المقدمة
Tell me, tell me:
What you gonna do
When your well runs dry!
قل لي، قل لي:
ماذا ستفعل
عندما ينضب بئرك!
أغنية غناها Peter Tosh من فريق The Wales الجمايكي الذى كان يعزف لمغنى الريجيه الأشهر Bob Marley تعود لسبعينيات القرن الماضى، لا أجد أحسن منها كمدخل لموضوع هذه الورقة، فهي “مما قل ودل”.
منذ ثمانينيات القرن الماضى، ونحن نجرى خلف الخطط التى ستقلل من اعتمادنا على موردي النفط والغاز كمصدر أساسي من مصادر الدخل، وإلى الآن لا نزال نجرى ونجرى. لست هنا فى تتبع وتحليل الأسباب التى جعلتنا نتموضع فى الجرى وكأننا لا نجرى فى مضمار ماراثوني حيث هناك مسافة معينة إذا قطعتها فقد وصلت إلى الهدف وإن لم تفز أو وصلت متأخرا (ومعظم الذين يدخلون سباقات الماراثون المفتوحة فى المدن، وهم ألوف، يدخلونها لإكمال المسافة وليس للفوز)، ولكننا نجرى على ماكينة الجرى متموضعين فى مكاننا حيث الهدف هو الجري بذاته وقد يكون الهدف ضبابيا لا نهائيا. فمنذ الثمانينيات، ونحن لا نزال عتد نقطة 80% أو أعلى اعتمادا على مورد النفط والغاز كمصدر رئيسي من مصادر الدخل. وإن لم نغير اتجاهنا، فسوف نستمر فى الجري فى موضعنا حتى تنضب أبارنا.
وعشرون سنة كافية لنقل الأمم الجادة من الحضيض إلى قمة عالية. أذكر هنا أن ألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية سنة 1945 مهزومة ومدنها الصناعية الكبرى مدمرة تدميرا كاملا. حيث كان ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانية، يرسل فى الغارة الجوية الواحدة 700 طائرة تغطى وجه الشمس وتفرغ قنابلها على شكل خياطة السجادة على المدينة الألمانية المنكوبة وتعود إلى إنجلترا لتعيد الكرة مرة أخرى وثالثة، وحيث كانت رائحة شواء اللحم البشري الألماني يصل إلى أنوف الطيارين الأمريكان وهم فى عليائهم يلقون على المدن قنابل الموت. وما لبثت ألمانيا قليلا إلا وفازت بكأس العالم لكرة القدم سنة 1954، وكانت أحذية لاعبيها مخرومة، وهزمت فى الأدوار التمهيدية من فريق المجر الأسطوري 3 مقابل 8 ثم ردت التحية ضد المجر ذاتها فى المبارة النهائية 3 مقابل 2 ورجعت بالكأس من سويسرا إلى بلادها، إنها الجدية والإرادة الصلبة. وهو إنجاز عظيم بجميع المقاييس أن تفوز فى المبارة النهائية على الفريق الذهبي المجري الذى كان يضم بوشكاش وهيديكوتي وذهب الفريق إلى كأس العالم وفى جعبته 31 مباراة دون هزيمة، وهو الفوز الذى أعاد الألمان إلى مضمار الحياة حيث قبل ذلك كانت النسوة الألمانيات هن التى كن يقمن بأعمال البناء والتشييد اليدوية الشاقة لإعادة الحياة إلى البلد. وعلى ذكر ونستون تشرشل، تحضرنى هنا مقولته الشهيرة للإنجليز فى أثناء تلك الحرب “لا أستطيع أن أعدكم إلا بالدموع والبكاء والألم والعمل الشاق”، وهي ذات صلة بموضوعنا وإن بدرجة أقل. وأذكر أيضا أن سيارات هيونداي الكوريا كانت مضحكة هنا فى الخليج فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى. ولا أريد الاسترسال فى الأمثلة وهي كثيرة.
لماذا الشمس؟ ببساطة لأنها متوفرة طبيعيا فى بلادنا واستغلالها ممكن اقتصاديا وهي لا تضر البيئة مهما أكثرنا من استغلالها، إذ أننا سنأخذ منها الطاقة النظيفة التى تلقيها علينا ولا نتزايد عليها. فالشمس تسطع صافية فى معظم مناطق عمان لمدة تزيد عن 330 يوما فى السنة، ولدينا أراض فضاء غير مسكونة مساحتها تزيد عن 200000 كيلومترا مربعا. هذه العوامل الطبيعية تجعل استغلال هذا المورد الطبيعي والمستديم ضرورة حياتية وذات جدوى اقتصادية وبيئية عالية. بل هو واجب وحق وطني ويجب أن نبدأ فيه الآن وليس غدا.
لتبسيط الحسابات الاقتصادية والتقنية وتقريبها إلى الأذهان فى هذه المقالة، سوف أحول كميات الطاقة المنتجة من مدخنة الطاقة الشمسية إلى براميل نفطية لسبب أن الموضوع متعلق باستبدال مصدري النفط والغاز بمصادر أخرى وأن كلنا نعرف القيمة الاقتصادية للنفط.
مدخنة الطاقة الشمسية Solar Energy Chimney
معظم البيوت الأوروبية القديمة تحتوى على مدخنة تستخدم لتصريف دخان التدفئة. وهي عبارة عن أسطوانة مفرغة جدارية دائرية أو مستطيلة مبنية من الحجارة مفتوحة الطرفين ترتفع من غرفة التدفئة إلى خارج البيت ويوجد لها فرن خزان للفحم عند البدروم، وتبنى قبعة على الفوهة الخارجية العليا للمدخنة لحمايتها من الأمطار. والدخان الناتج عن احتراق الفحم يرتفع طبيعيا من الفرن، ومن دون وسيط صناعي، داخل المدخنة إلى خارج البيت. السؤال هنا: لماذا يخرج الدخان دائما، وهو سام يحتوى على ثان وأول أكسيد الكربون، إلى الخارج عن طريق المدخنة ولا ينتشر داخل البيت؟ الجواب بسيط، وهو أن الفوهة المفتوحة لفرن خزان الفحم مصممة بحيث تلتقى مع الفوهة السفلى للمدخنة وإلى الداخل قليلا، والنتيجة الطبيعية لذلك أن حرارة المدخنة، بعد خزان الفحم، تكون هي الأشد فى الغرفة فبالتالي يكون ضغط الهواء داخل المدخنة هو الأقل – كنتيجة لتخلخل الجزيئات الهوائية الساخنة – بالمقارنة مع غرفة العائلة حيث تستدفئ العائلة مطمئنة دون أن يستنشق أفرادها السموم ودائما يتدفق الهواء النقي من الخارج إلى الغرفة إلى المدخنة ويخرج حاملا السموم إلى الخارج. وسؤال آخر: لماذا لا يدخل الهواء الخارجي إلى داخل المدخنة ومن ثم إلى داخل البيت محملا بالدخان؟ والجواب أن الهواء الساخن دائما يرتفع إلى الأعلى طاردا من طريقه الهواء البارد. قانون فيزيائي صارم وبسيط لا يتبدل ولا يتأخر وصالح لكل الأزمان والأماكن. ومداخن التدفئة هذه معروفة ومستخدمة قبل أن يعرف الناس هذا القانون الفيزيائي. وفكرة مدخنة الطاقة الشمسية لا تختلف عن مدخنة البيوت إلا أنها لإنتاج الطاقة بدلا عن تصريف الدخان.
بالرغم أن أفكارها الأساسية تعود إلى سنة 1903، فإن المداخن الشمسية (من الآن فصاعدا سأستخدم كلمة المدخنة الشمسية بدلا عن مدخنة الطاقة الشمسية وبنفس المعنى) هي آخر ما أنتجته التكنولوجيا الغربية فى مجال الطاقة بعد نجاح التجارب الميدانية التي أجريت فى عقدي الثمانينيات والتسعينيات. ومواد البناء التى استخدمت فى التجارب الميدانية كانت رخيصة عن قصد وعمد لتقليل الكلفة النهائية للتجارب الميدانية، حيث الغرض والمقصد هو جمع المعلومات والبيانات وليس الإنتاج الاقتصادي. حيث أن التجربة الميدانية الأولى للمداخن الشمسية بنيت سنة 1982 فى أسبانيا بارتفاع المدخنة 195 مترا وقطر الفوهة السفلى 10 أمتار ومساحة البيت الزجاجي 46 هكتار (1هكتار = 10000 متر مربع، أي قطر البيت الزجاجي كان 764 مترا) وكانت القدرة القصوى لهذه المدخنة الشمسية هي 50 كيلو.وات. بحلول سنة 1989، وبعد جمع البيانات المطلوبة، اختتمت التجربة وسرحت المدخنة من الخدمة وهدمت.
مكونات المدخنة الشمسية وعملها وإنتاجها واقتصادياتها
ومكونتها الرئيسية عبارة عن:
-
مجمع الهواء الساخن (Heat Collector) عبارة عن: بيت زجاجي أخضر دائري كبير من ألياف زجاجية شمسية فى منطقة مشمسة قليل الارتفاع فوق سطح الأرض ومحيطها مفتوح من جميع الجوانب لشفط الهواء الجوي إلى داخل البيت الزجاجي.
-
كلما زاد قطر البيت الزجاجي، كلما التقط طاقة أكثر. قد يصل قطر البيت الزجاجي إلى 7 كيلومترا.
-
الألياف الزجاجية، لصناعة البيت، يمكن أن تصنع محليا من الرمل الصحراوي المتوفر فى صحرائنا باستخدام الطاقة الكهربائية.
-
تبنى مصانع الألياف الزجاجية بسواعد عمانية ويشتغل فيها العمانيون من القمة إلى القاعدة.
-
-
يضاف إليه: سرير مائي أسود اللون يوضع على أرضية البيت الزجاجي بعد فرش الأرضية بعوازل حرارية. السرير المائي قد يكون على شكل مخدات مائية سوداء أو أنابيب مائية سوداء، المهم أن تغطي البيت الزجاجي كاملا وبكمية مياه مناسبة. مهمة السرير المائي هو امتصاص وتخزين الحرارة الزائدة نهارا واطلاقها ليلا بحيث يظل البيت الزجاجي حارا طوال النهار والليل، وبالتالي يستمر تدفق الهواء الخارجي البارد إلى داخل البيت الزجاجي ثم إلى المدخنة الشمسية وهو ساخنا. واختيار اللون الأسود للسرير المائي حتى يتم اطلاق الحرارة المختزنة فى الماء رويدا رويدا فيستغرق الليل طولا. ومهمة العوازل الحرارية هو احتفاظ البيت الزجاجي بأكبر قدر من الحرارة فلا تضيع هدرا إلى الأرض.
-
ولا يخفى أنه كلما كان السرير المائي واسعا كلما كانت الطاقة المستخرجة أكثر. قد يصل ارتفاع مخدات أوقطر أنابيب الماء إلى 20 سم.
-
كل بيت زجاجي سيحتاج إلى حوالي 7 مليون متر مكعب من الماء لتعبئته.
-
قد يستخدم الزجاج غير قابل للكسر، بدلا عن الحديد، لصناعة المخدات/الأنابيب المائية.
-
فرصة للصناعة العمانية لتطوير وتصنيع الأسرة المائية والعوازل الحرارية.
-
سيملى السرير المائي بالماء مرة واحدة فقط، إذ أن الماء سيظل متحركا ودائرا بين البرودة والسخونة داخل السرير المغلق دون أن يتبخر إلى الخارج.
-
ونظرا لحركته الدائبة وسخونته الشديدة نهارا وأنه يدور فى دائرة مغلقة لا يتجدد فيه الأكسجين، فلن تتولد الفطريات والبكتريات والطحالب داخل الأسرة المائية. أي أن الماء سيظل نظيفا طبيعيا.
-
-
مدخنة عالية على شكل مخروط مفرغ من الداخل دائري توضع وسط البيت الزجاجي فوهتها السفلى مفتوحة عدة فتحات على داخل البيت الزجاجي لشفط الهواء الحار من البيت الزجاجي إلى داخل المدخنة، ويكون اتجاه دفقان الهواء دائما فى اتجاه واحد من الفوهة السفلى إلى الفوهة العليا الخارجية للمدخنة. والبيت الزجاجي كابس على أعلى الفوهة السفلى بعوازل حرارية. من المهم أن تبنى المدخنة من الداخل بطريقة انزلاقية وتدهن بطلاء انزلاقي وذلك لتقليل معامل الاحتكاك بين الهواء والجدار الداخلي حتى يحتفظ الدفق الهوائي بأعلى سرعة ممكنة نتيجة فروقات درجة الحرارة ولا تضيع الطاقة الحركية للهواء هدرا احتكاكا بجدار المدخنة. قد تزيد فروقات درجات الحرارة فى الشتاء داخل المدخنة والحرارة الخارجية (سأثبت فى هذه المقالة درجة حرارة الجو الخارجي على 30ْ درجة مئوية صيفا شتاء) عن 20ْ درجة مئوية كما أن سرعة الهواء داخل المدخنة قد تزيد عن 60 كم/الساعة. ولذلك، وباتخاذ اجراءات السلامة والحيطة بسيطة والملابس الواقية المناسبة، يمكن لفريق الصيانة أن يدخل داخل المدخنة ليقوم بأعمال الصيانة والإصلاح اللازمة دون توقيف المدخنة.
-
كلما زاد ارتفاع المدخنة، كلما زادت كمية الطاقة التى يمكن استخراجها. قد يصل ارتفاع المدخنة إلى 1000 مترا.
-
الأسمنت المقوى والحجارة العمانية سيستخدمان بكثافة كمكون رئيسي لهذه المداخن وهي فرصة للصناعة عمانية.
-
من منا لا يعرف طول برج خليفة فى دبى (الأطول فى العالم حاليا).
-
“اطلبوا العلم ولو فى الصين”: من منا سمع عن صناعة الأبراج السكنية/التجارية. حيث تمكن الصينيون من صناعة برج قصير بارتفاع 70 مترا فى المصنع على شكل قطع ثم تم تركيب/تجميع البرج فى موقع البناء فى 34 يوما فقط لا غير. ويخططون لصناعة أبراج أعلى وتركيبها/تجميعها فى مواقعها فى فترات قصيرة قياسية (هذه الأبراج سترتفع فى موقع البناء بمعدل 5 أدوار فى اليوم الواحد وستكون بارتفاعات شاهقة تزيد عن 1000 مترا ويستغرق تركيبها/تجميعها فى الموقع أقل من سنة واحدة).
-
-
توربينات هوائية مغلفة داخل أنابيب ومثبتة داخل المدخنة على محور واحد تعمل بمبدأ فروقات الضغط (وليس بمبدأ سرعة الهواء – تفاصيل تقنية لن أفصل فيها هنا).
-
كلما زاد عدد التوربينات كلما ازدادت الطاقة الكلية المستخرجة.
-
كلما كان طول شفرة التوربينة أطول، كلما زادت سرعة دوران التوربينة وازدادت الطاقة الحرارية.
-
هنا توجد فرصة أخرى لصناعة التوربينات محليا وقطع غيارها وزيوت التشحيم.
-
من منا رأى طواحين الهواء الخشبية الهولندية لشفط مياه الترع والأنهار إلى المزارع. هي تعمل بمبدأ سرعة الهواء.
-
-
مولدات كهربائية: توصل جميع التوربينات بمحركات لتحويل الحركة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية نظيفة دون مخلفات دخانية فى محطة توليد الكهرباء.
-
وهنا فرصة للصناعة العمانية لصناعة المولدات/المحركات الكهربائية وقطع غيارها وزيوت التشحيم.
-
فرصة لتشغيل عمالة عمانية وطنية فى مجال صيانة واصلاح المحركات/المولدات الكهربائية.
-
لتوفير المصاريف التشغيلية، هنا فرصة لتجميع وادماج عدة مداخن شمسية فى محطة كهربائية واحدة.
-
-
غرفة تحكم مركزية لإدارة العمليات أوتوماتيكيا.
-
لتوفير المصاريف التشغيلية، هنا فرصة ادماج التحكم لعدة مداخن شمسية فى غرفة تحكم مركزية واحدة.
-
فرصة لتشغيل عمالة عمانية وطنية فى هذه الغرف.
-
ولنا عودة فى الجزء الثانى من المقالة لنرى كيفية عمل المدخنة الشمسية ونتائجها المبهرة.