الطريق إلى مركزيّ سمائل 2!

          في اليوم الثالث، وصل محققان من الإدعاء العام لتجديد الحبس.. يومها وقفت مطوّلا على الساتر الزجاجي للزنزانة التي كنت بها، ذلك أنّ شرطة المهام الخاصة التي كانت تتولّى الإشراف علينا، وليس شرطة السجن المركزيّ، تأخذ كل سجين على حدة لمقابلة محققي الإدعاء العام، وقفت مطوّلا.. لأول مرة وبعد 33 يوما من الاعتقال، أرى أصدقاء المعتقل.. سلطان السعدي..علي الحجي.. إسماعيل المقبالي..حسن الرقيشي..إسحاق الأغبري!!

          كان مرورهم أمام الزنزانة وتبادلنا التحية والابتسام في صمت كافٍ لانشراح النفس.. اهتزّت روحي وأنا أنظر لصديقي إسماعيل.. لطالما اعتقدت سيتم اتهامه بتنظيمات ارهابية وأخوانية وأننا لن نراه مرة أخرى. اقترب  من الساتر الزجاجي،ألقى التحيّة علي في صمت وابتسامة عريضة ودهشة لرؤيته لي. كنّا جميعنا بذقن كبير.. كان ذقني كقبضة اليد، وحزني كيمّ المحيط!

          لم تمرّ سوى لحظات حتى سمعت أصواتا في الخارج،اقتربت من نافذة باب الزنزانة، وكانت أصوات الأصدقاء يتحدثون.. ناديت عليهم : “السلام عليكم جماعة”… كل فرد فينا يرحب بالاخر.. كالعيد كانت أصواتهم.. كالعيد كان تواصلنا.. فرحة ملأت عتمة القلب نورا..كانت لأصواتهم لذّة..تسري عبر المسامع للروح..لذّة للآن حلاوتها كلما عادت بها الذكرى سمت بالروح.

          كانت أحاديثنا عن اعتقالنا..وظروف التحقيق معنا.. وعن توقعاتنا لقضيتنا..ومنذلك الحين، اكتسبت “نافذة” باب الزنزانة مكانتها الخاصة.. كنّا نوزع أوقات الحديث صباحا ووقت العصر، ويطول أكثر في المساء، بعد صلاة العشاء.. كنّا نستمر في الحديث حتى وقت الفجر غالب الأوقات.زنزانتي كانت عنبر 2، على يساري عنبر1 وبه حسن الرقيشي، وعلى يميني عنبر3 وبه علي الحجي،إسماعيل المقبالي عنبر4، إسحاق الأغبري عنبر5، وسلطان السعدي في الزنزانة الأخيرة عنبر 6.

          كل شي كنّا نفعله.. كنت أضرب الجدار لحسن وعليّ حين نريد أن نبدأ حوارا ما، كان إسحاق عادة يتولّى قراءة دعاء ما علينا، كنّا نغني.. كنا نلقي القصائد.. كنّا نتبادل كافة انواع الأحاديث، كلّ ذلك عبر نافذة باب الزنزانة التي لا يزيد حجمها عن 40*50 سم، نافذة كانت تُسرّب لأرواحنا البهجة التي افتقدناها في معتقلات الأمن السريّ.

          بعد اسبوع من السجن، توالت الزيارات علينا.. وفي يوم أحد وافق 15 يوليو.. أتى لزيارتي شقيقي خالد وأخي أحمد والناشطة والإعلامية الرائعة باسمة الراجحي..!

*

          حين أقبل علينا أحد أفراد الشرطة ليخبرنا أن رمضان سيكون في الغد.. تبادلنا التهنئة..ولكن كان في كل تهنئة نتبادلها، نتبادل أحزاننا..!!! طالبنا جميعنا أفراد شرطة المهام المشرفين علينا، أن نصلي “التراويح” جماعة، ولكنهم رفضوا طلبنا بحجة أنها الأوامر تقتضي ذلك.. لا صلاة التراويح.. ولا السحور.. ولا الإفطار.. كل شيء كنّا بمفردنا نمارسه.. المرارة التي نبلع غصّتها في كلّ يوم من رمضان..كنّا كلما طالبنا باتصال هاتفيّ يُطلب منّا كتابة رسالة لمدير مركز الإيواء للموافقة على إجراء المكالمة.. غير ذلك، ما كنّا نغادر الزنزانة.. 24 يوما..في زنزانة انفرادية حجمها تقريبا 5*13 م، 24 يوما آخر 11 يوم منها كانت أيّام رمضان، نمارس فيه صومنا وصلاتنا منفردين مع الصمت والحزن!.24 لا كتاب نقرأه غير القرآن، حتى جريدة عمان التي كانت تصل باسم سلطان السعدي، ويقوم سلطان بعد قراءتها بتوزيعها علينا، تم منعها من الوصول إلينا في الأسبوع الأخير.. 24 يوما، لا صاحب لنا فيها غير فِراش وبطانية.. 24 يوما نسمع فيها أصواتنا..دون أن يرى أحدنا الآخر!

          في مساء اليوم ال 24، (31 يوليو ) مرّنا المسؤول عن فرقة المهام الخاصة المشرفة علينا، ليوزّع علينا ملابسنا الشخصية، ويطلب منّا التجهز صباح اليوم التالي، لأنه سيتم أخذنا إلى المحكمة!!!!

الحادي والثلاثون سياسة

عن الكاتب

نبهان الحنشي

كاتب وأديب عماني