هديـر الصحـراء .. الحلقة (1)

كتب بواسطة حبيبة الهنائي

سلسلة من اللقاءات مع نساء مناضلات والمدافعات عن حقوق الإنسان

لقد تشرفت مؤخرا بالمشاركة في ملتقى الخط الأمامي السابع للمدافعين عن حقوق الإنسان في العاصمة الايرلندية دبلن، كما تشرفت من خلال ذلك التجمع الدولي  الكبير والمؤثر بمقابلة الطليعة من النسوة المناضلات اللاتي حضرن من مختلف دول العالم. وعليه فقد قمت بإعداد هذه السلسلة والتي تحتوي على قصص كفاح بعض من هؤلاء النسوة، كونه واجب وطني وأخلاقي وانساني؛ فمن خلال إطّلاعنا وتفاعلنا مع قضايانا المشتركة ولمس همومنا وأحلامنا الكبيرة ، نبني علاقة تأخذنا الى ما فيه خدمة للإنسان، بحيث تجسد العمق العربي الفاعل لخدمة الوطن والقضية والرسالة، و تضفي قيمة ومعنى بكل ما يهم الانسان في وطننا الممتد من المحيط إلى الخليج، لكي يربطنا بهذا العالم الواسع والمفتوح، فنبني معا جسورا من الأمل لتعبر بنا نحو مستقبل أفضل.

image00

حواري الأول سيكون مع سيدة مناضلة ومدافعة عن حقوق الإنسان وهي تُعرف في الصحراء الغربية باسم “الغالية عبدالله محمد”، من مواليد 28 مايو 1961، ومسجلة في الوثائق الرسمية بالمملكة المغربية باسم “الغالية دجيمي”، بعد أن فرضت الحكومة المغربية للسكان الصحراويين حمل لقب أو اسم العائلة. و “الغالية دجيمي”، حاصلة على شهادة دبلوم في التقنية الفلاحية، وهي احدى المعتقلات السابقات مجهولي المصير ، وهي أم ومتزوجة من رفيق معتقل سابق. وهذه السيدة المناضلة ذاقت خلال فترة اختفاءها القسري مع المئات غيرها من أبناء شعبها أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي والممارسات المهينة التي تمس بكرامة الإنسان والشرف خصوصا بالنسبة للمرأة، لكنها لم تذعن أو تنكسر؛ فهذه الشخصية الاستثنائية والشجاعة لها مواقف بطولية وصولات وجولات سنتعرف عليها من خلال هذا الحوار:

 

عرفينا بـ إقليم الصحراء الغربية ؟

إقليم “الصحراء الغربية” عبارة عن منطقة ذات مناخ صحراوي تقع شمال غرب أفريقيا وتربطها في الحدود مع المغرب وموريتانيا والجزائر؛ وهناك جزء منه محتل من طرف المغرب منذ عام 1975، وأنا أقيم في هذا الجزء، وهو يمثل حوالي 80% من أرض الصحراء الغربية، وهناك جزء ثاني يقيم فيه نصف شعبي مساحته 20% من الأراضي المحررة عند جبهة بوليساريو ومخيمات اللاجئين على أرض الجزائر. ولهذا فإن إقليم الصحراء الغربية هو إقليم غير مستقل، وهي أرض متنازع عليها بين المغرب وجبهة “البوليساريو، علما بأن السكان الصحراويين هم من الأقليات من بين سكان المغرب.

وما هي جبهة البوليساريو ؟

“البوليساريو” هي جبهة التحرير الصحراوية التي تأسست في عام 1973، تزامنا مع موعد استعداد إسبانيا للإجلاء من الصحراء الغربية، والهدف من تأسيسها هو الإعلان عن رفضها السيادة المغربية على إقليم “الصحراء الغربية، نتيجة المطالب المغربية بذلك في المحافل الدولية. وعلى إثره أعلنت جبهة “البوليساريو” في المهجر قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وذلك بتاريخ 27 فبراير 1976، وأنها تسيطر على 20% من الإقليم المتنازع عليه، وطالبت بالسيادة على كامل أراضي الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة سابقة لإسبانيا. وقامت الجبهة بتشكيل أول حكومة صحراوية برئاسة “محمد الأمين أحمد” في 6 مارس 1976، التي ضمت عددا من الوزارات .

صفي لنا كيف كانت حياتكم في السابق؟

قبل عام 1984، كان إقليم “الصحراء الغربية” عبارة عن منطقة فيها مجموعة من القبائل البدو التي كانت حياتهم حياة رعي وتنقّل من مكان إلى مكان، وهم قبائل من أصول عربية أغلبيتهم يقال بأن أصولهم من اليمن. و أكبر مدنها “العيون”، ويتمركز فيها غالبية السكان، وهي الآن عاصمة الصحراء الغربية ومحتلة من طرف المغرب، وهناك مدينة “السمارة”، وهي العاصمة الثقافية ومدينة “الداخلة” ومدينة “بوجدور”، وكلها تقع في الإقليم المحتل، وللأسف لا توجد لدينا إحصائيات واضحة تبين عددنا الحقيقي، ولكن من خلال تقديري الشخصي أستطيع أن أقول إن عددنا ربما يقترب من حوالي مائة وخمسين ألف مواطن صحراوي، وهو عدد قليل جدا في إقليم شاسع وخيراته وافرة.

وماهي هذه الخيرات ؟

لدينا في الإقليم خيرات وافرة، والكثير منها تستثمرها المغرب، ولا شيء يعود للصحراويين، فمثلا نحن نمتلك شواطئ ساحرة مساحتها حوالي 2000 كيلو متر التي تحتوي على أغنى الأحواض السمكية في العالم، ولدينا أغنى أنواع الفوسفات في العالم وأهمه من حيث المبيعات في المغرب، ويتواجد بالإقليم مخزون احتياطي من البترول والغاز الذي لم يستخرج بعد، كما هناك اليورانيوم والحديد والطاقات النظيفة، كالطاقة الهوائية والشمسية، وكل هذه الخيرات محل النزاع ومصدر لأطماع الغير.

وماذا حدث بعد الانسحاب الإسباني للإقليم ؟

الذي حدث أنه في شهر أكتوبر من 1975، حصلت اتفاقية ثلاثية تنص بموجبها على انسحاب إسبانيا عن الإقليم، وتم تقسيم الإقليم ما بين المغرب وموريتانيا، الجزء الجنوبي وهو “وادي الذهب” لموريتانيا، والجزء الشمالي وهو إقليم “الساقية الحمراء” للمغرب، ومع استفادة إسبانيا من حوالي 30% من خيرات الإقليم لمدة عشرات السنين. كما أن التقسيم مع موريتانيا للإقليم ما بين عام 1975 الى 1978 أنهكت موريتانيا في الحرب، وبالتالي وقّعت موريتانيا اتفاقية سلام مع جبهة بوليساريو، واعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، وتخلت عن الإقليم، لكن ونظرا لتواجد الجيوش المغربية في إقليم “وادي الذهب” أثناء انسحاب موريتانيا عنه، قامت المغرب بضم إقليم “وادي الذهب” إلى حكمها، وبالتالي أصبح كل الإقليم اليوم تحت الإدارة المغربية.

وكيف جاء احتلال المغرب للإقليم الصحراوي؟

عندما جاءت المغرب للإقليم لم تدخل جيوشها إلينا بطرق سلمية، إنما دخلت بقوة احتلال كبيرة، وقامت بتنفيذ العديد من الجرائم البشعة المجردة من الإنسانية مثل الإبادة الجماعية، والاختطاف القسري، والعقاب الجماعي لجميع العائلات الذين أفرادهم توجهوا إلى مخيمات اللاجئين، ومن ثم انضموا إلى الجيش الشعبي لتحرير “الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وقامت تلك القوات بالقتل المباشر وبتسميم الآبار ورمي الناس أحياء من الهيلوكوبترات وترحيل قسري للبدو بمجرد دخولهم للمدن.

و كيف تم اعتقالك؟

في عام 1987، عندما كنت في السادسة والعشرين من عمري كنا وقتها على وشك استقبال لجنة أممية إفريقية، وتلك كانت أول زيارة لها والتي ستشرف على مشروع السلام في الصحراء الغربية، وفكرنا نحن كصحراويين بأن الإقليم يقع تحت التعتيم العسكري والإعلامي ولا أحد يعلم عنا شيئا، فقلنا إن هذه المناسبة وهذا التواجد الدولي هي الفرصة السانحة لنا للتعريف بقضيتنا والقمع الذي نتعرض له بسبب الاستعمار المغربي، ويتطلب منا إبراز قضية مجهولي المصير منذ عام 1975، فلم يكن لأي أحد الحق بالسؤال عن أهله المفقودين وحتى ذاك الوقت من عام 1987، فقررنا الخروج في مظاهرات عارمة تزامنا مع مجيء الهيئة الأممية الإفريقية.

وماذا حدث بعد ذلك ؟

كانت السلطات المغربية أقوى منا ولاستباق الأحداث بدأت بإجهاض الجهود لقيام تلك التظاهرات بفترة أربعة أيام قبل موعد زيارة اللجنة الأممية، حيث قامت باعتقالات واسعة شملت حوالي (500) مواطن صحراوي، وقاموا بتعذيب (400) منهم حتى الموت، ومن ثم تم ارسال جثثهم إلى أسرهم مع رسائل تهديد عبر آثار التعذيب على جثث أحبائهم وتهديدهم من مغبة التحدث مع اللجنة الأممية، بينما احتفظوا بالمائة المتبقية وأنا كنت من ضمن 19 امرأة. وتلك كانت رسالة أخرى مفادها بأن ذلك هو المصير الذي ينتظر كل من سوف يتحدث مع اللجنة الأممية، وهو يا إما التعذيب حتى الموت أو الاختطاف لكي ينضم الى قائمة مجهولي المصير مثل المختفين قسريا منذ عام 1975. وبالتالي تشكل خوف شديد لدى الصحراويين بعد أن مورس ضدهم إرهاب الدولة فاستسلم الناس ولم يتحدث أي منهم أثناء تواجد اللجنة الأممية وحتى مغادرتها. وبالتالي استمر تعذيبنا ومعاناتنا مع الاختفاء وأصبح مصيرنا هو ذات مصير المختفين في عام 1975.

وما هي التهم التي وجهت اليكم ؟

كانت كل التهم المنسوبة الينا تتمحور حول علاقتنا بجبهة البوليساريو وجبهة التحرير الصحراوية، رغم أن هذه الجبهة بجناحيها العسكري والمدني تشكلت منذ تاريخ 10 مايو 1973، ولقد تم إطلاق أول رصاصة بتاريخ 20 مايو من نفس ذلك العام ضد الاستعمار الإسباني. ولقد انطلق ذلك الحراك على خلفية الحراك التحرري الذي كان حاصلا في أفريقيا والعالم العربي، مما تشكل الوعي التحرري لدى الشعب الصحراوي تحت الاحتلال الإسباني، وتلك كانت البداية لمسار نضال الشعب الصحراوي. والذي أود توضيحه بأن جبهة التحرير الصحراوية تشكلت قبل ثلاث سنوات من غزو المغرب، حيث قامت طلائع التحرير بتنظيم مظاهرات كبيرة في عام 1970، وتلك كانت المبادرات الأولى والانطلاقة الحقيقية لحركة التحرير، وأثناء تلك الأحداث سقط شهداء وجرحى وحدث أول فقدانِ مجهولِ مصير وهو “سيدي محمد إبراهيم بصيري”.

ما حقيقة ظاهرة الاختفاء القسري ؟

أحب أن أركز على حقيقة ظاهرة الاختفاء القسري كوني ضحية سابقة من ضحايا الاختفاء القسري، وذلك ما بين سنة 1987 الى 1991 ولحوالي أربع سنوات. وأيضا تم اختطاف أمي من ضمن مجموعة أخرى من الصحراويين منذ عام 1984 وحتى اليوم مصيرها لا يزال مجهولا. وخلال فترة اختفائي وتجربتي مع الاختفاء يعني باختصار لما شاهدت الصور التي خرجت عن سجن “أبو غريب” كانت كلها صورا أنا عشتها في ذاتي، وذكرتني بالذي عشته أنا ورفيقاتي وأخواتي والذي عاشوه من هم قبلي، فمثلا أنا أحمل آثار عض الكلاب على ذراعي وفي ظهري، كما أن شعري سقط من خلال المواد الكيمياوية التي مورست عليّ أثناء عملية الخنق بالخرق الموّسخة، ومن ثم منعنا من الاستحمام لمدة  ثلاثة أشهر و 27 يوما، وذلك لأجل إبقاء آثار هذه المواد على أجسادنا مما أدى لاحقا إلى سقوط شعري أثناء الاستحمام. كما قاموا بتجريدي بصفة كاملة من الملابس وتسليط الأضواء الكاشفة عليّ مع إبقاء العصابة على العينين فقط. وللعلم نحن بقينا معصوبي العينين طوال مدة الاختفاء كلها وهي ثلاث سنوات وسبعة أشهر كاملة إلى غاية أربعة أيام فقط قبل الإفراج عنا، وكنا في ظروف جدا مأساوية، يعني ممنوع الحركة، ممنوع الكلام، ممنوع الذهاب الى المرحاض، نظرا لتواجد المرحاض بخارج الزنازين.

وأين تم اخفاؤكم قسريا ؟

علمنا لاحقا بأن المكان الذي استعملته القوات المغربية كموقع للاختفاء القسري كان على العهد الإسباني حظيرة للخنازير قبل ذبحهم، أما المكان الذي كانوا يذبحون فيه الخنازير ويأكل فيه العساكر الإسبانية فقد استعملوه كقاعة لتعذيبنا وتعليقنا والاستنطاق وإكراهنا على الاعتراف تحت التعذيب. ولقد اكتشفنا لاحقا وبعد الإفراج عنا بأن السبب وراء إبقائنا معصوبي الأعين طوال فترة الاختفاء لأن مجموعتنا كانت مخفية داخل مدينة العيون أي لم يقوموا بنقلنا الى خارج الإقليم.

ثم ماذا حدث لكم ؟

في عام 1991 وعبر ضغوط دولية من قِبل العديد من المنظمات الدولية ك”العفو الدولية” و”فرانس ليبيرتي” تم طرح مشروع للسلام، وقعت عليه جبهة بوليساريو والحكومة المغربية والذي يهدف إلى إجراء استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي لأجل ايجاد حل لهذا النزاع الطويل والمرير. وقامت اللجنة الأممية بإعداد مشروع السلام وكان من ضمن بنوده الإفراج عن المعتقلين السياسيين بحيث يتم تبادل الأسرى ما بين الحكومة المغربية وجبهة بوليساريو وكان أول خطواته هي وقف إطلاق النار ما بين الجانبين والذي تم تنفيذه فعليا بتاريخ 9 نوفمبر 1991. وللمرة الثانية قامت الحكومة المغربية باستباق الأحداث وذلك من خلال إطلاق سراحنا قبل موعد تنفيذ البنود الخاصة لمشروع السلام بأشهر قليلة، وذلك بتاريخ 19 يونيو من نفس ذلك العام 1991. وجاء هذا الإفراج المبكر بسبب إنكار شخص الملك “الحسن الثاني” ولمدة 16 عاما كاملة بأنه لديه مختفين صحراويين قسريا وذلك كلما كان يُسأل من قِبل المنظمات الدولية حول مصيرنا، وعليه تم الإفراج عنا في العتمة بدون أن يعلم عنا أحد مع غياب تام لكافة وسائل الإعلام والخبراء والمختصين والأطباء النفسيين للاستماع الى شهاداتنا. كما تم الإفراج عمن بقي منهم أحياء من المختفين من مجموعة عام 1975 والذي كان مجموعهم (324) معتقل من ضمنهم (78) امرأة. وهذه المجموعة قضت فترة 16 عاما بالاختفاء القسري وبدت أشكالهم وقت الإفراج عنهم  بعد 16 عاما وكأنهم قد خرجوا للتو من القبور بعد أن فقدوا أربعين شهيدا خلال فترة اختفاءهم. ولقد تم نقل هذه المجموعة إلى داخل المغرب في مدينة اسمها “قلعة مجونة” و”أرديس” بشرق مدينة مراكش، بينما قضيتُ أنا ومجموعتي  أقل مدة من الاختفاء القسري وهي ثلاث سنوات وسبعة أشهر وفقدنا من بين مجموعتي أربعة شهداء.

وبعد الإفراج عنكم هل واجهتكم صعوبة في التأقلم ؟

بعد خروجنا وجدنا دعما كبيرا من عند أهلنا واحتضانا من الشعب الصحراوي، رغم أن الدولة المغربية هددت أهالينا بعدم تنظيم أي احتفالات أو مراسم للاستقبال وإخفاء أية مظاهر للفرح وعدم معاملتنا معاملة الأبطال رغم خروجنا أحياء من هذه المحنة القاسية. لكن ورغم كل ذلك؛ لمسنا تعاطفا كبيرا وإن كان بشكل سري وبشكل داخلي بداخل بيوتنا. ولهذا أصبحت معنوياتنا عالية وقررت أنا ومجموعة من رفاقي الذين لم يصبهم انهيار حاد و قوي بمواصلة النضال وتعريف بقية أهلنا والمجتمع الدولي بما حدث لنا أثناء الاختفاء القسري، رغم أن عددنا كان قليلا لا يتجاوز العشرات، بينما فضّل البقية الابتعاد بعد المعاناة الذي عانوها، ولم يكونوا فاعلين، ونقدم لهم العذر، لكنهم كانوا لا يزالون مؤمنين بقضيتنا ويتعاطفون معنا ويؤازرون أنشطة المجموعة.

وكيف واصلتم نضالكم ؟

في عام 1994 سافرت إلى هولندا والتقيت بممثلة منظمة العفو الدولية المعنية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط حينذاك، واسمها السيدة “داناتيلا”، وزوّدتها بالقوائم الخاصة التي كنت احتفظ بها، التي تشمل أسماء المختفين قسريا والشهداء، ومن جانبها عرضت عليّ السيدة “دانتيلا” منحي اللجوء السياسي في هولندا لكني رفضت وأبلغتها بأنني لابد أن أعود الى الصحراء الغربية لأن هذا واجب أخلاقي وتاريخي الذي صممت أنا ورفاقي الخوض فيه، وأن ما نحتاجه هو دعمهم لقضيتنا، وفعلا عدت الى الإقليم بعد انقضاء شهر واحد فقط من العلاج وزيارة والدي.

وهل تكللت مساعيك بالنجاح ؟

نعم قليلا؛ حيث بدأنا في عام 1994 بتنظيم أنفسنا عبر تأسيس لجنة باسم (لجنة التنسيق المنتدبة عن المختطفين الصحراويين المفرج عنهم في عام 1991) وقامت السلطات المغربية بوضع مؤسسي هذه اللجنة وكان عددنا (12) شخصا وأنا من ضمنهم تحت الإقامة الجبرية، بل وفُرض على هذه المجموعة التوجه يوميا الى مراكز الشرطة للتوقيع بأنهم لا يمارسون أية أنشطة سياسية، وكان ذلك حتى عام 1998 عندها تسلل عدد من مؤسسي اللجنة من الصحراء الغربية الى الرباط عاصمة المغرب. ومن الرباط بدأ رفاقي بالتواصل مع مكاتب المنظمات الدولية وعرضوا عليهم الملفات الخاصة للانتهاكات الجسيمة التي وقعت ضد الشعب الصحراوي كما قدموا دعوات مفتوحة لأعضاء هذه المنظمات سواء كانوا مستشارين أو سياسيين أو حقوقيين لزيارة الإقليم لأجل الوقوف عن قرب بحجم المعاناة الذي يتكبدها الصحراويون والاستماع المباشر الى شهادات الضحايا وأسرهم. وفعلا أصبحت هناك زيارات متكررة من قِبلهم كما قمنا بالتواصل مع إخوتنا المغاربة من الإعلاميين والنشطاء من خلال منظماتهم الحقوقية وهم في الواقع لم يكونوا يعلمون شيئا عن هذا الوجه البشع والحقائق المزيفة من وراء احتلال الدولة المغربية للصحراء الغربية. وتلك الجهود أكسبتنا مناصرين جددا من خارج الإقليم، ولمسنا تعاطفا من قبلهم بل وأصبح بعض الصحفيين المغاربة يكتبون المقالات المؤيدة لقضيتنا، لكننا من هنا بدأنا بخوض معارك وتحديات جديدة.

أي نوع من المعارك تقصدين؟

دخلنا في معارك اعلامية واسعة لكي تتقبل جميع وسائل الإعلام الاعتراف بنا وتسميتنا بسكان  الصحراء الغربية، لأنه لم يكن يسمح لهم سوى استخدام اسم “الصحراء المغربية” فنحن الصحراويين لا نعترف بمغربية الصحراء. وبعد جدال طويل انتقلنا للمرحلة الثانية، وبدأت وسائل الإعلام بوصفنا بسكان الصحراء فقط دون أي تحديد، وتلقّب الإقليم بالمناطق الصحراوية. أما اليوم ستجد  قلة من وسائل الإعلام وبعض أصحاب الأقلام الجريئة التي قررت تسميتنا بسكان الصحراء الغربية.

وماهي خططكم المستقبلية ؟

بدأنا منذ بداية عام 2000 بالتنسيق مع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف الذي أسسه المعتقلون السياسيون المغاربة في عام 1998، وعملنا معهم كوننا أيضا من ضمن معتقلي المغرب ونحن اليوم لا نزال بانتظار استخراج ترخيص بتأسيس جمعية صحراوية التي ستضم كل التفاصيل التي تعود خلفيتها للنزاع السياسي في الصحراء الغربية لأننا من ناحية الخلفية السياسية للنزاع نختلف مع الإخوة المغاربة. ومن هذا المنطلق قام في عام 2005 ضحايا مجهولي المصير الأحياء وأسر ممن لا يزالوا مجهولي المصير وأسر الشهداء في المخابئ السرية بتأسيس الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية (ASVDH) والتي تأسست تحت القانون المغربي. علما بأن المؤتمر التأسيسي لهذه الجمعية شهد حضور أكثر من (200) شخص يمثلون الأقاليم المختلفة لإقليم الصحراء الغربية، وأنا أكون نائبة للرئيس في هذه الجمعية.

وما هو وضع السكان الصحراويين اليوم ؟

حياتنا اليوم على مستوى التعليم ضعيف جدا، ونعاني من الفقر وتفشي الفساد الأخلاقي كالدعارة وتعاطي المخدرات وشرب الكحول، كما نواجه مشاكل اجتماعية جمة.

وهل استقرت أحوالك الآن؟

لا بل تعرضتُ للكثير من المضايقات الأمنية، فقد تم مداهمة منزلي لعدة مرات، وكانت هناك محاولة لاختطاف ابنتي عندما كانت في العاشرة من عمرها، ورفعت العديد من الشكاوي لكنها تم اهمالها جميعها.

ومتى تنوي “الغالية دجيمي” بالتوقف عن هذا النضال المرير؟ ألا تشعرين بأن السنين قد أنهكتك ؟؟

أنا امرأة أناضل من أجل رفع الظلم والقناع عن الآلاف من أبناء شعبي وأسعى الى لفت الانتباه الوطني والدولي لقضيتنا، وهذا هو المسار الذي سلكته منذ سنوات شبابي  الأولى، ولن أتوقف عن هذا النضال ما حييت.

 

انتهى.

أجرت الحوار “حبيبة الهنائي”

أثناء المشاركة في ملتقى “الخط الأمامي السابع للمدافعين عن حقوق الإنسان”.

دبلن – أيرلندا / 10 اكتوبر 2013

هنا الرابط للموقع الرسمي للجمعية الصحراوية لضحايا الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: http://trabna.net/ar/?p=2019

العدد الثاني والاربعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

حبيبة الهنائي

كاتبة عمانية