” 1 “
هناك تحديات كبيرة أمام الشباب العربي، وهم مستقبل الأمة في كل مناحي الحياة، لذا فإنّ أي مخطط لتخريب أي أمة ينجح بكل سهولة ويُسر، إذا استطاع أن يفسد المرأة في المقام الأول، ثم الشباب في المقام الثاني، لأنهما عماد أي مجتمع، ومن هنا يجب التركيز على المحافظة على أخلاقيات وهوية الفئتين، إذا كانت الأمة تريد أن تستقيم ويستقيم أمرها، وما حدث في مسيرات الاحتفال بالعيد الوطني من انحلال خُلقي، ومناظر خادشة للحياء، تشمئز منها الفطرة السليمة، وكم كبير من الابتذال الذي يدل على التدني الأخلاقي الذي لا مبرر له، هو مؤشر خطير على ما ينتظر عُمان، ولعل ما حدث كان خيرا حتى تنتبه الدولة، أنّ عماد المستقبل في ضياع، وأنها قد تدفع ثمنا كبيرا مستقبلا إذا لم تركز على إعادة الأخلاق العمانية إلى مكانتها الطبيعية التي عُرف بها العمانيون مدى التاريخ، والحقيقة أن ما حصل من انفلات يحتاج إلى مقالات كثيرة، وهناك غيري ممن سبقني وكتب عن ذلك، لأن مقالي هذا كان مكتوبا منذ فترة طويلة، وإنما أضفتُ فيه هذه الفقرة فقط، وأرى قبل الدخول في الموضوع الأصلي أنّ الوقت قد حان لتطبيق التجنيد الإجباري في السلطنة، كما أنه حان الوقت لإنشاء شرطة “آداب”، ويجب أن لا يغُرّنا ثناء المادحين عن معرقة حقيقتنا، فنحن أعلم بما صارت عليه أخلاقيات شبابنا، والمثير أن ما حصل في تلك المسيرات، أنسى الناس مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني، وانشغلوا بما حدث في الشوارع، إذ صار ذلك حديث الناس في وسائل الاتصال.
” 2 “
منذ فترة حوكم في الأردن، 5 طلاب جامعيين بينهم فتاة بتهمة “إثارة النعرات المذهبية” و”الانتماء إلى جماعة عبدة الشيطان”، والأغرب أن يكون هؤلاء الطلاب من جامعة “آل البيت”، وبحسب لائحة الاتهام، “تربط هؤلاء الطلبة علاقةُ صداقة نشأت عن طريق الـ (فيسبوك)، حيث تناغمت المجموعة فيما بينها على الظهور بمظهر خارجي ولباس واحد أسود اللون، وتعارفوا على تسميتهم بمجموعة عبدة الشيطان”، أما المظاهر التي اتخذوها فهي طول الشعر الأسود والذقن، وسماع أغاني “الميتيل”، واتخاذ الصليب المعقوف والنجمة الخماسية، وإشارة أصابع اليد على نحو معين، الأمرُ الذي أثار حفيظة باقي الطلبة، وقد تزامن ذلك مع العثور على نسخ من المصحف الشريف في عدد من دورات المياه في كلية الاقتصاد التي يدرس بها هؤلاء الطلبة، ونتيجة لذلك فقد حاول عدد من طلبة الجامعة – كوسيلة لمنعهم من الظهور بهذا الشكل – الاعتداء عليهم، الأمر الذي أدى إلى تدخل رجال الأمن وإلقاء القبض عليهم.
وفي السعودية ألقت هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، القبض على 30 شخصا عاريا بينهم شاب سعوديون وأوروبيون، بالقرب من “العُيينة” بالرياض، كانوا يقيمون حفلا مختلطا، فيه طقوس “عبدة الشيطان”، ويطوفون حول النار، وهم عراة مع موسيقى صاخبة.
إن ما حدث في السعودية والأردن، سبق وأن حدث ويحدث في أماكن كثيرة في الوطن العربي وفي الجامعات العربية، لذا كان ذلك جرس إنذار للاهتمام بفئة الشباب، وتأهيلهم التأهيل الجيد، وملء فراغ أوقاتهم بما هو مفيد حتى يكونوا منتجين، ونحن في عُمان لسنا معزولين عما يحدث في الخارج، فبعدم استغلال طاقة الشباب الإستغلال الجيد، ووجود الانترنيت ووسائل الاتصال الحديثة، قد أدخل غزوا فكرياً إلى عقر الدار، فصار هنالك تنازل عن الأخلاق والعادات والتقاليد وتعاليم الدين، ولا يخفى أن هناك جمعيات عالمية تستغل ضعاف النفوس، والمظلومين، أو الذين يعتقدون أنهم مظلومون، وضعيفي المبادئ والإيمان لإقناعهم بأفكار غريبة، تحت مسميات مختلفة، كالحرية، والثقافة الجنسية، والتقدم، والتمدن، وحقوق المرأة، وغيرها من المسميات التي يراد بها باطل.
إن هؤلاء يستقصدون فئة الشباب التي يعوّل عليها الوطن في بنائه، وهي الفئة التي قال عنها “أبو حمزة الشاري” رحمه الله: “وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شباباً؟”، فالرسول صلى الله عليه وسلم قدم شباباً في بداية حياتهم لقيادة المسلمين في بعض المعارك والغزوات، لأنه كان يعلم قيمة وقوة الشباب.
هناك تحديات ومخاطر كبيرة تواجه الشباب، حيث ظهرت جمعيات ومنظمات كمنظمة “فيمن” النسائية التي توحي للعالم بأنها نصيرة للمرأة، وركزت نفوذها على المظلومات – وفق نظرتها- ، فتغلغلت في العديد من الدول بحجة نصرة المرأة المستضعفة، وتعمدت التغلغل للدول العربية من خلال مريضات نفسيا، حيث استغلت المنظمة في ديسمبر 2012 ، الشابة المصرية “علياء المهدي” وأخريات، للتظاهر وهن عاريات أمام السفارة المصرية في السويد، رفضاً للدستور المصري الجديد، وقد كتبت “علياء” على جسدها العاري عبارة “الشريعة ليست دستوراً”، كما أن المنظمة استقصدت التونسية “أمينة تيلر”، بنفس الأسلوب للاحتجاج في اليوم العالمي للجهاد بالصدور العارية، وكأنّ الحرية لا تُنال إلا بالعري!، ولكن بعد شهرين ونصف من الاحتجاز، أعلنت “أمينة” أنها انفصلت عن منظمة “فيمن” النسوية، واتهمتها بمعاداة الإسلام وبتمويل غامض.
ومؤخرا تظاهرت العشرات ممن يُسَمّيْنَ بناشطات منظمة “فيمين” وهن عاريات الصدر، أمام السفارة السعودية ببرلين، لدعم حرية المرأة في السعودية، مبديات اعتراضهن على منع السعوديات من قيادة السيارات، وليس مستبعدا أن نرى مستقبلا، احتجاجات كهذه في أوطاننا، بعد المآسي التي شاهدناها في مسيرات العيد الوطني.
” 3 “
لا يمكن أن نتجاهل بعض المنظمات الخطيرة كفرقة “عبدة الشيطان” التي انتشرت مؤخراً وبقوة, وهذه الجماعة تمثل أحد مظاهر الانتكاسة والبعدِ عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إذ توجهت جماعات من الشباب إلى عبادة الشيطان وتقديسه، مع الاهتمام برقصات غريبة وقصّات شعر أغرب، وذلك ناتج عن الفراغ وعدم استغلال طاقات الشباب الاستغلال الأمثل.
لقد أثار برنامج “خلّنا على بالك” بالإذاعة البحرينية في حلقة جريئة، موضوع “عبدة الشيطان” في البحرين، وتلقى البرنامج ما يقارب من 60 مكالمة، تم بث 40 مكالمة فقط على الهواء، حسب القائمين على البرنامج، وتم حجب 20 مكالمة بطلب من المتصلين لسرية المعلومات التي قدموها، وكانت اتصالات الشباب البحريني الذي يمارس طقوس عبادة الشيطان كثيرة ومن الجنسين من طلبة وطالبات الجامعات والمدارس، كما تلقى البرنامج مكالمات من شباب من الكويت والسعودية أعلنوا أنهم يأتون إلى البحرين للمشاركة في احتفالات وتجمعات عبدة الشيطان، وقد تم في تلك الحلقة الكشف عن الطقوس التي يمارسها الشباب، وتم الإدلاء باعترافات عن هوية أشخاص يحتلون مراكز ومواقع حساسة يشاركون في هذه الطقوس، وتحدّث في الحلقة أفراد شاركوا في الاحتفالات ممن يعملون في فنادق ومدارس وجامعات، كما تم الكشف عن بعض الشخصيات التي ترتاد تلك الأماكن وتستقطب الشباب لتوقعهم في الشباك.
وهناك بعض الأنباء نشرتها مواقع النت، أن هناك نية لإشهار تجمع خليجي لعبادة الشيطان، يكون مقره الرئيسي في البحرين، كما أنّ هناك منتديات خليجية تنادي ب”الإلحاد” علنا، من منطلق حرية المعتقد، فيما تشن معظم منتديات الحوار العربية حربا مذهبية ضروسا بين أبناء الدين الواحد.
لقد فتحت مواقع التواصل الاجتماعي الباب أمام الشباب لأن يتواصل مع الآخر، وهذا بحد ذاته شيء جيد إذا تم استغلاله، لأن المرء يطّلع على ثقافات العالم والشعوب وتجاربهم بكل سهولة ويسر، ولكن السيء أن يتم استغلال الشباب خاصة من المحبَطين، وهم كثيرون جدا في الوطن العربي لاعتبارات كثيرة، فهنالك جمعيات متعددة للانتحار الجماعي، بدأت تنشر وتبث أفكارها ومعتقداتها عبر الانترنيت، وتقصد المحبَطين من الناس، والذين لا يخلو أي مجتمع منهم.
” 4 “
صحيح أن المظهر العام في دول الخليج وبقية الأوطان العربية هو مظهر إسلامي من حيث الشكل، إذ تجد في كل مكان مسجدا، إلا أنّ كل ما هو موجود في أي مكان في العالم هو موجود عندنا، فهناك دور دعارة، وهناك خمارات رسمية، وهناك مخدرات، وهناك كفر وإلحاد، وهناك جرائم، وهناك رشاوي، وهناك اختلاسات، وغيرها من الموبقات في مجتمعاتنا، وفق ما هو واضح في الجرائد التي تكاد لا تخلو يوما منها، لذا فإننا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإمّا أن نواجه وبجرأة الأفكار الدخيلة ونتهيأ ونعُد العدة لها ونحمي شبابنا ونؤهلهم لتحمل مسؤولية الأوطان، أو أن نخبئ رؤوسنا ونتغاضى عنها وننتظر حتى تنفجر الأوضاع، مع التأكيد أن كل هذه المنظمات وكل المخططات لن تنجح أبدا إذا كانت الجبهة الداخلية قوية، وإذا استطعنا أن نعدّ الشباب الإعداد الجيد خلقيا ونفسيا وعلميا وثقافيا ودينيا.
ولقد نادى جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، لبناء الإنسان العماني، فالجزءُ الهام في بناء الإنسان هو بناؤه بأفكار نافعة تفيده وتفيد مجتمعه، لأن الأفكار الهدامة تجعله نبتة سامة ترفضها التربة العمانية، فالمسؤولية تقع على أولياء الأمور، وعلى المدارس والمساجد ووسائل الإعلام، وكافة الجهات الحكومية المعنية بالتدريب وتنمية النشء، وعلى الوعاظ في المنابر أن يحاكوا الواقع بأمثلة عصرية وحديثة، وليخاطبوا القلوب والعقول، لا العقول وحدها، أو القلوب وحدها، لأن التحدي كبير.