** هذه هي ملخص دراسة حصل بموجبها الكاتب على الماجستير من قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس في 2013م.
ملخص الدراسة
تعتبر القبيلة إحدى المكونات الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي عامة والمجتمع العماني خاصة، وقد لعبت القبيلة العمانية دوراً بارزاً في الأحداث التاريخية طوال التاريخ السياسي لعمان، وهي قطب مهم، ولاعباً رئيساً في التاريخ السياسي، منذ هجرات القبائل العربية إلى عمان، وخلال العهد الأسلامي، ثم في العصر الحديث خاصة مع ظهور الدولة البوسعيدية عام 1157هـ/1744م، وتعرضت عمان إلى تدخلات خارجية، تمثلت في التدخل السعودي، ومهدت اتفاقية عام 1212هـ/1798م الطريق للنفوذ البريطاني في عمان كذلك كانت تلك الاتفاقية تمهيداً لسلسلة من الاتفاقيات والتعهدات بين بريطانيا والدولة البوسعيدية.
تقتصر هذه الدارسة على الفترة الزمنية الممتدة من 1218هـ/1804-1305هـ/1888م بهدف إلقاء الضوء على دور القبيلة في هذه الفترة الزمنية المهمة من تاريخ عمان، والتي تبدأ بعام 1218هـ/1804م وهو العام الذي تولى فيه السيد سعيد بن سلطان بن أحمد البوسعيدي السلطة في عمان، وفي عهده شهدت عمان كثيراً من المنعطفات التاريخية على المستوى الداخلي، وعلاقته بالقبائل العمانية، حيث توترت علاقته بالقبائل الغافرية التي تحالفت مع السعوديين حيث بلغ النفوذ السعودي ذروته خلال العقد الأول والثاني من القرن التاسع عشر، وتنتهي فترة الدراسة في مرحلة مهمة من مراحل التاريخ العماني، وتتمثل في نهاية حكم السلطان تركي بن سعيد في عام 1305هـ/1888م.
يعتبر السلطان تركي آخر حكام الدولة البوسعيدية يأتي إلى السلطة بدعم قبلي، ومع نهاية عهده توقفت النزاعات الأسرية حول السلطة، كذلك كان عهده بداية للتدخلات البريطانية المباشرة في الأوضاع السياسية العمانية، وقدمت بريطانيا الدعم المادي والمعنوي للسلطان ضد الثورات القبلية التي كانت موجهة ضد السلطان تركي، وخاصة تلك الثورات التي انطلقت من الشرقية، وشهدت هذه الفترة الزمنية العديد من التقلبات السياسية على المستوى الداخلي، تمثلت في الثورات ضد السلطة الحاكمة، حيث رفض الغافرية الاعتراف بإمامة عزان بن قيس، مما أدى إلى العديد من المواجهات العسكرية أدت في النهاية إلى سقوط الإمامة، وعلى مستوى العلاقات الخارجية مع القوى الإقليمية والأجنبية، منها في ذلك الوقت بريطانيا والسعوديين، حيث ساهم توتر علاقة الغافرية بالسيد سعيد بن سلطان ورغبته في القضاء على الشخصيات القبلية البارزة أمثال الشيخ محمد بن ناصر الجبري، وزعماء اليعاربة في نخل إلى تحالف الغافرية مع السعوديين، وكذلك أدى التدخل البريطاني تجارياً وسياسيا وعسكريا إلى مواجهات مع القبائل أمثال آل سعد وبني بوعلي، الأمر الذي شجع الباحث لمحاولة استخلاص الدور القبلي للوضع السياسي في عمان في الفترة الزمنية التي تتناولها هذه الدراسة.
أهمية الدراسة
إن الفترة الزمنية 1218هـ/1804-1305هـ/1888م التي تتناولها الدراسة تعتبر من أهم فترات التاريخ العماني الحديث، ففيها بدأت التدخلات الخارجية، والتي أنهكت الوضع السياسي في عمان، وأثرت على الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع، وظهرت عوامل داخلية وخارجية أثرت في التحالفات القبلية، منها النزاع على السلطة داخلياً، وتدخل القوى الأجنبية كلها مؤثرات تحتاج إلى المزيد من تسليط الضوء عليها، وفهم علاقة القبيلة بهذه المؤثرات السياسية.
ومن جهة أخرى حظيت القبيلة في عمان ببعض الاهتمام من قبل الباحثين الأجانب وخاصة البريطانيين، والذي بكل تأكيد مرتبطين ارتباطاً وثيقا بالمصالح الرسمية لبريطانيا، إلا أنها لم تحظ باهتمام كاف من قبل الباحثين العمانيين، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر آمل أن تكون هذه الدارسة دافعاً للباحثين في دراسة دور القبيلة السياسي في مختلف مراحل التاريخ العماني، كذلك تعد القبيلة نفسها نظاماً مستقلاً ولا بد إن يكون لها دور واتصال لتنظيم الحياة السياسة، وإنها جديرة بأن تلعب هذا الدور، فالملاحظ أن شكل الولاء السياسي للقبيلة ليس ثابتاً بل يتغير وفق الظروف والمعطيات السياسية، ومدى تأثير تلك العلاقات على استقلال القبيلة، وبالتالي تحتاج إلى المزيد من الدراسة من أجل الوصول إلى فهم أوسع ومعرفة واضحة لدور القبيلة السياسي.
إضافة إلى عدم وجود دراسة علمية –حسب علم الباحث- حتى اليوم تناولت دور القبيلة في الحياة السياسية وطبيعة هذا الدور، وفهم طبيعة علاقة القبيلة العمانية بالقوى السياسية داخلياً وخارجياً المتمثل في مراحل الوفاق والصدام، ولهذه الأهمية اختار الباحث هذا الموضوع.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية :
-
الكشف عن طبيعة العلاقة بين القبيلة وحكام الدولة البوسعيدية.
-
التعرف على الأسباب والعوامل التي أدت بالقبيلة إلى الصدام أحياناً والوفاق أحياناً أخرى مع السلطة المركزية.
-
التعرف على التدخلات الخارجية وأثره على علاقة القبيلة داخلياً، ومواقف القبائل من تلك التدخلات.
-
إبراز الدور الفاعل للقبائل العمانية في السياسة.
منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي الوصفي التحليلي، حيث سيتم وصف الأحداث السياسية الداخلية، والناتجة عن التدخل الخارجي، وتحليل مجمل الاسباب التاريخية.
محتويات الدراسة
قسمت الدراسة إلى أربعة فصول وتمهيد وخاتمة؛ تناول التمهيد جغرافية عمان، والأوضاع السياسية والقبلية قبيل فترة الدراسة، وناقش الفصل الأول طبيعة القبيلة العمانية وجذور الانقسام القبلي في عمان، ومظاهر سلطة القبيلة، بالإضافة إلى الانتماء السياسي لكل قبيلة من حيث التحزب الغافري والهناوي.
في حين يركز الفصل الثاني على علاقة القبيلة بحكام الدولة البوسعيدية، والثورات القبلية التي ظهرت ضد أولئك الحكام، وخصص الفصل الثالث لعلاقة القبيلة مع نظام الإمامة والمتمثل في محاولات إحياء نظام الإمامة في عهد السيد سعيد بن سلطان والسلطان تركي بن سعيد، وموقف القبائل من إمامة عزان بن قيس عام 1285هـ/ 1868م ودورها في سقوط الإمامة.
ويعالج الفصل الرابع التدخلات البريطانية في عمان، سياسيا واقتصاديا، لحماية الطبقة الاقتصادية (البانيان) التي ارتبطت ببريطانيا سياسياً واقتصاديا، ومدى تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية للمجتمع العماني، وتحليل موقف القبيلة العمانية من هذا التدخل، وما نتج عنه من صدام مع بعض القبائل العمانية، إضافة إلى مناقشة طبيعة الحملات السعودية على عمان، وموقف الهناوية والغافرية من تلك الحملات، وانتهت الدراسة بخاتمة أوضحت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة.
تحليل المصادر ذات العلاقة المباشرة بالبحث
اعتمدت الدراسة على العديد من المصادر الهامة سواء المتعلقة بالأحداث التاريخية التي لها علاقة بفترة الدارسة أو بالمصادر التي بحثت في تقسيمات القبائل العمانية. ومن ذلك ما يلي :
-
مؤلفات ابن رزيق، حميد بن محمد (ت: 1290هـ /1873م ). خاصة الصحيفة العدنانية، مخطوط يوجد صورة منه بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي، والفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين. تحقيق: عبد المنعم عامر ومحمد مرسى عبد الله، ط 5، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2001م. يعتبر ابن رزيق من أهم المؤرخين والمعاصرين الذين أرخوا للدولة البوسعيدية، وأهم الأحداث التاريخية إلى نهاية حكم السيد سعيد بن سلطان، وانفرد ابن رزيق في توثيق الأحداث التاريخية التي عاصرها بكثير من التعمق والتفاصيل، لكونه مقربا من صناع القرار في تلك الفترة التي أرخ لها، والتي تشملها فترة الدراسة. بما يجعله مصدراً هاماً في إيضاح العديد من الأحداث المتعلقة بالدراسة.
-
السالمي، عبد الله بن حميد (ت: 1332 هـ / 1914 م ). تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان. مكتبة الإمام نور الدين السالمي، السيب: 1993م، ويعتبر السالمي مؤرخاً وعلامة وسياسياً يحمل أراء ومواقف سياسية اتجاه الحالة السياسية التي مرت على عمان خاصة الفترة الزمنية التي عاصرها أو عاصر المعاصرين لها، وعاصر بعض الشخصيات التي لعبت دوراً في الأحداث التاريخية في عمان، وتلك الشخصيات اعتمد عليها السالمي في تأليف تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، الأمر الذي يجعل لكتاب تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان، أهمية كبرى في فهم طبيعة الأحداث التاريخية والمتعلقة بفترة الدراسة.
-
مايلز، الكولونيل.الخليج بلدانه وقبائله، تأتي أهمية كتاب مايلز، كونه من أوائل الكتب التاريخية التي تطرقت إلى دور القبيلة في عمان، حيث يقدم الكتاب الكثير من المعلومات الهامة حول التقسيم القبلي في عمان والذي يعرف باسم الغافري، والهناوي، والتوزيع الجغرافي للقبائل العمانية، إضافة إلى ذلك عمل مايلز وكيلاً سياسياً في عمان، ولعب دوراً في الأحداث التاريخية المتعلقة بفترة الدراسة وخاصة في التوفيق بين السلطة والقبائل العمانية من جهة، ومن جهة أخرى بين بعض القبائل العمانية وبريطانيا. مما يجعل لكتابه أهمية في فهم الأحداث السياسية التي تطرق إليها وعلى علاقة مباشرة بفترة الدراسة.
-
لوريمر،ج.ج. السجل التاريخي للخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية.ظهر الجزء الجغرافي منه عام 1909م، والجزء التاريخي في عام 1915م، وكان توزيعه محصوراً منذ ذلك الوقت على موظفي السياسة البريطانية، وعد وثيقة سرية لا يجوز الاطلاع عليها حتى سنة 1965م. والكتاب غني بالمعلومات ذات الصلة بدراستنا، خاصة فيما يخص بالتوزيع الجغرافي للقبائل العمانية وإمكانياتها الاقتصادية.
-
Belly. Records of Oman.سوف يعتمد الباحث على مجموعة من الوثائق، خاصة وثائق وزارة الخارجية البريطانية المتعلقة بعمان، والتي نشرت في سلسة من المجلدات قاربت عشرين مجلدا وسميت بسجلات عمان Records of Oman .وهي عبارة عن تقارير إدارية إلا أنها تحوي الكثير من الوثائق العربية والتي لها علاقة بالأحداث التاريخية المتعلقة بفترة الدراسة، خاصة المجلد الثاني من السجلات.
-
الحارثي، محمد بن عبدالله. موسوعة عمان الوثائق السرية.مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت عام 1997. وهي عبارة عن ست مجلدات ورغم اهمية المجلدات الست إلا أن المجلد الأول هو الذي له علاقة بفترة هذه الدراسة لما يحويه من وثائق عربية وتقارير بريطانية حول القبائل العمانية وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ويبلغ عدد الوثائق العربية الواردة في المجلد الأول من هذه الموسوعة أربعة وعشرون وثيقة، إضافة إلى وثائق الساسة البريطانيين، وبالتالي يعتبر هذا المجلد معيناً في فهم طبيعة الأحداث التاريخية في عمان ذات الصلة بفترة الدراسة.
خاتمة الدراسة
شكلت النزاعات الداخلية حول السلطة، والتدخلات الخارجية من القوى الإقليمية والدولية طبيعة التاريخ العماني منذ نهاية دولة اليعاربة وخلال القرن التاسع عشر، فكانت القبيلة أحد اللاعبين الرئسيين في هذه الأحداث سواء من حيث دورها في دعم سلاطين الدولة البوسعيدية، وإضافة إلى مواقفها من محاولات إحياء الإمامة خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ومواقفها من إمامة عزان، كذلك من خلال مواقفها من القوى الإقليمية والدولية والتي تمثلت في النفوذ السعودي والبريطاني، تناولت هذه الدراسة طبيعة دور القبيلة في تلك الأحداث، وتم التوصل إلى العديد من النتائج من أهمها:
-
أوضحت الدراسة طبيعة الانقسام القبلي في عمان، وتفاعل فئات المجتمع العماني مع ذلك الانقسام، حيث رفض بعض العلماء والمؤرخين هذا الانقسام أمثال الشيخ نور الدين السالمي، وايضا أوضحت الدراسة مظاهر سلطة القبيلة المتمثلة في ملكية الأرض، وبناء الحصون، والأحلاف القبلية.
-
كشفت الدراسة مساهمة القبائل خاصة الغافرية في مواجهة السيد قيس بن الإمام الذي كان يطمح في إزاحة أبناء أخيه من مسقط، حيث كان للغافرية الدور الأكبر في حماية مسقط من السقوط في يد السيد قيس، كذلك ساهمت الغافرية فيما بعد في وصول السلطان تركي إلى السلطة عام 1287هـ/1871م.
-
بينت الدراسة أن سياسة السيد سعيد بن سلطان ورغبته في القضاء على زعماء القبائل سواء كان عن طريق الاستيلاء على الحصون التي تحت إدارتهم أو من خلال الزج ببعض الزعماء في السجن، فكانت عوامل للمواجهات بين غافرية وادي سمائل بزعامة الجبور، واليعاربة في نخل، مما دفع الغافرية إلى التحالف مع السعوديين.
-
أوضحت الدراسة إخفاق إمامة عزان بن قيس في التعامل مع القبائل، خاصة سياسة الإمامة ضد القبائل مثل؛ الإجراءات الاقتصادية، ومحاولة القضاء على استقلال القبائل، وسجن العديد من زعماء القبائل، كانت عامل من عوامل سقوط إمامة عزان ومقتله.
-
توصلت الدراسة إلى أنه لم يكن للعامل المذهبي دور في تحالف الغافرية مع السعوديين، إنما الأمر كان لأسباب سياسية، ومرتبط بعلاقة القبائل بسلاطين الدولة البوسعيدية، وكذلك بالنزاع القبلي الداخلي، حيث كان أغلب تحالفات الغافرية مع السعوديين من أجل مناصرتهم في حروبهم القبلية، كذلك كانت قوة النفوذ السعودي مرتبطة ارتباطا وثيقا بموقف الغافرية.
-
أبرزت الدراسة طبيعة موقف القبائل العمانية من النفوذ البريطاني سياسيا واقتصاديا، وتمثلت تلك المواقف في هجمات ضد المصالح البريطانية، خاصة السفن واعتداءات ضد رعاياها في عمان، كصور من صور المقاومة الشعبية ضد التدخلات الخارجية، إضافة إلى المعارضة الشديدة التي واجهت السلطان تركي، والتي كانت نابعة من علاقاته الوطيدة ببريطانيا.