مرافعة المحامي خليفة الهنائي للدفاع في قضية التجمهر

من الثابت قانونا أن جريمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام تتطلب قصدا جنائيا خاصا يتمثل في إنصراف إرادة المتهمين إلى إحداث إخلال بالنظام العام – فتجمع أو تجمهر عدد من الناس لا يشكل جريمة في حد ذاته – وإنما يجب أن يكون هذا التجمهر مقرونا بنية الإخلال بالنظام العام – وهذا القصد الخاص هو مناط تأثيم فعل التجمهر والقول بغير ذلك مؤداه خضوع أي تجمعات بشرية في أي مناسبة اجتماعية أو دينية أو ثقافية للتجريم وهو ما يتنافى ومنطق الامور.

 

 

لدى محكمة الاستئناف بمسقط

(الدائرة الجزائية )

في الاستئناف رقم                    /2012م

 

 

المقام من:

سعيد بن سلطان بن علي الهاشمي                                             (متهم أول)

بدر بن ناصر بن علي الجابري                                                     (متهم سادس)

خالد بن صالح بن عبدالله النوفلي                                           (متهم سابع)

محمود بن حمد بن ثاني الرواحي                                            (متهم ثامن)

محمود بن خليفة بن ناصر الجامودي                             ( متهم حادي عشر)


ويمثلــــــهم: مكتب خليفة الهنائي للمحاماة والاستشارات القانونية.

وعنوانـــه: العذيبة الشمالية ـ شارع 18 نوفمبر ـ أمام مركز القبول الموحد ـ فيلا رقم 115.


ضــــــد:

الادعاء العام بمسقط                                    (ممثل سلطة الاتهام – مستأنف ضده)



الموضوع/   مذكرة شارحة لأسباب الاستئناف ودفاع المتهمين المذكورين أعلاه وفق الترتيب الوارد بقرار الإحالة والحكم المستأنف

 


بوافر الاحترام والتقدير ونيابة عن المتهمين المذكورين أعلاه بموجب سندات الوكالة المرفقة (مستندات أرقام (1، 2، 3، 4، 5) نتشرف بتقديم

مذكرة شارحة لأسباب استئناف ودفاع المتهمين في القضية أعلاه وفق الوقائع والدفاع والطلبات الآتية:


أولا/ الوقـــــائـع:


حرصا على ثـمين وقت عدالتكم نحيل  بشأنها إلى ملف الدعوى والحكم المستأنف الصادر فيها.  إذ قضى الحكم المذكور بتاريخ 8/8/2012م بالآتي:


أولا:    إدانة جميع المتهمين من الأول وحتى الحادي عشر بجنحة التجمهر بقصد إحداث شغب وقضت بمعاقبتهم بالسجن لمدة ستة أشهر وبغرامة مائتي ريال.


ثانيا:   إدانة جميع المتهمين من الأول وحتى الحادي عشر بجنحة تعطيل حركة المرور وقضت بمعاقبتهم بالسجن لمدة سنة.


ثالثا:   إدانة المتهمة الثالثة بجنحة إهانة الموظفين وقضت بمعاقبتها بالسجن لمدة   شهرين.


رابعا:    إعلان براءة المتهم التاسع من جرم مخالفة الأنظمة الإدارية على أن تدغم العقوبات بحقهم جميعا وينفذ منها الأشد ويفرج عن المتهمين بكفالة مالية مقدارها ألف ريال عن كل متهم في حال استئنافهم الحكم بغية عدم تنفيذه.

لم يرتض المتهمون الحكم المتقدم لمخالفته صحيح القانون فطعنوا عليه بالاستئناف الماثل خلال القيد الزمني المحدد قانونا.


لذا يلتمس المتهمون المدرجة أسماؤهم بصدر هذه المذكرة من عدالة المحكمة الموقرة –  قبول الاستئناف شكلا:

 

 

ثانيا: أسباب الاستئناف ودفاع المتهمين


أخطأ الحكم المستأنف في تطبيق صحيح القانون وشابه الفساد في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى إذ أدان المتهمين وآخرين بجنحة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام المؤثـمة بنص المادة (137 جزاء) وكذلك جنحة تعطيل حركة المرور المؤثـمة بنص المادة (137 مكررا) ولبيان أوجه المخالفة وقصور الحكم المستأنف يتعين أن نتناول التهمتين اللتين أدين بهما المتهمون على التفصيل التالي:


أولا:   بالنسبة لتهمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام المؤثـمة بنص المادة (137 جزاء)


الدفوع القانونية:


يدفع المتهمون ببطلان القبض عليهم وما تلاه من إجراءات التحقيق والإحالة وهو دفع مبدئي مؤسس على أن القبض عليهم تم مع انتفاء الجريمة.


يدفع المتهمون بانتفاء جريمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام لانعدام القصد الجنائي الخاص المتمثل في الإخلال بالنظام العام.

 

 

من الثابت قانونا أن جريمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام تتطلب قصدا جنائيا خاصا يتمثل في إنصراف إرادة المتهمين إلى إحداث إخلال بالنظام العام – فتجمع أو تجمهر عدد من الناس لا يشكل جريمة في حد ذاته – وإنما يجب أن يكون هذا التجمهر مقرونا بنية  الإخلال بالنظام العام – وهذا القصد الخاص هو مناط تأثيم فعل التجمهر والقول بغير ذلك مؤداه خضوع أي تجمعات بشرية في أي مناسبة اجتماعية أو دينية أو ثقافية للتجريم وهو ما يتنافى ومنطق الامور.


وإذ خلص الحكم المستأنف إلى ثبوت القصد الجنائي لدى المتهمين ومن ثم إدانتهم استنادا على محضر التحري وشهادة كل من المقدم/ أحمد الرواس والمقدم/ علي بن عبدالله باصديق وهو استخلاص غير سديد إذ لم تقف المحكمة على الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتعلقة بها فجاء حكمها قاصرا في البيان خارجا عن نطاق الاقتضاء العقلي والمنطقي فيما خلص إليه؛ فالجرائم التي يتطلب فيها المشرع قصدا جنائيا خاصا يلزم لقيامها ثبوت هذا القصد ثبوتا يقينيا إلا أن الحاصل في الدعوى الماثلة أن المحكمة مصدرة الحكم المستأنف وفق الثابت بالأوراق في معرض تسبيبها لما انتهت إليه من قضاء قد ارتكنت في ثبوت القصد الجنائي على اعتبارات وافتراضات قانونية وليس على أدلة مستمدة من حقيقة الواقع.

 

 

بيان ذلك:

أولا/       إن محضر التحريات الذي استند عليه الحكم المستأنف اتسم بعدم الجدية والتناقض وأن محرره هو أحد شاهدي الإثبات – وقد تضمن المحضر المذكور تقسيمات لمواقف ثلاثة على اعتبار أن الوقفة السلمية للمتهمين كانت على مدار ثلاثة أيام بدء من 9 يونيو ، 10يونيو ، 11 يونيو؛ حيث تم القبض عليهم في اليوم الأخير ومن مظاهر عدم جدية هذه التحريات وعدم معقوليتها الآتي:


تضمن محضر التحريات تحت عنوان (الموقف الثاني – 10/يونيو2012م) ما نصه  (تلقى مركز شرطة الوطية بلاغا عن وجود تجمهر عدد من الأشخاص أمام مقر قيادة شرطة المحافظة وأن قوة من المركز قد انتقلت إلى المكان وقد أثبت محرر المحضر أن المتهمين غادروا المكان في تمام الساعة (18,30/ ½6) وأضاف كما ورد نصا بالمحضر المذكور ( … مع العلم بأن تواجدهم سبب تعطيل الحركة المرورية لكون المارة يقومون بالتوقف لمشاهدة المعتصمين والعبارات المدونة باللوائح، وكذلك تجمهر عدد من المواطنين والوافدين هو دليل على الإخلال بالأمن العام…)


وهنا يثور التساؤل التالي:


إذا كان وجود المتهمين سبب تعطيل لحركة المرور في اليوم الثاني من وقفتهم الموافق 10/6/2012م – فلماذا لم يتم إلقاء القبض عليهم في ذلك اليوم بما أن الجريمة قد وقعت؟؟ إن ذلك دليل على عدم جدية وصحة هذه التحريات وأن القبض على المتهمين كان له بعد وسبب آخر لا علاقة له بتعطيل الحركة المرورية المدعى بها .


أيضا أشار محضر التحريات إلى (تجمهر) عدد من المواطنين والوافدين معتبرا أن ذلك دليل على الإخلال بالأمن العام، ولو كان ذلك صحيحا  فلماذا لم يتم إلقاء القبض على هؤلاء أيضا على أعتبار  أنهم قد ارتكبوا ذات  الفعل المنسوب للمتهمين؟؟

 

 

أيضا تضمن محضر التحريات تحت عنوان (الموقف الثالث – الاثنين الموافق 11/6/2012م) أنه في تمام الساعة (17:30)  تجمهر (26) شخص من ضمنهم (5) نساء حيث حدث تعطيل لحركة المرور …. ويضيف… حيث تمت العملية وفق الخطة المحددة وهي تطويق المعتصمين ومن ثم القبض عليهم وإدخالهم الحافلات…

وهنا يثور التساؤل التالي:


إذا كان عدد من ألقي القبض عليهم هو (26) شخص وفق الثابت بمحضر التحري. فلماذا تم إحالة (11) شخص منهم فقط إلى المحاكمة الجزائية وفق الثابت بقرار  الإحالة  والحكم المستأنف؟  مع أن الـ (26) شخصا منسوب إليهم ذات الفعل؟ وما هو المعيار الذي اعتمدت عليه سلطات التحقيق والإحالة في تصنيف المتهمين؟ ولماذا لم ترفق سلطات التحقيق قرار حفظ الدعوى لمن صدر بحقهم لمعرفة الأسباب التي بني عليها؟ إن الإجابة الوحيدة على هذا التساؤل هي أن قرار إحالة المتهمين الأحد عشر إلى المحاكمة الجزائية كان انتقائيا بما يدلل على كيدية الاتهام، كما إن حفظ التحقيق لمن صدر بحقهم يدلل أيضا على عدم صحة تهمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام إذ لو كان الامر بخلاف ذلك لأحيل جميع المتهمين الـ (26) إلى المحاكمة على اعتبار  أنهم قد ارتكبوا ذات الفعل.


استقر القضاء الجنائي على أن تحريات الشرطة بحسبانها قرينة لا تصلح بمفردها أن تكون دليلا كافيا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام – فهي لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد حتى يتحقق القاضي بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية في الإثبات.


وإذ عول الحكم المستأنف في إدانته للمتهمين على تحريات الشرطة باعتبارها دليلا إذ أشار الحكم المذكور بالصفحة  رقم  (13) منه إلى أن المحكمة تطمئن لثبوت واقعتي التجمهر ثبوتا كافيا في حق جميع المتهمين من خلال توافر أركان الجريمة وذلك من خلال  ما ورد بمحضر التحري المرفق بملف الدعوى ومن خلال شهادتي الإثبات.


وإذ الثابت أن التحريات قد اتسمت بعدم الجدية والتناقض وعدم المعقولية على النحو الذي أشرنا إليه وعلى ما سنضيفه إبان تناولنا للتهمة الثانية وهي (تعطيل حركة المرور) – فإن الحكم المستأنف على هذا النحو يكون قد شابه الفساد في الاستدلال إذ عول على تحريات تفتقد إلى استقامة المشهد خاضعة لتصور شخصي لمن قام بها وهي قرينة لا ترقى لمرتبة الدليل المعتبر قانونا بما كان يتوجب معه طرحها وعدم التعويل عليها بما يترتب على ذلك من آثار وأبرزها أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذ سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة وجدير بالذكر أن محرر محضر التحريات هو المقدم/ علي باصديق وهو أيضا أحد شاهدي الإثبات تلك الشهادة التي لم تخل من المثالب التي تهدر قوتها التدليلية في الإثبات بما يقتضي استبعادها وعدم التعويل عليها أيضا على النحو الذي سيأتي بيانه في موضعه.

 

 

ثانيا:1.   إن الحكم المستأنف لم يحصل واقع الدعوى وشابه فساد جلي في استخلاص ثبوت القصد الجنائي الخاص المتمثل في قصد الإخلال بالنظام العام إذ اعتمد على أن ثبوت  فعل التجمهر دليل على توفر القصد الجنائي – بل ذهب الحكم المستأنف إلى أبعد من ذلك وفق الثابت بالصفحة رقم (14) منه  – إذ اعتبر أن التجمهر في حد ذاته ومجردا هو جريمة، مخالفا بذلك النص التشريعي الذي اشترط للعقاب على فعل التجمهر أن يكون بقصد الإخلال بالنظام العام –  ومؤدى ذلك أن فعل التجمهر مجردا لم يؤثـمه المشرع إلا إذا أقترن بقصد الإخلال بالنظام العام بما يدلل على أن الحكم المستأنف قد ذهب إلى تأويل الوقائع وحملها ملا يمكن أن تحتمله.


إن القصد الجنائي لا يفترض بل لا بد من إقامة الدليل عليه وهو يستخلص من كافة الظروف والملابسات المحيطة بالواقعة إلا أن الحكم المستأنف اعتمد كليا على وصف شاهدي الإثبات وهما من رجال الشرطة وأحدهما هو محرر محضر التحريات كما أشرنا سلفا فقد استند الحكم المستأنف وفق الثابت بالصفحة رقم (14) إلى (الشهادة) بجلسة 27/6/2012م دون أن يحدد اسم الشاهد وهو قصور مبطل إذ يجب لسلامة الحكم بالإدانة أن يورد مضمون الدليل الذي استند عليه ومصدره وإذ خلا الحكم المستأنف من ذلك فإنه يكون مشوبا بالغموض والإبهام.


2. كما إن الحكم المستأنف اعتمد وصف  شاهدي الإثبات وهما شرطيان بأن هناك تعطيل لحركة المرور رغم ما شاب الشهادة من تناقض وعدم اتساق إذ أسند الحكم المستأنف بالصفحة رقم 14 للشاهد الذي لم يسمه قوله (وبدأت حركة المرور بالتباطئ  لأن المداخل ضيقة وبدأ إزدحام مروري وأن ذلك يعد إخلالا بالنظام العام ….)

وهنا يثور التساؤل التالي:  هل التباطؤ في حركة المرور والازدحام المروري كان بسبب فعل المتهمين أم لضيق المداخل؟


بل والأكثر من ذلك أن المحكمة مصدرة الحكم المستأنف أناطت إلى سلطة الضبط ممثلة في شاهدي الإثبات وحدهما التقرير بوجود إخلال بالنظام العام من عدمه وفق الثابت بالصفحة رقم (15) إذ ورد ما نصه (… وإن الذي يحدد الإخلال بالنظام العام أو بإحدى عناصره المكونة له هي سلطة الضبط …) مخالفة بذلك مبادئ راسخة في أصول المحاكمات الجزائية منها أن القاضي يبني حكمه على الأدلة التي يحصلها مما يجريه بنفسه ولا يجوز له أن يدخل في تكوين عقيدته حكما سواه – وأن يكون تكوين هذه العقيدة من خلال استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتعلقة بطريق الاستنتاج والاستقراء والممكنات العقلية بما لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.


كما يدلل مأمور الضبط (شاهد) على توافر قصد الإخلال بالنظام العام بالصفحة رقم (15)  بأن التجمهر أدى إلى توافد أعداد كثيرة أحاطت بالمتجمهرين فمنهم من قام بالانظمام إليهم ومنهم من أحاط بهم – ويدحض ذلك القول عدم وجود ثـمة متهم ثبت أنه انضم إلى المتهمين!!

ولماذا لم يسأل أي ممن أحاطوا بالمتهمين على حد قول مأمور الضبط كشهود على الواقعة؟


تناقض الحكم المستأنف مع رواية الشاهد ( الذي لم يسمه) إذ  قرر الشاهد وفق الثابت بالصفحة رقم (14) بأن سبب تباطؤ المرور هو ضيق المداخل في حين أورد الحكم المستأنف بالصفحة رقم (16) في معرض تسبيبه لما انتهى إليه من قضاء (بأن موقع التجمهر تحيط به الطرقات من أربع جهات وجميعها طرق رئيسية)


أخطأ الحكم المستأنف في تكييف جريمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام بأنها من الجرائم ذات القصد الجنائي بمعناه العام بشقيه العلم والإرادة ليخلص بثبوته من خلال علم المتهمين المفترض بكون ما قاموا به من أفعال مجرمة واتجاه إرادتهم مع ذلك على إتيانها – وهو استخلاص غير سديد ترتب عليه تكييف قانوني خاطئ للفعل – فجريمة التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام تتطلب قصدا جنائيا خاصا وهو (قصد الإخلال بالنظام العام) أما فعل التجمهر مجردا فلا يتطلب سوى القصد الجنائي العام بأن يكون المتهم عالما بفعل التجمهر ثم تنصرف إرادته إلى إتيانه وهو إلى هذا الحد ليس مجرما إلا إذا كان مقرونا بقصد خاص يتمثل في قصد الإخلال بالنظام العام وهو الأمر المنتفي بحق جميع المتهمين.

 

 

أهدر الحكم المستأنف شهادة النفي إذ أفاد الشاهد/ راشد بن سالم الراشدي وفق الثابت بالصفحة رقم 10 (… وبالنسبة لعرقلة حركة السير فلم نعرقل السير وإنما الشرطة هي من عرقلت الحركة …) وكذلك شهادة عادل بن سيف البادي الذي شهد بأن المتهمين لم يعطلوا حركة المرور – وقد استقر القضاء الجنائي على تغليب الأدلة التي في صالح المتهم باعتبار أن القضاء هو الملاذ الأخير له – إلا أن الحكم المستأنف استند على شهادة شاهدي الإثبات رغم تناقضها وما شابها من عوار عبر عنه الحكم المستأنف ذاته بالصفحة رقم (16) بقوله: (وحيث أن المحكمة استنتجت الحقيقة ولا ترى ما يعيب استنتاجها من إختلاف رواية الشاهد مع الشاهد الأخر…)


ومن مظاهر هذا التناقض ما أفاد به الشاهد المقدم أحمد الرواس بمحضر جلسة 27/6/2012م بأن حركة المرور بدأت بالتباطؤ لأن المدخل ضيق … وخوفا من الإخلال بالأمن تم القبض على المتهمين وأضاف الشاهد المذكور بأن الحركة المرورية لم تنقطع بشكل نهائي وإنما تباطأت .


إذن فالثابت من هذه الشهادة أن الحركة المرورية لم تتعطل وإنما تباطأت وأن هذا التباطؤ كان بسبب ضيق المداخل وهو أمر طبيعي فعندما تكون المداخل ضيقة يحدث ازدحام مروري بغض النظر  عن وجودد المتهمين من عدمه .. كما إن عبارة (وخوفا من الإخلال بالأمن) التي وردت على لسان الشاهد تعني بوضوح عدم وقوع هذا الإخلال فعلا وإنما تخوف الضابط (الشاهد) من احتمال وقوعه دفعه إلى إلقاء القبض على المتهمين.


أيضا ما أفاد به الشاهد المقدم عبدالله بن أحمد باصديق بجلسة 22/7/2012م بأن الحركة المرورية كانت منضغطة تحت الجسر (فقطعت الحركة كي نمسك بالمتهمين…)


إذن فالثابت من هذه الشهادة أولا أن الشاهد المذكور هو من قام بقطع الحركة المرورية؛ أما انضغاط الحركة المرورية تحت الجسر وعلى فرض حصوله فهو يحدث بشكل اعتيادي دونما سبب آخر.


كما إن الشاهد المذكور في معرض إجابته على السؤال التالي: س: لماذا لم تتم الإزالة يومي السبت والأحد وإنما يوم الاثنين؟

أجاب بالآتي: لإعطاء المتهمين الفرصة لفض الاعتصام.


والملاحظ على هذه الشهادة الآتي:

أن الشاهد نعت الوقفة السلمية للمتهمين بالاعتصام وهو وصف غير صحيح    – لأن الاعتصام يعني الاستمرار وعدم مغادرة المكان – أما وقفة المتهمين السلمية فكانت لمدة ساعة واحدة فقط للتعبير عن بعض الآراء وكانوا ينصرفون من تلقاء أنفسهم مباشرة بعد انقضاء الساعة المحددة وهذا ما حدث في اليوم الأول والثاني وتم إلقاء القبض عليهم في اليوم الثالث بعد مرور عشر دقائق من بداية وقفتهم.


إن تبرير الضابط (الشاهد) عدم قيامه بإنهاء وقفة المتهمين وإلقاء القبض عليهم في اليومين السابقين بأن ذلك كان بقصد إعطاء المتهمين فرصة لفض ما وصفه هو (بالاعتصام) يدل على عدم وجود إخلال بالنظام العام إذ لو كان ذلك قد حدث فعلا وبما أنه يشكل جريمة فلا يملك مأمور الضبط (الشاهد) أن يمنح مرتكبها ثـمة فرصة – بل من واجبه بما أن الجريمة قد وقعت أن يتخذ الإجراءات القانونية – وعدم القبض على المتهمين في اليومين السابقين دليل على أنه لم يكن هناك إخلال بالنظام العام أو تعطيل حركة المرور وعليه فإن الحكم المستأنف أخطأ في تطبيق صحيح القانون إذ عول في قضائه بإدانة المتهمين على شهادة الضابطين رغم اتسامها بالتناقض وعدم المعقولية.

 

 

أهدر الحكم المستأنف كافة القرائن المستوحاة من ظروف وملابسات الواقعة وأهمها:


أن وقفة المتهمين كانت سلمية للتعبير عن آرائهم في مسلك حضاري راقٍ على النحو المبين بالصور المرفقة.


أن ما قام به المتهمون حق كفله لهم النظام الأساسي للدولة واكد عليه جلالة السلطان حفظه الله – في أكثر من مناسبة.


أن الوقفة السلمية للمتهمين امتدت ليومين سابقين على اليوم الذي ألقى فيه القبض عليهم وكانت لمدة ساعة واحدة تبدأ من الساعة ½ 5 إلى الساعة ½6 لينصرفوا بعدها – إلا أنه في اليوم الثالث ألقى القبض عليهم في الساعة      5,40 أي بعد مرور (10) دقائق فقط من بداية الوقفة دون وجود مبرر قانوني لذلك!!

 

 

أن مكان الواقعة هو مواقف السيارات الكائنة بين بنك مسقط وقيادة شرطة محافظة مسقط – وبمطالعة الصور المرفقة يتضح جليا أن المتهمين كانوا يقفون على رصيف مواقف بنك مسقط – فلم يتوسطوا شارعا أو طريقا كي يقال أنهم تسببوا في عرقلة أو تعطيل حركة المرور.


ثانيا:    بالنسبة لتهمة تعطيل وإعاقة حركة المرور المؤثـمة بنص المادة (137مكررا).


  يدفع المتهمون بانتفاء الركن المادي لجنحة تعطيل المرور

إذ بينت مادة الاتهام السلوك الجرمي الذي يتحدد به الركن المادي للجريمة بقولها (… كل من أقدم قصدا بأية وسيلة كانت على سد الطرقات العامة بما يؤدي إلى منع عبورها أو عدم سهولة السير عليها …)

 

 

وإذ اشترط النص العقابي أن تؤدي الوسيلة أيا كانت إلى سد الطرقات العامة ومقتضى ذلك أن تكون الوسيلة فعلا ماديا يترتب عليه سد الطرقات، لأن سد الطرقات لا يمكن تصوره إلا من خلال فعل مادي وهو ما عبر عنه المشرع بلفظ (سد) الطرقات – فالسد لا يكون إلا بأفعال مادية – وأن تقع هذه الأفعال على الطرق بما يؤدي إلى منع أو عرقلة السير فيها.


وإذ الثابت بالأوراق أن المتهمين لم يتوسطوا شارعا أو طريقا وإنما كانوا وقوفا على رصيف المواقف باصطفاف طولي بما ينفى تماما قيام الركن المادي لجريمة تعطيل أو عرقلة الحركة المرورية في الشارع إذ لم يقم المتهمون بسد الطرقات حسبما يشترط النص العقابي.


والدليل القاطع على أن المتهمين لا علاقة لهم بتعطيل الحركة المرورية على فرض حصولها، هو ما أثبته محضر التحريات إذ تضمن في نهايته وتحت بند (الموقف الثالث) ما نصه: ((في تمام الساعة 1800) وفي ساعة الصفر تم الإيعاز للقطاعات المشاركة بقطع الحركة المرورية عن جميع المسارات المؤدية للموقع تمهيدا لدخول قوة المهام الخاصة المقدر عددها (2) من الضباط وعدد (80) فرد من قوة مكافحة الشغب وعدد (10) من الشرطة النسائية حيث تمت العملية وفق الخطة المحددة وهي تطويق المعتصمين ومن ثم القبض عليهم ..)

وبإمعان النظر فيما سطره مأمور الضبط بمحضر التحريات يتبين أنه تضمن الآتي:


إقراراً صريحاً بأن الشرطة هي من قامت بقطع الحركة المرورية عن جميع المسارات إذ صدرت أوامر لقطاعات الشرطة المشاركة بقطع الحركة المرورية عن جميع المسارات المؤدية للموقع.


وإن صدور أوامر بقطع الحركة المرورية عن جميع المسارات المؤدية للموقع يعني بوضوح أن حركة السير فيها كانت عادية ولو كانت غير ذلك فما هو الداعي لقيام الشرطة بقطعها.

 

 

كما إن عدد أفراد الشرطة القائمين بالعملية بلغ وفق الثابت بمحضر التحريات (92 فردا من الشرطة) وهو عدد كبير يكفي بذاته لإحداث ربكة مرورية.


وعلى ضوء ما تقدم فإن التهمة الثانية المنسوبة للمتهمين والمتمثلة في اتهامهم بتعطيل حركة المرور لا يمكن تناولها بمعزل عن التهمة الأولى المتمثلة في التجمهر بقصد الإخلال بالنظام العام فهما مرتبطتان معا وجودا وعدما، و إذ خلص الحكم المستأنف بأن صورة الإخلال بالنظام العام تتمثل في تعطيل أو عرقلة الحركة المرورية، وإذا ما كان القصد الجنائي في التهمة الأولى والمتمثل في (قصد الإخلال بالنظام العام) منتفيا بحق المتهمين على النحو المبين تفصيلا صلب هذه المذكرة فإن ذلك يؤيده ويؤكد عليه انتفاء الركن المادي للتهمة الثانية والمتمثل في تعطيل وعرقلة الحركة المرورية – بما مؤداه إنعدام الجريمتين معا الأمر الذي يقتضى معه إعلان براءة المتهمين منهما.

 

 

لـــــــــــــــــــــذلك

 

 

يلتمس المتهمون الأول والسادس والسابع والثامن والحادي عشر من عدالة المحكمة الموقرة:


أولا :   بقبول الاستئناف شكلا.

ثانيا:   وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءتهم مما هو منسوب إليهم.

 

 

جعلكم الله عونا وسندا للحق والعدل،،،

 

 

الـمحامي/ خليفة بن سيف بن حمد الهنائي

رقم القيد: (135/ع/2008م)

مكتب خليفة الهنائي

للمحاماة والاستشارات القانونية

الحادي والثلاثون سياسة

عن الكاتب

خليفة الهنائي