تعود بي الذكرى إلى تاريخ 9 يونيو عام 2004م عندما تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله- واصدر مرسوما سلطانيا ساميا رقم 61/2004م بإنشاء وزارة للسياحة وتعيين وزيرا لها، وقد كانت هذه بداية البشرى السعيدة، كان هذا المرسوم هو نقطة الإنطلاقة لأحلام العمانيين في العيش في بلد سياحي يكون اقتصاده ولأول مرة في تاريخ الخليج ليس معتمدا على النفط فقط بل سوف تكون السياحة هي مصدر الدخل اذا لم يكن الأول فهو الثاني بلا منازع، ونظرا لطبيعة عمان الصحراوية وتصنيفها ضمن المناطق الغير خصبة والمناطق الجافة فإننا فقدنا الأمل في الاعتماد على الثروة الزراعية والحيوانية، كذلك نظرا لتقدم بعض دول الجوار في مجال التجارة والصناعات بمختلف انواعها فإن السلطنة ستكون منافسا في ذيل القائمة، وكان إنشاء وزارة السياحة هو خيط الأمل لأحلام ما لبثت أن تلاشت وتبددت مثل سحابة صيف عابرة.
إن التنوع الجغرافي الموجود في سلطنة عمان شيء تحسد عليه السلطنة لدرجة اننا حسدنا انفسنا عليه، وصدق الشاعر حين قال: لله در الحسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقتله… كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، فما زالت وزارة السياحة حبلى وقد دخلت عامها التاسع، ولم نر أي اعراض للولادة او حتى المخاض وأخاف أن يسقط الحمل دون ان يكتمل بإلغاء هذه الوزارة.
في الحقيقة لا اعرف من اين ابدأ ولا أين سوف انتهي! فمن الحرقة والألم على ارضي ما ينغص مرقدي، وما اراه من تخبط عشواء في طريقة إدارة السياحة في بلدنا لا يبشر بمستقبل واعد لهذه الصناعة المهمة التي باتت جميع دول العالم تمتهنها بحرفية تامة وتصنعها بخيوط ذهبية تعكس رؤى حالمة وبمؤشرات واعدة، وانا لست بصدد ذكر تلك الدول أو ارقام السياح سنويا ولكنني اذكر اننا إن كنا لا نملك نفس المقومات إلا اننا لا نفتقر منها، بل وبالعكس فلدينا التنوع الجغرافي لدرجة أنه في فصل الصيف بينما درجة الحرارة في دول الخليج تصل أكثر من 55 نحن لدينا مناطق تكون بها درجة الحرارة 20 أو ربما اقل، كما ان لدينا الخريف والجبال والأودية والصحراء والشواطئ والسهول والأفلاج والقلاع و….و…. قائمة لن تنتهي مما يؤهلنا بأن نكون الدولة الخليجية الأولى في مجال السياحة والأنشطة التابعة لها.
نحن لا ننكر جهود وزارة السياحة في نشر إعلان ” السياحة تثري ” وهذه حقيقة مرة إذا ما تكلمنا عنها بكل صراحة، صحيح أن السياحة تثري ولكن تثري من؟؟ ومما اغاضني حقا أنه انتشرت تغريدة في تويتر لأحد المواطنين في دولة مجاورة عند ذهابه إلى أحد المراكز التجارية بدولته كتب فيها تعليقا: (ارجوكم دلوني على خياط يفصل عماني عشان ما احس أني غريب في بلادي)، أيصل بنا الأمر أن نثري بلدان الآخرين بسياحتنا ونستقبل الإهانات لأننا لا نستطيع السياحة في بلادنا؟ ولنكن منصفين فإن كلامه صحيح وقد عشت التجربة بنفسي عند ذهابي لحديقة الحيوانات في الدولة الشقيقة وجدت المواقف مكتظة بمركبات تحمل ارقاما عمانية وما لبثت أن دخلت حتى شعرت بالراحة كون ان 90% من مرتادي الحديقة هم من العمانيين! حتى أن قنوات الحيوانات التلفزيونية مملوكة لنفس الدول، ألا تستطيع دولتنا إنشاء حديقة حيوانات لأطفالنا يتعلمون منها انواع الحيوانات وطريقة معيشتها؟؟ ومن المضحك أنني زرت حديقة حيوانات خاصة لأحد المواطنين في ولاية منح وقد رأيت القطط والأغنام والكلاب والحيوانات التي يراها أطفالنا يوميا وبالمجان وقد قال لي احد اطفالي: بابا نريد حديقة فيها اسد وزرافة…. ورددت عليه بمضض ربما هذه سوف تنفذ ضمن رؤية عمان 2020.
“السياحة في الدار افضل خيار” هو ايضا من جهود وزارة السياحة في الإعلانات التي لا تجد حتى تقبلا من المواطنين وجميع العمانيين يعرفون السبب، نعم السياحة في الدار جيدة ولكن إذا ما قارنا التكلفة الإجمالية للرحلة فربما تكون السياحة في احد دول شرق آسيا لمدة اسبوع ارخص من السياحة في بلادي، كما أن انعدام الخدمات الأساسية مثل دورات المياه تجعل الشخص يفكر الف مرة قبل اختيار السياحة في الدار، ومن لا يملك الخيار فإنه يدبر اموره لدرجة أن المواطن العماني اصبح من أخبر الجنسيات في التخييم وقضاء الحاجة في العراء.
نحن لا نطلب الحلول السحرية أو الجهود الخارقة والشيء العجاب، ولكن يكفي بأن يطبق المسؤولين في وزارة السياحة ما يروه في الدول التي لا ينقطعون عن زيارتها على مدار العام، وإن كانت الحكومة لا تملك الموازنات فيمكن فتح باب الاستثمار للشركات مثل الشركة التي تدير كهف الهوته، ولا نطلب مشاريع مثل الموج أو المدينة الزرقاء التي ليس لها علاقة بسياحة المواطن البسيط وتقتصر على فئة تعد بالأصابع، كما نطالب بتطوير الخدمات السياحية ابتداءا بتطبيق رؤية ورسالة وأهداف وزارة السياحة وتطوير موقعها الإلكتروني الذي يفتقر إلى ابسط الخدمات، والخط الساخن الذي يصبح باردا بعد الساعة 8 مساءً حيث أنه يعمل فقط من 7 صباحا إلى مساءً، نتمنى أن ترى النور تلك الدراسات والإستشارات التي تنشر يوميا في الصحف، نريد أن نلمس بأيدينا ونرى بأعيننا، نريد أن نختبر صدق ودقة حواسنا في حقيقة وجود السياحة في بلادنا.
الحديث في هذه الموضوع ذو شجون ويطول ولكن اليس من حقنا أن نحلم احلاما واعدة؟؟؟ كما نرجو من حكومتنا ان لا تجعلنا عرضة للاحتقار والمهانة بسبب إثراءنا لسياحة الدول مجاورة…
البريد الإلكتروني: future8822@hotmail.com