” 1 “
ستظل الأسباب التي جعلت من الشيخ “حمد بن خليفة آل ثاني” أمير دولة قطر يتنازل عن العرش لصالح ولي عهده الشيخ “تميم”، ستظل مجهولة ويحيط بها الغموض، لأن الظاهرة غير مسبوقة وجاءت في ظل نجاحات كبيرة حققها الشيخ “حمد” وأعطى قطر إسما كبيرا في عالم السياسة والاقتصاد، سواء اتفقنا مع هذا الدور أو اختلفنا معه.
وقد أنبرى الكل يحاول أن يحلل القصة من وجهة نظره الشخصية فقط، دون الاعتماد على مصادر حقيقية، لأن المسألة سرية حتى الآن وتحتاج إلى وقت حتى تظهر التفاصيل، ولقد رأى مؤيدو السياسات القطرية في هذه الخطوة نقطة إيجابية تُحسب للأمير، وأنه بذلك قد أحرج جيرانه من الحكام العرب الذين بلغوا من العمر عتيا وتتآكلهم الأمراض في مجتمعات تغلب عليها فئات الشباب من عمر الخامسة عشر سنة فما فوق بقليل، مما أدى إلى تأخر الأمم وعدم مواكبة تطورات العصر بما يتماشى مع عقليات الجيل الجديد الذي انفتحت له التكنولوجيا من كل حدب وصوب، وأن الحالة الصحية للأمير الذي يعيش بكلية واحدة ويعاني من ارتفاع السكر الشديد وضغط الدم هي التي جعلته يسارع في التنازل لصالح إبنه، حمايةً له من النزاعات فيما لو حصل أي طاريء، فيما رأى معارضو السياسات القطرية – وهم كثيرون جدا – أن هناك أوامر أمريكية نُقلت إلى الأمير لكي يترك الحكم، بعد أن تخطى كل الخطوط الحمراء في تعامله مع ملفات شائكة مثل القضية السورية والعلاقة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي، بل بالغ البعض بأن قال إن قطر كانت تدعم سرا تنظيم القاعدة ماليا، وأنه تم اكتشاف ذلك بعد اقتحام الأمريكان لمنزل “أسامة بن لادن” في “أبوت أباد” في باكستان، فما كان من أمريكا إلا أن وجهت إنذارا لأمير قطر أن يترك الحكم، وإلا سيكون مصيره حجز أمواله، بل تمادى الآخرون إلى القول إن مصيره سيكون في “جوانتانامو”.
ويرى الآخرون أن الشيخ حمد بخطوته هذه، بهذه الطريقة المخرَجة إخراجا مدروسا قد وجه رسائل محرِجة إلى دول الجوار مفادها أن “الحكام العرب الذين لم يتغيروا بفعل الثورات، عليهم أن يتغيروا من تلقاء أنفسهم قبل أن يلحقهم الركب”.
” 2 “
وحقيقة ستبقى تلك الخطوة غامضة لفترة من الزمن، حتى تظهر الوثائق والحقائق، إلا أن الشيء المؤكد حتى الآن هو أن الشيخ حمد قد أزاح من أمامه وأمام إبنه عقبة كبيرة جدا كانت تشكل كل الخطورة هي الشيخ “حمد بن جاسم بن جبر” رئيس الوزراء ووزير الخارجية الذي كان يوصف بأنه الرجل القوي في قطر والذي يدير كل الأمور وأنه الحاكم الفعلي لقطر وكان يسعى لأن يكون هو الأمير، كما أنه كان الشريك الأساسي للشيخ حمد عندما أطاح بوالده الشيخ خليفة، وبهذه الخطوة فإنّ الأمير قد مهد الخطوة لابنه تميم أن يحكم بأريحية دون وجود مزاحم قوي لا يرضى عن كرسي الإمارة بديلا، حيث نقلت مجلة “الأيكونومست” البريطانية عن شخصية قطرية مرموقة لم تسمّها، أن أكثر ما يخشاه الآن الشيخ “حمد بن جاسم”، هو لجوء الشيخ “تميم” إلى إجراءات انتقامية تطال مصالحه ومصالح القريبين منه في حال تفرّد الأخير بالسلطة ووقوعه تحت التأثير الكامل لوالدته الشيخة “موزة”، لذا طالب “ابن جاسم” ضمانات بأن لا تتضرر مصالحه ومصالح جماعته، وذكرت الشخصية القطرية أن الشيخة موزة لا تكنّ ودا للشيخ حمد بن جاسم، وهي تخشى من عدم قدرة نجلها على ضبطه في غياب الأمير الأب.
وما هو مؤكد أيضا أن خطوة التنحي هذه قد أعطت القوة للشيخة “موزة المسند” إذ خلى لها الجو بأن أصبح ابنها هو الأمير بوجود أبناء آخرين من زوجتين سابقتين هما ابنتا أعمام الشيخ حمد بن خليفة.
وأنا أعتقد أيضا أن الشيخ حمد بخطوته هذه قد أبعد نفسه عن مصير قد يكون صعبا في ظل وجود عداوات شديدة للدور القطري في كل الملفات الشائكة الآن في الوطن العربي، مثل ليبيا وسوريا ومصر وفلسطين، رغم أنه واضح جدا أن السياسة القطرية لن تتغير إلا تغيرات طفيفة فقط، إذ نشرت مجلة “الايكونومست” تقريرا عن قطر حمل عنوان “الديمقراطية.. شأن يخص بقية العرب”: “إنه فى إمارة مثل قطر- تقدم نفسها للعالم باعتبارها نموذجاً يُمول الإصلاح فى المنطقة- لم يفكر القطريون أنفسُهم فى تجربة ما يعظ به قادتهم في المحافل الدولية”، مضيفةً: “إن الأحزاب السياسية محظورة فى قطر، كذلك الأمر بالنسبة إلى المظاهرات والاتحادات النقابية والجمعيات”، وأوضحت المجلة “أنه لا أحد فى قطر تقريباً يشير بصراحة إلى أهمية وجود مجلس تشريعي يتولى سلطة التشريع فى البلاد، وإذا قام الناس بالتعبير عن معارضتهم لهذا النوع من الممارسات فى قناة الجزيرة – المملوكة للدولة القطرية والتى تُشجع هذه المعارضة فى جميع أنحاء العالم العربي– فإنها تفعل ذلك همساً”، وختمت المجلة تقريرها بالقول: “لا تتوقعوا تحركاً مفاجئاً نحو الديمقراطية في قطر مع توليّ تميم الحكم خلفاً لوالده”.
” 3 “
لقد بدأت بعض الإشارات تظهر الآن عن قصة التنحي، ومنها ما كتبته “سمدار بيري” في صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية بتاريخ 28/6/2013، تحت عنوان “الشيخ حمد يسلم قطر لابنه ويدير محركها”، وأظن لا بد من متابعة الرأي الإسرائيلي في هذا الشأن لأن علاقة قطر بإسرائيل هي علاقة مميزة، وفي مقاله ذلك تقول “سمدار بيري” إن الشيخ “حمد بن خليفة” أطلع قبل خمسة أشهر، جهات مختلفة في الغرب عن قراره نقل السلطة إلى تميم، إذ كشف مستشار سياسي كبير في الدوحة للكاتبة أن إسرائيل أُبلغت بالقرار، وأن مسؤلا إسرائيليا مّا التقى الأمير ووليّ العهد القطري أكثر من مرة كي يستطلع خبره ويسمع أنه “لا ينوي أن يدخل في مغامرات خطيرة”، وأن اللقاءات تمت في موقع آمن يأتي إليه الطرفان بالطائرات، كما تمت اللقاءات أكثر من مرة في الملعب المنزلي في قطر، حيث أشار الأمير إلى وليّ العهد وقال: “يشبه الأمر أن أنقل سيارتي إليه وأدير محركها من أجله، وتكون السيارة قد أصبحت تعلم إلى أين تتجه، فلن توجد تغييرات حادة طول المسار”.
تتساءل الكاتبة الإسرائيلية: هل خرج المحاور الإسرائيلي من اللقاء راضيا؟ لقد أجاب الشيخ حمد: “لا يجوز أن ننسى الاختلافات العميقة بيننا بشأن حماس، فأنتم غاضبون من المساعدة التي ننقلها، لكن الأمور مُسيطرٌ عليها بالنسبة إلينا، ولن نسمح في قطر أن يُملوا علينا كيف علينا أن نسلك”.
تتناول الكاتبة الإسرائيلية مدى تأثير الدور القطري على الدور السعودي، ويرى أن الأسرة المالكة السعودية تصفي حسابا مع قطر، ويدور ذلك في الأساس حول شؤون التكريم وتقاسم أدوار الوساطة في العالم العربي والساحة الفلسطينية أي أن الصراع يدور حول الزعامة، إذ يرى السعوديون أن طموح القصر في الدوحة إلى إدارة العالم من “علبة ثقاب صغيرة جدا تصنع الكثير جدا من الضجيج”، يهدد الوزن التقليدي لعشرات الأمراء الشيوخ في الرياض، وسيكون مما يثير الاهتمام أن نرى كيف سيتصرف الملك السعودي مع الحاكم الجار الذي هو أصغر منه بأكثر من خمسين سنة، ومن المثير أن نعلم أيضا كيف سيؤثر تبدل الجيلين في قطر في الجيل الشاب الغاضب في إمارات الخليج، ويرى الكاتب أنه يوجد إجماع بين قطر والسعودية وإمارات النفط على أمرين فقط، وهما أن إيران خطر، وأن “بشار الأسد” يجب أن يرحل.!
” 4 “
لقد تم التغيير في قطر سلميا ولكن يجب أن لا يعني ذلك أن الهدوء قد يستمر طويلا في ظل وجود تنافس كبير للوصول إلى سدة الحكم، قد يكون ذلك ليس واضحا وليس منظورا الآن ولكنه في كل الأحوال موجود، وقد يكون الشعب القطري مرتاحا نوعا ما خلافا لبقية شعوب المنطقة للوفرة المالية وارتفاع دخل الفرد القطري نظرا لقلة السكان، إلا أن هناك ملفات كثيرة لا يرضى عنها الشعب القطري ولا يملك أن يشارك فيها برأي، وأكيد أن الشيخ تميم على علم بالأوضاع المعقدة التي سيواجهها، وأقول رغم كلّ شيء، فإنّ قرار التنحي عبّر عن جرأة سياسية للشيخ “حمد بن خليفة” مما يعني أن انتقال الحكم إلى جيل الشباب يكشف عن استجابة لمطالب الربيع العربي بالإصلاحات، ويؤكد على إعطاء الشباب دوراً قوياً في السياسة العامة – كما تم تسويق ذلك خاصة من المؤيدين للدور القطري – ومن قناة الجزيرة بالذات التي تحولت إلى مثل أي قناة حكومية أخرى في المنطقة يوم المبايعة وبثت كلمة التنازل كاملة.
إن انتقال الحكم في قطر إلى جيل الشباب، يشكل حرجاً لشريكات قطر في مجلس التعاون الخليجي خاصة السعودية والكويت، حيث يتولى في الأولى الملك “عبد الله بن عبد العزيز” الحكم وهو يقترب من التسعين في العمر، وفي الثانية الشيخ “صباح الأحمد” وهو في الـ84 من العمر، فيما تقول الإحصائيات إن فئة الشباب في الخليج هي الفئة الغالبة.
لقد أرسل لي الأخ “يوسف بن حمدان الحارثي” مدير الفريق الكروي بنادي فنجاء تغريدات في تويتر عن تنحّي المهندس “حميَر بن ناصر الإسماعيلي” رئيس النادي عن الرئاسة، بعد إنجازات حققها مع النادي، فقلت له ممازحا إن تأثير تنحيّ أمير دولة قطر بدأ يؤتي أكله حتى على مستوى الأندية، فهل نرى تكرّر الظاهرة مستقبلا في الممالك العربية؟…!