هنرى فورد وجدي والجاكتة …. الثلاثية العتيقة الجديدة (الجزء الأول)

كتب بواسطة سلطان الشرجي

تدين الإنسانية، بعد الله سبحانه وتعالى، لعدة رواد فى مجالات مختلفة لما تنعم به من علم وتكنولوجيا نتج عنه رغد ويسر العيش. هؤلاء الرواد ينتمون إلى إثنيات وجنسيات وأديان مختلفة. وفى الغالب يكون هؤلاء الرواد من جنسيات تتربع دولها على قمة الحضارة فى عصرها. فعندما كانت أثينا هي قبلة العالم، كان الرواد هم الأغريق من أمثال ڤيتاغورس وأرسطو طليس وآخرين كثر. وعندما كانت المدينة المنورة تصعد على قمة العواصم العالمية، برز اسم خالد بن الوليد كقائد عسكري لا يهزم ولا زالت الإستراتيجيات والتكتيكات العسكرية التي طبقها فى معاركه تُدّرس إلى يومنا هذا فى المعاهد العسكرية المتخصصة…. وهكذا دواليك، فالأيام دول تدال بين الأمم، لكل عصر رواده وفى الغالب هؤلاء الرواد من الدول التي على قمة الحضارة فى ذلك العصر. حتى جاء العصر الأمريكي منذ فترة تزيد عن القرن.

هنرى فورد

لئن كان الأخوان الألمانيان ديملر وبنز رائدين فى صناعة السيارات ذوات محرك الاحتراق الداخلي فى سنة ١٨٠٧، وهي السيارات التي نستخدمها إلى يومنا هذا، فإن لهنرى فورد الفضل الأعلى فى تمكين الإنسانية جمعاء من التمتع بتلك السيارات. فمن هو هنرى فورد هذا وما هي إضافاته للحضارة الإنسانية؟

ولد هنرى فورد فى ٣٠ يوليو ١٨٦٣ وتوفي فى ٧ أبريل ١٩٤٧. والده كان يملك مزرعة وكان يأمل أن يورثها لابنه هنرى ليقوم عليها من بعده. فى سني المراهقة، أهداه والده ساعة جيب كانت سببا فى تحوله إلى الشغف بالأعمال الميكانيكية؛ إذ أن الساعات فى ذلك الوقت كانت ميكانيكية. فقد قام بتفكيكها وإعادة تركيبها عدة مرات ثم بعد ذلك قام بتصليح ساعات الجيران وأهل المنطقة حتى اشتهر بينهم ب”مصلح الساعات”. وبعد مدة انتهى به المطاف كتقني صيانة الماكينات البخارية العاملة فى المزارع. وفى تلك الأثناء كانت له اهتمامات بمحركات الاحتراق الداخلي حتى تمكن من صنع سيارة “فورد كواردسيكل” فى سنة ١٨٩٦. واستمرت إبداعاته فى مجال سيارات الاحتراق الداخلي حتى أسس “شركة فورد للسيارات” فى سنة ١٩٠٣. ومنها أنتج ما عرف ب”فورد موديل تى” وهي سيارة ثورية بجميع المقاييس؛ إذ أنه نقل المقود إلى الجانب الأيسر وجعل المحرك وصندوق الغيار قطعة واحدة مصمتة ورخيصة الصيانة وسهلة القيادة وفوق ذلك كان سعر شرائها ٨٢٥$ هو الأرخص فى السوق (أي ما يعادل ٢١٣٠٠$ بأسعار سنة ٢٠٠٨) بنسبة تصل إلى النصف من الأسعار السائدة. ثم بعد ذلك وفى سنة ١٩١٣ كانت أكبر إنجازاته هو إدخال ما يعرف بخط الإنتاج فى صناعة السيارات فدشّن بذلك الإنتاج الكمي التجاري الرخيص؛ إذ أن سعر السيارة انخفض إلى ٣٦٠$ فى سنة ١٩١٦ (٧٠٢٠$ بأسعار ٢٠٠٨) وقفز الإنتاج إلى مستويات قياسية من عدة آلاف سيارة فى السنة إلى ما يزيد عن ٤٢٠٠٠٠ سيارة فى سنة ١٩١٦. ولزيادة مبيعاته وتحفيز موظفيه، رفع رواتب عماله إلى خمسة $ فى اليوم وأصبح بذلك موظف شركة فورد للسيارات يستطيع امتلاك سيارة خاصة به وتلك ميزة كانت كانت محصورة فى نخبة النخبة من المجتمع الأمريكي ما قبل فورد. وعندما أضرب عماله عن العمل لسبب لم يقتنع به لم يتردد فى إرسال سفينة رست فى اليمن وأغرى أُلوف اليمنين بالهجرة إلى ديترويت فى الولايات المتحدة الأمريكية أرض الفرص ليحلوا مكان العمال المضربين.

وبعد ذلك تبعته جميع شركات السيارات فى ما فعله. يستثنى من ذلك بعض الشركات التى وضعت المقود فى الجانب الأيمن.  وهكذا أصبحت السيارة التي تركبها أنت يعود الفضل فيها إلى الله سبحانه وتعالى ثم من بعده الألمانيين ديملر وبنز ثم من بعدهما لهنرى فورد (ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله).

جـــــدي
هو من مواليد ثمانينيات القرن التاسع عشر وتوفي فى خمسينيات القرن العشرين ( لاحظ أنه لا يوجد توثيق). وعاش حياة رتيبة كمزارع لم يتغير شيئ من أسلوب حياة أبيه وجده بل وأجداده. يستيقظ يوميا ما قبل الفجر وبعد الصلاة يذهب إلى مزرعته الصغيرة فيقوم بالعمل اليدوي الروتيني من حرث وسقي وتبذير وتقليب التربة وتنظيف وما شابه ذلك ثم يعود إلى بيته مع الغروب ومعه ما تيسر من حصاد يومه له ولأسرته وما يزيد يقوم ببيعه ليقوت به أهله. وهكذا دواليك. مجهود كبير وشاق ومردود قليل. وله الشكر والعرفان.

الجاكتة
فى الوقت الذى كان فيه هنري فورد يبدع فى صناعة السيارات، كان أحد المسلمين يضرب على كبد الناقة ويقطع مسافة شاسعة ليسأل مفتى الديار عن هذه الجاكتة التى أتتنا من ديار غير إسلامية هل هي حلال أم حرام.

توماس أديسون وجيل آباء جدي والجنيّة

فى الوقت الذى كان فيه توماس أديسون يبدع المصباح الكهربائي (أجرى ما يزيد عن ألف تجربة ليصل إلى التوليفة المضبوطة للمصباح الكهربائي)، كانت إحدى أمهات جداتي تأمر بناتها عند اقتراب غروب الشمس أن يدخلن البيت حتى لا تختطفهنّ الجنيّة الشريرة.

التليڤزيون وجيل آبائي والراديو المرجومة

عندما كان الغرب يتقدم نحو تعميم البث التليڤزيوني فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي لينافس الراديو الذى بدأ الإرسال منذ بدايات العقد الثاني من نفس القرن (بل ويزيحه تماماً من حياتنا)، حدثت الواقعة التالية فى إحدى القرى العربية:-
كان دأب الشباب من إحدى الدول العربية هو الهجرة إلى الدول العربية النفطية والعمل بما تيسر من الأعمال فى شركات النفط وإرسال ما تيسر من النقود إلى ذويهم والعودة فى الإجازات الطويلة إلى مدنهم وقراهم محملين بما تيسر من الهدايا لأحبتهم.
وعاد أحدهم حاملا جهاز الراديو إلى قريته وما يكفيه من البطاريات فى فترة إجازته، إذ لم يكن هناك كهرباء. فكان يخرج به من ساحة بيته ويتجمع حول الراديو الصبايا والفتيان ليستمتعوا بما تقدمه من برامج مختلفة. فاشتكى الأهالي من اختلاط بناتهم بالفتيان. فما كان من صاحب الراديو إلا أن فصل الصبايا عن الشباب بأن خصص فترة للشباب وفترة أخرى للصبايا. فما لبثت نسوة القرية أن انضممن إلى الصبايا ليستمتعن بما يقدمه هذا الجهاز. فاشتكى الأهالي أن نسائهن يتركن بيوتهن وأشغالهن ليتجمعوا حول هذا الملعون الراديو الفتان. ولما لم ينصاع صاحب الراديو لرغبة الأهالي، اشتكوه للقاضي الذى أمر بإحضار الجهاز إليه. وعندما رأوا جهاز الراديو كيف تخرج منه الأصوات، أمر القاضي برجم الراديو. فقام الأهالي برجم الراديو حتى مات الراديو.

ستيب جوبز وجَيْلي والفضائيات

عندما كان ستيب جوبز (من مواليد ١٩٥٦ وهو من جيلي) يبدع جهاز أپل الأول فى سبعينيات القرن الماضي ( وتم ذلك فى مرآب السيارات فى بيته)، كنت أنا أخطو أول خطواتي فى استخدام الكمپيوتر ( وأنا من القلة القليلة المحظوظة فى هذه البلاد الذين استخدموا جهاز الكمپيوتر فى السبعينيات من القرن الماضي). وبعد ذلك فى التسعينيات من القرن الماضي، كان هناك بعض المتخوفين فى بلادنا من دخول الفضائيات التليڤزيونية بيوتنا.

جيل أبنائنا والفضاء الإلكتروني

ولا يزال البعض منا يحذر الناس من التويتر والفيس بووك.

 

 

هذه ملاحظات سجلتها لأحوالنا من دون تعليق، ولكنّى لي عودة فى الجزء الثاني من هذا الحديث.

هنري فورد والجاكتة – الهَوِّيُ من بنية ثقافية عالية إلى بنية ثقافية واطئة

العدد الثاني والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

سلطان الشرجي