سعيد الهاشمي.. هموم السجن وتطلعات الإفراج

 

تعرّفت على الكاتب والباحث/ سعيد بن سلطان الهاشمي لأول مرة في مؤتمر مؤسسة الفكر العربي الثاني الذي عقد في بيروت 2003م مع بعض الزملاء المثقفين العمانيين الذين شاركوا في هذا المؤتمر الكبير ،الذي ضم أطياف من الكتّاب والباحثين والمثقفين العرب ، ولم تتح لنا الفرصة للحديث في الهم الثقافي المشترك، فقد كان لقاءً عابراً في أروقة هذا المؤتمر ، وبعد ذلك التقيت بصديقنا العزيز في صلالة عام 2007 بمناسبة مشاركة الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء بمهرجان صلالة السنوي في أواخر شهر أغسطس ببعض الفعاليات الثقافية والأدبية .. وكان سعيد الهاشمي هو الذي قام بمتابعة هذه الفعاليات بنفسه أولاً في العاصمة مسقط ،ثم بعد وصوله مدينة صلالة واصل جهد المتابعة حتى انتهت هذه الفعاليات بالصورة المرجوة، ولمست خلال مكوثه في صلالة أن صديقنا العزيز من المهمومين بقضايا الأمة وتحولاتها الفكرية الراهنة ، والشغوفين بتحريك المياه الراكدة الفكرية والثقافية ي واقعنا العماني الراهن ووطننا العربي الكبير خاصة قضايا الحرية،والديمقراطية،والمجتمع المدني،والشفافية، والدفع بالهم الوطني إلى سدة الواجهة عمليا وبأية وسيلة يراها قابلة للتحقق واقعيا ..إلى جانب الرؤية الناضجة والمستوعبة فيما يدور ويتفاعل في هذا الواقع طرحاً ونقاشاً واستيعاباً للأفكار الأكثر استجابة للنخبة الواعية والمثقفة في بلدنا الحبيب ..كما أنني أكبر فيه حيوية المتابعة القوية للمناشط التي تود الجمعية أن تفعّلها في تلك الفترة وبعدها مع إدراكه للكثير من المصاعب التي تواجهها الجمعية لأسباب عديدة معروفة،لعل أهمها حداثة ولادة هذه الجمعية، وقلة الوعي بأهمية جمعيات المجتمع المدني عند الكثيرين وغيرها من الأسباب، ومع ذلك تجد عنده الروح الوثابة الدافعة للتحرك والنشاط .

كما إن الكتابة عند سعيد الهاشمي ليست مجرد كتابة لإشباع رغبة ذاتية نفسية واجتماعية،كالتي نراها عند البعض ، لكن الكتابة عنده تحّمل رسائل وأهداف واعية وناضجة ومنحازة للهم الوطني، بإبعاده الكبيرة،وفي سقفه الأعلى ، لكن بمضامين وأفكار راقية ورصينة وبلغة حصيفة وهادفة .

وعندما يتحدث سعيد الهامشي عن الوطن والمواطنة ،تجد أن طرحه مفعم بالإيجابية والرؤية العميقة لمفاهيم الوطن والمواطنة بكل ما تعنيه الكلمة من مضامين خلاّقة وواعية يقول الهاشمي في كتابه [ الأوتاد ] الصادر عن دار الفارابي ـ بيروت :إن المواطنة من وجه آخر هي العروة الوثقى التي تربط الإنسان بوطنه ، وهي وقود التنمية لأي وطن ، تستمد منه الأوطان جذوة الحماس لبناء الحاضر والتفكير في المستقبل ، هي علاقة راقية وعالية الهدف ، إذ تسمو على العلاقات القبلية والعشائرية والطائفية . لا خضوع فيها إلا لسيادة القانون ، كما أنها لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء وما يطبع ذلك من عواطف ، وإنما تتجلى إلى جانب الارتباط الوجداني ، في إدراك واعتقاد لمواطن بأن هناك التزامات وواجبات نحو الوطن لا تتحقق دون التقيد الطوعي بها .

كما أن قيمة الحرية  عند سعيد الهاشمي تلقى الاهتمام الكبير  عنده باعتبارها من القيم ألصيقة بحياة الإنسان ومدركاته للعيش في حياة حرة كريمة، يقول في نفس الدراسة القيمة: ” أن الحرية حق فردي وجماعي وسياسي، فهي في المقابل واجب ملزم على تلك المستويات جميعها.إذ ليس من الحرية أن يطلق الفرد لرغباته وأهوائه العنان لتفعل وتسلك أي مسلك يحلو لها دون اعتبار مقدر ومحترم لرغبات ومصالح وسلوكيات الآخرين.وإلا تحولت المجتمعات الإنسانية إلى غابات تتصارع في ما بينهما لتشبع رغبات بعيدة عن المهمة الرئيسية للبشر وهي البناء الحضاري الشامل.

ـ مضيفا في فقرة أخرى ـ فعندما تضع التنمية منتهى غاياتها بناء الإنسان، فإن أهم ما يحتاجه ذلك الإنسان هو إعلاء قيمة الحرية في ذاته أولاً، وبشكل يستطيع أن يعيشه و يحياه سلوكاً وممارسة، لا فكراً وتنظيراً فحسب، وذلك من خلال تعزيز المسؤولية الاجتماعية والسياسية التي تتطلبها تلك القيمة العالية منذ البدايات الأولى لتربية ذلك الإنسان وفي مراحل تعليمه الأساسية، في محيطه الأسري المباشر ، وبمعية أقرانه وبيئته الاجتماعية الأوسع، وذلك من خلال وسائل وطرق عديدة أهمها: تأهيل سلوك الحوار وطرح الأسئلة، وحق التعبير عمّا يشعر ويفكر ويحس به هذا الفرد، والعناية بسلوكه عند ارتداد أفكاره ومناقشتها من قبل الآخرين”.

كما أن مسالة تلازم التنمية والديمقراطية في مسارهما في التنمية الشاملة في المجتمعات المعاصرة تجد لهما عند صديقنا العزيز البعد القيمي الرفيع التي لا يمكن التنازل عنه فهو يرى: أن الديمقراطية التي يعنيها هي تلك  الحزمة الشاملة لعناصر حية من الحقوق التي يستحقها أي مواطن ؛ كحق انتخاب أهل السياسة و الحكم في مجتمعه ، و وجود سلطة قضائية مستقلة لتطبيق حكم القانون ، وحق تمتع جميع المواطنين بالمساواة السياسية ، و القانونية ، وخضوع كل موظفي الدولة لحكم القانون ، واحترام حقوق الأفراد و الجماعات ، وتمتع وسائل الإعلام بالحرية ، وتمكن الأقليات من ممارسة الشعائر و المعتقدات الخاصة بها دون خوف أو تمييز ، والفصل الواضح للسلطات الثلاث ، التشريعية و التنفيذية و القضائية ، وحق احترام الملكية الخاصة و حمايتها قانونياً ، ووضوح عقوبة الفساد و الحد من تفشيه بواسطة آليات فعالة للمراقبة و المحاسبة .

وفي بحثه المنشور بمجلة المستقبل العربي ( نوفمبر 2009 ) [ مؤسسات المجتمع المدني في سلطنة عمان الواقع و الطموح ] تجد قضية المجتمع المدني حاضرة في قلب ووجدان الصديق العزيز بما تمثله من رؤى تسهم في تحريك المياه الراكدة مجتمعيا..ويقول في هذا الصدد: أن المجتمع المدني بمؤسساته ،وحراكه ، لا يشكل استقالة للدولة عن مهماتها الديمقراطية ، أو عزلاً لقطاع من المجتمع عن الآخر ؛ كذلك لا يعني هذا المفهوم تقسيم الصورة بين سلطة حاكمة و سلطة مضادة ، بقدر ما يعني زرع مفاهيم التعاون و المشاركة و المبادرة و القرار بشكل ديمقراطي على كافة الأصعدة و المستويات”.

في سنة 2009، وعندما قدمت استقالتي من مؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان ، والتي جاءت بعد أن وضعنا نحن مجموعة من الكتاب والصحفيين والإداريين في قوائم للإقالة قسرا وإجبارا من المؤسسة بحجة ظروف المؤسسة المالية

!! وعلى الرغم أن ما رتّب له من قبل المسوؤلين في المؤسسة،مع مجلس الإدارة، قد تم وقفه من قبل جهات في الدولة، بعدما عرف الموضوع وخططه ،إلا أنني شعرت بالألم والإحباط من هذه الخطوة،وهذه النظرة لكتاب وباحثين وإداريين قضوا عقودا في خدمة هذا الوطن المعطاء،وفي ظل القيادة الحكيمة لجلالته المفدى, وقد تألم صديقنا سعيد الهاشمي عندما علم باستقالتي، وتحرك عند بعض رؤساء تحرير الصحف العمانية لأكتب ، وأستمر في الكتابة، وهكذا كان.

في هذا الظرف الراهن الذي يعيشه الأخ/سعيد الهاشمي في محبسه، بعد الحكم عليه، في قضية التجمهر مع آخرين، فإنني لا أنسى لهذا الرجل موقفه وتألمه لما حصل معي آنذاك ، واندفاعي إلى الاستقالة،وكان بحق من الذين يعرفون قيمة الزمالة،قد أختلف مع الصديق سعيد الهاشمي في بعض القضايا، وقد نتفق في بعضها الآخر ،وتلك سنة الله في خلقه ،لكن لن أنسى لهذا الرجل مواقفه الطيبة معي، ونحن بلا شك، نتألم له وهو في المعتقل،وهو مريض كما سمعت، بعيدا عن أسرته وأخوته،وأصدقائه، ونتأمل أن نراه قريبا طليقا،وهو بين أهله وأسرته وفي عمله، فرّج الله عنه وعن كل مكروب في هذه الحياة .

العدد الرابع والثلاثون سياسة

عن الكاتب

عبدالله العليان