اضراب المعلمين العمانيين 2013م

كتب بواسطة إبراهيم بن سعيد

لا يكاد يخلو بيتٌ عماني من معلم أو معلمة، يعود ذلك لسياسات قديمة جعلت مهنة المعلم واحدة من أكثر المهن رواجاً في عمان، وتم تناقل تلك المهنة بين الأجيال المختلفة، حيث كان لشرف مهنة المعلم وتقديرها في أوساط المجتمع دورٌ كبير في جعل التعليم واحداً من اكثر القطاعات التي تستقطب الشباب العمانيّ. لكن يبدو أن الأمر اختلف نوعاً ما اليوم.

احتجاجات المعلمين المستمرة تقول أن المهنة لم تعد جذابة كما كانت، وأشهر الاحتجاجات السابقة كانت حادثة هجوم معلم مسلح على مكاتب التربية بمسقط واطلاق النار عشوائياً ثم الانتحار 2005م، فضلاً عن احتجاجات الربيع العماني 2011م حيث كان أشهرها تعرض احتجاج المعلمين أمام إحدى إدارات التعليم للفض بالقوة على يد رجال الأمن في أكتوبر 2011م، الأمر الذي لاقى استهجاناً واستنكاراً شديداً من الرأي العام يومها وتلى الحادثة إضراب جزئي، ومن جديد ها هم المعلمون يُعلنون اضرابهم العام الأول، في طريقة احتجاج جديدة في الأول من أكتوبر هذا العام2013م.

الاضراب يواصل عملية احتجاجات متواترة في عهد الوزيرة الأولى التي تعود جذورها للقطاع التربوي نفسه مديحه الشيبانية حاملة شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا، فالوزيرة معلمة سابقة تعرف بواطن العملية، قبل أن تصبح وزيرة للتربية والتعليم في 2011م، في ظرف دقيق وحساس، جعلها في مواجهة نتائج السياسات التربوية السابقة، مع تركة ثقيلة، لكن يبدو أن ذلك لا يشعرها بالإحباط ففي ظهورها التلفزيوني الأخير، والذي لم يكن مقنعاً للمضربين، كانت مليئة بالعزم والتصميم على تجاوز العقبات، وشرحت إنجازات وزارتها والحلول المنتظرة مع قانون التعليم المنتظر بكثير من الثقة. وهي شخصية تكسب الكثير من التعاطف حتى من المضربين أنفسهم، الذين يضيفون أن الأمر يتجاوز صلاحياتها.

 

لماذا يضرب المعلمون العمانيون؟

رغم كثرة وقدم المطالبات المنشورة على برامج التواصل المختلفة، أو ما يعرف بالإعلام الجديد، لكن يبدو أن كثرتها تعبير عن كمية السخط، وعن تراكم المطالبات مع الزمن، أما ما يبدو أكثر الطلبات إلحاحاً فهي زيادة علاوة التعليم، والتسريع في الترقيات، اضافة للطلب الأكثر أهمية وهو نقابة المعلمين، وهو مطلب قديم يعود ليلح ويفرض نفسه على المعلمين الذين يعانون من غياب التنسيق العام لحركتهم، ومن غياب الممثلين، والأمر نفسه ينطبق على قطاعات مهنية أخرى لا يوجد لديهم نقابات أو جمعيات تمثلهم وتمثل مطالبهم، خاصة مع كثرة المعلمين وتزايد أعدادهم.

يبدو واضحاً أن المعلمين لم يعد بمقدورهم تحمل المزيد من التسويف والتأجيل وسياسات الأمر الواقع، مع استمرار ضغط العمل والمهام الزائدة على عاتق المعلم، وتحميله وحده مسئولية ضعف المستوى الطلابي، يتضح ذلك في الانتشار السريع الذي شهدته حركة الإضراب في معظم المدارس العمانية ما يمكن عده مؤشراً قوياً لحجم المعاناة التي يشعر المعلمون أنهم واقعين تحت وطأتها.

لم يفلح الظهور التلفزيوني للوزيرة في امتصاص الغضب، وزاد الغضب التجاهل الإعلامي الذي تم تسريب أخبار عن تلقيه أوامر رسمية بعدم تغطية الإضراب وتجاهل حدوثه، وهو الأمر الذي يبدو أنه قلب الموازين ضد أهدافه.

إن تاريخ الاحتجاجات لوحده يبين المدى الواسع الذي يعاني منه من يمتهنون مهنة التعليم اليوم، التي لم تعد مغرية كما كانت، وهذا النوع من الأزمات مرشح للتعاظم خاصة مع استمراء نفس السياسات التي يغدو جليا فشلها، سياسات الحل الجزئي والمناورة والتستر والأمر الواقع، فهي ليست حلول بقدر ما هي نفسها مشكلات.

 

الإعلام والنتائج العكسية

الملاحظ حتى الآن انعدام التغطيات الإعلامية المتواكبة مع ضخامة الحدث الذي يهدد بشل حركة التعليم في البلاد، ولا شك بأن له تأثيرات متعددة اجتماعية واقتصادية لاحقة، حتى إن لم تطفو مباشرة على السطح، وبينما كان ينتظر من الإعلام أن يعكس الواقع والحدث ويقوم بدوره في تقريب وجهات النظر ووضع المشكلة على طاولة النقاش العام وتبادل الآراء حول الأزمة، أي أن يكون جزءاً من الحل حدث العكس فتجمّد الإعلام، وظهر خجولاً وخافتاً خاصة بعد أن قامت قنوات أخرى بنشر الخبر، وهو الخبر الذي لم يكن مكتوماً بكل حال من الأحوال في عهد الإعلام الجديد، فضلاً عن انتشار مهنة التعليم، والمؤكد أن الطلبة، أجيال المستقبل، وهم أكبر المتضررين مباشرة من الاضراب: قد بدأوا النقاش حوله. فما كان من الإعلام بتجمده إلا أن ينكشف أمام قطاعات أوسع من الرأي العام، بما فيها الأجيال الجديدة.

تجمّد الإعلام عن التعاطي مع حدث بمثل هذه الأهمية يقطع حتى فرص الحلول الممكنة إعلامياً، لإن الإعلام ليس مجرد بوق للسلطة بل هو أيضاً وسيلة حل وخلخلة لكثير من الأمور المتجمدة. هكذا تواصل شعور المعلمين بالتضليل وعدم الأهمية الذي تعاملهم به الدوائر الرسمية في تعامي الإعلام، والذي معظمه حكومي أو يدور في فلكه بالقوة، وذلك ما جعل الإضراب يتنامى، بدل أن يخفت، وزاد الطين بلة بدل أن يجففه، وهو ما انعكس في الأسبوع الثاني من الإضراب حيث انضمت مدارس ومعلمون جدد للإضراب، والذي يبدو، إذا لم يتم تدارك الأمر، أنهُ يأخذ طريقه ليغدو اضراباً عاماً.

 

اللاعب الجديد في النظام:

إضراب المعلمين هذا العام يؤكد وبقوة على بروز وتعاظم دور اللاعب الجديد في لعبة النظام العام، وهو الرأي العام، وهو نفسه اللاعب الذي كانت السلطة (الرأي الرسمي) لا تريد أن تقاسمه شيئاً من امتيازاتها إلا كمنة ونعمة تهبط من فوق، لكن ما يحدث هو أن اللاعب الجديد الذي برز منذ 2011م لديه استراتيجيات متعددة وطرق كثيرة لبلوغ أهدافه وفرض نفسه كمُوجهٍ للنظام العام، أو على الأقل كقطب محترم احتراماً حقيقياً لا احتراماً شكلياً كما جرت عادة السلطة قبل ذلك.

ففضلاً عن إضراب المعلمين، حدث إضراب آخر هذا العام في قطاع المطارات، وتم حله بتسريح العاملين العمانيين وإحلال وافدين، وتجري مؤخراً محاكمة طالب المعمري عضو مجلس الشورى بتهمة التجمهر والتحريض، وهي تهمة جرى استخدامها منذ العام الماضي لكبح حركة الاحتجاجات بشكل شبه قانوني، إضافة إلى اعتقال عدة نشطاء رأي هذا العام وأفرج عنهم فيما بعد، فضلاً عن قضية الوقفة الاحتجاجية في العام الماضي والتي انهاها بداية هذا العام صدور عفو سلطاني.

هكذا يبدو العام العماني 13 في مناخ غير ساكن سكون البحر العماني كما يبدو في الصباحات المسقطية في هذا الوقت من السنة. وهكذا يبدو ظهور اللاعب الجديد محركاً لكثير من الرواكد، ومصرّاً على فتح عدد متزايد من القنوات المسدودة، ومبشراً بحركة أكثر ديناميكية وحيوية، وبزمن من الواضح أنهُ لن يبقى متجمداً. بل يعج بأمواج جديدة من المد والجزر دونما توقف. وبحيوية بحر. فهل تفلح عملية إلقاء الكتل الخرسانية الرسمية أمامه؟!

 

العدد الثاني والاربعون سياسة

عن الكاتب

إبراهيم بن سعيد