يعقوب الريامي

كاتب عماني