الزهرة الأخيرة

كتب بواسطة مالك المسلماني

رداً على “اعتذار متأخر للأستاذ حمد الراشدي

الكاتب زاهر المحروقي كاتب جميل أفرزته تجربة طويلة وثقافة واسعة مكنته من التصدي لرصد العديد من المتغيرات والحالات والتحولات التي يشهدها الموقف الاجتماعي والسياسي في عمان بإلتقاطات ماهرة وحاذقة مما خلق لمقالاته صدى واسعاً ليس على المستوى الخاص بل تجاوز ليحقق المعادلة الأصعب في إشباع رغبة الجمهور العام واحترام عقل النخب.

أنا هنا لست بصدد الرد على ما جاء في ذكر الأستاذ الراشدي فالكاتب كان أكثر مني قرباً له (جغرافياً على الأقل) بل سيكون حديثي عبارة عن تساؤلات أطرحها وأبدأها على الفور برأي د. الكيتاني الذي حدد موقفه من رياح التغيير والذي عاد إليه الكاتب ليؤيده.

ما الذي كان يراه د. الكيتاني ولم يلفت انتباه الكاتب زاهر المحروقي آنذاك؟

بل أن وجهتي نظر المحروقي والكيتاني كانتا تعبران عن حالة الوسط الناشط والمتفاعل المنقسم بين متفائل ومتشائم، وعلى ما يبدو أن المتفائلين أعادوا النظر في موقفهم وها هو الكاتب الجميل والنشط زاهر يهدي لنا آخر زهراته فهل نعتبرها بمثابة استسلام ودعوة للعودة أو على الأقل الالتفاف للخلف؟

مر بنا الكاتب في اعتصامات ٢٠١١ وحضرت حين ألقى كلمته المرتجلة وكان نقياً شفافاً طرح رأيه بعقلانية ولخص تجربته باحترام شديد لمن حوله متفادياً حالات التشنج التي كانت تعصف بالأغلبية فزاد من ألق اعتصام مجلس الشورى وأهدى لنا أسلوباً تبعه الكثير من بعده من المتحدثين.

إلا أن هناك فرقاً مهماً فيما حدث في تلك الاعتصامات وما يحدث الآن في أسلوب المطالبة بالتغيير فنلاحظ أن سخط الشارع هذه المرة قد اختلف ، ففي 2011 كان الغضب يسمي أسماء بعينها ويطالب باجتثاثها في حين نلاحظ في إضراب المعلمين تقديراً واحتراماً ضمنيا لمعالي الوزيرة مديحة الشيبانية و في تغريده للكاتب المعتصم البهلاني قال فيها

“لا أظن شخصياً أن إنهاء إضراب معلمي عمان بيد معالي الوزيرة أو حتى الوزارة، وأظن أن معاليها من أفضل الأشخاص لإصلاح العملية التعليمية”

وجاءت التعليقات مؤيدةً لرأي المغرد والأمثلة عديدة.

وما يتردد عن هيئة الإذاعة والتلفزيون في وعد الموظفين بالإضراب، طالبت رسائل “الواتسب” بالإطاحة بمسؤولين داخل الهيئة وتعاملت مع رئيسها باحترام بعكس ما حدث أمام مبنى الهيئة في ٢٠١١.

هل معنى ذلك أن الدرس انتهى وأصبح الشارع أكثر وعياً من قبل، وأن ما كان يراه خطأ من الإدارة الداخلية للدولة أو سوء تقدير أو خلطاً بات يراه منهجاً لإنتاج إشكاليات تفيد في تدعيم الصراع الاجتماعي والسياسي والإبقاء عليه؟

إذا كنا نرى أن ما جاء في مقال الكاتب المحروقي في أزمة الإدارة الداخلية بأنها مترهلة تمضي بقصدية غير واعية تماماً فيجب علينا من الآن أن نحضر للاعتذار أيضاً لمعالي د. عبدالله الحراصي ومعالي د. عبدالمنعم الحسني ومعالي الأستاذة مديحة الشيبانيبة وسننتظر قليلاً لنعتذر لمعالي الدكتور أحمد السعيدي.

ألا يمكننا القول بأن الأمن قد تخلى هذه المرة بشكل واضح ومبكر جداً عن الدماء الشابة الجديدة ؟. أليس في تأخر الأمن في إدارة أزمة المعلمين واحتوائها – بالرغم من الإعلان المسبق- خير دليل؟، وفي توريط وزيري الإعلام وهيئة التلفزيون بنشر صور المعتصمين المحكوم عليهم بالسجن برهان آخر على خلق صدام مبكر بين آمال الشباب وحماس الفريق الوزاري الجديد؟

هل مطالبات أو طريقة المطالبات في اعتصام ٢٠١١ لا يراد لها أن تقدم نموذجاً حقيقياً لنهضة عمان ورفعتها وبالتالي لا ضرورة من تكرار تجربة أودت بنا إلى المطالبة باعتذار متأخر؟ أم أننا نؤمن بما قدمه الكاتب في وجود خلل حقيقي في الإدارة الداخلية وما سقته هنا ما هي إلا تكهنات لا تقف على أرضية صلبة.

لا يهم

فكلنا لعمان وكل منا يعبر عن حبه لبلده بطريقته وحسب قناعاته، يظل التفاوت فقط في مقدار نكران الذات.

رأيي خطأ وبانتظار اعتذارات جديدة.

العدد الثاني والاربعون سياسة

عن الكاتب

مالك المسلماني