احتلت “منظمة الكرامة” التي تتخذ من جنيف مقرا لها مساحات واسعة في وسائل الإعلام المختلفة الأسبوع الماضي بعد أن استضافت مؤتمرا قيل عنه إنه للمعارضة الخليجية، وقد أصبح الكثير من الناس – وأنا منهم – أصبحوا يتوجسون خيفة من منظمات كهذه وهي كثيرة الآن
إن نظرة واحدة على ديباجة منظمة الكرامة تظهر “أنها منظمة حقوقية تأسست سنة 2004 لمساندة ضحايا التعذيب والاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري في العالم العربي، وأنها جسر يعمل على إيصال أصوات الضحايا إلى الآليات الدولية في مجال حقوق الإنسان، من أجل عالم عربي ينعم فيه كل الأفراد بالعدل والحرية في ظل حماية القانون، وأن أبرز ما تقوم به الكرامة هو توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في العالم العربي عبر التواصل المباشر والمستمر مع الضحايا وأسرهم، ثم ترفع الشكاوى والتقارير للآليات الأممية، وتنشر القضايا عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية للضغط على الحكومات لوقف تلك الانتهاكات”.
وفي صفحتها على النت تقول منظمة الكرامة إنها كانت في البداية تحصل على جل مواردها المالية من تبرعات أعضاء مجلسها، وبعدما أصبحت مؤسسة سويسرية سنة 2007 ووسعت أنشطتها بدأ المجلس يبحث عن الدعم من متبرعين آخرين، وبدأ يتلقى تبرعات من أفراد من العالم العربي يشاطرون الكرامة توجهاتها في تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها بالإضافة إلى تبرعات من صندوق وزارة الخارجية الهولندية المخصص لحقوق الإنسان ومن بلديات سويسرية.
هذه الديباجة تشير إلى أن ما تقوم به هذه المنظمة هو جانب إنساني هام وهو مطلوب في أي مكان في العالم، وهي كفيلة بأن تقنع أي أحد خاصة من الشباب المؤمنين بحقوق الإنسان بالإنضمام إليها، ولا عجب أن تجد أهداف هذه المنظمة وغيرها التجاوب من الناس في الوطن العربي لأن الأوضاع الداخلية دائما تساعد على نجاح تغلغل هذه المنظمات وسط الشعوب العربية لما تطالب به من حرية الإنسان واحترام إنسانيته بعيدا عن التعذيب والاعتقال التعسفي دون المحاكمات وهو ما يحصل كثيرا في الوطن العربي
ولكن هناك ما أثار الانتباه حول هذه المنظمة – خاصة بالنسبة لنا العمانيين -، وهو ما ذكرته بعض المصادر الإعلامية أن المنظمة عقدت مؤتمرا في جنيف حضره من المعارضة العمانية شخص عراقي ويعيش في لبنان اسمه “خالد إبراهيم”، وهو ما أكده الناشط الإماراتي “بن ثالث” في اتصال هاتفي مع “فؤاد الهاشم” عبر برنامج “مع الهاشم” في قناة الصباح الفضائية، وقد بحثتُ عن الشخص ولم أستطع أن أجد له ترجمة ولم أستطع أن أتوصل كيف له أن يمثل المعارضة العمانية وهو ليس له صلة بعمان لا من قريب ولا من بعيد، بل بحثت عن هذه المعارضة فلم أجد شيئا عنها، مما ذكرني بإحدى حلقات برنامج “عين على الديمقراطية” في قناة الحرة التي استضافت شخصا قدّمته على أنه معارض عماني من بروكسل ليتحدث عن أحداث صحار وهو البعيد عنها، إذ ظهر الرجل مهزوزا، وكانت الأسئلة في جهة والضيف في جهة آخرى يردد شعارت لا تمتّ بواقع صحار أو السلطنة بصلة، وللوهلة الأولى ظننت أن الضيف من الصومال أو من أريتريا ثم بحثت عنه في النت ولم أجد له جوابا وانتقلت إلى الفيس بوك ولم أجد له ترجمة ولا صفحة ولا اسم، وسألت عنه الأصدقاء وكان ردهم: ليس المسؤول بأعلم من السائل، وبعد فترة صرت أقرأ له بعض المداخلات في الفيس بوك والتي ليست إلا سبا وقذفا وبلغة ركيكة مما جعلني أقول إن البرنامج خدم الحكومة العمانية خدمة عظيمة وضرب ما يسمى بالمعارضة العمانية الضربة القاضية – إن كانت موجودة – بأن قدّم نماذجها على هذه الشاكلة، وها هي الآن منظمة الكرامة تفعل الشيء نفسه بل أسوأ
لقد تابعت الكثير من المقالات التي تهاجم منظمة الكرامة، وشاهدت فيلما عبر اليوتيوب تحت عنوان “فضيحة منظمة كرامة في مؤتمر جنيف” وما بين الهجوم العنيف على هذه المنظمة خاصة من الكويت والإمارات وما بين الدفاع عنها من البعض ستختفي الحقيقة، ولكن هناك ما هو أهم من الدفاع والهجوم وهو أن تحصّن الدول الخليجية نفسها من كل الأسباب التي تجعل لمثل هذه المنظمات المشبوهة أن تتدخل في شؤونها الداخلية، ولن يكون التحصين إلا بالاستماع إلى مطالب الشعب خاصة الشباب وتحقيقها والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى إثارة التوترات بين جناحي الوطن وهما الحكومة والشعب، مع التأكيد على حرية الإنسان واستقلال القضاء، وبالتأكيد فإن المسؤولية تقع على الجميع لأن هناك منظمات كثيرة تخطط الآن لخلخلة المجتمع الخليجي بإثارة النعرات الطائفية تارة وبالتركيز على بعض المطالب تارة والمناداة بالحرية والديمقراطية تارة أخرى، وقد تكون المطالب عادلة إلا أنها عند المخططين في الخارج قد تكون كلمة حق أريد بها باطل، لذا يرجى تفويت الفرصة على من يحاول الصيد في المياه العكرة، من خلال الإستماع إلى الشباب وتنفيذ مطالبهم وتفعيل لجان حقوق الإنسان في البلدان الخليجية التفعيل الحقيقي بحيث تخدم هذه اللجان المجتمع المدني ولا تكون بوقا فقط للحكومات أو ديكورا للحفاظ على السمعة خارجيا، ولا بد أن يكون هناك توعية تامة للشباب بأهمية التقصي عن هذه المنظمات خوفا من أن يتورط الشباب المهتمون بحقوق الإنسان ويتم استغلالهم فيتورطوا ويورطوا سمعة بلادنا في الخارج، لأن كلمة “ناشط” أو “ناشطة” أصبح الناس ينظرون إليها الآن إلى أنها أصبحت أقرب إلى معنى “عميل”
لقد قلت في أكثر من مقال إننا لسنا ملائكة وبالمقابل لسنا شياطين، وقد وقعت التجربة العمانية في أخطاء كأي تجربة إنسانية أخرى، ونحن نقر ونعترف أن هناك أخطاء وقعت فيها الدولة وأن هناك تراكمات كثيرة هي التي جعلت الناس تخرج وتعتصم وتتظاهر، ولكن ليس معنى هذا أن يأتي أحد ويستغل الظرف ليتحدث من بروكسل أوبرلين أو روما ولندن وواشنطن ويقول عن نفسه إنه معارض عماني أو مفوض من قبل الشعب العماني للتحدث عنه، وليس معنى هذا أن تستضيف منظمة مشبوهة اجتماعا وتستضيف فيه مجهولين باعتبارهم يمثلون عمان أو المعارضة العمانية!
لا بد لنا في عمان أن نعيد ترتيب أوراقنا بحيث نفتح الباب ونعطي الفرصة لكافة شرائح المجتمع للتحدث عبر الوسائل المحلية حتى لا يلجأوا إلى الوسائل الأجنبية وهي كثيرة ومستعدة أيضا، وأن تكون هناك آلية للإستماع إلى الشباب، وأرى أن يتم إقفال ملف المسجونين الآن بسبب التجمهر و الإعابة – رغم أننا ضد هذه الإعابة بشدة – وأن يتكرم جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه بما عُرف عنه من كرم، بالإعفاء عن هؤلاء الشباب حتى نقطع الطريق لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى الوطن وسمعته
وعلى الشباب أن يكونوا واعين وأن يبتعدوا عن الشعارات البراقة التي ترفعها هذه المنظمات، ولنا فيما حصل للمنظمات المدنية في مصر مَثَل، بعد أن أحيلت إلى المحاكم قضية تلقي جمعيات ومنظمات حقوقية مصرية تمويلاً أجنبياً بشكل غير مشروع والمتهم فيها 43 شخصاً مصريا وأجنبيا، مما أحدث توترا في العلاقات المصرية الأميركية خاصة عقب تهديد نواب بارزين بالكونجرس الأميركي بوقف برنامج المساعدات المقدمة لمصر، حيث تتلقى مصر منذ عام 1979 معونة سنوية من أمريكا تقدَّر بملياري دولار، ومما يدل على أهمية المسألة بالنسبة للجانب الأمريكي أن وزير الدفاع الأمريكي السابق اضطر أن يأتي إلى مصر ويناقش المشير طنطاوي، فإذا فجأة تأتي طائرة أمريكية خاصة وتنقل المعتقلين الأمريكيين دون علم القضاء المصري مما أدى إلى بلبلة، لأن ما وجده الأمن المصري في تلك المكاتب يبدو أنه كان خطيرا ويتعلق بالتدخل في شؤون الثورة المصرية بل ربما وتوجيههاأأ، لذا واجب على الشباب أن لا يكونوا مجرد ألعوبة في أيدي الغير من حيث لا يدرون وأن لا يكونوا معولا للهدم وهم يعتقدون أنهم يبنون